ثقافة و فنونعربي للحارات شباب يحميها | شهادة by admin 29 مايو، 2021 written by admin 29 مايو، 2021 39 خلقت هذه الحالة اهتمامًا بالغـًا واستفسارات مستمرّة من أهالي الحيّ عن بعضهم بعضًا، ودفعت بعدد كبير إلى الاطمئنان على جيرانه في الطرف الآخر من الحارة… عرب 48 / فسحة ثقافية / جوني منصور كان الأسبوع الأخير من شهر رمضان 2021 مختلفًا عمّا سبقه من أيّام وأسابيع، بل سنوات كثيرة من عمر القضيّة الفلسطينيّة. فمن محاولة الاقتلاع والترحيل لأهالي حيّ الشيخ جرّاح، إلى اقتحامات واعتداءات عنيفة جدًّا على الأقصى المبارك والمصلّين فيه، وصولًا إلى هجمات مستوطنين يمينيّين على الأحياء العربيّة، وحتّى تلك «المختلطة» في المدن الفلسطينيّة في أراضي 48، وأبرزها عكّا ويافا وحيفا واللدّ والرملة، إلى مسلسل الاعتقالات بالجملة لشباب همّه الوحيد أن يقول كلمته الّتي يؤمن بها، وهي الحرّيّة لغزّة، وصولًا إلى الحرب على غزّة؛ علّها تشفي غليل محبّي احتساء دماء الفلسطينيّين من قادة إسرائيل، إلى دكّ إسرائيل برشقات صاروخيّة متطوّرة قضّت مضاجع شرائح واسعة من مجتمعها المُعَسْكَر… والقائمة تطول إذا أردت تبيان الأحداث ومجرياتها خلال هذه الفترة. لكن، ما لفت نظري، بل عشته بنفسي، خبرة وتجربة الحراكات الشبابيّة في عدد من المدن والبلدات العربيّة، وفي مقدّمتها مدينتي الّتي أعيش فيها، عاشقًا لها وقلقًا عليها، حيفا – عروس الكرمل. اجتماع وادي النسناس تكثّفت شبكات التواصل بأخبار وإشعارات متنوّعة، بأنّ المستوطنين سيهجمون على الحارات العربيّة في حيفا، بأعداد أكبر ممّا شهدته المدينة من قبل؛ لهذا، تنادت الحراكات الشبابيّة واللجان الشعبيّة والأحزاب السياسيّة، وكلّ مَنْ يهمّه الأمر، إلى اجتماع شعبيّ عامّ. أوّلًا انعقد الاجتماع الشعبيّ في الحيّ الأكثر شعبيّة في المدينة، وهو حيّ وادي النسناس، بما يحمله من رمزيّة تاريخيّة؛ بكونه أحد الأحياء الّتي شهدت صمودًا متميّزًا ولافتـًا في تاريخ الكفاح الفلسطينيّ، عبر العقود السبعة الماضية. وثانيًا أنّ الاجتماع انعقد في ساحة السوق المركزيّة، وهي في حدّ ذاتها مفارقة قويّة؛ إذ إنّ الالتقاء فيها يكون لأغراض اجتماعيّة عابرة فقط. وثالثًا أنّ المشاركين وقلّة من المشاركات كانوا من الشباب الثائر، ومن عدد من الأطبّاء والمحامين والصحافيّين والأكاديميّين، والعمّال والناشطين السياسيّين، ومديري جمعيّات أهليّة وقيادات شبابيّة. ورابعًا إصرار هذا «الكلّ» على الدفاع عن نفسه؛ الدفاع عن النفس بدون سلاح، وهذا يعني البقاء في البيوت وترصّد أيّ حركة في الحارات والتبليغ عنها. لفت نظري هذا العدد الهائل من الشباب المصرّ على التمسّك ببقائه في الحارة، ورفض أيّ فكرة أو مشروع؛ لتركها ريثما تهدأ الأوضاع، كما روّج عدد قليل من ضعاف النفوس. لفت نظري هذا العدد الهائل من الشباب المصرّ على التمسّك ببقائه في الحارة، ورفض أيّ فكرة أو مشروع؛ لتركها ريثما تهدأ الأوضاع، كما