ثقافة و فنونعربي السفير المصري- العثماني الذي ارتبط اسمه بأكثر لوحات العالم إباحية by admin 24 أكتوبر، 2022 written by admin 24 أكتوبر، 2022 18 “خليل بيه” صاحب الأيادي البيضاء على الفن و”يعتبر من داعمي الحرية في فرنسا وأوروبا” اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب هي بالتأكيد واحدة من أكثر لوحات القرن الـ19 جرأة وإباحية. ونتحدث هنا طبعاً عن لوحة “أصل العالم” للفنان الفرنسي غوستاف كوربيه (1819- 1877) رسمها فنان التمرد والكومونة الباريسية في عام 1866، لكن الرجل الذي اشتراها، بل الرجل الذي لم يشترها وحسب بل كان هو من أوصى الفنان على رسمها كما سوف نرى بعد سطور، لم يجرؤ على عرضها، ناهيك بأن الرسام نفسه كان نادراً ما يتحدث عنها وكأنه رسمها ثم نسي أمرها أو على الأقل آثر ذلك. وهي كانت في أي حال حين تُذكر، يشار إليها بوصفها “لوحة خليل بيه” من دون أن يعرف كثر من هو خليل بيه هذا، ولماذا هي لوحته، وإن كان الذين سمعوا بها كانوا يعرفون أنها اللوحة الأكثر فضائحية في ذلك الزمن بل في كل الأزمان، وليس تحديداً لأن ثمة فضائح معينة سياسية أو اجتماعية تحيط بها وتكمن في خلفية وجودها، بل وبكل بساطة لأن ما من معرض يجرؤ على عرضها بسبب ما هو مصور فيها وما من مطبوعة يمكن أن تستنسخها فالرقابات لن تسمح بذلك وستمنع أي صحيفة تنشرها من الصدور. لكن المهم بالنسبة إلينا هنا ليس هذه اللوحة التي يمكننا أن نقول إنها قد زالت كل المحظورات من حولها خلال النصف الأخير من القرن الـ20 وباتت معروضة في مكان بارز في متحف الأورساي الباريسي، حيث لن يكون نادراً أن يشاهد الزائر مجموعة من طلاب مراهقين تصحبهم مدرساتهم يشرحن لهم هذه اللوحة وسط ذهول الصغار أو لا مبالاتهم أحياناً! وتنشرها أمهات الصحف والمجلات والكتب الفنية، بل ما يهمنا إنما هو هوية خليل بيه نفسه وحكايته مع اللوحة. وهو رجل من القرن الـ19 قد لا يعرف عنه حتى غلاة الهواة سوى اسمه إلى جانب كونه تركياً ولد وتعلم وعاش في مصر في بلاط محمد علي باشا قبل أن يلتحق بالدبلوماسية العثمانية وصولاً إلى درجة سفير. ولادة خديوية ولد خليل شريف باشا عام 1831 في القاهرة، المعروفة حينها بمصر العثمانية، في قصر الخديوي محمد علي. وهو ابن محمد شريف باشا، الضابط في الجيش المصري، المولود في كافالا في مقدونيا العثمانية. ولقد تلقى خليل دراساته العليا في المدرسة الحربية المصرية، وهي مؤسسة عسكرية تأسست في باريس عام 1844 بقرار من محمد علي باشا. وتقول سيرة خليل الذي حمل في الخارج لقب بيه، إنه حصل في عام 1855 على المنصب الرسمي الأول له أميناً للمعرض العالمي في باريس. لكنه بعيداً عن العسكرية سرعان ما التحق عام 1856 بالسلك الدبلوماسي التابع للإمبراطورية العثمانية. وكان أحد المفاوضين حول شروط السلام عند نهاية حرب القرم. ثم كان سفيراً في اليونان قبل أن يبعث سفيراً إلى روسيا. وفي المناصب المختلفة هذه، بدأ يجمع الأعمال الفنية مشترياً عشرات اللوحات التي كانت تعرض عليه ليضمها إلى ما كان قد سبق له أن اشتراه في اليونان وروسيا وبلدان أخرى كان يزورها فيستقبل باحتفال محاطاً بأجمل النساء ضيفاً على كبار تلك البلاد وقصورها. هكذا تكونت لديه تلك المجموعة الكبيرة من اللوحات. بيد أنه لم يكتف بذلك بل إنه لاحقاً وقبل عام 1866 بقليل وكان قد عين في السفارة العثمانية في العاصمة الفرنسية لفترة قصيرة من الزمن، راح يوصي عدداً من الفنانين ذوي الأسماء الكبيرة برسم لوحات يقترح عليهم مواضيعها. بل كان في بعض الأحيان يصر على أن تكون خليلته في تلك المرحلة موديلاً للرسام كي ينجز له بورتريهاً لها. وعلى ذلك النحو ولدت تلك اللوحة التي بدأنا بها هذا الكلام، “أصل العالم” التي بعدما سرت تكهنات كثيرة ومتضاربة حول المرأة المرسومة عارية فيها، افترض البعض أنها ليست سوى العشيقة التي كانت ترافق خليل بيه في إقامته الباريسية تلك، جين