ثقافة و فنونعربي دوريس ليسينغ تفتح السجون التي يختار الإنسان العيش فيها by admin 21 يوليو، 2020 written by admin 21 يوليو، 2020 148 محاضرات ألقتها الروائية البريطانية “النوبلية” تتناول فيها ازمات الإنسان المعاصر اندبندنت عربية/لنا عبد الرحمن لا يبدو كتاب “سجون نختار أن نحيا فيها” للكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ، مجرد كتاب فكري تطرح من خلاله ليسينغ خلاصة رؤيتها للتاريخ والحضارة وغيرها من القضايا التي ناقشتها في العديد من كتبها، بل إن هذا الكتاب يعمد إلى طرح الأسئلة غير المباشرة عبر تقليب التربة الجافة للواقع الغربي الراسخ منذ عقود، والذي لا يُعتبر كذلك بالنسبة إلى المؤلفة. إذ لطالما انقلبت ليسينغ على أفكارها باحثة عن الحقيقة المجردة، لا ثوابت في عالمها إلا للفضول الشرس والباحث بتلهف عن معرفة محجوبة. لم تركن ليسينغ إلى الفكر الشيوعي الذي انضمت إليه مدة من حياتها، وانتقدت كل الأفكار الأخرى الاشتراكية والرأسمالية وغيرها، وفي إبداعها كتبت روايات واقعية، وأخرى تدمج بين الخيال الإبداعي والعلمي، ما جعل قراءها ينقسمون إلى من يفضلون روايات الواقع مثل “المفكرة الذهبية” ويشعرون بالأسف لجنوحها نحو كتابة الخيال العلمي، فيما القسم الآخر لا يفضل كتابتها الواقعية ويرى قمة إبداعها في ما أنجزته في كتبها الخيالية. كتبت ليسنغ سلسلة روايات تنتمي إلى الخيال العلمي، بدأتها برواية “شيكاستا” وقدمت رؤيتها القلقة إلى مصير كوكب الأرض من خلال قصة كوكب موازٍ، أو شبيه بالأرض، يتطور من الازدهار إلى التدمير الذاتي تحت رعاية ثلاث إمبراطوريات، وفي هذه السلسلة تطرح كل مخاوفها وتساؤلاتها عبر دمج الخيال بالواقع فتتناول علم الوراثة والحرب النووية وما بعد الاستعمار، والعنصرية، ومخططات استعمار الفضاء وهشاشة الكوكب أمام النزاعات والجشع الذي سيؤدي إلى الفناء لا محالة. الفرد والمجتمع “سجون نختار أن نحيا فيها”، يضم بين دفتيه خمس محاضرات تتحدث فيها صاحبة “العشب يغني” عن علاقة الفرد بالمجتمع الحديث، وتبدو أفكارها واضحة ومحددة في التحذير من عدم الاستسلام للعقل الجمعي الذي يُهيمن على الفرد، فتُطالب ليسينغ الإنسان بأن يتحلّى بالحياد والهدوء والنظرة الثاقبة في رؤية الحياة عوضاً عن التقليد الأعمى. يُمكن اعتبار هذا الكتاب من ضمن الكتب الموجهة لأولئك البشر الذين لديهم رغبة في عدم المضي وراء ما ينتهجه الآخرون، بل خلف رؤيتهم الأصلية الخاصة غير المقلّدة. تقول: “انظرْ كيف يتبنى الجميع موقفاً ما إزاء كاتب أو كتاب معين. الكل يقول الأشياء عينها تقريظاً كانت أو تثريباً إلى أن يحدث تبدل في الرأي والذي قد يكون جزءاً من تحول اجتماعي أوسع”. الكتاب في ترجمته العربية (دار النشر) محاضرتها “مختبرات التغيير الاجتماعي” لا تبدو غريبة أبداً عن عالم اليوم، يحق لنا السؤال: إلى أي مدى ازدادت أحوال العالم سوءاً عن زمن الثمانينيات الذي كتبت فيه ليسينغ كلماتها؟ العالم الآن من حولنا يزداد غرقاً، تلوثاً، اضطراباً ووباء، لكن في الوقت نفسه وكما ترى الكاتبة النوبلية أنه في كل أوان لابد من وجود قوى متصارعة يسعى أحدها إلى الهيمنة على الآخر، وإرساء قوانينه وقواعده لحكم العالم، وفي كل أوان أيضاً ثمة وعيٌ ما يتشكل بهدوء قد يُساهم بشكل من الأشكال في تكوين رؤى جديدة تُنقذ العالم من الانصهار في بوتقة التفكير الجمعي العبثي. غسيل الأدمغة في المحاضرة الأولى “عندما ينظرون إلينا من المستقبل” تتوقف ليسينغ عند أحداث واقعية تدل على الروح البدائية ذات النزعة الوحشية عند البشر، مثل إدانه مزارع لثورٍ وإعدامه لأن قاتل “الثور أزهق روحاً”، أو واقعة حدثت في نهاية الحرب العالمية الثانية حين حُكم على شجرة معينة بالإعدام بسبب تعاونها مع العدو. تتساءل ليسينغ: “هذا هو ما أريد التحدث عنه في هذه المحاضرات الخمس إلى أي مدى يُهيمن علينا ماضينا الهمجي كأفراد وجماعات؟ أو تقول: “كيف يا ترى سنبدو للقادمين من بعيد؟” إن معظم التساؤلات المطروحة في هذا الكتاب، على الرغم من الفارق الزمني لا تبدو مفصولة عن الزمن الآني، سواء في السلوك المجتمعي على مستوى علاقته بالعالم ، ووعود الأمان والحرية التي لم تتحقّق مع طفرة الحداثة، أو بالنسبة إلى كوكب الأرض كمأوى للبشر يتعرّض للتآكل. وإذ كانت تتوقف في محاضراتها أمام النزعة البدائية التي استدعتها الحروب الكارثية التي حصلت في زمنها، والتحولات السياسية الكبرى، سقوط المعسكر الاشتراكي وهيمنة الرأسمالية، فإن الإنسان المعاصر الذي تضاعفت الحروب من حوله وتناسلت الأمراض والأوبئة، ونخر التلوّث غلاف الأرض، يعيش متجرّداً من الطمأنينة بعد زعزعة الجداريات التي ارتكن إليها طويلاً. لعلّ المفارقة في التماثل الذي تحكي عنه ليسينغ وصراعات الآن، أنها تتكرّر بشكل يؤكد أنها لم تنتهِ من قبل، فحين تحكي في المحاضرة الثانية “أنتم ملعونون ونحن ناجحون” عن