روّج عدد قليل من ضعاف النفوس. وهذا في حدّ ذاته أحد الدروس المستفاد منها من نكبة عام 1948. في حين أنّ مسألة التسلّح غير واردة بالمطلق في مواجهة العصابات وزُمَر المستوطنين المدعومين والمحميّين من سلطات الأمن الإسرائيليّة. لهذا؛ كان الصوت المتّحد والمتّفق عليه، أن تكون عمليّات التصدّي حماية البيوت وعائلاتها. وهذا يعني: البقاء والصمود. وعلى هذين المبدأين اتّفق الحضور على أنّه من الضروريّ تشكيل لجنة شعبيّة في كلّ حيّ، حالًا بعد انفضاض الاجتماع الشعبيّ الكبير. حماية الحارات انطلقنا، كلٌّ إلى حارته للمساهمة في تشكيل لجنة الحيّ للدفاع والحماية. وما أجمل ذلك المشهد! الّذي رأيناه في حارتنا الهادئة والوادعة، الّتي تحمل اسم «وادي الجمال»، الّذي يعني تاريخيًّا محطّة استراحة القوافل التجاريّة المحمّلة بالبضائع، القادمة من حلب ودمشق وبيروت وصيدا وصور وعكّا، متّجهة إلى يافا وغزّة ومصر عبر مرورها بحيفا، وحصريًّا في وادي الجمال. عشرات من أهالي الحارة وشبابها وفدوا إلى مكان انعقاد الاجتماع، في فسحة بين بيوت الحارة، وصوتهم واحد: سنحمي حارتنا من كلّ مداخلها، ونمنع بأجسادنا اقتحام المستوطنين والمتواطئين معهم، واستفزازهم. وحالًا تحرّكت المقترحات بتشكيل مجموعة واتساب، سُجِّل معظم أرقام هواتف سكّان الحارة. وشُكِّلَت أيضًا مجموعات مصغّرة من شباب توزّعت على مداخل الحارة الثلاثة؛ لتُبَلّغ منسّق الواتساب بأيّ تحرّك مشبوه، ثمّ كان تفعيل كاميرات البيوت كافّة، لنقل تفاصيل التحرّكات البشريّة والسيّارات المشبوهة. وتوزّع الجميع، كلٌّ حسب المهمّة الّتي كُلِّف بها. وبلغت إلى مسامعنا وأبصارنا المواجهات الّتي وقعت في حيّ وادي النسناس، وأنّ شباب الوادي مَنعوا دخول أيّ مستوطن من أيّ مدخل من مداخل الحيّ، وأنّ شباب الوادي تصدّى لرصاص الشرطة والقنابل الصوتيّة والغازيّة بشجاعة وصمود، على الرغم ممّا خلّفته من خراب ودمار واختناقات. واستمرّت المواجهات مع الشرطة الّتي وفّرت غطاء لحماية المستوطنين مدّة ساعتين، خلالها حاولت مجموعة من المستوطنين اقتحام حارتنا وسط هتافاتهم الّتي سمعتها بأُذنيّ الاثنتين، وكأنّها في بيتي: «الموت للعرب». إنّها هتافات يطلقها أعضاء «لافاميليا»، وهو نادي فريق «بيتار يروشالايم» الكرويّ، ضدّ العرب. إنّها نفس الهتافات الّتي نادى بها النازيّون المجرمون ضدّ اليهود في الثلاثينات في ألمانيا. كانت الأصوات عالية ومستمرّة دون توقّف أو انقطاع، تُرَدّد هذا الهتاف العنصريّ الحاقد. ولمّا تدخّلت الشرطة ألقت بقنابلها تجاه بعض تجمّعات المقتحمين، وكمّيّات هائلة تجاه بيوت الحارة وساحاتها. وللتذكير؛ فإنّ الشرطة لم تعتقل أيًّا من المقتحمين، ولم تَقُدْهُم إلى مراكزها للتحقيق، أو لتسجيل ملاحظة إنذار في الحدّ الأدنى. وتوزّع الجميع، كلٌّ حسب المهمّة الّتي كُلِّف بها. وبلغت إلى مسامعنا وأبصارنا المواجهات الّتي وقعت في حيّ وادي النسناس، وأنّ شباب الوادي