ثقافة و فنونعربي مدينة ديربي… كنز ثقافي هائل دفين by admin 18 فبراير، 2022 written by admin 18 فبراير، 2022 28 بعدما كانت هذه المدينة الصناعية المهمة تعيش في الظل بسبب سطوع الأسماء البارزة للمدن المجاورة، ها هي الآن تدخل دائرة الضوء الثقافية في سباقها نحو لقب مدينة الثقافة الثانية في بريطانيا اندبندنت عربية \ هيلين كوفي “نائبة رئيس قسم “السفر @LenniCoffey “في الشأن الفني، تُعتبر ديربي مثل عملاق نائم. هناك كثير من الفعاليات التي تجرى ولكنها لم تلفت الانتباه بعد – نحن لسنا بارعين في التهليل للأشياء التي نقوم بها”. تنتقي النحاتة أبريل يونغ كلماتها بعناية وهي تريني التحفة التي تشكلها بهدوء في ورشتها المؤقتة في شارع سادلر غيت الأنيق، وهو شارع للمشاة مليء بالمقاهي التي تقدم مأكولات خضرية حصراً والمحال التجارية الصغيرة في منطقة كاثيدرال كوارتر الثقافية المزدهرة في المدينة. نحدق في عملها بصمت: إنها مجموعة متداخلة من الفراشات الملونة الزاهية ذات الأحجام المختلفة والمصنوعة من الجص، مرتبطة ببعضها بنتوءات تشبه الأغصان. جمالها خالص عندما يُنظر إليها من بعيد. وعند رؤيتها عن قرب، يمكنك إدراك أن الأجنحة مزينة بصور فوتوغرافية ومقاطع من جمل مكتوبة: لقد طلبت أبريل من السكان المحليين أن يشاركوا بذكرياتهم التي لا تُنسى عن ديربي كي تتمكن من دمجها في التكوين. “مساهمة السكان تجعل العمل إنجازاً محلياً وشعبياً من دون أن يبدو وكأنه من صنع هواة”، تقول أبريل عن العمل الذي تمكنت من تنفيذه بفضل منحة من صندوق ديربيز فايبرانسي قدرها 250 ألف جنيه إسترليني، مخصصة للفنانين المحليين لابتكار مشاريع من شأنها تحسين مركز المدينة. سيزيّن عملها عند انتهائه الشارع الذي توجد فيه الورشة، إما بوضعه فوق المدخل أو بنصبه ليصل إلى المتجر الكائن في الجانب المقابل من الشارع. مثله مثل معظم الأعمال الفنية، صُمم مشروع أبريل بحيث يمكن تقدير أهميته على مستويات مختلفة. إذا أزلناه من سياقه المحلي، يمكن ببساطة الاستمتاع به كتحفة جميلة من الناحية البصرية، لكن تحت الأجنحة التي تبدو ملونة بطريقة عبثية، هناك رمزية أعمق بكثير. كانت فكرة تحوّل الفراشات وتغيّر شكلها ملهمة لهذا العمل، ما يعكس الطريقة التي تغيرت بها ديربي نفسها بشكل جذري، على الصعيد الثقافي ومن حيث تكوينها العرقي، خلال الأعوام الـ12 التي عاشت خلالها الفنانة في هذا المكان. لو ذكرتَ اسم هذه المدينة الواقعة في مقاطعة ديربيشير أمام أي شخص ليس من السكان المحليين، فيسقابلك بنظرة مستهجنة في أسوأ الأحوال أو لا مبالية في أحسنها. غالباً ما يُنظر إليها على أنها مكان يقع على الطريق إلى وجهة أفضل – وهو انطباع عززته مدن عدة قريبة أكثر بروزاً. آدم باص، الرجل الذي يحاول تغيير تلك النظرة من خلال المراهنة على مشروع يحوّل ديربي إلى ثاني مدينة تهتم بالثقافة في المملكة المتحدة بحلول عام 2025، يقول: “لقد عشنا لأعوام في كواليس المدن الأكبر المحيطة بنا، مثل مانشستر، شيفيلد، برمنغهام، نوتنغهام وليستر”. لقد أبلى عنوان المبادرة – إلى جانب تمويل حكومي بقيمة 15 مليون جنيه استرليني – بلاء رائعاً في تغيير حظوظ المدينتين الفائزتين سابقاً: هال (عام 2017) وكوفنتري (عام 2021). يتابع آدم: “أنا من الجنوب، وأنا معتاد على احتفاء الناس بالأمور