الأحد, أبريل 28, 2024
الأحد, أبريل 28, 2024
Home » عزيز حق يكتب عن : الذكاء الاصطناعي يقسم العالم

عزيز حق يكتب عن : الذكاء الاصطناعي يقسم العالم

by admin

 

الجغرافيا السياسية تعترض طريق تشريع التنظيم الدولي للتكنولوجيا القوية

اندبندنت عربية / عزيز حق

  • * عزيز حق، بروفيسور مادة القانون في كرسي فرانك وبرنيس ج. في جامعة شيكاغو، ومؤلف كتاب “تهاوي المعالجات الدستورية”

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أصدر عدد من الدول بياناً مشتركاً يعد بتعاون دولي قوي في التعامل مع تحديات الذكاء الاصطناعي. وعلى نحو مثير للدهشة حيال دول اعتادت الخلافات في الأمور التشريعية، ذيلت الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتوقيعاتها تلك الوثيقة التي رسمت رؤية عريضة ومتماسكة عن كيفية التعامل مع الأخطار المترتبة عن الذكاء الاصطناعي “الطليعي”، أي الأصناف الأكثر تقدماً من النماذج التوليدية لذلك الذكاء الذي يقوم “تشات جي بي تي” نموذجاً عنها. وصاغ البيان حالاً من أحوال استعمال الذكاء الاصطناعي في “المعلومات المضللة”، وإشعال شرارة أخطار “جدية وحتى كارثية” في الأمن السيبراني والتقنيات البيولوجية [من الأمثلة عن الأخيرة، إمكان توصل الذكاء الاصطناعي إلى تقديم تركيبة فيروس فائق القوة وسريع الانتشار، مما يطلق جائحة يصعب التصدي لها].

وفي الشهر نفسه، اتفق رسميون أميركيون وصينيون على عقد محادثات في الربيع المقبل تتناول التعاون على التشريع التنظيمي للذكاء الاصطناعي. وتتناول المحادثات معالجة أخطار التكنولوجيا الجديدة وضمان تأمينها.

وفي ضوء محادثات ثنائية، وبيانات وقعتها أطراف دولية متعددة، يبدو أن تأطير تشريعات تنظيمية للذكاء الاصطناعي، يقترب من الاكتمال. يلاحظ قدر مفاجئ من التوافق على التدقيق في الأمر التوجيهي الذي أصدره الرئيس جو بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وتناول الذكاء الاصطناعي، وفي “قانون الذكاء الاصطناعي” الصادر عن الاتحاد الأوروبي الذي أقره البرلمان الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول) 2023، ويتوقع أن توضع اللمسات الأخيرة عليه في وقت لاحق من العام الحالي، أو في مجموعة القوانين التي أصدرتها الصين أخيراً في الموضوع نفسه. وثمة قواسم مشتركة كثيرة في ما بينها. وتتشارك الأنظمة التشريعية هذه، على العموم، هدفاً مشتركاً هو الحيلولة دون إساءة استعمال الذكاء الاصطناعي، وتجنب تقييد الابتكار في مساراته. واقترح بعض المتفائلين إنشاء إدارة دولية داخلية للذكاء الاصطناعي، على غرار الأفكار التي كتبها لمجلة “فورين أفيرز” المحلل الجغرافي السياسي إيان بريمر، والمستثمر مصطفى سليمان، والخطة التي قدمها سليمان، مع إيريك شميدت، المدير التنفيذي السابق لـ”غوغل” ونشرتها “فايننشال تايمز” واقترحا فيها تشكيل هيئة دولية، تشبه “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” التابعة للأمم المتحدة، وتتولى العمل على “إبلاغ الحكومات مجريات أحوال قدرات الذكاء الاصطناعي وصوغ توقعات مستندة إلى القرائن على تطوراتها المقبلة”.

