بأقلامهمعربي حازم صاغية : الفضائل الخفيّة للنظام السوريّ by admin 7 يوليو، 2021 written by admin 7 يوليو، 2021 142 الشرق الاوسط اللندنية \ حازم صاغية عمر الشُغري شابّ سوريّ من قرية البيضا الساحليّة في محيط بانياس. كان في الخامسة عشرة حين اعتُقل عام 2012. ابن ضابط متقاعد يحبّ الجيش. لم يقرب السياسة قبلاً. كان يخجل بأخواله ممّن كانوا معتقلين سياسيّين، ولم يخبره أحد عن أسباب اعتقالهم. لم يعرف معاني كلمات كحرّيّة وديمقراطيّة وعدالة. الكلمات التي كان يسمعها هي: قوميّة وعدوّنا ورئيسنا، لكنْ حتّى هذه الكلمات ظلّت بلا كبير معنى لأنّه لم يستطع ربطها بأيّ حدث حيّ. في بيتهم صمت عن السياسة. مشاهدة الأخبار حكر على الأهل. مع «الربيع العربيّ» شاهد صوراً عن المظاهرات في بلدان عربيّة غير سوريّا، فشدّته وانجذب إليها: «المظاهرات حلوة، آلاف الناس، ملايين الناس، معاً، وأنا شخص اجتماعيّ أحبّ أن ألتقي بالناس». تمنّى لو يحصل مثلها في بلده لأنّ الناس في المظاهرات يكونون «مبسوطين». أبوه قال له إنّ هذه الأمور لا تحصل هنا. لكنّها حصلت. سمعهم يهتفون «سوريّا بدّا حرّيّة» و«يا درعا حنّا معاكي للموت» فأحبّ «الألحان». الرصاص انهمر وقُتل وجُرح من قُتلوا وجُرحوا. عمر المسمّر في مكانه، عاجزاً عن الفهم وعن الحركة، اقتيد إلى سجنه الأوّل. لكنّ سجنه الثاني الذي استمرّ ثلاث سنوات هو ما أنهى سنوات براءته: فضلاً عن التعذيب الذي لا يُصدّق، بدا عالمه كلّه صلصاليّاً: أحبابه يموتون أمام عينيه. ينشئ أصدقاء بكثرة من بين المساجين، لكنّهم بكثرة يموتون، علماً بأنّ المساجين كلّهم أبرياء: «اللي خبّص خبّص خبّص طلع مظاهرة». تتويج التجربة كان في صيدنايا «أسوأ مكان في التاريخ». إنّه مكان تلوّنه دماء المساجين، ليست له صور، هناك فقط قصص عنه. سجن صيدنايا، «كجامعة هارفارد»، ينبغي أن تكون مميّزاً كي تدخله. هناك يُطلب منه ومن بشير، ابن خالته وصديقه الحميم، أن يقتل واحدهما الآخر، وأن يحفر واحدهما بالسكّين لحم الآخر. هناك ساديّة السجّان الذي يحبّ أن يقتل سجينه «إبداعيّاً» ويطالب السجين بأن يقترح عليه هذا «الإبداع». وهناك ينتظر المساجين القدامى دخول مساجين جدد كي يخبروهم في أيّ يوم هم، وأحياناً في أيّ فصل، وربّما في أيّة سنة. في ذاك العتم الشامل يُحدث فتح الباب صوتاً ينبئ السجين بموته، أمّا اسم السجين فلا يُذكر إلاّ مرّة واحدة هي عند دعوة صاحبه إلى الإعدام. من يُذكر اسمه يودّع رفاقه معتذراً عن أخطاء ربّما صدرت عنه بحقّهم. وجبة الطعام نصف رأس بطاطا أو نصف كسرة خبز. عمر كان يترك وجبته إلى ما قبل النوم مباشرة كي لا يحلم بالطعام. أمّا من يسوقونه إلى الموت وهو يأكل فقد تتحوّل وجبته المذكورة وجبة لآخرين. سقوطها من فمه لا يردع عن استخدامها الثاني. تجربة عمر لو حُوّلت إلى نصّ لباتت من أرفع ما ينتجه أدب السجون، لا سيّما في حقبة الثورة. والحال أنّ هذه الأسطر لا تتّسع لأكثر من عناوين عامّة وسريعة عن معاناتها المَرويّة ببلاغة وذكاء ودقّة وحساسيّة. مع هذا تسمح تجربة عمر، تبعاً لنوع الخيارات المتاحة، بالحديث