من معرض وائل شوقي انا تراتيل المعابد الجديدة ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: معرض وائل شوقي… وخفايا الحدوتة المصرية الطويلة by admin 4 ديسمبر، 2023 written by admin 4 ديسمبر، 2023 408 النهار العربي / مهى سلطان بأسلوب “الحدوتة” يدخل الفنان المصري وائل شوقي إلى قضايا التاريخ والدين والسياسة والثقافة، ليكون من بين القلائل الذين يطرحون إشكاليات معقّدة بوسائط ترفيهية تندرج ضمن الفنون البصرية. يستخدم طيفاً من الوسائط، كفن التجهيز والتركيب فضلاً عن الرسم والنحت، والأهم بينها هو الفيديو- آرت الذي يعتمد على أداء شخصيات مقنّعة بالدمى “الأراجوز”، للغوص في بناء سرديات جديدة متعددة الطبقات. هي رحلات استقصائية ما بين الحقائق والخرافات والأساطير، وكثيراً ما تكون تجوالاً بين المدن والشعوب والحضارات، بحثاً عن الحكاية المغايرة التي لم يكتبها التاريخ من قبل. بالطبع هي الحكاية الافتراضية التي لا تُصدّق. النقد والتشكيك واعادة بناء التاريخ ورفض الكليشيهات المسبقة هي الميّزات التي كرّست حضور وائل شوقي (من مواليد الإسكندرية العام 1971) وعروضه البصرية في المعارض الدولية والمتاحف العربية والعالمية. يُذكر أنّ شوقي الحائز على جوائز عالمية (منها: المواطنة الفخرية لمدينة باليرمو 2017، وجائزة بينالي الشارقة 2013)، يعيش ويعمل ما بين مصر وفيلادلفيا منذ العام 2000، قد أسّس في العام 2010 مدرسة مستقلّة للفن المعاصر في الإسكندرية (Mass) توفّر مساحات للممارسة الفنية والأبحاث المتعددة التخصصات. هو واحد من أبرز المعاصرين المتعددي المواهب، الذين يسلّطون الضوء على مسائل الصراع على السلطة، وتأثيرات العولمة على المجتمعات المعاصرة. وهي العوامل التي دفعت إلى اختياره لتمثيل الجناح المصري في بينالي البندقية بدورته الـ60، التي ستُقام (من 20 نيسان/ أبريل إلى 24 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2024) في ايطاليا، وسوف يشارك بمشروع فني تحت عنوان “دراما 1882”. ومن إيطاليا أيضاً انطلقت حكاية وائل شوقي في معرضه “أنا تراتيل المعابد الجديدة”، الذي يُقام حالياً في غاليري صفير زملر (بيروت- الكرنتينا يستمر حتى أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023). هو مشروع ضخم متعدّد الأوجه يضمّ لوحات ومنحوتات وتجهيزاً فنياً عبارة عن فيلم (مدته 50 دقيقة) مشغول سينمائياً باحترافية عالية، من انتاج “منتزه بومبيّ الاركيولوجي” أنجزه شوقي في إطار برنامج Pompei commitment، الذي يأخذ كنقطة انطلاق له المدينة القديمة المدفونة تحت رماد بركان جبل فيزوف الذي ثار عام 79 ميلادياً، والمجتمات المتوسطية المتداخلة والمترابطة بحكاية تلك المدينة. لوحات من أعمال وائل شوقي بين الخيال السوريالي والأجواء الطفولية ما بين الأزمنة والأمكنة يُدهش الزائر منذ الوهلة الأولى، تلك الجدارن المطلية باللون الأحمر القرمزي، التي تستذكر جدران بيوت مدينة بومبيّ الفخمة المزينة بتصاوير زاهية مقطوفة من ترف الحياة