وفي المقابل، اصطدمت الخطط الطموحة والساعية إلى صوغ نظام حوكمة دولي جديد للذكاء الاصطناعي، بفأل سيئ هو، ببساطة، الحقيقة الباردة. فالقوى الكبرى، وخصوصاً الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد تعلن إصرارها على التعاون من أجل تنظيم الذكاء الاصطناعي، ولكن أفعالها تحبل بمستقبل من التفكك والتنافس. وتبرز، على التوالي، أنظمة قانونية متباينة من شأنها إحباط أي تعاون على إمدادات أشباه الموصلات، وسن المعايير التقنية، وصوغ تشريعات عن البيانات والخوارزميات [يعمل الذكاء الاصطناعي بواسطة معادلات رياضية تسمى خوارزميات وتقدم له المواد والمعطيات والعلاقات والروابط كلها]. وتلك المعطيات مسار لا يفضي إلى فضاء دولي من التعاون، والحوار، والتآزر على سن قوانين ناظمة للذكاء الاصطناعي. ويفضي ذلك، بالأحرى، إلى عالم تسوده التوترات الجغرافية السياسية وتتقدم فيه على الأفكار القوية والساعية إلى تطويع الذكاء الاصطناعي للمصلحة العامة.

الرقاقات الإلكترونية على أكتافهم

ولعل حلبة الصراع المتصل بالذكاء الاصطناعي البارزة، هي حلبة الصراع بين الصين والولايات المتحدة على الأسواق العالمية لأشباه الموصلات. ففي أكتوبر 2022، أصدرت وزارة التجارة الأميركية إطارها الشامل الأول في شأن تراخيص تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة، وتقنيات صناعة الرقاقات. وتلك الرقاقات جزء من صناعة الأجهزة التي تستطيع إدارة النماذج الأشد تقدماً من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستعملها شركات “أوبن أي كي” و”آنثروبيك”، والمؤسسات التي تعمل على خطوط التكنولوجيا المتقدمة. وتسري قيود التصدير على الشركات الأميركية، وتشمل كل مصنع يستعمل برمجيات أو تقنيات أميركية. ومن الناحية العملية، تتمتع التشريعات التنظيمية التي تسنها واشنطن بتأثير عالمي. وفي أغسطس (آب) 2023، ردت الصين، ففرضت قيودها الخاصة على المادتين النادرتين، “غاليوم” و”جرمانيوم”، وهما مكونات ضرورية في صناعة الرقاقات. بعد شهرين، شددت إدارة بايدن تشريعات كانت أصدرتها في أوقات سابقة، فوسعت الدائرة التي تشملها القيود على أشباه الموصلات.

وفي المستطاع خوض منافسة على أشباه الموصلات لأن القانون الدولي الذي ترعاه “منظمة التجارة العالمية” لا يضيق كثيراً على الحكومات في مجال إرساء ضوابطها على تصدير تلك المنتجات. وفي الماضي، لم تتعامل المؤسسة مع القضية هذه إلا لماماً وعرضاً، ومنذ أن عمل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على تحييد هيئة الطعن في القرارات، وهي من هيئات “منظمة التجارة العالمية”، في عام 2018، عبر منع تعيين أعضاء جدد فيها، ضاقت السبل أمام صوغ قوانين جديدة يمكن تنفيذها بصورة موثوقة، وبواسطة مؤسسة دولية مرجعية. ونجم عن ذلك إفضاء تبادل القيود في حرب الرقاقات بين الصين والولايات المتحدة، إلى تآكل التجارة الحرة ورسو سوابق تزعزع استقرار قانون التجارة الدولية [في مجال أشباه الموصلات]. ولعل من شأن القيود أن تنهض بديلاً عن القانون على المدى المنظور، وأن تقلص التجارة الدولية إلى مستويات متدنية، جنباً إلى جنب تعاظم الضغوط الجغرافية- السياسية.