عن أربع فضائل للنظام السوريّ لم تحظ بما تستحقّه من تنويه. أوّلاً، فضيلة التعذيب: وفق ما قاله لعمر طبيب نفسيّ سجين، يتحوّل التعذيب مادّة للعلاج، بل لدوام الحياة. إنّه «أفضل ما نعيشه في السجن». فالسجناء الذين يجلسون القرفصاء في مربّعات صغيرة مهدّدون بالموت أو الشلل من جرّاء توقّف دورتهم الدمويّة. التعذيب يبقيهم على قيد الحياة، إذ يحرّك عضلاتهم: «حين يضربونك على كتفك تلتفت إلى الوراء… وعلى رأسك، فإنّك تتحرّك يميناً ويساراً». التعذيب إذاً تمرين يمتدّ على عدد من الساعات يوميّاً، والتعذيب في الحمّامات «أحسن شيء» إذ هناك يُرمى السجين أرضاً فتتحرّك أكثر أعضائه. ثانياً، فضيلة الواقعيّة، عبر مكافحة الهلوسة أو منع أيّ شكل آخر من أشكال الانفصال عن الواقع. لقد تراءى لعمر مرّة أنّه في الجنّة، وبدت له الجنّة بالغة الإضاءة والجمال، تملأها العصافير، وهو مولع بالعصافير. لكنّ مشهد الدم في قدميه أرجعه إلى الواقع إذ لا دماء في الجنّة. لقد أنقذه الألم. وثالثاً، فضيلة الهمس ومنع الكلام: فعمر، وفق اعترافه، نجح فعلاً، بالهمس والإنصات إلى همس الآخرين من زملائه المساجين، أن يتعلّم أشياء كثيرة ساعدته في حياته اللاحقة بعد خروجه من سجنه. وهو، إقراراً منه بفوائد الهمس، سمّى الموقع الذي أنشأه «جامعة الهمس» (أو الهمسات) (The University of Whispers). وأخيراً، فضيلة السجن نفسه: فلو كان عمر حرّاً طليقاً يعيش في قريته البيضا عام 2013، لقُتل حتماً مثلما قُتل أبوه وأخوته في المجزرة التي أنزلتها بالبلدة المخابرات السوريّة مدعومة بالإيرانيّين و«حزب الله». 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post نجوم عرب… طغت “شهرتهم المصرية” على جنسياتهم next post مينا العريبي: عام على مقتل هشام الهاشمي You may also like دلال البزري تكتب عن: العرب في قمّة تهيمن... 6 مارس، 2025 غسان شربل يكتب عن: ليلة القيصر 3 مارس، 2025 حازم صاغية يكتب عن:السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه! 3 مارس، 2025 وليد الحسيني يكتب عن: أمة التغيير..”ما فيش فايدة” 3 مارس، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل يسير ترمب... 2 مارس، 2025 سكوت أتران – أنخيل غوميز: ما تطلعات أهل... 28 فبراير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: «مقاومة»… لكنها لا تقاوم 28 فبراير، 2025 جو معكرون يكتب عن: إضطراب المكوّن الشيعي في... 27 فبراير، 2025 كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: التقارب الروسي –... 27 فبراير، 2025 دلال البزري تكتب عن: حزب الله… نصر الله 27 فبراير، 2025 1 comment F1 shake 17 فبراير، 2025 - 7:33 م 87650 15301Excellent day! This post could not be written any greater! Reading this post reminds me of my previous room mate! He always kept chatting about this. I will forward this write-up to him. Fairly certain he will have a very good read. Thanks for sharing! 380881 Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.