نصوص ورسوم لأورهان باموق من كتاب ذكرياته (دار نوبف) ثقافة و فنون أورهان باموق يكتب ذكرياته ويرسمها ببراعة فطرية by admin 20 يناير، 2025 written by admin 20 يناير، 2025 27 يسجل في كتابه أفكاره حول الفن والسياسة والحياة والمدينة على مدار 13 عاماً اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز . يجمع كتاب أورهان باموق بين دفتيه سجل أفكاره حول الفن والسياسة والحياة على مدار 13 عاماً تقريباً، إلى جانب بذور أعماله وشخصياته خلال تلك الفترة وما اشتمل عليه دفتر مذكراته من مواقف ولقطات وتفاصيل حياتية بسيطة، وإن كانت عميقة الدلالة. إضافة إلى مجموعة واسعة من رسوماته الفطرية والمعبرة. إنه باختصار كتاب يلخص حياة “الكاتب وعالمه”، أو لو توخينا الدقة “أرشيف باموق حول الزمن والذاكرة والمكان”. رسم وكتابة ذكريات باموق بالكتابة والرسم (دار نوبف) منذ نعومة أظفاره انجذب أورهان، مثل غيره من المبدعين، إلى عالم الخيال، فراح ينسخ من نفسه شخوصاً بديلة في أحلام يقظته ويمنحهم اسمه، متيحاً لهم فرصة العيش في منزل يشبه منزله. وفي فترة الظهيرة انشغلت عيناه المستديرتان بمراقبة السفن أثناء مرورها في مضيق البوسفور من نافذة منزل جدته، محولة الغرفة إلى محطة لسفينة عملاقة يقودها قبطان في عاصفة. وعلى رغم ذلك لم تكن الكتابة خياره الأول، إنما بهرته الخطوط والألوان عبر مراحل دراسته لدرجة الاعتقاد أنه سيصبح رساماً حتى مقتبل شبابه. غير أن الكاتب القابع داخله ظل يحرضه على تسويد لوحاته في فصول الرسم ببعض التعليقات في نوع من التجاهل لتحذيرات المدرس بأن اللوحة لا تقبل الكلمات، إلا أنه لم يكف عن الدمج بين الكلمة والصورة معبراً عن استغرابه من أية محاولة للفصل بينهما. وهو ما يفسر انشغال كتابته بالرسم، كما يبلور رؤيته في الحياة باعتبارها تدور بأكملها حول الصورة والكلمة. في روايته التاريخية “اسمي أحمر” 1998 كتب باموق عن عالم الخطاطين والمنمنمات العثمانية إبان القرن الـ16، ومن خلال عيون شخصياته لقلق وفراشة وزيتون، دلفنا معه إلى كواليس عالم الفن التشكيلي ومدى احتدام التوتر بين التقاليد الفنية والتأثيرات الغربية آنذاك، إلى درجة مقتل النقاش ظريف أفندي واصطباغ المشاهد باللون الأحمر. اسطنبول بريشة باموق (دار نوبف) في “متحف البراءة” وقع رجل في حب امرأة، وفجأة تنتابه حمى تجميع كل ما يخصها أو تلمسه يدها. وهو المشروع الذي تحقق على أرض الواقع بإنشاء متحف في إسطنبول يحمل عنوان الرواية، ويعرض الأشياء التي استخدمتها الشخصيات وسمعتها ورأتها وجمعتها وحتى الأشياء التي حلمت بها. أما في كتابه الجديد “ذكريات من جبال بعيدة”، يحاول باموق الذي يعد أول كاتب تركي يحصل على جائزة نوبل المرموقة، استغلال وجهي العملة، الصورة والكتابة، مقترحاً طريقة في السرد حين تعز الكلمات أو يلجمنا الصمت. وبصرف النظر عن حسن توظيفه لتلك التقنية من عدمه، فإن الكتاب الجديد يضع على كاهل الصورة سد الفجوات بين الأحداث وتبديد الصمت المنتشر في ربوع النص. الفن في مواجهة الزوال هل من الممكن مناطحة الزمن؟ بالطبع لا، وإلا سنبدو كمن يحارب طواحين الهواء. ويكفي أننا لا نستدل على سطوته إلا من آثاره فحسب، وما يطرأ على محيطنا من تغيرات طفيفة لكنها مستمرة، بحيث يصعب مضاهاتها بالنسخ البكر وملاحظة ما اعتراها من تبدل، بدءاً من الطاولة المفككة والسجاد الذي حال لونه وصولاً إلى الوجه المتغضن وخصلات الشعر التي شابها البياض. ومن هنا يحاول باموق الاستعانة بالفن لمواجهة الزوال، وذلك بتثبيت لحظات معينة وإعادتها إلى الحياة عبر الصورة، بينما تعمل النصوص على تخليد الذكرى والأماكن التي تغيرت أو اختفت تماماً، كمحاولة يائسة لتجميد الزمن. كتب يقول “أرسم شجرة رأيتها منذ أعوام لكنها لم تعد موجودة. في الرسم، أعيدها للحياة وأخلق مساحة لا يمكن للزمن أن يمحوها”. التشكيل بالكلام والرسم (دار نوبف) وتظهر قوة الزمن التحويلية عند باموق بحيث تفقد الأماكن القديمة بريقها أو تحولها إلى أماكن جديدة كما جرى على إسطنبول، مسقط رأسه “المدينة تتغير مع مرور الأعوام، مما يثير مشاعر مختلطة بين الفقد والجمال المتجدد”. لسنا إذاً حيال مرثية لمرور الزمن باعتباره معول هدم، هناك ما يدعو إلى الاطمئنان، يشير باموق إلى أن الزمن يجعل الأماكن تبدو مثل طبقات من التاريخ، إذ يعيش الحاضر فوق آثار الماضي “أحياناً، وأنا أمشي في أزقة إسطنبول، أرى الماضي يتداخل مع الحاضر. المباني القديمة المتآكلة تحمل أثر الزمن، لكنها لا تزال تشهد على الحيوية التي كانت هنا ذات يوم. في كل حجر، أرى انعكاساً لعالم مضى وآخر يتشكل”. يمنحنا الزمن القدرة على التذكر وإعادة البناء من جديد، عالم يمضي وآخر يتشكل، وبينما نقر بأنه لص يسرق منا أشياء ثمينة نتعلم منه فضيلة الرضا والقبول “البيت الذي نشأت فيه لم يعد موجوداً. المبنى الذي حل محله يبدو جديداً، لكنه يفتقد تلك الروح. أشعر وكأن الزمن سرق جزءاً مني، لكنني أتعلم أن أتقبل ذلك”.نوبف جماليات فطرية (دار نوبف) هكذا يعبر باموق عن قلقه من الفقد، وفي الوقت نفسه يرحب بالتغيير كونه يمنح فرصة لإعادة اكتشاف الذات وإعادة تعريف الروابط مع الأماكن. وفي معرض استعانته بالصورة كمكمل سردي، يعبر عن تداخل الأزمنة من خلال منظر ليلي لإسطنبول مع أضواء متناثرة على ضفاف البوسفور، وسماء محجوبة بضباب خفيف، إذ تبدو المدينة المعاصرة تحمل إرثاً عميقاً كما لو أنه ينظر إليها عبر منشور يعكس موجات ضوئية بأطوال مختلفة. وعلى رغم ذلك ينهشه الحنين سواء في رسم لمنزل صغير، يبدو متآكلاً، تظلله سماء رمادية، أم صورة لدرب ضيق محاط بمبان قديمة ذات نوافذ صغيرة، مع بصيص من أشعة الشمس يتسلل عبر الزوايا. مشهد دائم التغير كما تتغير الأماكن بمرور الزمن، يتبدل الأفراد على مستوى الشكل والأفكار والميول. وكأن الطرق التي تأخذنا لا تسمح بالعودة مطلقاً، فدائماً ما يعود آخرون يحملون الذكريات نفسها ولكن بوعي جديد. ويذهب باموق إلى حقيقة غامضة عن كيفية تذكرنا للأحداث بما يحرفها عن نسختها الثابتة في الماضي، يرافق الفكرة رسم لجبل يبدو من بعيد بخطوط ناعمة وألوان خافتة كما لو أنه ينبثق من ذاكرة