ثقافة و فنونعربي بيكاسو في ذكرى رحيله: كاره للنساء أم أعظم فنان في القرن العشرين؟ by admin 7 أبريل، 2023 written by admin 7 أبريل، 2023 25 مع مرور نصف قرن على وفاة الفنان الكبير، هل يهدد كره بيكاسو للنساء إرثه؟ نبحث في الأسباب التي تجعل الاحتفال بالمناسبة مسألة معقدة اندبندنت عربية \ أليستر سمارت قادت معلمة الفنون المحلية ماريا لوبيس في مايو (أيار) من عام 2021 مجموعة من طالباتها في ما سمته “احتجاجاً صامتاً” في متحف بيكاسو في برشلونة. تضمن ذلك تجول المحتجات بشكل جماعي في أرجاء المتحف وهن يرتدين قمصاناً قطنية تحمل رسائل مثل “بيكاسو معتد على النساء” و”بيكاسو هو بلوبيرد” (يمثل الوصف الأخير مقارنة مع شخصية رجل في قصص خيالية فرنسية قتل زوجاته). بالطبع، لم يدن بيكاسو بقتل زوجاته، ولم يتعرض المتحف لأي أذى باستثناء رفع مستوى ضغط الدم لدى بعض حراس الأمن. قالت لوبيس إنها ببساطة شعرت بضرورة الاحتجاج ضد عدم تسليط الضوء بشكل كاف على إساءة معاملة الفنان التاريخية للنساء. مهد احتجاجها لنقاش سيحتل حيزاً أوسع بكثير هذا العام. هل كان بيكاسو كارهاً للنساء؟ ليس النقاء الأخلاقي شرطاً لصناعة الفن، لكن ما حدود التلوث الأخلاقي التي لا يمكن التسامح معها؟ توفي بيكاسو في الثامن من أبريل (نيسان) من عام 1937 عن عمر 91 سنة، مما يعني أننا نحيي الذكرى الخمسين لرحيله هذه السنة. وحدت الحكومتان الفرنسية والإسبانية جهودهما لتكريم ذكراه عبر تنظيم برنامج يمتد على مدى العام، ويتضمن معارض وفعاليات تحت عنوان: احتفالية بيكاسو 1973-2023. أطلق البرنامج رسمياً خلال مؤتمر صحافي في متحف رينا صوفيا في مدريد الخريف الماضي، حيث كان ملك إسبانيا من بين المتحدثين (للمفارقة، لم يتطرق جلالته إلى ملاحظة بيكاسو أن “النساء آلات لإنتاج المعاناة”). سيتم تنظيم أكثر من 40 معرضاً، معظمها في إسبانيا وفرنسا، مع إقامة معارض أخرى في الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وموناكو ورومانيا وبلجيكا. اللافت عدم وجود أي مؤسسة بريطانية على لائحة المستضيفين – لكننا سنتحدث عن ذلك لاحقاً. تشير نظرة سريعة على جدول الفعاليات إلى أن العام المقبل، وكما يوحي اسم البرنامج، سيكون ذا طابع احتفالي غالباً. تتضمن قائمة المعارض: معرض “بيكاسو الشاب في باريس” في متحف غوغنهايم في نيويورك، الذي يركز على بداية مرحلة جديدة في حياة الفنان مع انتقاله إلى العاصمة الفرنسية في بداية العشرينيات من عمره، ومعرض “بيكاسو: المقدس والمدنس” في متحف تيسين بورنيميزا في مدريد، الذي يستكشف انقلابه المتطرف على أنواع الفن التقليدية مثل البورتريه والطبيعة الصامتة، ومعرض “بيكاسو: فنان وعارضة – اللوحات الأخيرة” في فونديشن بيلر في بازل بسويسرا، الذي يقدم 10 لوحات متميزة تعود إلى سنواته الأخيرة. باختصار، ستقدم المعارض نظرة عامة شاملة على الفترات والنجاحات العديدة في مسيرة بيكاسو المهنية. عبقريته الإبداعية لا جدال فيها: نحن أمام رجل قضى 70 عاماً من حياته في البحث عن الطرق الأكثر تطرفاً لتصوير الذات الإنسانية. ومع ذلك، فإن أولئك الذين حضروا إطلاق البرنامج سمعوا بعض الكلمات المنتقاة بعناية، حين قال وزير الثقافة والرياضة الإسباني