مَنعوا دخول أيّ مستوطن من أيّ مدخل من مداخل الحيّ… كان مشهد مواجهة الشباب المقدسيّ، في باب العمود، ماثلًا أمامي وأنا أتابع ما كان يجري في حارتنا وحيّ وادي النسناس. الشباب في الموقعين هو فلسطينيّ، لديه همّ الدفاع عن المكان. و«المكان» ليس الحجارة فقط، بل الذكريات والماضي والذاكرة والقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والضميريّة والحياتيّة، ونسيج العلاقات بالآخرين الّذين يقطنونه، والتطلّع نحو المستقبل في المكان ذاته. ما أروع هذه الرؤية لدى شباب باب العمود ووادي النسناس! الدفاع عن «المكان» الّذي يحوي معنًى مميّزًا وخاصًّا، كوّنته المحطّات التاريخيّة، عبر الزمن التاريخيّ الّذي لا يتوقّف أبدًا، بل لا يعرف محطّة للوقوف الدائم فيها. الابتسامة مسلسل الاعتقالات الّذي طال قرابة 30 شابًّا في حارتنا، وأكثر من 70 شابًّا آخرين في وادي النسناس وبشكل عشوائيّ، كان مشهدًا مغايرًا لما عرفناه في الماضي. شارك في عمليّات الاعتقالات: الشرطة، وحرس الحدود، والمستعربون، والمخبرون والعملاء وسواهم… وظهرت على وجوه الشباب المعتقلين الابتسامة. إنّها الابتسامة المشتركة لكلّ شباب فلسطين، في التعبير عن كسر حواجز الصمت والخوف والترهيب والترويع والتنكيل. خلقت هذه الابتسامة، في باب العمود ووادي النسناس وغيرهما، حالة من المواجهة، حالة من الحافزيّة لطلب المزيد والمزيد من المواجهات السلميّة، أمام قوى أمن مستشرسة ومدجّجة بالسلاح والقذائف وأدوات القمع على أنواعها. إنّها الابتسامة ذاتها في باب العمود، ووادي النسناس، وساحة الساعة، وحيّ العجمي في يافا، وساحة المسجد العمريّ، وكنيسة الخضر في اللدّ، والنقاط والمواقع والحواجز الاشتباكيّة مع الاحتلال في الضفّة الغربيّة. إنّهم الشباب الفلسطينيّ، الّذي لم ولن يرضخ للاحتلال، الشباب الفلسطينيّ في أراضي 48 لم ولن يرضخ لسياسات الأسرلة وتلويث الذاكرة وتشويهها، الشباب الفلسطينيّ في غزّة، الصامد بوجه صواريخ القتل والإجرام النازلة عليه كالمطر، الشباب الفلسطينيّ في الخارج، الداعم لقضيّته العادلة دون تنازل عن أيّ شبر من أرض فلسطين. رمزيّة المكان، والفعل المقاوم فيه، بأشكاله المختلفة، شكّلت حالة الساعة بالنسبة إلى بقاء القضيّة الفلسطينيّة قلب الصراع، وأنّها لم تعرف طريقها إلى الهامشيّة، على الرغم من منظومات التطبيع الجارية، وسياسات التهميش والإبادة الّتي تتعرّض لها القضيّة. ورمزيّة تفاعل الشباب الّتي تؤكّد صيرورة مستمرّة لخلق واقع جديد يراه الشباب ممكنًا، بعيدًا عن المزاودات السياسيّة والحزبيّة في أيّ مكان يجري فيه حراك على يدهم وبمبادرتهم. وبرؤيتي أنّ المكان لم يَعُد محصورًا في حدود جغرافيّة، بل إنّه تحوّل ليكون عامل وحدة بين أبناء الشعب الفلسطينيّ، على كامل تراب فلسطين التاريخيّة. التضامن ولا بدّ من ذكر قيمة مضافة إلى هذه الحالة الّتي عاشتها شرائح كثيرة من مجتمعنا، ألا وهي التضامن. ولن أخفي سرًّا في