ثقافة و فنونعربي صاحبة الفيلم المصري الأول تبكي في المؤتمر السينمائي by admin 14 يناير، 2021 written by admin 14 يناير، 2021 34 عزيزة أمير: يكفيني فخراً أنني ضحية هذا النجاح وقربانه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب “يكفيني فخراً يا حضرات السادة أن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الضحية والقربان”. بعد أن قالت تلك الكلمات استغرقت السيدة في البكاء عاجزة عن أن تكمل حديثها. كان ذلك خلال انعقاد مؤتمر فريد من نوعه في القاهرة حول السينما العربية عام 1936. وكان اسم تلك السيدة عزيزة أمير، التي سيظل اسمها ماثلاً في تاريخ السينما المصرية بوصفها صاحبة الفيلم الأول، الفيلم الذي عرض في عام 1927 ليكون بشكل أو بآخر، أول فيلم روائي مصري طويل، وليفتح الباب أمام صناعة هي حتى يومنا هذا أكبر وأهم صناعة في أي بلد عربي – إذا استثنينا “صناعة” النفط بالطبع – والحقيقة أن كون صاحبة أول فيلم عربي، امرأة، أمر يدفعنا إلى التفكير ملياً في حاضر المرأة العربية في يومنا هذا، وإلى التأمل طويلاً في الأعمال الكبرى التي قامت بها رائدات عربيات، في مصر وخارجها، على مدى عقود القرن الـ20 وما بعده. ومع ذلك، حين كانت عزيزة أمير تشتغل على فيلمها الأول “ليلى” وتسعى لتحقيقه متخطية أعجب الصعوبات في سبيل ذلك، لم تكن تدرك، بالطبع، أنها ستدخل التاريخ من بابه الواسع بوصفها رائدة وصاحبة الفيلم الأول. وحتى حين رحلت عزيزة أمير عن عالمنا يوم 28 فبراير (شباط) 1952، لم تكن مدركة إدراكاً تاماً لفحوى دورها التاريخي الكبير. يتيمة من دمياط كانت عزيزة أمير في الأصل ممثلة مسرحية، ولدت في أوائل القرن الـ20 في مدينة دمياط، واسمها الأصلي مفيدة محمد غنيم. نشأت فقيرة ويتيمة، وكان مُقدراً لها أن تبقى كذلك لولا انتقالها إلى الإسكندرية، حيث قيض لها أن تختلط بالأوساط الأجنبية، فتعلمت مبادئ العزف على البيانو واللغة الفرنسية. ثم كان تعرفها وهي صبية جميلة على شخصية سياسية وأدبية (لم يكشف النقاب عن اسمها حتى الآن كما يبدو)، فرعاها صاحب تلك الشخصية وأخذ ينمي مواهبها، ويعرفها على أوساط الفن والأدب. ويُقال إنه اصطحبها في رحلات تعرفت خلال واحدة منها على المخرج الأميركي ديفيد وارك غريفيت، فكان أن فتنت بالفن عموماً وبفن السينما على وجه الخصوص. في صيف عام 1925 انفصلت عزيزة أمير (وكانت لا تزال تدعى مفيدة) عن تلك الشخصية، فما كان منها إلا أن اتصلت بيوسف وهبي عارضة عليه العمل معه كممثلة في فرقة رمسيس فوافق وأعطاها دوراً أبرزها، وجعلها واحدة من أبرز ممثلاته في ذلك الحين، وهي مثلت معه أدواراً أساسية لكنها مثلت أيضاً مع فرقة أولاد عكاشة، وتربعت على عرش الفرقتين، حتى تزوجت من عمدة صعيدي ثري يدعى أحمد الشريعي، أهداها ذات يوم كاميرا صغيرة راحت تصور بها مشاهد عائلية، ثم قررت أن تنطلق من ذلك المجال العائلي إلى مجال أوسع. لحظة مجد فريدة وأتتها الفرصة حين وصل مصر فنان تركي يدعى وداد عرفي، أقنعها بأن يخوضا معاً تجربة السينما، فحققا معاً فيلماً قصيراً عنوانه “نداء الله” سرعان ما انفردت به عزيزة أميرة محولة إياه إلى فيلم طويل حمل اسم “ليلى”، هو نفسه الذي سيدخل التاريخ بكونه أول فيلم روائي مصري طويل. والحال أن ليلة العرض الأولى لـ”ليلى” كانت لحظة مجد لعزيزة أمير لن تتكرر أبداً، على الرغم من قيامها ببطولة العديد من الأفلام بعد ذلك، لا سيما “بنت النيل” (1928)، و”كفري عن خطيئتك” (1933)، و”بياعة التفاح” (1939). وكانت عزيزة أمير تقوم ببطولة تلك الأفلام وتنتجها بنفسها، وكان أبرز ما حققته من أفلام هو ذاك الذي وقفت فيه إلى جانب نجيب الريحاني، وكان في ذروة شهرته في 1936 “بسلامته عاوز يتجوز”. مهما يكن، نعرف أن النقاش لا يزال حتى اليوم قائماً ومحتدماً من حول التاريخ الحقيقي لعرض أول فيلم روائي مصري طويل، ومن حول تحديد ماهية ذاك الفيلم الذي يمكن اعتباره بحق “أول فيلم مصري” من هذا النوع. وفي انتظار أن