اليومية. يبدأ المعرض أعماله في قراءة الماضي من خلال حقل افتراضيّ من حقول التنقيب الأثري، حيث من رمال الزمن تبدأ لتخرج المكتشفات الأثرية لتبدأ أولى حلقات الرواية. تلك الرواية التي تتظهر شيئاً فشيئاً من خلال لوحات صغيرة الحجم متموضعة بطريقة متتالية، كأنّها فقرات من قصص خيالية عن أسطورة الخلق والكائنات والغابات والحيوانات الأسطورية، جسّدها وائل شوقي بأسلوب تزييني برّاق يمزج بين الغرائبية السوريالية والمناخات القصصية الطفولية المفعمة بالخيال والألوان المدهشة. كم هو ملوِّن بارع وائل شوقي، حين يخترع عوالمه الكرنفالية، فهو في جانب منه رسام مُبهر وفي جانب آخر نحات متمكّن نتعرّف على تماثيله البرونزية التي تقدّم ابطالاً لا نعرف أسماءهم، بل تظهر رؤوسهم الشرسة متوجةً بجلد الثعالب أو الطيور المتعانقة. والأبرز هي الأقنعة المشغولة بمادة السيراميك الملوّن، وهي نماذج قبيحة ومكشّرة وطريفة، هي الأقنعة المستعارة من الفيلم الذي تتمحور شخصياته حول تراتيل الزمن المقبل. تتقاطع تراتيل وائل شوقي بشكل غريب وهجين ما بين الأزمنة والأمكنة، بقوله: “يتخذ الفيلم من خرائب وأطلال مدينة بومبيّ ومن منطقة صعيد مصر خلفيةً له، بينما يحاكي الممثلون بأقنعتهم المصنوعة من السيراميك أو الورق المعجن، نماذج من سكان مدينة بومبيّ التي حملت في ثناياها تأثيرات من العوالم اليونانية والرومانية والفرعونية القديمة، فنراهم طوال الفيلم يرقصون على أنغام الموسيقى (التي قام الفنان ايضاً بتأليفها) ليذكروننا أنّ ما نعتبره سرمدياً أبدياً، إنما هو حال تغيّر وتحوّل مستمرين. وتصبح الكوميديا والمأساة المؤداة على أنقاض مسرح المدرج الروماني، هي الهيكل الشكليّ الأساسيّ الذي يروي من خلاله الممثلون الأساطير اليونانية بالللغة العربية”. لا نعرف بأي وسيلة نسج وائل شوقي خيوط حكايته، التي مزجت الأزمنة بعضها ببعض وقفزت فوق الاعتبارات التاريخية والخصائص الحضارية للشعوب بما تحمله من متميزات، ولا نعرف المبرّرات التي دعته للعودة الى التفكر في نشوء البشرية، وتداخل القصص المتناقلة عبر الأزمنة والأمكنة والأجيال والألفيات والقارات وتشابكها. هل بغية التأمّل في عملية تكوين الهويات من خلال بناء سرديات “وهمية” منبثقة من الأساطير والميثولوجيات والحكايات الشعبية؟ أم أنّ شغفه بتصوير تاريخ تكوين المجتمعات الإنسانية والمفاهيم المنعقدة حول الآلهة (آلهة الخير والشر) ما قبل الأديان، ما زالت تحمل تداعياتها على المعتقد الغيبيّ الباطنيّ للإنسان؟ يؤكّد شوقي أنّ ثمة جسوراً لامادية تصل بين الحضارات، وهي عابرة للثقافات، كقصة الآلهة المصرية إيزيس وهي “الأم القديسة” في الأساطير المصرية التي تمّ تمثيلها في الفيلم، ضمن فيض الآلهة الهلنستيّة على انّها زوجة زيوس، لتصير لاحقاً الخلفية المتوارية لصورة العذراء مع طفلها يسوع في الأيقونات المسيحية (صورة إيزيس مع ابنها حورس). يبحث شوقي كعادته في الاستقصاء والتعمّق الثقافي والفكري عن السند الكتابي الذي يرفد عمله الفني، ليعرض لنا هذه