موريس ميرلو – بونتي (1908 – 1961) (غيتي) ثقافة و فنون “موسوعة” موريس ميرلو بونتي… عندما يشرف المفكر الكبير على قاموس فلسفي by admin 19 سبتمبر، 2023 written by admin 19 سبتمبر، 2023 49 1500 صفحة لتأكيد حرية الفكر وذاتيته وبانوراما تبدأ ببوذا لتنتهي عند سارتر اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب يعرف المهتمون بالفلسفة ودروسها، سواء كانوا من المثقفين غير المتخصصين أو الأكاديميين، أن في لغات العالم الكثيرة، عدداً كبيراً من الموسوعات والقواميس الفلسفية، بل لعل هناك من هذه القواميس التي غالباً ما تكون شديدة التخصص، أعداداً تفوق القواميس والموسوعات التي تعنى بغير الفلسفة من شؤون الفكر والعلم والإبداع بصورة عامة. وإذا ما عدنا بعيداً في الأزمنة السحيقة سنتنبه حتى إلى أن هذا النوع من العمل الموسوعي إنما بدأ بالفلسفة من دون غيرها. وإذ نقول هذا، قد يحضرنا تحديداً كتاب ديوجين اللائرسي المتعدد الأجزاء عن “حياة مشاهير الفلاسفة” ومثله كتاب بلوتارخ “السير” من دون أن ننسى ما تلاهما من أعمال موسوعية تزين تاريخ الكتابة الغربية. ونعرف في السياق أن ثمة اليوم موسوعات وقواميس تتناول كل ما يخطر أو لا يخطر في بالنا من علوم ومعارف في شتى الأصناف والأفكار. ومع ذلك يبقى للموسوعات الفلسفية أهمية استثنائية فحواها، أنه لئن كان ثمة قدر من المكان لوجهات النظر في كل موسوعات الشؤون الأخرى، فإن ما يتعين عليها أن تتسم به هو ذلك النوع من الموضوعية التي توصف بالعلمية، لكن الفلسفة تستثنى من هذا. فالعمل الموسوعي الفلسفي سواء تناول الفلاسفة أنفسهم أو الكتب الفلسفية أو مفاهيم هذا الصنف الفكري، يمكنه دائماً ومن دون وجل، أن يحمل قدراً كبيراً من ذاتية واضعه أو واضعيه، وذلك بالتحديد لأن الفلسفة ليست علماً خالصاً. وهي إن لم تكن في الوقت نفسه إبداعاً يتيح للخيال وحرية التصرف أكبر قدر ممكن من الحرية، فإن من سماتها الأساسية أن تكون في المقام الأول، وجهة نظر. لكل موسوعة منطقها الخاص ومن هنا كما نعرف، هناك في فرع الموسوعات الفلسفية على كثرتها وتنوعها فرع يتعامل مع لغات الفلاسفة من منطلق أن لكل فيلسوف في نهاية الأمر لغته التي تختلف عن لغة أي زميل له. ومن هنا كذلك هذا الطابع الذاتي الذي يسم حتى الاستخدام اللغوي في الفلسفة. فعلى سبيل المثال، قد تصدر في زمن واحد موسوعات فلسفية عديدة ستصبح كل منها ضرورية إلى جانب الأخريات وانطلاقاً بالتحديد من مطالعة أسماء من شاركوا في صياغتها أو حتى من اسم من أشرف على صياغتها. وغالباً من دون أن يعني ذلك، التحسر أمام تناقضات ستكون موجودة حتماً بين ما تقوله كل واحدة منها وحول نفس المواضيع. وهو أمر لا يتوافر بمثل هذا الوضوح في الموسوعات (والقواميس) التي تتناول شؤون صنوف أدبية فنية أو فكرية أخرى. والحقيقة أن تلك الروح هي التي حكمت ردود الفعل على الصدور المتأخر جداً – أي بعد نحو نصف قرن من رحيل الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو بونتي (1908 – 1961) – للموسوعة الضخمة التي كان يشتغل عليها بدأب حين رحيله وصدرت تحت عنوان “الفلاسفة، من العصور القديمة إلى القرن الـ20: تاريخ وصور” في نحو 1500 صفحة. وكانت تلك الموسوعة صدرت للمرة الأولى، ناقصة أيضاً في عام 1956، بعنوان مختلف هو “الفلاسفة الشهيرون” وذلك ضمن سلسلة كتب موسوعية تتناول “النحاتون” و”الكتاب” إلخ. غير أن الطبعة الجديدة التي صدرت عام 2007 متكاملة للمرة الأولى أتت مختلفة إلى حد كبير. مكانة خاصة لسارتر فحملت هذه المرة حقاً روح ميرلو – بونتي، ما أضفى عليها تلك الخصوصية التي جعلتها تحتل مكانتها بسرعة على رفوف المكتبة الفلسفية العالمية، وذلك تحديداً لأنها فيما بدت في المرة السابقة مجرد عمل متخم بالمعلومات والحكايات، ها هي هذه المرة تطلع مستجيبة للمخطط الأول الذي وضعه ميرلو – بونتي من دون أن يتمكن من إنجازه كما يريد. ومع ذلك يمكن القول إن هذا السفر الضخم، الذي سرعان ما بات تأسيسياً في الدرس الفلسفي الفرنسي، كان منذ البداية يتطلع لأن يكون سجلاً لـ2500 عام من تاريخ التفكير الفرنسي يبدأ ببوذا ليتوقف عند جان بول سارتر الذي كان في أواسط خمسينيات القرن الـ20، حين “أنجز” ميرلو – بونتي هذا العمل، مالئ الدنيا وشاغل الناس. الناس الذين أدهشهم حينها ميرلو – بونتي الذي كان قد بدأ التدريس في الـ”كوليج دي فرانس” وينظر إليه جمهور الدراسات الفلسفية على أنه يشكل الضلع الرابع في مربع يقف على قمة الفلسفة في فرنسا في القرن الـ20، إلى جانب برغسون وآلان وسارتر، بأن يختم الموسوعة بنص يمجد هذا الأخير. وفي الحقيقة إن المكانة التي جعلها ميرلو – بونتي لسارتر في القاموس كانت مفاجئة بخاصة أن العلاقات لم تكن على ما يرام بينهما وكان للمشرف على الموسوعة حرية التصرف فيها. ومن المتفق عليه أن هذا النوع من العمل، ذاتي في نهاية المطاف وليس موضوعياً بالضرورة، كما أشرنا أول هذ الكلام، لكن ميرلو – بونتي فعلها وكان سارتر أول الذين فوجئوا. بيد أن الأمور لن تقف عند هذا الحد، وذلك لأن المشرف النزيه على ذلك العمل الضخم (ميرلو – بونتي) وكما الحال في الموسوعات الأخرى طبعاً، لم يدبج مئات صفحات هذه الموسوعة وحده، بل أشرك معه في العمل مجموعة فلاسفة شبان بالكاد كان أحد سمع باسم واحد منهم: ففي تلك الحقبة حتى وإن كانت أسماء مثل جيل ديلوز وجان ستاروبنسكي وحتى فردينان آلكيي وجان بوفريه معروفة، فإنها لم تكن قد خرجت بعد من دوائر العمل الجامعي ومن أوساط النخبة. وحده غاستون باشلار كان ذا قيمة وشهرة كبيرتين من بين الذين تعاونوا مع ميرلو – بونتي في موسوعته، لكننا نعرف الآن أن كل واحد من هؤلاء سيشغل خلال العقود التالية، أي خلال الحقبة التي مضت بين صدور الطبعة المبكرة من الموسوعة وصدور طبعتها الجديدة الأكثر اكتمالاً بكثير، غالباً نفس المكانة التي كان يشغلها سارتر وميرلو – بونتي حينها. وربما كن عملهم في تلك الموسوعة قد شكل أول إطلالة جدية لهم على الجمهور العريض الذي كان الناشرون والمشرف على الموسوعة يتوخون أن تمده الموسوعة المكتوبة بلغة بسيطة على أي حال، ببساط مدهش من المعلومات والآراء الفلسفية. ولكن، وهو أمر لا بأس من التركيز عليه، من منطلق تعمد ميرلو – بونتي أن يدنو منه حتى وإن لم يفرض بالطبع ذلك الدنو على المتعاونين معه (ولن نقول هنا على معاونيه، فالعلاقة بين المشرف وكتاب المواد لم تكن علاقة أستاذ بحوارييه بل علاقة ندية لمفكر بمفكرين آخرين). غير أن أولئك لم يكونوا وحدهم. جيل أكثر جدة لقد كانت إلى جانب توقيعاتهم مجموعة من تواقيع كانت، ولا تزال، أقل شهرة من تواقيعهم، من فردريك وورمس إلى باتريك وولتنغ وأندريه توزيل، ما يدفعنا ربما إلى القول إن هذه الموسوعة لو صدرت في المرة الأولى بالصورة التي باتت لدينا اليوم وقد اكتملت، لكان من الممكن لنا أن نعتبرها، بشكل أو بآخر، الرحم الحقيقي الذي ولدت منه تلك “الظاهرة” التي سيطلق عليها الأنغلوساكسونيون، لا سيما الجامعيون الأميركيون منهم اسم “فرنش ثيوري” (النظرية الفرنسية)، وليس فقط بفضل تضافر في أسماء الذين تعاونوا فيها مع ميرلو – بونتي، تجعل القارئ أمام بانوراما حقيقية تقدم صورة لما كانت وستصبح عليه الفلسفة الفرنسية أكثر وأكثر خلال العقود التالية من القرن الـ20، بل كذلك لأن الحس السجالي والمشاكس أحياناً الذي عبر عنه كثر من المشاركين في تناولهم الحر لكل ما ومن عرفته فلسفة العالم خلال الألفيات السابقة، شكل في حد ذاته أرضية فلسفية مهدت لما سيأتي داخل العمل الجامعي وخارجه. ومن هنا كان من الطبيعي أن تحمل هذه الموسوعة، بخصوصيتها المدهشة، التي تحمل أولاً وأخيراً صفة “فكر حر إلى أقصى حدود الحرية”، اسم موريس ميرلو – بونتي الذي جعل ذلك ممكناً بكل ما في هذا التأكيد من تناقض. ترى أفليست الفلسفة نفسها، في نهاية المطاف فن إدارة التناقض؟ المزيد عن: جان بول سارترالفلسفةموريس ميرلو بونتيالقواميس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أم تشارك تجاربها مع الأعراض التي تجاهلها الأطباء عن سرطان القولون next post أميلي نوتومب تعيد تركيب جسدها بعد الاعتداء عليها You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024