اسطنبول الخمسينيات (صفحة وزارة السياحة التركية) ثقافة و فنون ليلى أربيل توثق تاريخاً من الصراع في تركيا “ما بعد التحرير” by admin 31 يناير، 2025 written by admin 31 يناير، 2025 25 “امرأة غريبة” رواية ترصد تحولات أعقبت الخلافة العثمانية اندبندنت عربية / نشوة أحمد يحيل وصف الكاتبة ليلى أربيل لبطلتها بالغرابة، كما يخبر عنوان النص، إلى سمات التمرد والجموح والاختلاف وهي سمات تشاركتها معها أربيل، لا سيما أن كلتيهما تنتميان لأبٍ بحار، وربما تشاركتا أيضاً العلاقة المعقدة بالأم التي لطالما كانت ثيمة رئيسة لكثير من أعمال الكاتبة، كما في روايتي “يوم الظلام” و”رجل غريب”. ولا تحيل هذه العلاقة غير النمطية بالأم إلى بروز الجانب الذاتي في الرواية فحسب، بل تعكس كذلك بعداً سيكولوجياً للسرد، إذ اتخذتها الكاتبة سبيلاً لسبر أغوار النفس البشرية وإبراز تناقضاتها وتعقيداتها. الخط النفسي للسرد الرواية التركية بالترجمة العربية (دار العربي) الرواية التركية بالترجمة العربية (دار العربي) كان التفاوت الثقافي والأيديولوجي بين البطلة وأمها مسؤولاً عن العلاقة المضطربة بينهما التي هيمن عليها العنف بأشكال متنوعة. وزاد من وطأتها هوس الأم بعذرية ابنتها، حد اقتصار دورها على حراسة غشاء بكارتها، “هي تفهم من عين المرء إن كان ينتوي القيام بشيء ما. إنْ لاحظت سأذهب في خبر كان. سألقنك درساً جيداً أيتها السيدة حارسة الغشاء” (ص60). وكان كل من التباين والاضطراب والعنف والهوس بالعذرية وقوداً لصراع اندلع بينهما، أسفر بدوره عن نزوع البطلة للجموح والتمرد والعصيان، وكذا نزوعها لجلد الذات، وغير ذلك من حيل نفسية أخرى، مثل التبرير والإزاحة، إضافة إلى سعيها المضني إلى فهم الناس وبلوغ محبتهم، على نحوٍ أكسبها سمة الغرابة التي فسرها أبوها بأنها افتقار إلى الحب. ودعمت الكاتبة الخط النفسي للسرد بالاستدعاء الصريح لكتاب “الطوطم والتابو” لفرويد وكتابات دستويفسكي التي وجدتها بطلتها تعكس معرفته بدواخل البشر. سؤال مركزي على رغم الحضور القوي للبعد السيكولوجي، فإنه لم يهيمن وحيداً على السرد، وإنما تشابك معه كل من البعد الأيديولوجي والتاريخي. وحظي كل منهما بالأهمية ذاتها، إذ عمدت أربيل إلى رصد لحظات مفصلية في التاريخ التركي، منذ نهاية الخلافة العثمانية، وحتى العقد السادس من القرن الـ20. وأبرزت ما وسم تلك الحقبة من صراعات أيديولوجية، تُرجمت إلى عنف وقتل ودمار. ووظفت حادثة اغتيال مصطفى صبحي، مؤسس الحزب الشيوعي التركي مع مجموعة من رفاقه، على متن سفينة في البحر الأسود، في خدمة النمو والتطور الدرامي. وجعلت من هوية قاتله سؤالاً مركزياً أسهم في تحريك الأحداث. وكان الاستباق بهذا السؤال وسيلة دفعت عبرها التشويق إلى النص “ظل أخي الأكبر أحمد يكرر ويتساءل حتى كاد يُجن: من قتل صبحي؟ من قتل صبحي؟” (ص145). كما وظفت بعض الوقائع التاريخية الأخرى الثابتة، مثل حادثة “الأحد الدامي” بهدف رصد حال التناحر الطاحن بين القوى السياسية في ذلك الوقت. ومررت عبر هذا التوظيف رؤى حول وحشية البرجوازية، وفساد القوى السياسية التي اعتادت التعاطي مع الاختلاف كذريعة للانقسام والعداء والعنف. الكاتبة التركية ليلى أربيل ( دار العربي) ومن أجل تعزيز البعد التاريخي وواقعية السرد، استدعت الكاتبة كثيراً من المعارف التاريخية حول إعلان الجمهورية التركية ومصطفى كمال أتاتورك والحرب الروسية – التركية وكارثة السفينة “رفة” وثورة الملبس وحرب التحرير. كما استدعت بعض الوثائق الرسمية وعمدت إلى إضافتها لنسيجها الروائي. ولم يقتصر الخطاب المعرفي على الحمولات التاريخية، إذ مررت أربيل معارف أخرى عن البحر الأسود والملاحة وأنواع الأسماك. صراعات وقضايا وعمدت الكاتبة إلى استخدام تقنية الأصوات المتعددة، فوزعت السرد بين رواة متعددين، هم البطلة وأبوها، إضافة إلى راوٍ عليم، تسلّم مهمة الحكي قبيل نهاية الرحلة، وفي فصلها الأخير. وتبع هذا التعدد تنوع الفضاءات الزمنية للسرد التي بدأت بصوت الابنة في منتصف القرن الـ20، ثم عادت الكاتبة عبر الـ”فلاش باك”، ومن خلال صوت الأب، لبداية العقد الثالث من القرن نفسه، فرصدت التحولات الكبرى التي زامنت تلك الحقبة. وتطرقت إلى الصراعات التي اندلعت بين تركيا وأطراف دولية عدة، والصراعات التي احتدمت داخلياً بين القوى السياسية وبعضها بعضاً، إضافة إلى صراعات أخرى نشبت بين البطلة وأبويها، وبينها وبعض الكتاب والشعراء والمثقفين. وكان التقابل مهداً لكل تلك الصراعات، فكانت يمينية الأم مقابل يسارية الابنة، مبعث ما نشب بينهما من صراعات، وكان التقابل بين إيمان “نرمين” بمبادئ “أتاتورك”، وأفكاره عن حرية المرأة والمساواة، وبين ذكورية المثقفين المستترة خلف قشرة التحرر وقود الصراعات التي نشبت بينهم، في حين كان الانتماء الأيديولوجي للبطلة ومحاولتها ترجمة هذه الأيديولوجيا إلى سلوك واقعي عبر التخلي عن حياتها المرفهة والنزول إلى طبقات الشعب الأفقر والعيش بينهم، سببين لاحتدام الصراع بينها وزوجها الذي لم يتبنَّ الأيديولوجيا ذاتها ولم يؤمن بها. وامتد التقابل، فبدا بين الأم المحافظة والأب المتحرر، وبين الابنة الملحدة والأب المؤمن، وبين التيار الشيوعي والتيار الرأسمالي. وهكذا أسفر التقابل والتناقض عن صراعٍ هيمن على كل مفاصل السرد، وفجرت الكاتبة عبره كثيراً من القضايا الشائكة، من بينها القمع وكبت الحريات والعنف السياسي والفساد والتفاوت الطبقي وتوحش الرأسمالية والبؤس والفقر ومعاناة الهامش والتشدد الديني والتدين القشري والذكورية وازدواجية المثقف بين ادعاء التحرر واعتناق الأفكار البالية وقصر مفهوم شرف المرأة على عذريتها وتسليع وتشييء النساء “ما الفارق بين نظرة هذا الرجل للمرأة، ونظرة هؤلاء ممن نسميهم مثقفي تركيا من أمثال (ر.ر)؟ لا شيء. في لحظة ما اقترب مني الرجل وأراني طرف ورقة نقدية سحبها من جيب سترته. آه كم شعرتُ بالاشمئزاز! حين اقتربنا من مركز الشرطة الموجود في ميدان تقسيم، قلت له: هيا، تعال احك للشرطي عما تريد، فاستدار الرجل وأسرع مبتعداً” (ص 55). تيار الوعي اتسق بروز البعد السيكولوجي في النص مع اعتماد الكاتبة على تيار الوعي الذي حظيت تقنياته بحضور قوي وكثيف في مواضع متفرقة من السرد، فبدا عبر الحلم والمونولوغ الداخلي وغيبوبة الأب. وكانت تلك التقنيات بمثابة أدوات ناجعة، أتاحت كشف وتعرية دواخل الشخوص وأزماتها وتناقضاتها وهواجسها. فأدى حلم “نرمين” بشارع ضيق وناس من سُخام وانغلاق الباب على زوجها من دونها دوراً تنبّؤياً، مهَّد للتالي من الأحداث، لا سيما تخلي زوجها عنها، وأحال لانشغالها بالفقراء. وأسهم كذلك في تفريغ حاجة شعورية مكبوتة لديها إلى أمها، وعبّر في الوقت ذاته عن قوة الأم وسطوتها. كذلك كان صوت الأب الذي انطلق في غيبوبته من المنطقة الوسطى بين الحياة والموت، اليقظة والغياب وسيلةً لاستجلاء كل أسرار نفسه وتعرية تناقضاتها والإعلان عن هشاشتها وعجزها أمام قسوة الحياة. كذلك كانت تلك المنطقة البينية كاشفة لصراعاته الداخلية وانقسامه بين حبه والتزامه تجاه عائلته، وكاشفة أيضاً عن عمق أزمته وشعوره بفقد ابنته التي ضحى بحبه من أجلها، وعجزه عن إنقاذها من أفكار الشطط والإلحاد. وكما دعمت الكاتبة جماليات السرد عبر استخدام أسلوب الخطاب “أنت” في حديث الأب لذاته، دفعت ببعض التقنيات السينمائية مثل عين الكاميرا والتقطيع لتعزيز المشهدية وتحقيق المزج والتداخل بين الماضي والحاضر “منامتي الزرقاء فوقي، وقد ألبسوني بنطالها أيضاً، إلى أين يأخذونني؟ ما هذه؟ طيور اللقلق؟ ليت لساني يتحرك! الطريق، هذا هو الطريق. توقفت السفينة، هل وصلنا؟ إفتح أنابيب البخار، وافتح صمام العادم حتى أقصاه، دعه يخرج” (ص 175). موروث ورؤى استدعت أربيل كثيراً من صور الموروث الشعبي التركي وأودعتها نسيجها، فوظفت بعض العادات المتوارثة لخدمة الأحداث، مثل سكب الماء خلف المسافر لتسهيل سفره وقضاء حاجاته، كما استدعت بعض الرقصات الشعبية لمنطقة البحر الأسود مثل رقصة “الهورن”، وبعض الأكلات الشعبية مثل “المنجي” و”الياباتشي”. واستدعت أسماء كثير من الشعراء الأتراك الكبار، مثل ناظم حكمت وضياء عثمان ويحيى كمال، واستفادت من استدعاء شخصية جلال الدين الرومي وشعره لإضفاء صبغة صوفية على شخصية الأب من أجل إبراز حجم التناقض بينه وابنته “لست من تراب ولا من رياح ولا من ماء ولا من نار ولست من أهل العرش ولا أهل الفرش، ولا من هذا الكون ولا من جوهره” (ص 116). كما عمدت إلى تكرار بعض العبارات على طول خط السرد، مثل عبارة “لا أسامحكم” التي أحالت إلى معاناة الأب، والهوة العميقة بينه وعائلته ومجتمعه، كما كررت عبارة “الله يريدنا أن ننسى أصولنا” التي أحالت إلى فلسفة الكاتبة في نبذ العنف الناجم عن الاختلاف، وغاياتها الرومانسية الحالمة في تأسيس مدينة فاضلة ومجتمع بلا فقراء، بلا طبقات ولا تمايزات. المزيد عن: روائية تركيةالتاريخالحداثةالعثمانيةالسياسةالتحولات السياسيةالخلافةالصراع الفكريالسرد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سيرة ريتشارد فاغنر بين لوثة السياسي ونقاء الموسيقي next post في سويسرا أيضا… أرواح وأشباح و”وسيط محتال” You may also like مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 31 يناير، 2025 المجلة في ملف خاص : خمسون عاما على... 31 يناير، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: أم كلثوم التي... 31 يناير، 2025 البدايات الأولى… مذكرات أم كلثوم كما روتها على... 31 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: أم كلثوم التي في... 31 يناير، 2025 ما الذي أغاظ اليساريين والإسلاميين في مسيرة أم... 31 يناير، 2025 سيرة ريتشارد فاغنر بين لوثة السياسي ونقاء الموسيقي 31 يناير، 2025 أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع... 30 يناير، 2025 كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا... 30 يناير، 2025 “ما وراء التلال” فيلم روماني عن المنافس الوحيد... 30 يناير، 2025