الصراع العرقي للبيض والسود، وعن هيمنة التعصّب الدينيّ الذي عاد بقوة إلى ساحة أيامنا أيضاً يبدو حينها قارئ اليوم في حاجة إلى هذه الكلمات: “إذا حالفكم الحظ، سوف تخرجون من التجربة أوسع أفقاً من خلال خبراتكم لما أنتم قادرون عليه وأنتم في طريق التعصّب والتشدّد. ستفهمون تمام الفهم كيف يمكن للعقلاء من الناس في أوقات الجنون العام أن يقتلوا ويدمّروا ويكذبوا ويقسموا أن الأسود أبيض”. الأصل الإنجليزي للكتاب (دار النشر) لعلّه من المهم عند قراءة محاضرات ليسينغ، محاولة وضع المعاناة الإنسانية في مجملها ضمن سياق زمني متصلٍ بالأمس وغير مفصولٍ عن سلسلة التاريخ الممتدّ منذ القدم، لأن أي محاولةٍ للفصل تعني الدوران في حلقة مفرغة مع نزع الحدث من سياقه. انطلاقاً من هذا يبدو الحديث في المحاضرة الثالثة “الانصراف إلى مشاهدة المسلسل” عن أشخاص اعترفوا بجرائم لم يرتكبوها خاضعين لتقنية غسيل الدماغ، التي تبدو أيضاً متبعة حتى الآن وهي: التسبّب بتوتّر يعقبه استرخاء بما يترافق مع تنمّر وساديةٍ، يتبعها ودٌ زائفٌ، ثم ترديد فكرة معينة مراراً وتكراراً، أيضاً اختزال أفكار مركّبة إلى مجموعة بسيطة من الكلمات. إن ما يمكن تطبيقه من هذه الوسائل على المستويات السياسية والدينية والاجتماعية، يُطّبق أيضاً في الاقتصاد وفي إعلانات التلفزيون التي تتحكّم بوعي المشاهد. تقول: “عندما أنظر إلى الوراء يدهشني شيءٌ لم ألتفتْ إليه حينذاك وهو توافر أمثلةٍ كثيرةٍ حديثةٍ لحالات غسل الدماغ”. تنتقد ليسينغ بشدة العقل الجمعيّ، ساخرةً من وصف المجتمعات الغربية “بالعالم الحر”، بينما في واقع الأمر أن الفرد الغربيّ الذي يتوهّم أنه حرّ يخضع دائماً لضغط ماديّ من الحكومات، وينتمي أيضاً إلى جماعات، الأسرة، العمل، السياسة، الدين. بل “لا يشعر بالسعادة في العزلة إلا قلة ضئيلة من البشر، ويظنهم جيرانهم غريبي الأطوار أو أنانيين”. لا تحاربُ الكاتبة فكرة المجتمعِ أو الانتماء إلى الجماعة، بل تُنبّه الفرد إلى أهميةِ إدراك القانون الجمعيّ الذي يحكم هذا الانتماء إلى أيّ جماعةٍ كانت، فمن أشقّ “الأمور في الدنيا أن تُبقي على رأي فرديٍ مخالفٍ وأنت عضوٌ في جماعة”. “سجون نختار أن نحيا فيها” الذي صدر عن المركز القومي للترجمة، وعن دار العين بترجمة سلسلة ودقيقة للمترجمة سهير صبري، هو واحد من أعمال ليسينغ التي بلغت ستين مؤلفاً خلال رحلتها الإبداعية المديدة والتي انتهت بوفاتها عام 2013. المزيد عن: دوريس سليسنغ/روائية بريطانية/جائزة نوبل/العنصرية/غسل الدماغ 25 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تقرير ألماني يكشف وثائق تثبت تمويل قطر لـ”حزب الله” next post لقاحات واعدة لمحاربة كورونا You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 25 comments зарубежные сериалы смотреть онлайн 25 مارس، 2024 - 9:46 م Thank you for some other informative web site. Where else may I am getting that kind of info written in such a perfect method? I have a challenge that I am simply now running on, and I have been at the glance out for such information. Reply бот глаз бога телеграмм 11 أبريل، 2024 - 7:15 ص Pretty nice post. I just stumbled upon your blog and wanted to say that I have really enjoyed browsing your blog posts. In any case I’ll be subscribing to your feed and I hope you write again soon! Reply steam cs2 betting sites 8 مايو، 2024 - 9:53 ص I read this post fully concerning the comparison of newest and preceding technologies, it’s awesome article. Reply Francisk Skorina Gomel state University 16 مايو، 2024 - 11:05 ص One of the leading academic and scientific-research centers of the Belarus. There are 12 Faculties at the University, 2 scientific and research institutes. Higher education in 35 specialities of the 1st degree of education and 22 specialities. Reply гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 2:24 ص I want to to thank you for this wonderful read!! I definitely enjoyed every little bit of it. I have you book marked to check out new stuff you post Reply купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 5:15 ص I blog frequently and I truly appreciate your content. This article has really peaked my interest. I will bookmark your site and keep checking for new information about once a week. I subscribed to your RSS feed as well. Reply 乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 3:52 ص Wow, that’s what I was looking for, what a stuff! present here at this webpage, thanks admin of this web site. Reply хот фиеста играть 14 يونيو، 2024 - 9:16 م Your way of describing everything in this piece of writing is truly pleasant, all can effortlessly understand it, Thanks a lot. Reply Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 10:41 ص Awesome! Its really remarkable post, I have got much clear idea regarding from this article. Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 1:19 ص I’m not sure why but this blog is loading incredibly slow for me. Is anyone else having this issue or is it a problem on my end? I’ll check back later and see if the problem still exists. Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 2:26 م Greetings! Very helpful advice within this article! It is the little changes that make the most important changes. Thanks a lot for sharing! Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 3:26 ص It is perfect time to make a few plans for the longer term and it is time to be happy. I have read this submit and if I may I wish to recommend you few interesting things or suggestions. Perhaps you could write next articles referring to this article. I want to read more things approximately it! Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 7:22 ص What’s up to every one, as I am really keen of reading this weblog’s post to be updated regularly. It contains good information. Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 10:07 م Good replies in return of this question with solid arguments and describing all regarding that. Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 12:57 ص I simply could not leave your site prior to suggesting that I extremely enjoyed the standard information a person supply for your visitors? Is going to be back regularly in order to check up on new posts Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 1:43 م A person necessarily lend a hand to make critically articles I would state. This is the first time I frequented your web page and to this point? I amazed with the research you made to create this actual post amazing. Magnificent activity! Reply Прогнозы на футбол 5 يوليو، 2024 - 2:22 ص Why users still use to read news papers when in this technological world everything is available on net? Reply мойка самообслуживания под ключ 6 يوليو، 2024 - 10:15 ص Строительство автомойки под ключ — идеальное решение для бизнеса. От проекта до запуска, мы обеспечим все этапы работ. Reply строительство автомоек под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:47 م 1Строительство автомоек под ключ – наша специализация. Мы предлагаем полный пакет услуг и качество по доступным ценам. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 4:24 ص Hi there to all, how is everything, I think every one is getting more from this web site, and your views are nice in favor of new users. Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 7:54 ص Woah! I’m really loving the template/theme of this site. It’s simple, yet effective. A lot of times it’s tough to get that “perfect balance” between user friendliness and visual appearance. I must say that you’ve done a very good job with this. In addition, the blog loads extremely fast for me on Internet explorer. Exceptional Blog! Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 8:51 م Hello just wanted to give you a quick heads up. The text in your post seem to be running off the screen in Firefox. I’m not sure if this is a format issue or something to do with internet browser compatibility but I thought I’d post to let you know. The layout look great though! Hope you get the problem solved soon. Cheers Reply автомойка под ключ 15 يوليو، 2024 - 6:36 ص Заказав автомойку под ключ, вы получите полностью готовый и оснащённый бизнес. Ваша мойка будет работать безупречно! Reply Jac Благовещенск 19 أغسطس، 2024 - 12:40 م I visit each day some sites and websites to read posts, but this website gives quality based content. Reply theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 5:29 ص Appreciate the recommendation. Will try it out. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.