الشاعرة البلوندية شيمبورسكا (دار الكتب خان) ثقافة و فنون “قراءة غير ملزمة” يكشف الجانب الخفي من النوبلية شيمبورسكا by admin 18 مارس، 2025 written by admin 18 مارس، 2025 10 عن شغف الشاعرة البولندية بالقراءة في معارف شتى اندبندنت عربية / شريف صالح كانت الشاعرة شيمبورسكا تقدم مراجعات لما تقرأ من كتب، وطبعت مقالاتها في أجزاء عدّة بالبولندية، ثم ترجمت كلير كافاناغ مختارات منها إلى الإنجليزية، وبدورها اختارت مرسال من “المختارات” قرابة مئة نص وترجمتها إلى العربية (الكتب خان- القاهرة)، بالعنوان نفسه “قراءة غير ملزمة”. وإذا كانت شيمبورسكا تعرّف القرّاء على الكتب التي قرأتها واطلعت عليها، فإن تعليقاتها بمثابة فحص لوعيها هي، فالسطور تجيب صراحة وضمناً عن أسئلة كثيرة: ماذا تقرأ شاعرة بولندا الكبيرة؟ كيف تقرأ؟ ما الذي يلفت نظرها في الكتب. قد يتصور البعض أن الطريق إلى نوبل في الآداب، رهن بإصدار عشرات الروايات والقصائد، لكن في حالة شيمبورسكا يبدو أنها نالت الجائزة لأنهاـ قبل أي شيءـ قارئة عظيمة، أو على حد تعبيرها في مقدمة الطبعة الإنجليزية: “أنا في الأساس أريد أن أظل قارئة، وأريد أن أظل قارئة هاوية”. تشير إلى أن الفكرة جاءتها من الباب المسمى “كتب استلمها المحرر” الذي يُنشر في الصحف والمجلات، ولاحظتْ أن الكتب السياسية والأدبية الرفيعة تحظى بالمراجعة والمعاملة المميزة، وبدرجة أقل السير الذاتية والطبعات الجديدة من الكلاسيكيات، بينما هناك نوعيات من الكتب لا تحظى باهتمام مثل المعاجم والكتب الإرشادية والعلمية. كما فكرت ابتداء، في كتابة مراجعات حقيقية، تصف طبيعة كل كتاب وتعرف بكاتبه، وتضعه في سياقه الأوسع بين الأفضل والأسوأ، بالطريقة التقليدية المتبعة، لكنها أدركت أنها لا تستطيع كتابة مراجعات حقيقية للكتب. الكتاب المترجم (الكتب خان – القاهرة) وبمعنى أدق، لا ترغب في توصيف الكتب وتقديمها بطريقة تقليدية معتادة، ولجأت إلى أسلوب شديد التكثيف والوجازة، حيث تضيء كل كتاب بنحو ثلاثمئة كلمة، وهي مساحة لا تساعد في استعراض فصوله ولا السجال مع الأفكار. أي أنها في قراءتها “غير الملزمة” تخلصت من ثلاثة عناصر راسخة، أولها التعريف بالمؤلفين والإطراء عليهم لأن المجال لا يسمح بذلك، وثانيها أنها لم تقدم عرضاً مباشراً للكتب، وثالثها أنها لم تهتم بالكلاسيكيات العظيمة والكتب المتفق عليها، بل انشغلت أكثر بكتب لا يبالي الكثيرون بها، أي قررت السباحة عكس التيار، وبالتضاد مع ظاهرة “البيست سيلر” و”الموضة” والانبهار الجاهز بكلاسيكيات الأدب. في النص الأول “أساتذة شاردو الذهن” تُحدِثنا عن باول إرليش الأحمق الذي كان يكتب الرسائل لنفسه، ولويس باستور الذي نسي أن يذهب إلى حفل زفافه، وغيرهما من العلماء، بينما نبدو نحن الأشخاص العاديين أكثر وعياً منهم بتلك الأمور، ثم يأتي الهامش موضحاً في سطر أن النص مستوحى من قراءتها لكتاب “نوادر العلماء” لفاتشلاف غيلوبوفياش. وتحت عنوان “مقايضة غير عادلة”، تتحدث عن استعداد بعض الحيوانات لأن تعيش مستقلة فور ولادتها، بينما حرمتنا الطبيعة البشرية من ذلك وإن وهبتنا ملكة التفكير. وكذلك ثمة حيوانات ترى بلا عيون أو تسمع من خلال جلدها، كل هذا جزء من ثراء طقوس الأنشطة الغريزية، وفق كتاب “الغريزة أم التجربة”، مما يعني أنها تقرأ في الكتب العلمية والبيولوجية والدليل الإحصائي، ودليل الأوبرا مثلما تقرأ عن “الحياة اليومية في وارسو في عصر التنوير”، و”مقدمة للفكاهة الفرنسية”، و”إصلاح وتجديد شقتك”، و”حوادث في المنزل”، و”الأبجدية الصينية”، و”عندما يمرض كلبك”. كأن الكتب الهامشية أو حتى الرديئة بإمكانها أن تعلم القارئ شيئاً ضرورياً، ربما تجعله أكثر إدراكاً للجمال أو تخبره شيئاً غامضاً لا يعرفه عن الحياة. والأهم من ذلك أنها توحي بأن الشعر في مكان آخر، غير كتب ودواوين الشعراء. فليس شرطاً لكي تكون شاعراً عظيماً أن