وليست حرب الرقاقات إلا جبهة متقدمة وبارزة من جبهات السباق المحتدم على مكونات الذكاء الاصطناعي الضرورية. وثمة دائرة أخرى من دوائر الصراع تتعلق بالمعايير التقنية التي تساند استخدام كل تقنية أساسية. لنتخيل مثلاً محاولة بناء خط سكك حديدية يعبر الولايات المتحدة. فإذا سنت كل ولاية قانوناً خاصاً يتناول قياس خطوط القطار، سادت الفوضى. وشهد صعود الحقبة الرقمية تكاثراً في المعايير التي تنظم إنتاج وبيع وشراء المنتجات المعقدة في أرجاء العالم. ومثلاً، يحوي هاتف آيفون 13 قرابة 200 قطعة تصنعها أكثر من 10 دول. ولا ينتظم عمل القطع المتفرقة معاً إلا بتشاركها مجموعة من المعايير التقنية المحددة، وإنتاج شيء يستطيع التواصل مع أبراج الاتصالات، والأقمار الاصطناعية، و”إنترنت الأشياء” Internet of Things [إشارة إلى وضع رقاقات للاتصال مع الإنترنت في كيانات كالسيارات والبواخر وكاميرات المراقبة، مما يمكن الأجهزة المختلفة من الاتصال بها أيضاً]. ويفضي كل خيار، في شأن تلك المعايير، إلى آثار حاسمة في مسائل مثل دخول الابتكارات الاستعمال التجاري، وحيازتها حصة من السوق، وسبل الإنجاز هذه. ووفق كلمات الصناعي الألماني فرنر فون سيمنز في أواخر القرن الـ19، “من يفصل في المعايير، يستولي على السوق”.

حرب الرقاقات بين الصين والولايات المتحدة، تعمل على تآكل التجارة الحرة وترسي سوابق تزعزع استقرار قانون التجارة الدولية

واليوم، يجري التفاوض على المعايير التقنية العامة للتكنولوجيا الرقمية بين مجموعة صغيرة من الهيئات غير المشهورة، على غرار “الاتحاد الدولي للاتصالات”، و”المفوضية الدولية للتكنولوجيا الكهربائية”، و”الهيئة الدولية لوضع المعايير” و”فريق العمل عن هندسة الإنترنت”. وتستضيف جينيف مقار إدارة تلك المؤسسات التي تعمل بوصفها هيئات غير ربحية ترتبط بالأمم المتحدة، ولكنها تضطلع بدور رئيس في صوغ الشروط العالمية للتجارة الرقمية والمنافسة فيها. ويصوت أعضاء تلك المؤسسات على المعايير وفق قانون الغالبية. وحتى الآن، سيطر على تلك المؤسسات ممثلو حكومات الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وشركات الطرفين. وفي المقابل، شرعت الصورة في التبدل.

ففي العقدين الأخيرين، تعاظم تولي الصين أدواراً قيادية في اللجان التقنية لعدد من المؤسسات المذكورة آنفاً، وفرضت معاييرها الخاصة والأثيرة. ومنذ عام 2015، أدرجت معاييرها التقنية الخاصة في مشروعات ضمن “مبادرة حزام وطريق”، برنامجها الدولي الكبير للاستثمار في البنى التحتية. ومنذ بداية عام 2019، عقدت 89 اتفاقاً على المعايير هذه مع 39 دولة ومنطقة. وفي مارس (آذار) 2018، أطلقت الصين استراتيجية إضافية أخرى هي “معايير الصين 2035” وتسعى في أداء دور قوي للصين في صوغ المعايير الدولية، وتفترض تآزراً أوسع بين القطاعين، المدني والعسكري، داخل الصين في ما يعود إلى اختيار المعايير. وعلى نحو متوقع، جاء رد بعض المحللين الصناعيين في الولايات المتحدة عبر دعوة واشنطن إلى القتال “بضراوة أشد [ضد] التأثير الصيني في هيئات وضع المعايير”.

وليست هذه المرة الأولى التي تتأثر فيها المعايير التقنية بالتوترات الجغرافية – السياسية. ففي أغسطس من عام 2019، حملت العقوبات الأميركية على شركة “هواوي”، عملاق الاتصالات الهاتفية الصيني، الصين على إرساء معاييرها الخاصة في حقل كفاءة الطاقة، لكنها لم تأت متناغمة مع مثيلاتها في الغرب. ونتج من ذلك تجزؤ المعايير التقنية المتعلقة بإدارة عمل المراكز الكبرى للبيانات التي تتبوأ مكانة مركزية في الاقتصاد الرقمي. وفي السياق الرقمي، يترجم انفصال الأسواق، بسبب اختلاف المعايير، تباطؤاً في انتشار الأدوات المبتكرة. وقد تصعب تطوير حلول تقنية، قابلة للتبني عالمياً في حقول المعلومات المضللة، والأشرطة الإباحية المصنوعة من طريق التزييف العميق. وعلى هذا، تتزايد صعوبة التوصل إلى حلول للمشكلات التي أقرت القوى الكبرى بأهمية معالجتها المشتركة.

