ثقافة و فنونعربي “الزوجة الثانية” لصلاح أبو سيف مرافعة عن مكانة المرأة المصرية by admin 25 مارس، 2023 written by admin 25 مارس، 2023 13 الفيلم الذي انتقد السلطة والمجتمع المصريين في مرحلة كان ذلك الانتقاد مستحيلاً اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب من المؤكد أن الدور الذي لعبته سعاد حسني في فيلم حسن الإمام “خللي بالك من زوزو” يبقى الأشهر بين أدوارها السينمائية جميعاً، مهما كان رأينا في الفيلم. وكذلك من المؤكد أن الدورين اللذين لعبهما شكري سرحان في فيلم “البوسطجي” لحسين كمال و”شباب إمرأة” لصلاح أبو سيف نفسه، هما الدوران الكبيران اللذان ظل هذا الفنان الاستثنائي يفخر بأدائهما حتى أيامه الأخيرة. ونعرف أن النجمين الكبيرين اللذين تواكبت نجومية كل منهما مع مكانته كممثل كبير من خلال عشرات الأفلام التي يكاد كل منها أن يكون علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، لعبا أدواراً لا تنسى. ومع ذلك فإن دور كل منهما الأقوى والأكثر تعمقاً في التاريخ الأكثر جدية في فن الأداء يظل ماثلاً في ذلك الفيلم الذي اجتمعا فيه معاً تحت إدارة صلاح أبو سيف: “الزوجة الثانية” المقتبس عن رواية للكاتب أحمد رشدي صالح والذي حققه أبو سيف في زمن استثنائي في تاريخ مصر الحديثة من إنتاج القطاع العام، أي بتمويل من الدولة التي – للمناسبة – حُققت بأموال قطاعها العام هذا، عشرات الأفلام التي قد تكون كلفت باهظاً ولم تحقق سوى مداخيل ضئيلة، لكنها إذ يستعاد ذكرها اليوم، تشرف الفن السابع المصري فتكاد تكون تراثاً وطنياً بشكل يبرر ما أُنفق عليها. وهذه حال “الزوجة الثانية” بالتأكيد، على رغم الصفعات التي يوجهها هذا الفيلم إلى السلطة ومجتمعها وممارسات الناطقين باسمها ظلماً وعدواناً، كما سنرى. من المدينة إلى إلريف عندما حقق صلاح أبو سيف فيلمه “الزوجة الثانية” في عام 1967، كان لا يزال خارجاً لتوه من واحدة من أكثر مغامراته السينمائية إثارة وجدية، فيلم “القاهرة 30” الذي اقتبسه من رواية نجيب محفوظ المعروفة. ولئن كان ذلك الفيلم واحداً من أكثر أفلام أبو سيف “مدينية”، فإن المدهش كان أنه غاص بعده، ولمرة نادرة من مساره السينمائي، في عمل تدور أحداثه في الريف المصري. وكانت غرابة الأمر تكمن في أن سينما صلاح أبو سيف، على غرار أدب نجيب محفوظ، كانت مدينية خالصة، ولم يكن هناك ما يشي بأن الحياة في الريف كانت تشكل واحداً من اهتماماته. ومع هذا، بدا “الزوجة الثانية” وكأنه من نتاج مخرج يعرف الريف جيداً، ويعرف أنماط الحياة والعادات والأعراف فيه. وبدت إدارته للممثلين – وهم كانوا من كبار الكبار في السينما المصرية ذلك الحين، أداءً إن لم يكن نجومية، سعاد حسني، صلاح نظمي وشكري سرحان – استثنائية طالعة مباشرة من الريف، ومع ذلك علينا أن نلاحظ أن الهمّ الأساسي للمخرج الكبير لم يكن تقديم صورة ما للريف المصري ولا لنمط الحياة فيه. بل، كما سنرى، الحديث عن السلطة نفسها وإساءة استخدامها لمقدراتها لظلم المواطنين متمثلة في شخصية العمدة الذي لم يفت أحداً أنه إنما هو صورة لأعلى مراتب السلطة. ومن ثمّ للمقاومة التي يمكن للشعب أن يبديها تجاه قوة العمدة / المتسلط الغاشمة ولا سيما المقاومة التي لم يكن من قبيل الصدفة أن تقوم بها المرأة في مجتمع تعود فيه السلطة إلى الذكور ويكون القهر من حصة النساء، وتختلط فيه شؤون الحياة الخاصة، بالشؤون العامة ولو عن طريق الإسقاط والاستعارة. ومهما يكن في الأمر فإن أبو سيف عزا نجاحه، في هذا الفيلم، إلى القصة التي كتبها أحمد رشدي صالح، الذي كان معروفاً بفكره التقدمي، كما إلى التصور الأول للرؤية السينمائية – السيناريو في صياغته الأولى – التي اشتغل عليها سعد الدين وهبة قبل أن يترك المشروع لانشغالات أخرى. ولعل ما يمكن التوقف عنده هنا هو أن هذين الكاتبين عرفا دائماً بموقف نقدي لكل منهما من السلطة. موقف يساري عنيد بالنسبة إلى رشدي صالح، وموقف انتقادي لكنه مهادن بالنسبة إلى وهبة. ولا شك أن الموقفين التقيا بنوع من المصالحة لدى صلاح أبو سيف فأنتج اللقاء هذا الفيلم الذي يبقى دائماً في حاجة إلى