تعتكف على قراءة شكسبير ودانتي وميلتون. رسم اسكتش لا تكتب شيمبورسكا بأسلوب متحذلق أو معقد، وإنما بطريقة رسم “الاسكتش”، تُلقي إلى قارئها بفكرة استوقفتها، تشتبك مع بعض السطور بطريقة التداعي الحر. لا تقيد نفسها- باستثناء التزامها بعدد محدود من الكلمات- بطريقة عرض معينة، ولا تعنون الباب بأسماء الكتب، وإنما تبتكر عناوين سردية مدهشة مثل: السعادة القسرية، تلك هي الروح، لا مكان للاختباء، السائر لمسافات طويلة، دموع سوداء، كنتُ مسافرة مع الأكثر حُسناً”. تشي العنونة بروح الشاعرة في التقاط المعنى والصور البلاغية، كما تُوحي البساطة المخاتلة بإيحاءات شتى حول الكتب والمؤلفين وارتحال الأفكار عبر الزمن. إضافة إلى أنها تقيم حواراً ممتداً مع الكتب وانطباعاتها. بطريقة ما، توشك ومضاتها النثرية “غير الملزمة” عن مئات الكتب، أن تكون قصائد لم تكتمل. قصائد منقوصة تترك للقارئ فسحة من خيال كي يسبح معها، وربما استلهم بنفسه قصيدته أو قصته بمساعدة من أسئلتها وإحالاتها التخيليية التي تتقافز بين القواميس وكتب الطبخ والطيور واليوغا والحياة اليومية للبشر. القراءة والحرية ثمة عشرات الكتب الرائجة التي تتناول “الكتب والكُتاب”، لكنها تنطلق من كشف الأسرار والنصح وإلقاء التعليمات، وتميل إلى التصنيف بين ما يستحق الضوء في المركز وما يستبعد إلى الهامش والنسيان. لا تفعل شيمبورسكا شيئاً من هذا، لا تنصح، ولا تدعي أنها تقودك إلى شيء بعينه، وإنما هي تنظر إلى الكتاب- أياً كان نوعه ومستواه- بمحبة، تتلقى الكلمات بقلبها، وتطرح على الأفكار أسئلتها الطفولية، وتسرح بخيالها في ما وراء السطور. تقول: “تعليق آخر من القلب أنا أنتمي إلى الطراز القديم، وأعتقد أن قراءة الكتب هي أشرف تسلية توصل إليها البشر حتى الآن. يرقص الإنسان اللاعب، ويغني، ويقوم بإيماءات ذات مغزى، ويتخذ وضعيات محددة، ويتأنق في ملابسه، ويلهو، ويؤدي طقوساً متقنة. لا أريد أن أقلل من أهمية أشكال التسلية هذه- فمن دونها تمضي الحياة البشرية في رتابة لا يمكن تخيلها، وربما تستمر في تشتت وإحباط- لكن هذه أنشطة جماعية، تطفو فوقها نفحة ملحوظة إلى حدٍ ما من مزاج الرياضة البدنية. يصبح الإنسان اللاعب حراً وهو يقرأ كتاباً، حراً على قدر استطاعته أن يكون حراً. هو بنفسه الذي يضع قواعد اللعبة. وهي قواعد لا تخضع إلا لفضوله”. كأن الشاعرة المصرية إيمان مرسال في ترجمتها هذه المختارات (ولو عن لغة وسيطة هي الأنجليزية) تستكشف الحياة، والأدب بالضرورة، عبر نوافذ صغيرة. لا تذهب عبر الأبواب المفتوحة باتساع، بل تتلصص وتستقصي الهوامش، مما يعني ضمناً تفكيك المتن. فعلت ذلك حين تصدت لترجمة رواية “بيرة في نادي البلياردو” لكاتب انتحر شاباً هو وجيه غالي، وحين تتبعت سيرة كاتبة مغمورة ماتت منتحرة أيضاً هي عنايات الزيات ونالت عن الكتاب جائزة الشيخ زايد. المزيد عن: شاعرة بولنديةجائزة نوبلكتابة نقديةترجمةتعليق صحافيقراءةادبمختارات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رسام نهضوي إرثه قليل وتحيط به الشكوك next post هؤلاء الفلاسفة المسلمون الذين نعود اليهم دوما You may also like هؤلاء الفلاسفة المسلمون الذين نعود اليهم دوما 18 مارس، 2025 رسام نهضوي إرثه قليل وتحيط به الشكوك 18 مارس، 2025 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مارس 2025 18 مارس، 2025 الحقيقي والمتخيل في سيرة الإسكندر المقدوني 17 مارس، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: “ما زلت هنا” لوالتر... 17 مارس، 2025 ريجيس دوبريه رفيق غيفارا يستعيد ماضيه وخيباته 16 مارس، 2025 ” لا أرض أخرى” فيلم إشكالي عن الأمل... 16 مارس، 2025 تاركوفسكي لم “يؤفلم” دوستويفسكي لأنه موجود 16 مارس، 2025 روبير جولان يسترجع تاريخ الإبادة العرقية ليدين الغرب 16 مارس، 2025 العباسيون تفاعلوا حضاريا مع أعدائهم البيزنطيين 16 مارس، 2025