وبالفعل، ظهرت الانقسامات على المعايير المتصلة بالذكاء الاصطناعي. فمثلاً، يشترط “قانون الذكاء الاصطناعي”، الاتحادي الأوروبي، استعمال “إجراءات مناسبة مع الأخطار”. وبهدف تعريف ذلك الشرط، سعى القانون في العمل مع ثلاث مؤسسات مستقلة، متخصصة في صوغ المعايير، كي تطور وتنسق معايير تخدم التعامل مع السياق في ما يتعلق بأمن الذكاء الاصطناعي. ولا يخلو من الدلالة أن المؤسسات الثلاث التي حددها القانون، أوروبية، ولا تشرك واحدة من المؤسسات الدولية التي ذكرت آنفاً. ويبدو ذلك جهداً يتعمد تمييز التشريعات التنظيمية الأوروبية من نظيراتها في الولايات المتحدة والصين. وهي تعد ببلقنة المعايير التي ترعى الذكاء الاصطناعي.

المادة المظلمة موجودة لديهم

وتسهم النزاعات الجغرافية – السياسية في رسم ملامح التنظيم التشريعي الدولي المتعلق بالسلع المادية الملموسة واللازمة في صنع الذكاء الاصطناعي. وتفاقم تلك الصراعات حدة الانقسامات على المصادر غير الملموسة اللازمة في تلك التكنولوجيا. ومرة أخرى، يرسخ النظام القانوني الناشئ كيان نظام عالمي منقسم، يرجح فيه فشل الحلول الجامعة والمشتركة.

وتتصدر البيانات المدخلات غير الملموسة في الذكاء الاصطناعي. فأدوات الذكاء الاصطناعي، مثل “تشات جي بي تي”، تبنى استناداً إلى كم هائل من البيانات. وفي المقابل، يفترض نجاحها وجود قطاعات من البيانات لها استهدافات معينة. وتميز القوة الهائلة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تستطيع إنتاج فقرات من النصوص، أو أشرطة فيديو، استجابة إلى طلب قصير. ومن ثم ينبغي زيادة دقة تلك الأدوات عبر استعمال مجموعات أصغر من البيانات المتعلقة بوظيفة معينة، والسياقات المحددة المتصلة بها. فمثلاً، إذا توخت شركة استعمال أداة في الذكاء الاصطناعي التوليدي لمصلحة روبوت دردشة يعمل في خدمة المستهلك، فربما تحتم تدريب تلك الأداة على النصوص التي تمتلكها تلك الشركة عن التفاعلات مع زبائنها. وباختصار، يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى خزين ضخم من البيانات، إضافة إلى ردهات أصغر من المعلومات المتخصصة [بمعنى أن تكون مفصلة وفق متطلبات أداء كل نوع من الوظائف على حدة].

وعلى هذا، ستتنافس الشركات والدول على الوصول إلى الأنواع المختلفة من البيانات. وليس بالأمر الجديد وقوع نزاع دولي على تدفق البيانات. وسبق أن اختلفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مراراً، على شروط عبور البيانات الأطلسي، عقب إقرار “محكمة العدل الأوروبية”، في عام 2015، “اتفاق المرسى الآمن” الذي أتاح للشركات نقل البيانات بين خوادم (سيرفرات) الولايات المتحدة والقارة الأوروبية. [وتضمن الاتفاق بنوداً تنص على ضمان خصوصية البيانات، والتزام الحقوق الفردية فيها، عند انتقالها بين ضفتي الأطلسي مع وجود قوانين متباينة في ذلك المضمار. وأنهى الاتفاق حقبة تمتعت فيها شركات المعلوماتية الأميركية بحرية نقل المعلومات بين أوروبا وأميركا، من دون ضوابط]. وفي المقابل، يتسع اليوم مدى الاختلاف على الموضوع، مما يسهم في رسم ملامح عمليات تدفق البيانات، ويصعب عبور البيانات الحدود الوطنية والقومية.

