الفنانة ايتل عدنان الكاتبة والرسامة الشخصية التي جمعت الشرق والغرب ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: “إثراء” تكرّم الفنانة الراحلة ايتل عدنان… في أول اطلالة لها في السعودية by admin 14 مارس، 2024 written by admin 14 مارس، 2024 117 من المفارقات المدهشة انّ ايتل عدنان المخضرمة والمتجددة، لم تُعرف شهرتها كفنانة إلاّ في حقبة متأخّرة من حياتها. تلك الشهرة التي اشتعلت مثل نار في الهشيم بين أصحاب المجموعات ومدراء المتاحف العالميين والوسطاء الفنيين والعاملين في تسويق الفن المعاصر، النهار العربي/ مهى سلطان افتتح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، معرض “إيتل عدنان… من الشرق إلى الغرب”، الذي يستمر حتى 1 حزيران/ يونيو المقبل، في مقرّه في الظهران، ويُعدّ الأول من نوعه للفنانة في المملكة العربية السعودية، وهو من تنسيق الخبير الفرنسي “سيباستيان دولو” مدير المقتنيات والعلاقات في متحف بيكاسو الوطني في باريس. يسلّط المعرض الضوء على أعمال الفنانة اللبنانية إيتل عدنان (1925- 2021)، تلك الشخصية الفذّة والمتمرّدة الأكثر تأثيراً في مشهدية الفن خلال العشر سنوات الماضية التي ألهمت العالم العربي في حقبة المعاصرة والعولمة. يشتمل المعرض على أكثر من 40 عملًا من أعمال الفنانة، تجمع بين الرسوم واللوحات والمنسوجات والجداريات الخزفية، مستعارة من مؤسسات دولية مهمّة، منها مؤسسة الشارقة للفنون وغاليري صفير زملر (بيروت وهامبورغ) ومتحف نقولا ابراهيم سرسق (بيروت)، وبعضها جزء من مجموعات خاصة، وهي تعود الى بداية مسيرتها الفنية في أواخر خمسينات القرن العشرين، حتى آخر اعمالها قبيل وفاتها عام 2021. يتضمن المعرض ثلاثة مرافق تتوزع فيها أعمال الفنانة، بما يتيح التأمّل والاستكشاف لعالمها المستلهم غالباً من الطبيعة الكاليفورنية ومن تنقلاتها بين المدن والأحداث والحضارات والذكريات. وهي العوامل التي جعلت فنها استثنائياً كمزيج مُلهم بين الثقافات وكجسر بين الحضارات. من داخل المعرض فن التخطيّ من المفارقات المدهشة انّ ايتل عدنان المخضرمة والمتجددة، لم تُعرف شهرتها كفنانة إلاّ في حقبة متأخّرة من حياتها. تلك الشهرة التي اشتعلت مثل نار في الهشيم بين أصحاب المجموعات ومدراء المتاحف العالميين والوسطاء الفنيين والعاملين في تسويق الفن المعاصر، الآتي من ثقافات العالم العربي والشرق الأوسط عموماً، لاسيما مع صعود خطاب النسوية الذي أخذ (وما زال تحت مسمّى الجندرية) يركّز على حضور المرأة العربية الفنانة والمثقفة وتأثيرها ودورها الريادي كعامل تغييري- مجتمعي، في ظلّ حالات التقوقع والقهر والقمع والحروب والهجرة والمنافي. هكذا بدأ اقتناء اعمال ايتل عدنان والطلب عليها وتداولها رغم صغر أحجام لوحاتها. وتلك أضحت ميزة من ميزات اسلوبها التجريدي، ومقاربتها لتيماتها المقطوفة من حبها للطبيعة وانغماسها فيها، دون ان يكون المنظر الذي تُصوّره منبثقاً بالضرورة من فعل المشاهدة، بل من ذكرياته وبصماته التي انطبعت في ماء العينين ورؤى القلب وهتافات الألوان. هكذا