الثلاثاء, نوفمبر 19, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 19, 2024
Home » السويدي سترندبرغ كثف معاناته الزوجية في مسرحيته “رقصة الموت”

السويدي سترندبرغ كثف معاناته الزوجية في مسرحيته “رقصة الموت”

by admin

 

لعبة الحب والكراهية كجزء من “عاديات الحياة الزوجية” كما ورثها برغمان ووودي آلن

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

من المؤكد أن القراء السويديين الذين أبكروا في قراءة الكتاب الذي وضعه الكاتب المسرحي الأكبر في تاريخ هذا البلد بعد إقامته فترة في فرنسا بعنوان “أنفرنو” (الجحيم) لم يكونوا مخطئين حين توقعوا أن يكتب مسرحيهم المفضل بعد ذلك الكتاب مسرحية تغوص في الأفكار التي عبر عنها فيه. وهو بالفعل أقدم على ذلك وبصورة مباشرة، بل حتى مضاعفة. فلئن كان أوغست سترندبرغ قد أصدر “إنفرنو” في عام 1897 فإنه ما لبث أن كتب تلك التي ستصبح واحدة من أعمق وأقسى مسرحياته، “رقصة الموت” في عام 1900 ليتبعها فوراً بجزء ثان لها في العام نفسه بحيث باتت تلك واحدة من أطول مسرحياته – إذا استثنينا رائعته “الطريق إلى دمشق” المؤلفة من ثلاثة أقسام – ولا تزال حتى اليوم تقدم غالباً في قسمين متتاليين لتعتبر، في معناها في الأقل إن لم يكن في مبناها، مكملة وشارحة للمعاناة الذاتية التي عبر عنها الكاتب في “إنفرنو”، ونعني بها معاناته الزوجية وكراهيته للنساء عموماً، إلى درجة تعتبر معها “رقصة الموت” واحدة من أولى مسرحيات الذات في القرن الـ20. ومن هنا يمكن القول إن “رقصة الموت” ما إن يعاد تقديمها في أي زمن من الأزمان، إنما يستدعي ذلك التقديم نوعاً من العودة إلى كتاب “إنفرنو” من ناحية، من ثم من ناحية أخرى، نوعاً من التوقف عند ذلك الجانب من سيرة أوغست سترندبرغ (1849 – 1912) واجدين في المسرحية جواباً عن سؤال كثيراً ما طرح يتعلق بما إذا كان فن المسرح قادراً على أن يقدم السيرة الذاتية للكاتب المسرحي.

أوغست سترندبرغ (1849 – 1912) (غيتي)

 

من أكثر الفنون ذاتية!!

والحقيقة أن قراءة “إنفرنو” ومشاهدة “رقصة الموت” في جزأيها في وقت واحد تقول: أجل… بل لعل المسرح يكون من أكثر الفنون قدرة على تصوير معاناة الكاتب وسيرته. وهو على أية حال ما سيعود دائماً إلى تأكيده السينمائي – والمسرحي أيضاً – إنغمار برغمان الذي كان يعتبر نفسه تلميذاً نجيباً لذاتية سترندبرغ في الكتابة، وبخاصة في كتابة الحوارات المسرحية والسينمائية، ولا سيما في فيلمه “مشاهد من الحياة الزوجية” الذي يكشف كما حال أفلام أخرى له، معاناة في الحياة الزوجية قد لا تكون على قوة وقسوة ما يطالعنا في “رقصة الموت”، لكنها تدنو من ذلك كثيراً. المهم أن “رقصة الموت” تعتبر منذ مطلع القرن الـ20 واحدة من أقوى مسرحيات كاتبها – كما سيفعل فيلمه الآخر والأخير “ساراباند” الذي يعود فيه إلى بطلي ذلك الفيلم، إذ يلتقيان بعد 20 عاماً من انقضاء أحداث “مشاهد من الحياة الزوجية” ليرسم نوعاً من مصالحة ولو متأخرة بينهما، لكن هذا موضوع آخر بالطبع. ومهما يكن من أمر فإن “رقصة الموت” بجزأيها، تحمل من القسوة والهموم الذكورية، في مواجهة “لا – جدوى” الحياة الزوجية مما يستدعي دائماً ضرورة أن يكون الحق على المرأة في العلاقة البائسة داخل الحياة الزوجية، إلى درجة أنه ذات مرة حين قدمت في باريس قبل سنوات من الآن، اعتبرت فاشلة لمجرد أن البطولة كانت فيها للفاتنة العذبة شارلوت رامبلنغ، مما تنافى يومها مع ما كان سترندبرغ يريد التعبير عنها من خلال مواقف وحوارات عزاها إلى بطلة مسرحيته أليس، فكان لا بد من تخفيف حدتها لتتناسب مع عذوبة رامبلنغ وأناقتها، مما أفقد المسرحية بعدها المنطقي. ففي نوايا سترندبرغ كان لا بد لأليس أن تكون قاسية إلى حد لا يطاق ولعباراتها في مواجهة زوجها الكابتن إدغار أن تكون قاتلة بالفعل إلى درجة تودي به إلى الموت، عند نهاية القسم الثاني من المسرحية، وهو أمر ما كان يمكن لشخصية تلك الفنانة أن تؤديه بإقناع!