يعمل النظام القانوني الآخذ في التشكل في شأن الذكاء الاصطناعي، على إفشال الحلول الجماعية

وإلى وقت قريب، روجت الولايات المتحدة نموذجاً للنقل الدولي الحر للبيانات، على مثال التزامها الأسواق المفتوحة، وكضرورة للأمن القومي، وخلصت من هذا إلى أن عالماً أكثر تكاملاً وتعاوناً وفق اعتقاد مسؤولين أميركيين، أكثر آمناً. وأبدت واشنطن عدوانية في توسل صفقاتها التجارية الثنائية الترويج لتلك الرؤية. وعلى خلاف ذلك، أبدى القانون الأوروبي حذراً في شأن خصوصية البيانات. ومن جانب آخر، فعلت الصين والهند تشريعات محلية تفرض، بطرق مختلفة، “موضعة البيانات”، مع فرض قيود أشد على تدفقها عبر الحدود.

ومنذ اجتياح الذكاء الاصطناعي قلب المجتمع الدولي، تبدلت الرؤى والتوجهات. وفي الآونة الأخيرة، خففت الهند قيود الحظر. ورأت أن ذلك يتيح تدفقاً أكبر للبيانات إلى بلدان كثيرة، مما يتيح هامشاً واسعاً أمام معطيات التجارة الرقمية العالمية. كذلك بدا أن الصين شرعت في تخفيف قوانين الموضعة المحلية للبيانات تحت تأثير تعثر اقتصادها، مما أتاح لشركات جديدة تخزين البيانات خارج الحدود الصينية. ولكن سير الولايات المتحدة في اتجاه معاكس يثير الدهشة والمفاجأة. وأبدى سياسيو الولايات المتحدة حذراً من علاقة الحكومة الصينية بتطبيق “تيك توك” للإعلام الاجتماعي. وحمل السياسيون تلك الشركة على التزام تقييد تدفق بياناتها نحو الصين (أقر “تيك توك” نفسه بأن احترامه لذلك الالتزام جاء على نحو متباين إلى حد ما).

وفي أكتوبر 2023، أعلنت ممثلة التجارة الأميركية أن الحكومة الفيدرالية شرعت في التخلي عن الشروط الأميركية الثابتة في “منظمة التجارة العالمية”، في شأن حماية تدفق البيانات العالمي والعابر للحدود. وكذلك الحال في ما يعود إلى الحظر على الموضعة المحلية القسرية للبيانات. وإذا استمرت واشنطن على هذا النحو، خسر العالم مدافعه الأساس عن حرية تدفق البيانات، وتعاظم النازع إلى الموضعة المحلية للبيانات.

وأخيراً، بدأت المنافسة الدولية على طلب الدول الكشف عن الخوارزميات التي تستند إليها أدوات الذكاء الاصطناعي، والموعد الذي قد تطالب فيه بذلك، تتعاظم وتتفاقم. ويطالب “قانون الذكاء الاصطناعي” الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، بأن تعطي الشركات الكبرى الوكالات الحكومية سبيلاً إلى المعدات الداخلية في عمل بعض نماذج الذكاء الاصطناعي، بغية التثبت من أنها لا تسبب ضرراً كامناً للأفراد. وعلى نحو مشابه، تلزم التشريعات التنظيمية الصينية الأخيرة للذكاء الاصطناعي المستخدم في تكوين محتوى (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي)، الشركات بتسجيل نفسها لدى السلطات، وتقليص مدد استخدامات تقنياتها. وفي المقابل، تملك الولايات المتحدة مقاربة أشد تعقيداً، لكنها ليست منسجمة تماماً. فمن جهة، يفرض الأمر التنفيذي الذي وقعه بايدن في أكتوبر 2023، منظومة من الإفصاحات عن “النماذج التأسيسية المزدوجة الاستعمال”، وهي النماذج الأشد تقدماً من الناحية التقنية، وفي المستطاع توظيفها في استخدامات تجارية وأخرى تتعلق بالأمن. ومن جهة ثانية، عقدت إدارتا ترمب وبايدن اتفاقات تجارية تتضمن شروطاً تحظر على البلدان الأخرى تضمين قوانينها طلبات تتعلق بالإفصاح عن “الشيفرة الأساسية الخاصة والخوارزميات”. فيبدو موقف الولايات المتحدة متأرجحاً بين اشتراط الإفصاح في الداخل الأميركي، وحظره في البلدان الأخرى.