تكوّنَ المنظر لديها من تخطّي الواقع الى ما بعده في خطابها الشعري والبصري المتأتي من الإلهام والاقتراح والتطبيق اللوني الغنائي المدهش في فرحه وبهجته. غير انّ ايتل عدنان أخذت في العقدين الأخيرين من حياتها ترسم على أحجام كبيرة تتناسب والعروض في المتاحف وصالات العرض الدولية، مع تنوع في الوسائط والخامات والمحمولات بما يتيح اندراجها مع مواصفات رؤية الفنون البصرية في المعاصرة بمنظور مختلف عن وجاهية رؤية العمل في مرحلة الحداثة. وكانت قد استهلّت أعمالها المعاصرة بفن الكتاب، اي المطويات على الطريقة اليابانية، حيث قامت بدمج الشعر مع الرسم على الورق المطوي بأسلوب ليبوريلو، ما أدّى إلى ظهور كتب فنية على شكل الأكورديون الذي يُعرض ويُقدّم كعمل تجهيزي. من المعرض لغة الكلمة ولغة الفن هذا المزج بين لغة الكلمة ولغة الفن عبّرت عنه إيتل ذات مرّة بأنّ «الرسم هو الكتابة، والكتابة هي الرسم». تركت ايتل عدنان العديد من المطويات التي كتبت فيها قصائد لنخبة من الشعراء العرب من بينهم بدر شاكر السياب وأنسي الحاج وعبد الوهاب البياتي ونزار قباني ومحمود درويش ومي مظفر… وسواهم. وفيها بعثت حقولاً من الألوان حيث الحروف تغطّ على السطور كالفراشات وأضاءت شموساً من أجنحة مخيلتها. هكذا أضحت الكتابة سفراً إلى ماضي الطفولة، اكتشافاً للإمكانات الصورية، بين الانضباط والمرونة مع شفافية الألوان المائية. واكب كل هذا النوع من التعبير الغرافيكي، شغف مشفوع بالغبطة واللهو في آن واحد. في إحدى مقابلاتي التي أجريتُها مع الفنانة أثناء تردّدها على بيروت في العقدين الأخيرين من حياتها، تقول بأنّها تستعيد في كتبها المطوية، مقام يد الفنان أمام طغيان الكمبيوتر الذي سيؤدي الى انقراض فعل الكتابة باليد، كما تستعيد محبرة الفنان “ريك بارتون” الذي التقته في سان فرنسيسكو في أوائل الستينات، وكان متسكعاً بائساً ومدمناً، لا يرسم إلاّ في المقاهي، وكانت أدواته في الرسم، هي وفق التقاليد اليابانية: محبرة نحاسية صينية وريشة وشرائح مطوية في شكل كتاب صفحاته كطيات الأكورديون. تقول ايتل عدنان: “قبل ذلك اليوم ما كنت رأيت كتاباً مطوياً، هكذا حصلت لي إحدى أبقى انفعالاتي الفنية في وسط حشد من الناس، في جوّ سان فرنسيسكو السحري، التي كانت وحتى ذلك الوقت، مرفأ بكل ما تولده المرافئ من الشعور بالعابر”. لم يغب البوح عن فن ايتل عدنان، وإن كانت طيات كتبها تخبئ قصصاً، فإنّ مناظرها التجريدية لا تلغي الواقع كلياً، بل تبسّطه وتلمّح إليه، كي تقطفه شكلاً وبقعاً، بتصرف كبير. لذا تبدو مساحاتها ساطعة مشيدة بإحساس العين وعاطفة القلب وطاقات اللون. فثمة نور كثير يشع من تلك المناظر، وهذا النور يتأتى من أسرار العلاقات اللونية، في ذوبانها الشجي أو تعارضها وتناقضها. وإذا كانت تذكّرنا أعمالها عرضاً بفن نيقولا دو ستايل، إلاّ أنّ هذا النوع من التجريد الغنائي (ظاهراً) والهندسي (عمقاً)، كان خيار الفنانة منذ آخر الستينات، وظلت تمحص فيه وتطوره، وتبحث وتختبر ماهية اللون وتأثيراته الضوئية المستوحاة من تقلبات فصول الطبيعة بل من