أن يُكتشف من جديد! صلاح أبو سيف: “ثائر” من داخل السلطة! (غيتي) جوّ عام مهما يكن من أمر فإن صلاح أبو سيف كان يقول دائماً أن ما اجتذبه إلى القصة لم يكن أحداثها، فهي أحداث كان يمكن أن تقع في أي مجتمع مديني، وإنما “جوّها العام”، ولكن أيضاً، بحسب قوله: “وكان هناك تصوير السلطة: العمدة الذي يستخدم سلطته هذه لإجبار زوج شاب فقير لامرأة حسناء، على تطليقها كي يتزوجها هو”؛ مضيفاً أنه يذكر دائماً أن ما اجتذبه أكثر من هذا وذلك لخوض تلك المغامرة الفنية والمجازفة السياسية إنما كان ما يعد به المشروع، من التعبير عن قدرة الضعفاء لاحقاً على التحرك للانتقام من أصحاب السلطة على طريقتهم”. إذاً، في هذا السياق، عرف أبو سيف كيف يكون أميناً لمواضيعه السابقة وكيف يحوّل سينماه، كما دائماً، إلى مرافعة اجتماعية في زمن كان يسمح بالكاد بمثل تلك المرافعات، في بيئة سلطوية بالكاد تغض الطرف عن أعمال إبداعية تحاول أن تقول الأمور الخطيرة بطرق بسيطة. وأبو سيف، على رغم وقوفه هو مع تلك السلطة، وعلى رغم أن هذه كانت هي من موّل فيلمه، من طريق القطاع العام كما أشرنا، كان يحرص دائماً على “فضح” الأساليب السلطوية، حتى وإن لم يكن ثورياً بالمعنى المعهود للكلمة. دور المرأة غير أن هناك ذلك البعد الأساسي الآخر الذي ألمحنا إليه، في هذا الفيلم قبل سطور، ولا بد دائماً من التوقف عنده، إذ إن هذا التوقف يسمح لنا بالكشف عن قيمة مضافة في هذا الفيلم: دور المرأة في الحياة الاجتماعية، الدور الذي لطالما أظهره أبو سيف في سينماه، حتى وإن لم يدّع أن سينماه سينما امرأة على غرار ما كانت الحال مع زميله هنري بركات الذي وبخاصة حين أعطى الفنانة القديرة فاتن حمامة أدوارها النسائية التي تعتبر الأقوى في تاريخها الفني، عرف كيف يجعل من فنه السينمائي فناً نسويا بأشد ما يحمله هذا المعنى (ولنكتف هنا بذكر فيلمين أساسيين لبركات: “دعاء الكروان” عن رواية طه حسين، و”الحرام” عن رواية يوسف إدريس). وأما المرأة هنا، في “الزوجة الثانية” فهي، طبعاً، سعاد حسني التي بدت – من طرف موارب – أشبه بشهرزاد معاصرة، لا تتوقف عن ابتكار الحيل، لعدم إشباع رغبة زوجها العمدة الذي بدا لها اقترانه بها أشبه باغتصاب حقيقي، كما بدت هي أشبه بهاملت من خلال استخدامها الحيلة ذات لحظة بديعة من لحظات الفيلم، عبر تمثيلية شعبية يؤديها “الأراجوز”، للتصدي للظلم السلطوي اللاحق بها وبزوجها الحبيب. حكاية ريفية؟ لقد تضافرت هذه العناصر معاً، في هذا الفيلم، الذي نعرف أنه يدور من حول تلك الحكاية الريفية المتحدثة عن عمدة اجتذبه جمال فتاة شابة في القرية، فأراد أن يجعل منها زوجة ثانية إلى جانب الأولى التي تقدمت في العمر من دون أن تنجب له وريثاً. وهو ينتزع الزوجة الثانية من رجلها غير مبال لا بالعواطف ولا بالحقوق… ولا حتى بكرامة زوجته الأولى. ومن الواضح في الفيلم أن هذه الاعتبارات معاً، إذ لم تحرك العمدة، وبدا الزوج الشاب عاجزاً عن تمثلها، تولت الزوجة الجديدة، سعاد حسني أمرها، بذكاء وقوة وحيلة، نعرف أن كثراً أخذوها على صلاح أبو سيف حينها، ولا سيما حين سأله الناقد هاشم النحاس: “كيف تتحول فلاحة ساذجة، مثل تلك التي تلعب دورها سعاد حسني في الفيلم، إلى امرأة تتلاعب بالعمدة المعجون بالخبث وتسيطر عليه إلى هذا الحد؟”، فكان جوابه: “لقد رأيت ذلك ممكناً في الحياة. ولئن كان العمدة قادراً على السيطرة على الآخرين، من الفلاحين وحتى على المأمور نفسه، فقد كان في مقدور سعاد حسني في الفيلم أن تمنع نفسها عنه”. والحقيقة أنه، سواء أكان في وسع فلاحة في الحياة أن تفعل هذا، أو لم يكن، من المؤكد أن “الزوجة الثانية” أتى في حينه أشبه بتحية سينمائية للمرأة المصرية، وللمرأة الريفية بشكل خاص. المزيد عن: سعاد حسني\السينمائي المصري صلاح أبو سيف\فيلم الزوجة الثانية\حسن الإمام\حسين كمال\المرأة المصرية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بيل غيتس يرى الذكاء الاصطناعي كخطر متطور يتجاوز البشر next post توماس مان روائي أحوال النفس الإنسانية المريضة You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024