الأحد, يناير 19, 2025
الأحد, يناير 19, 2025
Home » “المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس

“المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس

by admin

 

صاحب “الرجل الفيل” عاش على كوكبه الخاص وصنع 10 أفلام تجمع بين التجريب والتمرد والإرباك

اندبندنت عربية / هوفيك حبشيان 

خلال العقدين الأخيرين انسحب ديفيد لينتش من المشهد السينمائي، مكتفياً بالظهور على الإنترنت وبعض التكريمات هنا وهناك، ما عدا عودته إلى مهرجان “كان” بمسلسل “توين بيكس” قبل سبعة أعوام، وكأنما كان يراقب العالم من بعيد، منتظراً اللحظة المناسبة للعودة. قيل إنه واجه صعوبات لتمويل الفيلم الذي كان ينوي إنجازه، ولكن في الواقع هل كان ينوي العودة فعلاً؟ ربما خاب ظنه أيضاً بعدما كان تنبأ أن البشر سيكونون في وضع أفضل بعد جائحة كورونا والدروس المستخلصة منها، وهو ما لم يحدث في طبيعة الحال.

كان لينتش من معلمي الصورة والصوت، العنصرين اللذين يتشكل منهما فن الشاشة الذي أعاده أحياناً إلى ينبوعه متسائلاً عن احتمالاته. كأي فنان كبير، ترك إرثاً يحثنا على رؤية العالم بعيون مختلفة. عاش على كوكبه الخاص، كوكب صنعه من الأحلام والكوابيس، حيث الجمال والقبح يرقصان يداً بيد في انسجام غريب. أفلامه دعوة إلى الإقامة على هذا الكوكب، حيث الغرائز والخيال والرموز تقود المشاهد في رحلة تفكيك أسرار الوجود بلغة بصرية شكلت علامة هذا الفنان الطليعي.

من فيلم “رأس ممحاة” الذي جسد انطلاقة اولى وقوية للينتش (ملف الفيلم)

صحيح أنه ذاع صيته كمخرج أفلام استثنائية، لكنه كان فناناً متعدداً: كاتباً ومنتجاً ومصوراً، وحتى موسيقياً ونحاتاً. لم يكتف بالسينما التقليدية، بل تجاوزها ليخلق عوالم متكاملة معتمداً على مخيلة لا تنضب. تعامل مع الفيلم كما يتعامل النحات مع الحجر، يشكله ويعيد صياغته حتى يشبه جسماً غريباً لا نألفه. يمكن القول إنه عاش على حافة الواقع، ملتقطاً منه ما يخدم رؤيته. غيابه لم يترك فراغاً فحسب، بل طرح سؤالاً: من يجرؤ على السير في الظلال التي تركها خلفه؟

متاهة البساطة

اسلوبية لينتش في “مخمل أزرق” (ملف الفيلم)

كل واحدة من تجاربه السينمائية حملته إلى بقعة معينة، حيث البساطة تحولت إلى متاهة، أما الزمن والحقيقة فمواد خام يعمل عليها. لم ينشغل كثيراً بالتفسيرات أو الرموز الواضحة، كل ما أراده هو خلق تجربة حسية بصرية تربك وتستفز. ما يميزه قدرته على استدعاء النفس البشرية في حالاتها الأكثر اضطراباً. شخصياته لم تكن تسعى إلى الشرح أو التبرير، إنما تمثل انعكاساً للإنسان في لحظات التناقض والتدمير الذاتي. كانت أفلامه حقل تجارب متواصلة.

في البدء، لم تكن السينما خياره الأول، بل أراد أن يكون رساماً. بينما كان أبناء جيله يعيشون في شغف السينما الكلاسيكية، فضل هو الانشغال بمراقبة العالم الطبيعي حوله. علاقته بالسينما تعززت لاحقاً، عندما درس في معهد الفنون، وهناك وقع تحت سحر “ساعة الذئب” لإنغمار برغمان. وسرعان ما اكتشف أن الرسم وحده لا يكفي لنقل تجربة الحياة بكامل حواسها. هذا الإدراك دفعه إلى السينما التي تتيح مزج الصور بالأصوات في تجربة متكاملة.

تحية ديفيد لينتش من “كان” (رويترز)

في عام 1976 قدم أول أفلامه الروائية الطويلة في عنوان “رأس ممحاة”، الذي لم تتجاوز موازنته آنذاك 10 آلاف دولار، وكان في جوهره عملاً فنياً انقلابياً. لم يكن مجرد فيلم عادي، بل وثيقة تعبيرية عن لجوء فنان إلى الغرابة، بحثاً عن المعنى في عالم يشوبه التشويه والاضطراب. حتى لو افترضنا أنه لم ينجز سواه، فهذا العمل يكفيه ليضعه في مصاف كبار السينمائيين. القصة: رجل عادي يتحول عالمه إلى كابوس بعد ولادة طفل مشوه له، مما يعكس نظرة لينتش العميقة إلى مفهوم الحياة وحقيقة ما يجري في دواخلنا من قلق وتهتك. في لحظة ما نرى مشهد تحلل جثة الجنين بطريقة واقعية مروعة، وهو ما يعكس أسلوب لينتش في تجسيد أقصى درجات الهلع بدم بارد. إذا أردنا أن نفهم تأثير لينتش، فيجب أن ننظر إلى “رأس ممحاة” باعتباره نقطة انطلاقته الفنية المدوية، إذ جمع بين التجريب والتمرد على السرد التقليدي، ليخلق عالمه الخاص الذي لا يشبه أي شيء آخر في تاريخ الفن السابع.

القبح الجميل

في “الرجل الفيل” (1980) تجاوز لينتش الآفاق التي وضعها في باكورته، علماً أنه لم يتبع المسار نفسه. لم يكن امتداداً لفيلمه السابق، بل قفزة في اتجاه جديد تماماً. معالجة قصة الرجل المشوه، جون ميريك، كانت تتطلب مخرجاً من قماشته يملك القدرة على استكشاف تلك الأعماق، وبدا لينتش الأقدر على أفلمة قضية هذا المسخ الذي صدم الرأي العام في إنجلترا الفيكتورية. الفيلم مليء بالتيمات التي أصبحت تعرف عن لينتش، مثل الهوية والتشويش، وقد ظهرت هذه المواضيع بأبهى صورها من خلال مشهدية مدير التصوير فريدي فرنسيس الذي أضفى أجواء معتمة تعزز من شعور الضيق والاضطراب.

من فيلم “الأوتوستراد الضائع” (ملف الفيلم)

هذا النجاح دفعه إلى تحد جديد مع اقتباس واحد من أشهر أعمال الخيال العلمي، “كثيب” لفرانك هربرت. لكن النتيجة كانت كارثية: فشل جماهيري ذريع واستقبال نقدي غير جيد، على رغم الموازنة الضخمة التي وظفت في نقله إلى الشاشة. لكن، مع فيلمه التالي، “مخمل أزرق” (1986)، عاد ليبرز من جديد. هذا الفيلم لم يكن مجرد استعادة للثقة، بل بوصلة توجه جديد له. أثناء رحلة إلى كارولاينا الجنوبية، يكتشف بطل الفيلم جفري أمراً يغير مجرى حياته، ليدخل في عالم مليء بالغموض. الأجواء التي كثيراً ما ميزت أفلامه كانت حاضرة بقوة هنا: التلاعب بالنفوس، الميول الغريبة والغموض المحيط بالشخصيات. حمل الفيلم إشارة واضحة إلى سينما الأربعينيات، لا سيما ما يعرف بـ”الفيلم النوار”، إذ قدم تحية خاصة لهذه الحقبة، بما فيها من غموض وإثارة.

من “قصة مستقيمة” (ملف الفيلم)

في بداية التسعينيات قرر لينتش خوض غمار التلفزيون بمسلسل “توين بيكس”، الذي أعاد صياغة مفهوم الجريمة والغموض. تدور القصة على قضية مقتل لورا بالمر وملابساتها، لكن مع تطور الحبكة، تحول المسلسل إلى ظاهرة تتجاوز حدود الشاشة الصغيرة. أصبح “توين بيكس” ابتكاراً فنياً غير مسبوق على مستوى سرد الزمن. وعلى رغم تعقيد الحبكة وتشابك الأحداث، حمله الجمهور على الراحات، حتى قرر لينتش تحويله إلى فيلم سينمائي في عام 1992، مستلهماً أسلوب كبار المخرجين مثل هيتشكوك.

صخب وتمرد

في عام 1990 أهدى لينتش السينما “وايلد أت هارت”، فيلم كله صخب وتمرد، ظفر بـ”السعفة الذهبية” في مهرجان “كان”، من دون أن يحقق أي إجماع نقدي. يمزج الفيلم بين المخدرات والموسيقى الصاخبة والجنس ليخلق تجربة سينمائية متطرفة. هذا المزيج بين الحياة والموت ينطوي على تصورات عميقة عن الوجود ويحمل بصمة فنية تستحق إعادة التقييم.

ثم شاهدنا له “الأوتوستراد الضائع” (1996)، الذي يعد قمة من قمم سينما لينتش المعقدة والغامضة. كان هذا الفيلم بمنزلة رحلة ذهنية متشابكة. تجنب المخرج كل ما هو تقليدي، فقدم نوعاً من التحليل النفسي المكثف للمشاعر الإنسانية، وذلك من خلال قصة زوجين يتلقيان شرائط غامضة ترصد حياتهما الخاصة، مما يشكل نقطة انطلاق لتساؤلات أعمق.

من فيلم “مولهولند درايف” الذي رفع لينتش إلى القمة (ملف الفيلم)

أما فيلم “قصة مستقيمة” (1999)، فأدخل لينتش في مزاج مختلف. تميز هذا العمل ببساطته النسبية مقارنة بأعماله السابقة، غير أنه تضمن طبقات من التعقيد في مستواه الأعمق. يرينا الفيلم رحلة رجل مسن لزيارة شقيقه بعد خصام طويل، فيكشف عن مشاعر مختلطة من الحب والندم. وعلى رغم كونه أكثر أعماله رقة ونبذاً للغموض، فقد اعتبره لينتش تحدياً فنياً صارخاً. اعتمد الأسلوب البسيط ليرتكب ما يعد واحدة من أروع لحظات السينما المشغولة بالأحاسيس.

اقرأ المزيد

في عام 2001 أعاد ديفيد لينتش التعريف عن نفسه مع “مولهولند درايف”، تحفته المشبعة بالغموض التي لا يمكن تجاهلها. يبدأ الفيلم بمشهد امرأة تنجو من حادثة مروعة تعصف بحياتها، وسط جو من الضياع التام. بدلاً من تقديم المدينة كمكان مثالي، حول لينتش لوس أنجليس إلى مشهد مشوش وغريب، كاشفاً عن وجهها الآخر الذي خلف الأضواء. الفيلم لا يحكي قصة تقليدية، بل هو دعوة إلى الدخول إلى عالم مليء بالقراءات المجنونة والمفاجآت، حيث لا توجد أجوبة واضحة وصريحة. وضع هذا العمل لينتش في أعلى نقطة من السينما المعاصرة.

أخيراً في 2006 أطلق لينتش “إمبراطورية إينلاند”، الذي يمكن النظر إليه اليوم كخاتمة مسيرته السينمائية، حتى وإن عاد بعدها بـ18 حلقة جديدة من “توين بيكس”. هنا قرر لينتش أن يعيد اكتشاف السينما في ضوء عصر التكنولوجيا والرقمية، ولكن مع لمسته الآثرة التي تمزج الواقع بالخيال وتخترق الحواجز.

مرة جديدة اختار لينتش الابتعاد عن السرد التقليدي، ضارباً عرض الحائط، بالأصول المعمول بها، ومطلقاً العنان لمخيلة رجل لا يزال له كثير من الكلام عن العالم الذي يعيش فيه، ومتوجهاً إلى أسلوب غير خطي، يتنقل بحرية بين لحظات الواقع واللاوعي، ليخلص إلى تجربة سينمائية تستحق الاهتمام.

المزيد عن: مخرج سينمائيسينما أميركيةالتجريبالرجل الفيلالكوابيسالتمرالفيلم الجديدالجمهور

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00