التي يحسنون صنعها والتباهي بها. عندما أتيت إلى هنا، شعرت وكأن ثقافة مختلفة تماماً هي السائدة، وُصفت لي باختصار كالتالي ’نحن نصنع الأشياء ويتم الحديث عنها في أماكن أخرى‘”. السبب في هذه النظرة يرجع جزئياً إلى الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يقول آدم: “لطالما كانت مدينتنا مكاناً للتصنيع: الطائرات والقطارات والسيارات… هناك تاريخ من العمل المجهد وصناعة الأشياء، ولكن ليس التباهي بها”. إن تقليد “صناعة الأشياء” و”عدم التباهي” على حد سواء مستمر حتى يومنا هذا (على الرغم من أن محاولة الظفر بلقب مدينة الثقافة أدت بالفعل إلى تحوّل في التفكير المتعلق بالحديث عن الإنجازات). بالنسبة إلى مدينة صغيرة الحجم، فإن ديربي مكتظة بالمشاريع الصناعية والهندسية: تصنع رولز رويس محركات الطائرات المتطورة والمشهورة عالمياً هنا، بينما تبني شركة النقل الكندية بومباردييه القطارات، أما شركة تصنيع السيارات اليابانية تويوتا، فتوظف الآلاف لإنتاج سيارات كورولا في منشأة بيرناستون القريبة. تتسنّى لي معرفة كل هذه الأمور، إضافة إلى التراث الصناعي الغني للمدينة، في متحف الصُنع بـديربي، الذي أعيد افتتاحه في مايو (أيار) من عام 2021 بعد خضوعه لعملية تجديد مذهلة كلفت 17 مليون جنيه استرليني. تم اختيار مكان مناسب للمتحف الجديد الجذاب في مغزل الحرير القديم في ديربي – وهو أول مصنع في العالم، حيث احتفل أخيراً بمرور 300 سنة على تأسيسه. يعج داخل المتحف بالمعارض المرتبطة بماضي ديربي وحاضرها كمركز لـ”صنع” كل الأشياء. يشتمل القسم المفضل لدي في المتحف على مكان للتجميع – إنه أشبه بغرفة مخزن مفتوحة تُعرض بداخلها عشرات الآلاف من المكونات، مصنفة ضمن مجموعات بحسب موادها الأولية ومفهرسة ضمن قاعدة بيانات يمكن البحث فيها – وكذلك معرض مؤقت يحمل اسم “مسرح كاباريه الميكانيكي”، وهو عبارة عن مجموعة تضم 30 آلة غريبة من صناعة 12 فناناً معاصراً، ويستمر المعرض لغاية 13 مارس (آذار). ما يميز المتحف عن المرافق السياحية المماثلة هو تركيزه على الجانب التفاعلي – فهناك أشغال هندسية عملية حيثما نظرت حولك يمكنك تجريبها، بينما تقام ورشات عمل بشكل منتظم حول كل ما يخطر ببالك، بدءاً من تصنيع المعادن ووصولاً إلى الأعمال الخشبية للمبتدئين. أغتنم الفرصة لأجرّب النول اليدوي في المتحف، تحت إشراف خبيرة المنسوجات كيتي سيمز، وهي صانعة مقيمة في المتحف. أحرك المكوك إلى الأمام والوراء، شاعرة في البداية بقلّة مهارتي وتعثري، لكن سرعان ما توصلت إلى حالة من الهدوء والتأمل. تقول كيتي وهي تريني محترفها متناهي الصغر، والمليء بنماذج منسوجة بشكل جميل من تصميمها الخاص: “أعتقد أن اختيار المرء بشكل واعٍ القيام بالأشياء برويّة يزيد من أهمية العمل وجدارته بالاهتمام… يفعل الناس ذلك لأسباب مختلفة، قد يكون ذلك السبب علاجياً…”. يمكنني بالتأكيد إدراك عنصر الجذب في هذه الحرفة، على الرغم من أن رؤية يد كيتي تتحرك في الهواء إلى جانب 16 مسلة، لحياكة عدد مذهل من التصميمات المختلفة، هي أمر مرعب إلى حد ما. لكن من الواضح أن الأمر يستحق أن تتم العملية ببطء: يمكنك الشعور بالحب والجودة المبذولين في العمل، من النموذج المبطن الرائع باللون الوردي الباهت والأبيض، إلى وشاح متقن استغرق نسجه شهراً كاملاً (قامت كيتي بصباغة خيوطه بنفسها). تلخّص كيتي ذلك الشغف الذي يتسم بالرصانة والاتقاد في آن معاً الذي وجدته في الأشخاص والمشاريع الفنية التي تعرفت إليها خلال عطلة نهاية الأسبوع التي قضيتها في ديربي. رأيته في لويز فيدوتوف، المديرة الفنية لمجمع “كواد” للفنون المعاصرة، والمديرة المنسقة لمهرجان ديربي للتصوير الفوتوغرافي الذي يُقام كل عامين، وهو حدث التصوير الفوتوغرافي الدولي الرائد في المملكة المتحدة (من كان يعلم؟ هذا مثال آخر على أن ديربي تخفي ألقها وراء شهرتها الصناعية). إنها تتحدث بثقة منخفضة لكنها مقنعة عن آخر نسخة للمهرجان أقيمت عام 2021، التي استخدمت أحدث التقنيات لتوفير معارض رقمية ثلاثية الأبعاد بحيث يمكن عرض الأعمال والاستمتاع بها على الرغم من القيود التي فرضها وباء كورونا. كما أنني أرى ذلك الشغف في ساحة “ديدا” للرقص وعروض الحركة، التي تنظم مهرجان “فيستي” السنوي لفن الشارع، الذي تمكّن من جذب كبار الفنانين البصريين مثل تيم إيتشلز – المدير الفني لشركة “فورسد إنترتينمنت” الرائدة في مجال الأداء التجريبي ليشارك بأعماله، هذا إلى جانب استخدام الساحة لتقديم دروس الرقص وعروض الأداء. وأجد ذلك الشغف بكثافة في متحف ومعرض ديربي للفنون، الذي يضم أكبر مجموعة من اللوحات في العالم للفنان الشهير جوزيف رايت من القرن الثامن عشر. من المفترض أن أتجول لوحدي في المعرض، لكن بعدما دلّني المرشد ذو الشعر الكثيف، نايجل، على الطريق إلى المعرض في الطابق العلوي، لم يتمالك نفسه – إنه عاشق لأعمال رايت، وفي كل مرة يحاول فيها مغادرة القاعة يتشتت انتباهه بسبب الطريقة التي رسم بها الفنان الطيّات في قطعة من الحرير الناعم على فستان سيدة، أو الطريقة التي يضفي بها مصدر ضوء خفي نوراً غنياً ودافئاً على الشخصيات الواقفة حول نموذج للنظام الشمسي، أو الطريقة التي تخبرنا بها الظلال القصة تماماً كما يفعل الضوء. إنه يتحدث بلطف ولكن بفخر شديد عن الرسام الذي جاء من هذه المدينة الصغيرة المجهولة، والذي يتم الاعتراف به الآن كواحد من أعظم المواهب البريطانية في عصره. بينما كنت أرتشف قهوتي مع وجبة خفيفة في مقهى وبار “بير”، تذكرت شيئاً قاله آدم باص في وقت سابق من صباح ذلك اليوم عندما سألته لماذا تستحق ديربي الفوز بسباق مدينة الثقافة من بين المدن السبع المتنافسة الأخرى (التي تشمل برادفورد وكورنوال وساوثامبتون). كانت إجابته: “إذا فزنا، لا بد من أن يعود الأمر بالنفع على سكان هذه المدينة أولاً وقبل كل شيء. سوف نتواصل مع العالم وندعوه للانضمام إلينا- لكن عندما يرحلون، نريد تغيير حياة الناس في ديربي للأفضل. نريد أن نجعل من ديربي مكاناً رائعاً للعيش والعمل والزيارة”. بعدما جرّبت شخصياً الأمور الثلاثة الأخيرة، حتى قبل بدء السباق، يمكنني القول بثقة إن أهل ديربي قطعوا شوطاً كبيراً نحو هدفهم – لكن هذا لا يعني أننا سنسمعهم يتفاخرون بإنجازاتهم عما قريب… © The Independent المزيد عن: الثقافة \ الحفلات والمهرجانات \ الإرث الثقافي \ الحياة الثقافية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Report on housing needs across Nova Scotia expected by year’s end next post “جميلة بوباشا” في رسم لبيكاسو ونصوص من دي بوفوار ورفاقها You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.