هذا السياق، في أنّني أسكن في حارتنا منذ ربع قرن، ولكن نتيجة لغرقي كغيري في هموم وانشغالات الحياة، لم تتح لي أيّ فرصة للتعرّف على سكّانها. جاءت الأزمة لتدفعني كغيري إلى تعرّف هذا المكان الّذي أعيش فيه دون أن يعيش فيّ. خلقت هذه الحالة اهتمامًا بالغـًا واستفسارات مستمرّة من أهالي الحيّ عن بعضهم بعضًا، ودفعت بعدد كبير إلى الاطمئنان على جيرانه في الطرف الآخر من الحارة، بواسطة الواتساب. إنّه التضامن المعنويّ الّذي يميّز حالات الخطر واندفاع الشرائح المجتمعيّة كافّة وبدون استثناء، إلى إبداع واقع وإن كان مؤقّتًا؛ ليشعر فيه بالأمان المفقود أصلًا، جرّاء سياسات حكومات إسرائيل تجاه العرب الفلسطينيّين. تعود بي صور شريط الأحداث إلى باب العمود، من خلال مواجهات مباشرة مع سياسات القمع، وفرض قيود على تحرّك الشباب فيه، من خلال نشر حواجز لمنع تجمّعهم هناك. وباب العمود حيّز اجتماعيّ قبل أن يكون بوّابة فقط. لقاء بين أبناء المدينة الواحدة الّذين يتنفّسون هواء القدس، ابتداء من أوّل درجة من درجاته. هكذا هو الأمر في وادي النسناس. إنّه متنفّس المجتمع العربيّ الفلسطينيّ، الّذي بدونه ما بقي من حيفا مَعْلَمٌ معروف أو موقع يُشار إليه. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ ما أفرزته هذه الجولات من الصدامات والحرب، سيخلق واقعًا فلسطينيًّا عامًّا جديدًا، وشبابيًّا بوجه خاصّ؛ فمن باب الوادي، شعب لحرّيّته ينادي. جوني منصور مؤرّخ ومحاضر من حيفا. له إصدارات عديدة، منها: ‘شوارع حيفا العربيّة’، ‘الاستيطان الإسرائيليّ’، ‘مسافة بين دولتين’، ‘إسرائيل الأخرى’، ‘الخطّ الحديديّ الحجازيّ’، ‘الأعياد والمواسم في الحضارة العربيّة’، ‘المدينة الفلسطينيّة في فترة الانتداب البريطانيّ’، ‘المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل’، ‘حيفا، الكلمة التي صارت مدينة’، ‘خارطة حيفا العربيّة’. المزيد عن : وادي النسناس /وادي الجمال /حيفا /الحارات /حماية /لجان حماية شعبية /هبة /أيار /القدس /باب العمود /الأقصى /التضامن /فلسطين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زواج أكرم المصري وسونج الصينية دونه عقبات “حضارية” next post وليد الحسيني: جنون “الأمر لي” You may also like أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: حسام أبو صفية… الرجل... 10 يناير، 2025 كتب يناير الإنجليزية: سيرة هوليوودي واعترافات 3 نساء 9 يناير، 2025 عبده وازن يكتب عن: بثينة العيسى تروي خراب... 9 يناير، 2025 أعظم 20 فيلما في تاريخ سينما الغرب الأميركي 9 يناير، 2025 وليام هوغارث يغزو بيوت لندن بلوحات شكسبيرية 9 يناير، 2025 استعادة الشاعر بول إلويار في الذكرى المئوية للبيان... 9 يناير، 2025 فيلم “ذا اوردر” يواكب صعود التطرف في الغرب 9 يناير، 2025 عندما فقد الروسي غوغول شاعرية “سهرات مزرعة ديكانكا” 9 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.