وعلى رغم أن هذا النوع من التشريعات التنظيمية المتعلق بالخوارزميات لا يزال يحبو، ويرجح أن تقتفي البلدان المسار الذي ترسمه التشريعات التنظيمية العالمية السائرة نحو التفكك والتجزؤ. ومع تفهم أهمية قرارات التصميم التقني، على غرار المعيار المحدد الذي يوكل إلى الذكاء الاصطناعي التلاؤم معه، ستميل الدول إلى محاولة إرغام الشركات على الإفصاح عن تلك التصاميم التقنية، إلى محاولتها حرمان تلك الشركات من تشارك المعلومات مع حكومات أخرى.

مسار التفكك

في حقبة تشهد تراخي الإرادة الدولية حيال تحديات أخرى، أبرمت القوى الكبرى نصاً متفائلاً، بصورة مبدئية، تتناول التعامل مع الذكاء الاصطناعي. وفي بكين وبروكسل وواشنطن، بدا نوع من الإجماع على أن الذكاء الاصطناعي يبطن قدرة كامنة على التسبب في أضرار خطرة، مما يوجب التوصل إلى فعل منسق مشترك وعابر للقوميات والدول.

وفي المقابل، لا تسير الدول اليوم على هذا الطريق. وبدلاً من تشجيع الجهود الجماعية على إرساء إطار قانون يتولى إدارة الذكاء الاصطناعي، انخرطت الدول بالفعل في صراعات تفصيلية وطيفية على الأسس المادية، والأسس غير الملموسة للذكاء الاصطناعي. ويفضي ذلك إلى نظام تشريعي قانوني سمتاه الانقسام والتباعد، وليس الترابط. ويؤول ذلك النظام إلى زرع الريبة بين الدول، وإضعاف الإرادات الحسنة. وسيغدو صعباً التقدم بمقترحات تؤول إلى تحسين الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي. وفي الحد الأدنى، يصعب النظام التشريعي، الآخذ في التبلور، عمليات جمع المعلومات، وتقويم الأخطار المتعلقة بالتكنولوجيا الجديدة. والأمر الأشد خطورة هو أن العقبات التقنية التي أثارتها البلقنة القانونية المتصاعدة لتشريعات تنظيم الذكاء الاصطناعي، ستجعل من المستحيل تحقيق بعض الحلول العالمية على غرار تأسيس هيئة حكومية عالمية معنية بالذكاء الاصطناعي.

ومن ثم، فمن شأن تشظي النظام القانوني أن يسهل تطوير نماذج بالغة الخطورة من الذكاء الاصطناعي، فتنتشر بوصفها من أدوات الصراعات الجغرافية – السياسية. وتطلق أيدي سلطات الطغيان في استعمال الذكاء الاصطناعي لمصلحة سياساتها الخاصة، إلى التوسل بإجازة الدول الديمقراطية التدفق الحر للمعلومات إلى إضعاف تلك الدول من الداخل. أي ثمة أمور كثيرة على المحك، وقد تضيع إذا لم يتبلور فعلاً جهد عالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي.

 مترجم من “فورين أفيرز”، مارس (آذار) 2024

المزيد عن: الذكاء الاصطناعي التوليديحرب البياناتالرقاقات الإلكترونيةالصراعات الاستراتيجيةالخوارزمياتفورين أفيرز

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili