الخميس, ديسمبر 12, 2024
الخميس, ديسمبر 12, 2024
Home » دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟

دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟

by admin

 

عندما ناطح الخطيب الفرنسي المفوه رفاقه الثوار مدافعاً عن الدستور ورافضاً المبارحة إلا تحت ضربات العصي

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

بعد اندلاع الثورة الفرنسية، وفي ما كانت لا تزال في مرحلة ربيعها الواعد، خرج دي ميرابو المعتبر خطيبها المفوه، عضو مجلس المندوبين الذي لا يفوت فرصة إلا ويدلي فيها بآرائه حول السلطة والشعب والدولة والحرية والاستبداد، وهو بالطبع لم ينتظر انتصار الثورة التي سيقف خلال العامين الأخيرين من حياته معها، وإن بكثير من التحفظ، ما دام في الأصل لم يكن من أنصار الحكم الجمهوري، بل كان داعية إلى نوع من الملكية الدستورية على النمط الإنجليزي، حتى وإن كان مثاله الأعلى في هذا المجال قد ظل الإمبراطور الألماني فردريك الأكبر، الذي كان يرى فيه عاهلاً متنوراً.

لم يكن ميرابو إذاً قد انتظر انتصار الثورة حتى يدلي بكل ما لديه من أفكار حول الحرية والاستبداد. ولنذكر هنا أنه هو الذي أثر عنه أنه قال ذات يوم لمن جاء يهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هو ظل في المجلس يدعو إلى الحرية والثورة على الطغيان، “اذهبوا وقولوا للذين أرسلوكم إلينا إننا هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا بقوة العصي”.

يعرف ما يريد

وميرابو، كان – إلى هذا وانطلاقاً منه – واحداً من قلة من المفكرين الأحرار الذين اعتقدوا أن إسداء النصح إلى الملك لويس السادس عشر سيخرج الأمور من دائرة التوتر والخطر. فأسدى النصائح التي نعرف أن الملك لم يعمل بها، وكان ما كان. غير أن سقوط الملك والملكية يومها لم يمنع ميرابو من أن يواصل معركته في سبيل الملكية الدستورية التي كان يرى فيها، كما سنلاحظ، أنجع الحلول للوصول إلى حكم عادل ونزيه فيه خير الشعب.

وهذه الدعوة، كان ميرابو قد وصل إلى ذروة إطلاقها عام 1775 حين كان بعد في الـ26 من عمره في كتاب مبكر له نشر في نيوسياتل بعنوان “دراسة حول الاستبداد”. وهذا الكتاب سيعتبر عملاً أساساً وتأسيسياً من الأعمال الفكرية التي أثارت سجالات كبيرة في ذلك الحين، ومع هذا فإن ميرابو سيقول دائماً إنه لا يعتبر هذا الكتاب أكثر من نص شبابي كتبه بسرعة من دون تخطيط مسبق ومن دون تدوين ملاحظات. وكان بالنسبة إليه أشبه بإعلان مبادئ عامة تحت وقع ظروف ضاغطة.

والطريف أن ميرابو كتب هذا النص ونشره خلال فترة استراحة وسط مغامراته الكثيرة التي كانت أخبارها تنتشر في ذلك الحين وأسفرت كذلك عن كتابه الأشهر “رسائل إلى صوفي”، كما أسفرت عن غضب أبيه عليه معلناً أن ابنه ضل طريقه. مهماً يكن فإن كتاب “دراسة حول الاستبداد” لا يقول أبداً إن ميرابو قد ضل الطريق، بل يشير بوضوح – وعلى رغم رأي ميرابو نفسه – إلى أن الكاتب والمفكر الشاب كان يعرف بكل وضوح ماذا يريد، وأي نظام للحكم يمكن أن يكون صالحاً لبلاده.

الطبيعة البشرية الخيرة

يؤسس ميرابو نص كتابه كله على فكرة مبدئية تقول بالإيمان المطلق بأن الطبيعة البشرية هي في الأصل خيرة، وإن الإنسان طيب في طبعه. ومن الواضح هنا أن ميرابو كان في فكرته هذه واقعاً تحت تأثير جان جاك روسو. ومن هنا نراه في القسم الأول من الكتاب يتخيل مجتمعاً حر المؤسسات، تسهم فيه هذه بضروب تقدم متتالية تأتي لتعزز من دون هوادة الاستعدادات الطيبة لدى الإنسان ابن ذلك المجتمع. وهذا المجتمع هو الذي يصفه ميرابو هنا ويمعن في وصف الخير العميم الذي يظلله ليتحول إلى سعادة للمواطنين. وهو، ميرابو، إذ يفرغ من هذا الوصف يؤكد لنا أنه، في طريقه، لم ينس أبداً أن لهذه الطبيعة الإنسانية التي يتغنى بها عواطف وأفكاراً وأهواءً كثيرة متنوعة ومتعددة تحركها، ومن بينها واحدة شديدة القوة والتأثير والعنف هي حب السلطة والتسلط.

صحيح أن ميرابو يؤكد لنا دائماً أن طبيعة الإنسان خيرة في الأصل، لكنه يخبرنا هنا بأن الحياة الاجتماعية والعلاقات بين البشر هي ما يؤسس لحب السلطة هذا. ومن هذا الحب، يقول ميرابو، يظهر ذلك الوحش الذي يطلق عليه اسم “الاستبداد”، إذ إن كل راغب في الوصول إلى السلطة وكل واصل إليها يستبد به هذا الوحش محولاً إياه إلى مستبد طاغية بدوره.