يستقر الاختيار على موعد نهائي وعلى فيلم حاسم، يظل المتعارف عليه أن الفيلم المصري الأول هو “ليلى” الذي عرض للمرة الأولى في القاهرة، يوم 16 نوفمبر (تشرين ثاني) من العام 1927، معتبراً بذلك فاتحة ذلك التاريخ الطويل العريض، تاريخ السينما المصرية، التي كانت ولا تزال هي السينما العربية بامتياز، السينما الأكثر اكتمالاً وتأثيراً وحضوراً، في حياة عشرات الملايين من المتفرجين العرب، السينما الوحيدة التي تملك تاريخاً وتراثاً وحضوراً حقيقياً على مدى العقود الماضية من السنين. ما عجز عنه الرجال إذاً يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1927، شهدت قاعة سينما “متروبول” القاهرية العرض الأول لفيلم “ليلى”، الذي كان وداد عرفي التركي قد بدأ تحقيقه، فإذا بإستفان روستي الإيطالي النمساوي اليوناني بحسب “تأكيداته” المتناقضة، يكمله وينهيه، وكان من إنتاج وبطولة عزيزة أمير، التي اعتبرت بهذا الرائدة المصرية الحقيقية للسينما التي حملت بعد ذلك اسـم “سينما هوليوود فوق نهر النيل”. نعرف اليوم، بالطبع، أن أكثر من مناورة ومؤامرة وحكاية كواليس، دارت من حول ذلك الفيلم الأول، وأن ظروفاً عدة كادت تؤدي به لأن يُقطع ويتوقف عن التحقق قبل إنجازه، كما كانت حال المشاريع العديدة التي عاصرته، ونعرف أيضاً أن من حق الشيليين من أصل فلسطيني بدر وإبراهيم لاما، أن يزعما لأنفسهما أنهما صاحبا الفيلم الأول بسبب تحقيقهما “قبلة في الصحراء” في الوقت الذي كانت فيه عزيزة أمير تنتج فيلمها الأول. غير أن هذا كله لا يبدو اليوم مهماً في حسابات تاريخ هذا الفن الذي أعطاه فيلم “ليلى” اندفاعته الحقيقية الأولى. ومن هنا، مهما كان رأينا اليوم في سذاجة حكاية الفيلم وتوجهه العام وميلودراميته الطاغية وخلطه الطريف بين عوالم البدو والحضر والسواح الأجانب في مصر. ومهما كان رأينا في الأداء المسرحي الصارخ الذي طغى عليه، فإن علينا أن نتذكر أن العرض الأول للفيلم في تلك العشية الخريفية في القاهرة، والذي كان من أبرز حضوره الشاعر الكبير أحمد شوقي والاقتصادي اللامع محمد طلعت حرب، الذي حيّا يومها صاحبة الفيلم بقوله علناً إنها “حققت وهي امرأة ما عجز عنه الرجال”، كان الإشارة الأولى إلى ولادة ذلك العالم الغريب، عالم السينما المصرية، السينما التي أسهمت طوال عقود تالية، ليس فقط في الترفيه عن المتفرجين العرب، وفي خلق معادل محلي لهيمنة السينما الإيطالية والفرنسية والهوليوودية على أذواق جماهير السينما في العالم، بل كذلك في خلق ما يمكننا اليوم أن نسميه “طبيعة ثانية” لدى المتفرجين. وحدة عربية سينمائية فقد كانت أفلام السينما المصرية، بغثها وسمينها، بجديّها وهزليّها، بما نجح منها فضرب أرقاماً قياسية، وبما فشل فأحيل بسرعة إلى المستودعات، عاملاً أساسياً في تربية المتفرجين العرب، إلى درجة يمكننا معها أن نقول، إن السينما العربية، أكثر من المحيط العائلي وأكثر من المدرسة وأكثر من أي مكان تربية آخر، أسهمت في تكوين الشخصية (المدينية) العربية طوال أكثر من نصف قرن. أما بالنسبة إلى فيلم “ليلى”، فقد بلغ طوله يومها سبعة فصول، وعرض لأسبوع واحد فقط، لكنه كان نقطة الانطلاق لولادة سينما تراكمت على مر الزمن إنتاجاتها، وعرفت نظام النجوم على أوسع نطاق، وأسهمت، من دون أي عنصر آخر، في خلق نوع من التحلق العربي من حول مصر، وأدت إلى ولادة “لغة” عربية مفهومة من الشعوب العربية كافة: لغة السينما المصرية، التي حلت بالتدريج محل الفصحى كأداة وحيدة للتفاهم بين شعوب، توزعت بهم اللهجات وأبعدتهم عن بعضهم البعض. المزيد عن: السينما المصرية/عزيزة أمير/السينما العربية/فيلم ليلى/مفيدة محمد غنيم/يوسف وهبي/أحمد الشريعي/مصر/القاهرة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post من قرر النصوص التي يجب تضمينها في الكتاب المقدَّس؟ next post الأغنية التراثية الفلسطينية تسرد في غيابها قصص الغابرين You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.