البحر والجبل كرافدين من روافد الفن والشعر معاً. فالفنانة صادقت الطبيعة وتعلمت منها الكثير. غير أنّ الوقوف أمام اللوحة، يضع كل ذكريات العين أمام تحدّيات إعادة تشييد المنظر بمكوناته الجمالية. هذه التحدّيات تظهر عند أول لطخة لون تضعها على سطح اللوحة. ونتبين مدى حضور فئات الألوان الترابية والشقراء وتأثير مجاورتها للأخضر، ومن ثم التوازن الدقيق بين الحار والبارد والفاتح والغامق، والألوان المذابة والأخرى الصافية. لوحة الشاعرة والرسامة إيتل عدنان هي حالة خاصة لم يشابهها أحد. وُلدت في بيروت عام 1925 لأب سوري من دمشق وكان ضابطاً في الجيش العثماني، ولأم يونانية الأصل من مواليد إزمير، ولذلك كانت “مشرقية” بأكثر من معنى، مزجت في شخصها تجاور البلدان والديانات، واختارت أن تكون علمانية، رافضة للاستعمار والهيمنة، ومنحازة لكل قضايا التحرّر، فيحضر في أعمالها لبنان والجزائر وفلسطين والعراق، وصولاً إلى فييتنام. وهي إذ شاهدت أهوال مجزرة جنين، كتبت قصيدة حزينة طويلة، تصف الجريمة كجرح كوني، يؤثر على البشر كلهم، والحجر والشجر والطبيعة، ولعلّ تلك فلسفتها في كتابة الشعر. من أعمالها: “خمس حواسٍ لموت واحد (1971) والهندي ليس له حصان (1985) ويوم القيامة العربي (1980) و27 أكتوبر 2003 (قصيدة كتبتها بالفرنسية بعد الغزو الأميركي للعراق)”. وروايتها الأشهر “الست ماري روز” التي تتناول الحرب الأهلية اللبنانية (1978). وقد ترجم الشاعر العراقي سركون بولص شعرها “هناك – في ضياء وظلمة النفس والآخر” (2000) من الانكليزية إلى العربية. غالباً ما يتمّ التعريف بإيتل عدنان كشاعرة عربية تكتب باللغتين الإنكليزية والفرنسية، استناداً الى قولها: “شعري لا يخرج من تاريخ الشعر، وإنما من خبرة الكائن الفطرية، ومن تفكّره في الوجود”، وهو أمر ينسحب على لوحاتها الملأى بما يشبه طاقة شعورية متحفّزة وكامنة في أكثر الأشكال بساطة، باللون والرسم. يصفها كثر بالـ”طفلة” نظراً لصفاء الكلمة واللون في أعمالها مهما تنوعت. بدأت عدنان الرسم في أوائل الستينات. عاشت في لبنان وفرنسا ثم في سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة. كانت شغوفة بالسفر، وتأثرت برحلاتها المتكرّرة إلى المكسيك وشمال إفريقيا. خلال فترة استقرارها في كاليفورنيا، أعجبت بجبل تامالبايس، وكرّست جزءًا كبيرًا من حياتها من أجله. واعجاب ايتل بجبل تامالبايس لا يوازيه سوى اعجاب سيزان بجبل سان فيكتوار الذي ظلّ يرسمه حتى آخر رمق وكان آخر شيء أغلق عليه عينيه. اما ايتل عدنان فقد ظلت تشتاقه في سنواتها الاخيرة التي قضتها في شقتها في باريس مع رفيقة دربها الفنانة سيمون فتال، دون ان تبوح لأحد بأنّها ترسمه من بعيد شوقها وحنينها اليه والى طبيعة كاليفورنيا التي اصبحت من ماضي الأيام. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 12 بصمة تجعل هرب الإنسان من هويته مستحيلا next post نيوزيلندا تشكك في ادعاء كندا ضلوع الهند في مقتل ناشط سيخي في فانكوفر You may also like شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024