باهتة، بينما يبرز في المقدمة واد مليء بالأشجار الداكنة. وهو ما يحيلنا إلى العنوان الذي بقدر ما يشير إلى البعد والارتفاع، بما يجعل من فكرة الوصول إلى تلك الذكريات أمراً صعب المنال، يعكس حال الضبابية لدى استعادة هذه الذكريات المغلفة بالحنين، يقول عن هذه اللوحة: “يبدو الجبل ثابتاً، لكنه شهد تغيرات لا تعد ولا تحصى. هذا الرسم هو محاولتي لالتقاط لحظة عابرة في مشهد دائم التغير”. قوة اللون (دار نوبف) ويعتمد الكتاب على صوت السارد الأول على عكس أعماله السابقة التي تتناوب فيها الأصوات، وهو لا يتبع تسلسلاً زمنياً طبيعياً، بل ينتقل بين ذكريات الطفولة وتأملاته الحالية وأحلامه المستقبلية على نحو يتفق مع طبيعة الذاكرة البشرية، إذ لا تسير الأحداث بصورة خطية بل وفق تداعيات الأفكار وتراكمها في مخزن الذاكرة، أو على حد تعبير باموق، وفق ترتيبها العاطفي. وبقدر ما تكشف المذكرات جوانب مختلفة من حياته، تكشف أيضاً عن إحباطه من المناخ السياسي في تركيا، وأصابع الاتهام التي وُجهت إليه بوصفه معادياً لبلده، مما اضطره إلى تعيين حارس لأعوام بسبب ردود الفعل على تعليقاته في شأن الإبادة الجماعية، “لقد قتل مليون أرمني و30 ألف كردي في هذا البلد، وأنا الوحيد الذي يجرؤ على قول ذلك”. ويرافق هذا التصريح رسم كتب عليه “هنا المحكمة التي مثلت فيها عام 2005 بسبب حديثي عن الإبادة الجماعية للأرمن. وكان الناس يقذفوننا بالحجارة ونحن في الطريق إلى الخارج”. لقد اختلفت المراجعات في شأن “ذكريات من جبال بعيدة”، منها ما أشاد بمهارته في الدمج بين الكلمة والصورة، لدرجة استدعت ذكريات قديمة وغرف غابت ووجوه انطمست بين حجب الزمن، ومنها ما عدَّها محاولة غير ناضجة لتضمين مجموعة من الرسومات الطفولية. أياً ما كان الأمر، فهذه هي ورشة باموق بكل ما احتوته من أفكار وحكايات شخصية وعالمية، ولحظات طويلة من الصمت تتخللها رسومات حية بأصابع طفل استغرقه اللعب، لملء فراغ الحياة غير المحتمل. المزيد عن: أورهان باموقكتابرسومنصوصمذكراتالحياة السياسيةإسطنبولالفنالحبسرد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حكاية صداقة خالدة بين الحياة والموت next post أين اختفى الرسام الإسباني غويا خلال الثورة الفرنسية؟ You may also like أين اختفى الرسام الإسباني غويا خلال الثورة الفرنسية؟ 20 يناير، 2025 حكاية صداقة خالدة بين الحياة والموت 20 يناير، 2025 رحيل ديفيد لينش… آخر السورياليين الكبار 20 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: عبدالرحمن قطناني يفتح “أبواب... 20 يناير، 2025 التشيكي دفوراك افتتح من أميركا أزمنة العولمة بموسيقاه 19 يناير، 2025 رحيل فرحان بلبل رائد مسرح العمال في سوريا... 19 يناير، 2025 “المعلم” ديفيد لينتش صنع سينما جديدة بالأحلام والكوابيس 19 يناير، 2025 (11 مشهدا) سيئا أوشكت أن تقضي على أفلام... 18 يناير، 2025 مازارين الابنة السرية للرئيس فرانسوا ميتران تروي سيرتها 18 يناير، 2025 ليسنغ صاحب أول دراما سياسية في المسرح الألماني 18 يناير، 2025