دي تورباي، سيدة المجتمع التي ستصبح لاحقاً الكونتيسة لوين. إفلاس رجل دولة خلال ذلك كان “خليل بيه” قد تقاعد من منصبه في السلك الدبوماسي بعد أن مكنه منصبه وتعامله في تجارة اللوحات والتحف من الحصول على ثروة كبيرة. غير أن شغفه المزدوج بالنساء والقمار سرعان ما قضى على تلك الثروة، وتراكمت عليه الديون حتى وجد نفسه في نهاية الأمر مضطراً إلى عرض مجموعته الفنية للبيع في مزاد علني أقيم في باريس يوم 16 مايو (أيار) عام 1868 لسداد ديون القمار. ومن الجدير بالذكر هنا أن الكاتب ثيوفيل غوتييه الذي كان على ارتباط بمصر وكتب من وحيها روايته الأشهر “المومياء” كان هو من أعد كتالوغ هذا البيع وكتب المقدمة له معرفاً بـ”صديق فرنسا وصديقي الشخصي” “خليل بيه” الذي “له أياد بيضاء على الفن ويعتبر من داعمي حرية الفن في فرنسا وأوروبا”، كما أشار. اللوحة المحجبة ومن الطريف أن نذكر هنا ما كتبه واحد من الصحافيين من حضور ذلك المزاد يومها من أن اللوحة التي حظيت بالقدر الأعلى من الاهتمام لم تكن سوى “أصل العالم”، على رغم أنها غطيت بستار سميك ولم يسمح لأي من المشاركين في المزاد مشاهدتها. مع ذلك، من دون أن يرى أحد وجه المرأة المرسومة فيها، راحت التكهنات بشأن الموديل تتصاعد حتى استقر الأمر، من دون أن يكون ثمة دليل على صحة هذا التكهن على اسم جين دي تورباي تنافسها جوانا هيفرمان، وكانت كل منهما رفيقة للدبلوماسي المفلس في الآونة الأخيرة. ولكن، منذ أعوام قليلة من الآن أورد الصحافي كلود شوب من الدلائل في كتاب له ما يفيد بأن نجمة “أصل العالم” ليست دي تورباي ولا هيفرمان، بل هي الراقصة في أوبرا باريس كونستانس كوينوا (1832- 1908) التي كانت قد اعتادت في السنوات الأخيرة من حياتها أن تبتسم ابتسامة غامضة كلما سئلت عن علاقتها بـ”خليل بيه”، وتقول “لقد كنا أنا وهو نحب الفن على طريقتنا الخاصة”. ومهما يكن من أمر تبقى كل تلك التكهنات فرضيات. ففي النهاية لا “خليل بيه” تحدث عن تلك اللوحة حتى رحيله في إسطنبول عام 1879 ولا غوستاف كوربيه عاد للحديث عنها وهو الذي صار مناضلاً سياسياً وثورياً أيام الكومونة، معتبراً إياها مجرد “عمل توصية نفذه بناء على طلب جاءه من زبون مميز محب للنساء والوحات لا أكثر ولا أقل”. بل إنه حين أطلق ألكسندر دوما (الابن) في وجهه قفاز التحدي يوماً بسبب خلاف دار بينهما بسبب علاقتهما معاً بالكاتبة جورج صاند، وبسبب علاقته- أي علاقة كوربيه- بـ”خليل بيه”، آثر ألا يستجيب لتحدي مؤلف “غادة الكاميليا” بل يتجاهله… إذ كان يعرف أنه إنما كان يتوخى جره إلى معرفة هوية المرأة الغامضة. سنوات فاضلة أخيرة أما بالنسبة إلى “خليل بيه” الذي بات اسمه مرتبطاً منذ ذلك المزاد الشهير بلوحة “أصل العالم” عاجزاً عن فك نفسه وسمعته عنها، فإنه تمكن خلال السنوات القليلة التي بقيت له من حياته من أن يذهب “بفضائحه القديمة” في مهب النسيان بعض الشيء بعدما بات غير قادر على استعادة ثروته أو مكانته أو أي من عشيقاته السابقات. فهو عاد وعُين سفيراً للدولة العثمانية في النمسا في عام المزاد نفسه، لكنه سرعان ما عاد إلى القسطنطينية حيث ما لبث أن اقترن في عام 1872 بالأميرة نازلي فضل المتحدرة من سلالة أمير عثماني عربي هو محمد الفضل، والتي ستعرف لاحقاً بصالونها الأدبي الذي كان يعتبر في زمنه من أشهر الصالونات النسائية العربية، من دون أن تتمكن من تزيينه بأي من لوحات كوربيه التي امتلكها زوجها يوماً وتسببت له بعضها بالفضائح، لكنها تمكنت من إنقاذه مالياً يوم تراكمت عليه الديون والمصاعب. المزيد عن: غوستاف كوربيه\خليل شريف باش\االدولة العثمانية\جورج صاند\كومونة باريس\محمد علي باشا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا غابت النساء عن مؤتمر الحزب الشيوعي؟ next post موسيقى “الريغي”… أهازيج ألم لسعادة العالم You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024