جحيم في حياة “الثنائي”

ولا شك أنه بات واضحاً مما تقدم أن “رقصة الموت” دراما عائلية تدور أساساً من حول حياة “جحيمية” تتواصل منذ ربع قرن من الزمن لم يعرف الزوجان الهناءة فيها ولو يوماً واحداً على رغم أنهما يعيشان في جزيرة تبدو للوهلة الأولى كالفردوس. 25 عاماً بالكاد تبادل الزوجان خلالها أية عبارات ودية، بل كانت نوعاً من تبادل القتل من دون هوادة في حرب بات يصعب عليهما إدراك أسبابها على أية حال. ولا شك أن الكاتب تناول ذلك الواقع من خلال نظرته إلى الرجل والمرأة داخل الثنائي على اعتبار أن الصراع فيها يبدأ منذ أيام الزواج الأولى، وهكذا لا تعود الحرب الزوجية في حاجة إلى أسباب مبررة، بل تضحى من نوع تحصيل الحاصل. وفي هذا الجانب تكمن على أية حال “ذاتية” هذه المسرحية التي أشرنا إليها أول هذا الكلام. غير أن تلك الذاتية لا تنفي “كونية” الموضوع في رأي اثنين من كبار السينمائيين يعتبران من مستكملي عمل وفكر سترندبرغ أولهما بالطبع برغمان، وثانيهما وودي آلن الذي كثيراً ما أعلن انتماءه من هذه الناحية إلى نظرة الكاتب السويدي، مفسراً بذلك تلك الصراعات بين الرجل والمرأة في أفلامه. وغالباً ما تحدث آلن بدوره عن “رقصة الموت” باعتبارها المرجع الصالح لتفسير مواقفه الخاصة من قضية “الثنائي” في الحياة الاجتماعية المعاصرة. فكيف تتناول “رقصة الموت” هذا الموضوع في قسميها؟

خلف مظهر الأناقة الفردوسية

في القسم الأول تأخذنا المسرحية إلى تلك الدارة الأنيقة التي يقيم فيها الزوجان إدغار وأليس، بل يعذب أحدهما الآخر منذ 25 سنة، وتتعذب معهما من جراء ذلك ابنتهما جوديث التي لن تظهر على أية حال بصورة جدية إلا في القسم الثاني. أما في القسم الأول فإن المسرح يخلو للزوجين يحاول كل منهما تدمير الآخر بالعبارات القاتلة التي يتبادلانها في كل يوم وساعة. ولا سيما بالنسبة إلى أليس التي لا تتصل بالعالم الخارجي إلا من خلال جهاز لا سلكي تخبئه في مكان سري في البيت وتستخدمه بين الحين والآخر بعدما تعلمت كيفية استخدامه، بيد أن الأمور تتبدل حين يصل إلى البيت في زيارة غير متوقعة ابن عم لأليس هو كورت الأنيق واللبق الذي كان قد عين لتوه ضابطاً في حامية تلك الجزيرة، وبات حضوره يشكل نوعاً من حصار عائلي آخر بالنسبة إلى إدغار الذي سيصاب بجلطة تجعل أليس تعتقد أنه سيموت عما قريب لا محالة، فلا تتردد عن مزيد من الضغط عليه من خلال ما تبديه من اهتمام بكورت ومغازلة له مما يزيد من حدة إحساس إدغار بالحصار. وهنا لن يتردد كنوع من الرد عليها أن يهاجمها بسيف يعلن الاثنان بعده هدنة بينهما فيما يهبط الستار.

هدنة وهمية

غير أننا سنكتشف في القسم الثاني أن الهدنة وهمية وأن الحرب بين الزوجين متواصلة حتى وإن كان إدغار يشعر الآن بكونه الضحية الأضعف، فيحاول أن يسجل نقطة لصالحه ضد أليس من خلال “منعه” ابنتهما جوديث من مواصلة علاقة غرامية كانت قد ربطتها بابن كورت الشاب آلان، لكن جوديث لا تنصاع لإرادة أبيها الذي كان قد حاول أن يفرض عليها الاقتران بكولونيل من معارفه، لكنها ترفض ذلك متمسكة بآلان، مما يزيد من إحساسه بالحصار الذي بات مضاعفاً عليه وسيقوده إلى الموت تحت تأثير مبالغة أليس في مهاجمته ولو لفظياً، وغايتها بكل وضوح هذه المرة التخلص منه. وهي بالطبع تتمكن من التوصل إلى ذلك لكنه لن يموت قبل أن يبصق في وجهها بصقة أخيرة لا تقل تدميراً لها عن قدرة التدمير التي تملكها هي والتي تعجل بنهايته. غير أن تلك المعركة الأخيرة في حرب دامت منذ الأيام الأولى لعلاقتهما تجعلها تكتشف، ولكن متأخرة أي بعد موته، أنها في الحقيقة قد أحبته بقدر ما كرهته طوال سنوات ارتباطها به وتناحرها معه، آملة وهي تحدق حائرة في جثمانه المسجى في أن ترقد روحه الآن بسلام، ترى أنه يستحقه بعد كل ذلك العذاب الذي تسببت له به، لكنه لم يكن ليزيد كثيراً عن العذاب الذي تسبب به هو الآخر لها.

المزيد عن: أوغست سترندبرغالمسرح السويديمسرحية رقصة الموتالممثلة شارلوت رامبلنغ

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00