الثلاثاء, فبراير 11, 2025
الثلاثاء, فبراير 11, 2025
Home » حازم صاغية يكتب عن: أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ…

حازم صاغية يكتب عن: أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ…

by admin

 

ليس مُوقّع هذه الأسطر بحاجة لأن يبرهن أنّه غير يساريّ، لكنّ المعنى الوحيد لهذا «النقد»، وهو مكارثيّ تعريفاً، أنّ عيب المنقود يكمن في أنّه ليس «مثلنا». ذاك أنّ واحدنا، «أصيل» و»أصليّ» (من مواصفات الأحصنة)،

الشرق الاوسط / حازم صاغية

  • مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

«بما أنّنا هُزمنا في حرب تسبّبنا بنشوبها، وأدّت إلى كوارث بشريّة وماديّة، وإلى احتلال للأرض وتهجير للسكّان،

وبما أنّ القوى العربيّة والغربيّة التي يمكنها مساعدة لبنان اقتصاديّاً، بما في ذلك إعادة إعمار الجنوب، لا تثق بنا،

وبما أنّ تولّينا دوراً كبيراً في الحياة العامّة يعقّد الانسحاب الإسرائيليّ من أرضنا، وقد يلغيه،

وبما أنّ سوريّا، التي تحدّ بلدنا من الشمال والشرق، طردت صديقنا بشّار الأسد، ونشأ فيها وضع مختلف لا يطمئنّ إلينا ولا نطمئنّ إليه،

وبما أنّ راعينا الإيرانيّ مهدّد، في أيّة لحظة،

وبما أنّ أكثريّة الشعب اللبنانيّ لا ترغب في أن ترانا نتصدّر الوضع الجديد…،

لكلّ هذه الأسباب، ينبغي أن نُكافَأ بنيل وزارة الماليّة وتوقيعها الثالث، وبمنحنا الحقّ في تسمية جميع ممثّلي طائفتنا في الحكومة».

هذه الفقرة أعلاه لم يقلها أحد، لكنّها تكاد تكون «التبرير» الفعليّ الذي لا يجهر به نبيه برّي و«حزب الله» لموقفهما. وهو «تبرير» قد يجد أسانيده في شقّ عدميّ قويّ يقيم في صلب ثقافتنا السياسيّة. فمن يخسر أكثر، ويتسبّب لنفسه ولسواه بأفدح الأضرار، يكون الأكثر استحقاقاً للتكريم. واستناداً إلى الوعي المذكور، يُرفع «التبرير» المضمَر هذا إلى سويّة المعيار، فيُطالَب الآخرون بأن يروا الأمور كما يراها صاحب «التبرير»، ويسمّون الهزيمة انتصاراً، والخسارة ربحاً، والضعف قوّةً.

على أنّ للمسألة هذه وجهاً آخر مصدره أنّ برّي و»حزب الله» لا يزالان يحتكران تمثيل طائفتهما، ولا يزال ينضوي في عباءتهما جميع نوّاب الطائفة الشيعيّة من غير استثناء. وما يعنيه هذا، وفي انتظار أن تُتاح الفرصة لمزيد من القوى الوازنة المعارضة في الطائفة نفسها، أنّ المصلحة الوطنيّة والمصلحة الفئويّة لم تشهدا درجة من التضارب كالتي تشهدانها الآن. ذاك أنّ التناقض لا يقتصر على أفكار مجرّدة أو برامج، بل يمتدّ إلى نزاع محتدم بين طلب النفع الوطنيّ المسنود بالعقل والعدميّة الفئويّة المسنودة بالأهواء. وهذه معضلة جدّيّة تتعدّى السياسة بمعناها العاديّ إلى الاجتماع، وتتجاوز التراكيب الحكوميّة إلى هشاشة «الوحدة الوطنيّة» ذاتها. وفي انتظار أن تتفتّق الأحداث عن حلّ ما لتلك المعضلة، تبقى المطالبة برؤية الأمور على هذا النحو هي، فضلاً عن لاعقلانيّتها ولامعقولها وإضرارها بالصالح العامّ، بالغة الفئويّة ومستحيلة التوفيق مع تصوّر ومصلحة وطنيّين.

ومن الموقع المسيحيّ تلفحنا ريح سموم مشابهة، ولو كان ضررها أقلّ وخطرها أضعف. فبين عبارات التشهير التي تتعاقب على رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام والمرشّحين لعضويّة حكومته الموعودة، طارق متري وغسّان سلامة، تطلّ، بين فينة وأخرى، عبارة هجائيّة مفادها أنّهم كانوا ذات مرّة «يساريّين». وغالباً ما ينساق حامل هذا «النقد»، وهو ما يحصل اليوم، إلى نبش عبارة قيلت قبل خمسين أو ستين عاماً للبرهنة على وجود «طابور خامس» بيننا. وقد يكون للكثيرين مآخذ جدّيّة على الطريقة المعمول بها في تشكيل الحكومة العتيدة، أو ربّما على الأسماء المذكورة أو أسماء سواها، إلاّ أنّ هذا المأخذ تحديداً يقول عن صاحبه أكثر كثيراً ممّا يقول عن المُستهدَفين به.

وليس مُوقّع هذه الأسطر بحاجة لأن يبرهن أنّه غير يساريّ، لكنّ المعنى الوحيد لهذا «النقد»، وهو مكارثيّ تعريفاً، أنّ عيب المنقود يكمن في أنّه ليس «مثلنا». ذاك أنّ واحدنا، «أصيل» و»أصليّ» (من مواصفات الأحصنة)، وهو وُلد هكذا وسار على بركة الله، من دون أن يفكّر أو يجرّب أو يعاني أو يسعى أو يتغيّر. فوعيه، بالتالي، آليّ (أتوماتيكيّ) موروث عن أب وعن جدّ، تماماً كما ورث الشاعر الجاهليّ قبيلته غُزيّة، يغزو إذا غزت ويرشد إذا رشدت.

والحال أنّ سياسة الصدّ هذه تحول دون تطعيم الهواء الثقافيّ والفكريّ، المتمحور حصراً حول الاستقطاب الطائفيّ، بأيّة نسمة منعشة تهبّ من خارج عالمنا الصغير وشتائمه الكبيرة. فالأبرشيّة الضيّقة هذه لا تمنح صاحبها أيّة تجربة خاصّة به تتيح له إغناء جماعته المكتفية ذاتيّاً بهويّة واثقة، وهذا علماً بأنّ الاكتفاء الذاتيّ المديد غالباً ما يصيب المكتفي ذاتيّاً بالتعفّن. فوق هذا، يعلن الوعي الطائفيّ الجاهز والمكتمل بَرمَه بالتعدّد الذي يقول، في مناسبات أخرى، إنّه متمسّك به. فالمقبول، مجدّداً وللمرّة الألف، هو أن يكون الآخرون مثلنا تماماً، لا في أفكار ورثوها فحسب، بل أيضاً في تواريخ شخصيّة لم تسجّل أدنى شذوذ عن تلك الوراثة ومفاعيلها.

وهذا الوعي، فضلاً عن فئويّته التي تريد أن تثبّت الآخرين على صورتها ومثالها، وعي خرابيّ ومضادّ للنفع هو الآخر. يكفي لإدراك ذلك أن نستعيد ذاكرة الحروب الأهليّة القصيرة والبعيدة، والدور الذي لعبه فيها فرض صورة واحدة على الجميع.

إنّ أحد أردأ أشكال الوعي اللبنانيّ يقيم هنا للأسف، وهو، للأسف أيضاً، أحد أكبر القواسم المشتركة بين طوائف البلد المتنازعة.

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili