كان رحيل أناتول فرانس مناسبة لتصفية حسابات (غيتي) ثقافة و فنون ما الذي دفع السورياليين إلى وصف رحيل أناتول فرانس بـ”موت جثة”؟ by admin 17 مارس، 2024 written by admin 17 مارس، 2024 137 مئوية أولى للتيار الأدبي الذي بنى شعبيته على شتائم أسهمت في “تأبين” كاتب فرنسا الأكبر اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب إذا سارت شؤون الحياة الأدبية الفرنسية هذا العام في سياقها الطبيعي سنشهد احتفال تلك الحياة بمئوية مزدوجة. ونقول عنها مزدوجة على رغم أنه لا علاقة لجانبها الأساس بالجانب الآخر الذي من دونه ما كان ممكناً لذلك الازدواج أن يوجد. ففي النهاية ما الذي يمكننا من أن نربط الذكرى المئوية لولادة “السوريالية” في العاصمة الفرنسية عام 1924 تحديداً، أي قبل 100 سنة تماماً، برحيل أناتول فرانس (1844 – 1924) الذي أحزن فرنسا كلها في ذلك العام نفسه، والذي رحل فيه بعد سنوات من فوزه بجائزة نوبل الأدبية؟ لا يمكن أن تكون ثمة علاقة، من ناحية مبدئية في الأقل، ففرانس (وهو اسم مستعار لفرانسوا أناتول ثيبو) كان في كتابته وحياته ونضالاته في سبيل الإنسانية كما في نزعته السلمية ذات النكهة اليسارية المعلنة إلى حد مساهمته في تأسيس صحيفة “الإنسانية” التي كانت بالتالي الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي، ولا تزال كذلك حتى الآن، كان أبعد ما يكون عن السوريالية، سلباً أو إيجاباً. ومع ذلك فإن خبر موته عام 2024، والذي هز فرنسا من أقصاها إلى أدناها لفت نظر البيان التأسيسي الأول الذي أصدره مؤسسو ذلك التيار، ومعظمهم سينخرط لاحقاً في شتى التيارات الشيوعية، فتحدثوا عنه في البيان التأسيسي، لكن ليس لاستعادة ذكراه، بل لمهاجمته بحفنة من شتائم نادراً ما طاولت كاتباً لا في فرنسا ولا في غيرها. والأدهى من ذلك أن الهجوم بدا مجانياً لا معنى له، بالنظر إلى أنه لم ينبع من موقف حقيقي من أدب صاحب “الآلهة العطشى” و”تاييس”. الحكاية الحقيقية غائبة فما الحكاية؟ في الحقيقة إنه ليس ثمة في الأمر حكاية حقيقية على الإطلاق. فأولئك السورياليون الثلاثة ومن شاركهم في صياغة “البيان السوريالي” تحت رعاية زعيمهم أندريه بريتون إنما اختاروا تلك الطريق لمجرد أن الكاتب الراحل كان حين صدر البيان معلناً ولادة التيار، والذي كان يريد لنفسه أن يكون النص الأدبي الأكثر استفزازية في تاريخ تلك المرحلة، إنما رأى في رحيل الكاتب الشعبي الكبير مناسبة ملائمة لتحقيق شهرة ومكانة كان من النادر يومها تحقيق ما يماثلها من طريق أية مناسبة أخرى. فهل كان في الإمكان العثور على حدث يماثل ذلك الحدث الذي بلغ ذروته في مشاركة ملايين الفرنسيين في تشييع الراحل الكبير لإلقاء قنبلة لفظية حارقة – مارقة، حملت بكل بساطة – و”بكل وقاحة” بحسب كثر – عنواناً سرعان ما صار عنوان كتاب جماعي وقعه كبار السورياليين: “جثة”، ونزل الأسواق فيما كان كثر يتحدثون عن تلك “الخسارة الفادحة” التي منيت بها فرنسا بموت أناتول فرانس؟ ومن هنا ما أجمع عليه المراقبون المحايدون من أن تلك الفضيحة التي كان عليها الكتاب لم يكن ثمنها أقل من استثارة الرأي العام لمجرد الإعلان بصورة متطرفة في مشاكسته عن ولادة تحل بديلاً من رحيل مؤسف لكاتب ذي شعبية لا تضاهى دون أن يكون فرانس هو نفسه المقصود حقاً. فهل هذا ممكن؟ خطة محسوبة بدقة كان ممكناً بالتأكيد. والدليل أن الحكاية باتت على كل شفة ولسان حتى ولو شتم معظم المتابعين لها أولئك الكتاب الشبان الذين رتبوا تفاصيل “خبطتهم الدعائية” بصورة جهنمية حاذقة، علماً أنه لئن كان بعضهم ينتمي إلى ما كان يعد في أقصى اليمين ويتحول إلى الفاشية (من أمثال دريو لا روشيل)، فإن البعض الآخر من أمثال بول إيلوار ولويس أراغون سيعتنق الشيوعية، وحتى في أقصى درجاتها ستالينية. والغريب في الأمر أن أراغون كان الأكثر تطرفاً في سياق النص الذي شارك به في الكتاب الجماعي “موت جثة”. circa 1980: French surrealist writer Louis Aragon (1897-لويس آراغون ومناسبة لحفل شتائم وتجارب لغوية في عالم الهجاء الأرعن (غيتي)983). (Photo by Keystone/Getty Images) ويمكننا طبعاً اليوم في الذكرى المئوية لصدور الكتاب أن نتخيل تأثير العنوان في حد ذاته على مئات ألوف القراء تأثيراً سلبياً لئن كان لم يضر بالكاتب الراحل فإنه جعل أراغون بين ليلة وضحاها أشهر الكتاب الملعونين في فرنسا دون منازع. غير أن ذلك العنوان لم يكن كل شيء بالتأكيد. فالسياق نفسه كان أكثر وقاحة، وتحديداً في جدليته. لقد بدأه أراغون الذي سيعرف دائماً بكونه، في شعره، كما في نثره، سيداً من كبار سادة اللغة الفرنسية في القرن الـ20 بقوله “أقسم لكم أنه (أي أناتول فرانس) كان يكتب جيداً، ودون أية خشية من أن يبدو ما يقوله بلغته الساخرة سخيفاً، أو يكشف عن تفاهة هذا الشخص وجبنه ومحدوديته، والذي إنما كان يعبر عن شخصيته المساومة ذات الحسابات الدقيقة. هو الذي كان يقوم بحساباته ويتبعها، مهما كان الثمن… وهي أمور ليس علينا أن نذهب بعيداً لكي نعثر عليها وعلى ما يفوقها إثارة للنفور المرعب، وتحديداً لدى بطله، أي أناه الآخر مسيو برجريه… ومع ذلك لن أسترسل هنا في وصف أناتول فرانس من خلال مثل ذلك البطل…”. الكاتب الكبير وقراؤه “المنحطون” لكن على رغم هذا “الوعد” ها هو أراغون يسترسل قائلاً: “فقط أود هنا أن أقول بكل بساطة أنني أعتبر كل قارئ لأناتول فرانس مخلوقاً منحطاً. ويحلو لي أن أضيف أن هذا المتأدب الذي يحييه اليوم وفي الوقت نفسه أنصار شارل موراس – الكاتب المناصر للنظام الملكي في فرنسا، والذي اعتنق الفاشية كوسيلة لتحقيق عودة تلك الملكية والانتهاء من فرنسا الجمهورية – كما يحييه ويشيد به أتباع موسكو التي اعتادت تدليل من لا يستحقون ذلك، وغالباً على لسان بيار بانليفي – وهو فرنسي عالم فاز بدوره بجائزة نوبل، وكان معروفا بشيوعيته الحادة – هذا المتأدب كان هو نفسه الذي كتب انطلاقاً من غرائز دنيئة، واحدة من المقدمات الأكثر إثارة للاشمئزاز لواحد من النصوص التي جعلت المركيز دي ساد يودع السجن لكي ينتهي به الأمر على أفق تلك الركلة على المؤخرة التي وجهها إليه ذلك الحمار الرسمي. ومهما يكن فإن ما يثيرك في هذا المتأدب ليس موهبته التي يمكن السجال من حولها على أية حال، بل دناءته…”. فعل ندامة متأخر ولم يكن غريباً بعد تلك “الثرثرة” كلها – وتوصيف “ثرثرة” ليس من عندنا على أية حال، بل هو وصف لذلك المقال سيورده أراغون نفسه لاحقاً، أي بعد ما لا يقل عن ثلث قرن على تدبيجه ذلك المقال الشهير، خلال حديث أجري معه وتضمن سؤالاً محدداً عن تلك المقالة، فأعلن هذه المرة دون مواربة استنكاره “الشخصي” لما “اقترفته في ذلك الحين، وكنت أريد منه أن يكون نوعاً من مزاح سأدرك لاحقاً أنه كان غارقاً في السماجة وقلة الأدب” – لم يكن غريباً أن يختم أراغون مقاله “الثرثار” ذاك محرضاً قراءه بقوله “وأنتم ثرثروا كما تشاؤون حول هذا الشيء العفن المفسد. حول تلك الدودة التي آن للديدان الأخرى أن تتملكها. ويا حثالة البشرية. يا أهل كل مكان. أيها الدكنجية والثرثرة. يا خدم الدولة يا خدم بطونكم. أيها الأفراد الغارقون في هراء المال… أنتم يا كل الذين فقدتم لتوكم هذا الرجل الذي عاش خادماً بالأجر لكل أنواع المساومات… ها أنا ذا أدنو محاطاً بهذه الجموع في باريس التي شحبت شمسها…”. ويتابع، “يقال عادة أن كل شيء في فرنسا إنما يختتم على أغنية. وفي السياق سأنهي هنا أغنيتي الخاصة داعياً ذاك الذي هلك لتوه إلى أن يتوجه مباشرة إلى برج الدخان… وحتى وإن لم يتبق في نهاية الأمر سوى بعض من بعض هذا الرجل، سيتبقى من الأمور المثيرة للاشمئزاز أن نتخيل أنه قد وجد في هذا العالم يوماً. أما أنا فأخبركم أنني دائماً ما أحلم بأنني قد عثرت على ممحاة أمحي بها هذه القذارة البشرية”. المزيد عن: أناتول فرانسفرنساالسورياليةآراغونالحزب الشيوعي الفرنسيجائزة نوبل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ‘I enjoy being the first’: Maestro Fresh Wes doesn’t mind breaking hip-hop barriers next post ما الكتب التي اقتبست منها الأفلام التي رشحت لجوائز الأوسكار هذا العام؟ You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024