المرّة مقولة الشاعر الإغريقي هسيودوس في كتابه ثيوغونيا (أي إنساب الآلهة) أنّ ظهور الكون الأسطوري القديم كان نتيجة ضربة حظ تمثلت في لحظة عظيمة حدثت في تاريخ الفكر الغربي على الأراضي المحيطة ببحر “إيجة” مع التقاء التيارات التقليدية لثقافات قديمة شديدة التباين والاختلاف. سؤال الهويّة من هذا المنطلق، يستند فيلم وائل شوقي الى استجلاء تمثيل بصري لهذه النفاذية ولهذا الانتقال. ولكن هل العودة الى التفكر في أصل الكون ونشوء البشرية إشارة إلى الأصل العابر للثقافات ما قبل تكوين الهويات؟ بالطبع ليست مسألة الهوية سوى جزء من الوجه الصراعي لصدام الحضارات، الذي خاض فيه الفيلسوف هوننتغتن Samuel P. Huntington، ولطالما شكّلت محور المشاريع التي نفّذها شوقي من قبل، كمثل “كباريه الحروب الصليبية”، وهو من الأعمال الملحمية التي استند فيها على كتاب أمين معلوف (الحروب الصليبية كما رآها العرب)، كما لامس بعمق القضايا والأحداث السياسية في “قناة لارفا 2” (2009) وهو فيديو تحريكي مدّته 10 دقائق يستكشف إعادة تدوير اللغة واستنفاد المعنى اللغوي بين اللاجئين الفلسطينيين في مخيم سوف بالأردن، ويضيء تمثّلات الذات من خلال الترحال. ومن قبله في “دارة الفنون” بعمّان كان قد عرض فيلمه الإنشائي التحريكي “حديقة الأقصى” (2006)، والذي يُظهر قبّة الصخرة على هيئة شكل دائري متحرّك ومضيء، وهي تعلو وتستدير بأضواء تومض وتنطفئ، كانعكاس للوضع السياسي المحيط وموضعها في الصراع، لاسيما بعد الانتفاضة الثانية التي ظهرت على إثر الزيارة الاستفزازية لشارون إلى الحرم القدسي في العام 2000، حيث يتأمّل شوقي في نقاط التماسّ بين الخطابين الديني والسياسي، الذي تشكّل حول القدس، التي تمثّل برأيه مركز الصراع منذ الحروب الصليبية. تماثيل لأبطال الأساطير من عوالم خرافية ولئن كان مبدأ التشكيك في التاريخ المكتوب ونقده وتحليله هو مبتغى وائل شوقي، الذي يقع في السياسيّ والخطاب الايديولوجي والقضايا الكبرى من طريق مسرح الأراجوز الانتقادي الساخِر والمرِح، تبقى الحدوتة التي يرويها هذه المرّة طويلة (بلا مبرر) ومتشعبة الدروب والأزمنة والمحطات، ما يضيّع الهدف. وفي الأخصّ انّ الفيلم يفتقر إلى السياق الدرامي لحبكة القصة السينمائية التي تدفع قدماً لعبة التشويق الغائبة عن الفيلم، غير أنّ “تراتيل المعابد الجديدة”، في اجتهادها لتسليط الضوء على الأوهام والخيالات التي ما زلنا نعتمد عليها (كما يقول الفنان) في تفسير العالم من حولنا، تخلص إلى نهاية “رؤيوية” أكثر منها كابوسية، يتنبّأ المشهد الأخير من الفيلم بتطور البشرية إلى حال هجينة، حيث الأغنية الأخيرة ترمز لخطايا الأجيال المقبلة “وتستحوذ على اصواتها أصوات أطفال تؤذّن بالمستقبل الآتي”. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حازم صاغية يكتب عن: نطالب الآخرين بالانقسام ونطالب أنفسنا بالوحدة next post Police investigating shots fired in Dartmouth You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024