لم يكن ميرابو لينتظر انتصار الثورة حتى يدلي بكل ما لديه من أفكار حول الحرية والاستبداد (ويكيبيديا)

 

من هنا، يقول لنا ميرابو، إنه يتعين على المجتمع، إذ تنوره المبادئ الصحية والصحيحة السامية، أن يسحق هذا الوحش منذ ولادته وبداية ظهوره، فارضاً على كل المواطنين سواء بسواء احتراماً متبادلاً في ما بينهم واحتقاراً لكل أنواع الاستعباد. وإذ يقول ميرابو هذا فإنه ينصرف في الصفحات التالية إلى تحديد مفهوم الحرية والتعريف به، مستخدماً للوصول إلى غايته هذه أفكاراً ومبادئ قد تكون بسيطة، لكنها بالتأكيد قوية وقادرة على الإقناع.

ومن الواضح أن تصور ميرابو لمفهوم الحرية يستند أساساً إلى التصور العقلاني للحقوق الطبيعية للإنسان. ومن هنا نراه في مقابل التناقض بين الحرية والاستبداد – وهو تناقض يفيدنا ميرابو بأن زادت من حدته، في تلك الاوقات، الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها الدولة الفرنسية والمجتمع الفرنسي – يتوقف بعض الشيء ليوجه أقسى ضروب النقد والتنديد إلى النزعة القيصرية التي كانت تتجه إلى حكم الشعب بالقوة والقمع والعنف “حفاظاً على وحدة الوطن”، كما كان يقول المنادون بتلك النزعة.

نص قوي

والحال أن النص الذي كتبه ميرابو حول هذا الامر كان من القوة إلى درجة أن كثراً من مؤرخي حياته ودارسي أعماله رأوا فيه القاعدة الصلبة التي سيبني عليها ميرابو لاحقاً معظم نصوصه والأفكار التي ستجعل منه في المجلس لاحقاً واحداً من أكبر الخطباء السياسيين في ذلك العهد. ذلك أن ميرابو، وربما بالاستناد هنا إلى أفكار مونتسكيو العقلية الموضوعية، حرص في هذا النص على توضيح النظام الحر الذي كان ينادي بتطبيقه. إنه نظام يقف ضد الطغيان الاستبدادي، تماماً كما يقف ضد الفوضى. فالاثنان يحملان الشر نفسه. ومن هنا إذا كان مطلوباً إيجاد ما يضمن عدم استشراء الطغيان من لدن حاكم ذي نزعة قيصرية فالمطلوب أيضاً إيجاد ما يضمن عدم استشراء الفوضى في الدولة وتسليم أمورها إلى الرعاع.

رد ميرابو على رئيس التشريفات في 23 يونيو 1789 بواسطة ألفونس لاموت بعد جول دالو (ويكيبيديا)​​​​​​​

 

وفي هذا الإطار يقول لنا ميرابو، في نوع من الاستنتاج المنطقي، إن مؤسسة الملكية لا يعود من الجائز اعتبارها أداة للقمع، بل على العكس سيكون في الإمكان النظر إليها بصفتها ضمانة للعدالة، وذلك حين تكون مدعوة إلى أن تقتسم ممارسة السلطة بالشراكة مع ممثلي الشعب. بمعنى أن ما يدعو إليه ميرابو هنا هو كما أشرنا ملكية دستورية مقيدة بالقوانين وبالشراكة في الحكم التي تقيمها مع ممثلي شتى الطبقات الشعبية.

والحقيقة أن هذا الكلام أتى في ذلك الوقت المبكر، السابق للثورة بنحو عقد ونصف عقد من السنين، ليشكل الأساس المنطقي الذي بنى عليه ميرابو برنامجه السياسي الذي سيدافع عنه بحرارة وإيمان طوال العامين اللذين شغل فيهما مهام ممثل الشعب في المجلس بعد الثورة. وذلك في خطابات كانت من القوة والفصاحة بحيث أرعبت بقية القيادات الثورية التي لم يفتها أن تؤكد بين الحين والآخر أن هذا الخطيب الثائر “الآتي من صفوف طبقة النبلاء ليدافع عن مصالحها” يمثل في حقيقة الأمر خطراً عليها يفوق عشرات المرات الخطر الذي كان يمثله مندوبو الطبقات الرجعية، ذلك أن هؤلاء يسهل تخوينهم ومقارعتهم طالما أنهم بصراحة “أعداء الشعب”، فيما تصعب مقارعة ميرابو بالحجة لأن حجته قوية، ولأنه يريد خير الشعب والشعب يعرف هذا.

وارتاحت الثورة بموته

من هنا لا شك أن ميرابو أراح كثراً بموته عام 1791، هو الذي كان ولد تحت اسم هونوريه غابريال ريكيه، كونت دي ميرابو عام 1749، ابناً للمركيز دي ميرابو الذي كان معروفاً بدراساته الاقتصادية ذات النزعة الفيزيوديمقراطية، والذي لم يبد أبداً أي إعجاب بأفكار ابنه منذ بدأت تلك الأفكار في الظهور. وميرابو الابن كتب نصوصاً عدة منذ مطلع شبابه ضد الاستبداد. وهو لاحقاً بعدما كلف مهمة دبلوماسية في برلين عام 1786 كتب انطلاقاً من مشاهداته وتجربته هناك واحداً من أشهر كتبه هو “حول الملكية البروسية في عهد فردريك الأكبر” (1788). وقد كان ميرابو طوال حياته القصيرة عضواً في كثير من النوادي التي كان يرتادها أبناء النبلاء ذوو النزعة الليبرالية، وهذا ما جعله ينتخب عام 1789 عضواً في هيئة الأركان العامة.

المزيد عن: الثورة الفرنسيةدي ميرابوالحكم الجمهوريالملكية الدستوريةالإمبراطور الألماني فردريك الأكبرالحرية والاستبداد

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00