ميكيل إيسيتا: “إذا كان هناك فنان يمثل تعريفاً للقرن العشرين، بكل قسوته وعنفه وشغفه وتطرفه وتناقضاته، فهو بلا شك بابلو بيكاسو”. بدورها قالت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك: يجب ألا نخفي وجهنا. نشهد اليوم عديداً من النقاشات حول تلقي أعمال بيكاسو، ولا سيما من زاوية علاقته بالمرأة. ولتوجيه الأجيال الشابة نحو فنه، علينا منحها المفاتيح لفهم عمله [و] حياته، وفتح مساحات للحوار”. بدا وكأن الوزيرين يخططان لحرب استباقية – أستعير هنا تعبير لاعب الرغبي العظيم ويلي جون ماكبرايد – حيث كان ذلك بهدف تفادي أي انتقادات في عصر ما بعد حركة “مي تو” MeToo النسوية وبعد أن وصل برنامج عام 2023 حد التملق الخالص. لمح الوزيران إلى أننا يجب ألا نحكم على الشخصيات التاريخية بقيم معاصرة، الأمر الذي يبدو منصفاً إلى حد ما، لكن بعض الأفعال تستحق الإدانة بغض النظر عن الحقبة. لنلق نظرة على سجل الفنان الحافل، ويمكن للناس الحكم بأنفسهم. كان بيكاسو زير نساء متسلسلاً، ومع تدهور زواجه من زوجته الأولى أولغا (وتدهور صحتها العقلية أيضاً) بدأ علاقة مع فتاة تدعى ماري تيريز ولتر كانت في السابعة عشرة من عمرها بينما كان هو في الخامسة والأربعين، وسرعان ما أقحمها في ممارسات جنسية سادية ومازوخية. بعد عقد من الزمن، عندما شعرت ولتر بالغيرة من عشيقته الأخيرة، المصورة الفوتوغرافية دورا مار، طلب بيكاسو من المرأتين أن تتقاتلا لنيل حبه، بينما كان يرسم في مرسمه. يقال إنه وصف تلك المشاجرة في وقت لاحق من حياته بأنها “إحدى ذكرياته المفضلة”. تعرضت مار لانهيار عصبي بعد أن هجرها بيكاسو، وتلقت على مدى أسابيع علاجات بالصدمات الكهربائية في مستشفى للأمراض النفسية. كان يرغم عشيقته التالية، فرانسواز جيلو، على الاستيقاظ في الفجر يومياً لإشعال النار في الموقد داخل مرسمه. عقب انفصالهما، رفض رؤية طفليهما، وذلك بعد أن نشرت في عام 1964 مذكرات فضحت كل تفاصيل علاقتهما بعنوان “الحياة مع بيكاسو”. بين حين وآخر، كانت هناك ادعاءات عرضية لا أساس لها – ورد عديد منها في كتاب “بيكاسو: الخلّاق والمدمر” الصادر عام 1988 للكاتبة أريانا هافينغتون، تقول إن الفنان الإسباني استخدم العنف الجسدي ضد النساء. ادعت هافينغتون، على سبيل المثال، أنه أطفأ في إحدى المرات سيجارة مشتعلة في خد جيلو. على كل حال، يجب التأكيد أن العنف النفسي وحده هو ما تم توثيقه فعلاً. يشكل تصوير بيكاسو الوحشي لعشيقات محددات مثالاً واضحاً على ذلك – كما في لوحته التي رسمها عام 1929 وتحمل عنوان “عري صارخ على كرسي أحمر” التي تصور أولغا بجسد مشوه بشكل غريب. وفقاً لحفيدة الفنان، ماريا بيكاسو، في كتابها “جدي بيكاسو” المنشور عام 2001، فإن معاملته لشريكاته اتبعت وتيرة محددة: “كان يخضعهن لغرائزه الحيوانية، يدجنهن، يسحرهن، يستولي عليهن، ثم يسحقهن على لوحاته. بعد قضاء عديد من الليالي في اعتصار دواخلهن، يتخلص منهن حين تنضب أرواحهن”. سيتطرق معرض “بيكاسو والنسوية” المزمع افتتاحه في متحف بروكلين في يونيو (حزيران) المقبل إلى هذه النقطة. من المفترض أن يكون العرض الأشد انتقاداً لهذا العام. سيستكشف المعرض، الذي تشارك في رعايته، كما قيل لنا، الممثلة الكوميدية الأسترالية هانا غادسبي، “القضايا المتشابكة المرتبطة بكراهية النساء والذكورة والإبداع و’العبقرية’”. يدل ذلك على جوهر كل النقاشات الدائرة اليوم حول بيكاسو: هل تبرر متعة الملايين التي لا تحصى من عشاق الفن معاناة حفنة من النساء على يديه؟ وعطفاً على ذلك، ألا تشجع صورة المايسترو المبدع الذكر المنعزل – الذي تقدره الثقافة الغربية بشكل سائد للغاية – على كراهية النساء حقاً؟ أثارت هانا غادسبي التي تحمل شهادة في تاريخ الفن، ضجة كبيرة عام 2018 من خلال عرض الاستاند أب كوميدي المتميز “نانيت” Nanette الذي قدمته عبر منصة نتفليكس وأدى إلى تراجع واضح في مكانة بيكاسو. صرحت بأنها “تكره بيكاسو”، قبل مناقشة كيف أن المجتمع الذي يهيمن عليه الذكور تساهل لزمن طويل مع السلوك المريع للفنانين الذكور. قالت “بفضل تاريخ الفن، أفهم هذا العالم ومكاني فيه، لا مكان لي”. الزمن كفيل بالكشف عن مدى الإدانة التي سيتعرض لها القائمون الآخرون على احتفالية هذا العام. يشكل معرض “فيرناند أوليفييه وبابلو بيكاسو” الذي اختتم أخيراً في متحف مونمارتر بباريس، مثالاً مثيراً للاهتمام على ذلك. ساوى المعرض بين الفنان الإسباني وملهمته في البدايات وزميلته الفنانة فيرناند أوليفييه، حين عرض أعمالهما جنباً إلى جنب. كان الهدف رد جزء بسيط من الاعتبار لفن أوليفييه الذي كان مهملاً لعقود، ولها شخصياً حيث كانت تذكر لكونها مجرد كوكب في فلك بيكاسو. وبالعودة إلى معرض دورا مار الذي أقيم بين عامي 2019 و2020 في متحف تيت للفن المعاصر بلندن، نجد أن الهدف كان ذاته، كما قالت لوبيس على حسابها في إنستغرام بعد احتجاجها: “لعب بيكاسو دور بلوبيرد من خلال امتصاص القوة الإبداعية لكل امرأة في حياته”. مع ذلك، ما الذي يمكن القيام به إزاء عدم المشاركة البريطانية في”احتفالية بيكاسو 1973-2023″؟ هل هناك نوع من المقاطعة على المستوى الوطني لسنا على دراية بها؟ تنفي مديرة متحف تيت للفن المعاصر فرانسيس موريس ذلك قائلة، “لا، لا… غالباً ما تكون الاحتفالات بالذكرى السنوية عامل جذب، وهناك مخاطرة بأن تكون جودة أي عرض من دون المستوى، بسبب التهافت العالمي للحصول على أعمال الفنان”. بعبارة أخرى، ليست لدينا رغبة في المحاولة للمنافسة مع ما يفعله الفرنسيون والإسبان. على كل حال، هناك احتمال كبير بأن ينظم متحف تيت معرضاً لبيكاسو في السنوات المقبلة. تقول موريس: “تشكل عائدات المعارض جزءاً أساسياً من تجارة المتاحف البريطانية… أسهل طريقة لجذب الزوار إلى المعارض هي [عرض] أعمال لفنانين خالدين في الوعي العام، وبيكاسو يحتل مركزاً متقدماً في هذه القائمة”. يعود تنظيم آخر معرض لأعمال الفنان في صالات تيت المعاصر إلى عام 2018، وحمل عنوان “بيكاسو 1932: الحب، الشهرة، المأساة”. جذب المعرض أكثر من نصف مليون زائر، مما جعله يحتل المرتبة الثالثة بين المعارض الأكثر جماهيرية التي نظمت في أي من صالات تيت الأربع. كما أن سوق أعمال بيكاسو لا يعتبر سيئاً أبداً، حيث بيعت خمس من لوحاته في مزاد نظمته دار كريستيز عام 2021 مقابل 100 مليون دولار أميركي (ما يعادل 82 مليون جنيه استرليني) – من بينها بورتريه لولتر بعنوان “امرأة تجلس قرب النافذة (ماري تيريز)”. تتحدث منشورات الدار بانتظام عن “شهرة العلامة التجارية” الكبيرة لبيكاسو عالمياً، مع الاهتمام المتزايد بأعماله في أوساط هواة جمع الفن في آسيا. وفقاً للتقرير الأخير لبيرنز هالبرين الذي يرصد المساواة في عالم الفن، حققت مبيعات أعمال بيكاسو أرباحاً في المزادات بين عامي 2008 و2022 أكثر من أعمال جميع الفنانات مجتمعات (6.23 مليار دولار مقابل 6.2 مليار دولار). وماذا عن تأثير بيكاسو على الفنانين اليوم؟ من الإنصاف القول إن قلة من كبار الفنانين الحاليين يشيدون ببيكاسو بالطريقة التي قام بها نظراؤهم في الثمانينيات – مثل روي ليشتنشتاين، ولويز بورجوا، وروبرت روشنبرغ وكريستو – في مقالة سابقة في صحيفة نيويورك تايمز تستعرض أعماله التي يستضيفها متحف الفن الحديث. وعلى رغم ذلك، ربما يمكن تلمس تأثير بيكاسو من خلال منظور أوسع، في نهجه متعدد التخصصات في التعاطي مع الفن: فقد أطلق العنان لنفسه للتجريب في الرسم والنحت والرسم التصويري والطبع والخزف وتصميم الديكور المسرحي وغير ذلك. ناقش مصمم الأزياء بول سميث هذه النقطة في مقابلة مع صحيفة “ذي آرت نيوزبيبر” أخيراً، تمهيداً لمعرض يشرف عليه في متحف بيكاسو- باريس. يقول سميث: “هناك رابط بين بيكاسو وأي شخص مبدع يعمل اليوم… كان يرى الإثارة في كل شيء… ولم يتحول إلى فنان متخم بالخبرة والتاريخ والثقافة، لكنه ظل منفتحاً على طرق جديدة في التفكير”. إحدى الفنانات المعاصرات اللاتي يرين في بيكاسو “مصدر إلهام كبيراً” هي ابنة بلاده الثلاثينية كوكو دافيز. تقول إنها “تتفهم” الدعوات التي تطالب بإلغاء بيكاسو. من أجل معرضها الجديد في صالة مادوكس بلندن – الذي سيقدم لوحات مزدوجة بأسلوب دافيز المميز حيث تفتقر الوجوه إلى قسمات – كانت على وشك التراجع عن عرض صورة لبيكاسو مع صديقته، كوكو شانيل. بكل الأحوال، تقول إنها قررت عرض الصورة في نهاية المطاف، لأنها استنتجت أنه “لا بد من وجود طريقة لاحترام الفن دون الموافقة مع سلوك مبدعه”. المشكلة في حالة بيكاسو هي أن فنه كان على الدوام جزءاً لا يتجزأ من قصة حياته، وكما قال بنفسه: “لوحاتي… هي صفحات مذكراتي”. إذاً، إلى أين يقودنا هذا؟ نظراً إلى كون بيكاسو شخصية ثقافية ضخمة، يشك المرء في أن أي تغيير في مكانته سيكون تدريجياً. ومع ذلك، فإن مثال تردد دافيز في عرض صورة بيكاسو، الذي يبدو غير مهم في ظاهره، يمثل تذكيراً بأن العام المقبل قد يحمل عديداً من التقلبات غير المتوقعة. تبدو سمعة الفنان عرضة للتحديات أكثر من أي وقت مضى حتى ولو لم يتمكن أحد من القول إنه شطب من التاريخ، بخاصة في ظل احتفالية بيكاسو 1973-2023 الصاخبة. عندما تنتهي هذه السنة، علينا أن نعرف بشكل أفضل المكانة التي يحتلها أعظم فنان في القرن العشرين داخل مجتمع القرن الحادي والعشرين. © The Independent المزيد عن: بيكاسو\# مي ت\وكراهية النساء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مؤسس النقد الفرنسي الحديث يمجد النصف الخفي من تاريخ المجتمع next post عن كيفية احتياج الاجتماع الإنساني إلى الدين You may also like ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت... 30 نوفمبر، 2024 عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024