الجمعة, نوفمبر 29, 2024
الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Home » كيف شغفت ولاية “مين” كتّاب الخيال الأميركيين؟

كيف شغفت ولاية “مين” كتّاب الخيال الأميركيين؟

by admin
سيطرت مين على الخريطة الأدبية، من أعمال إليزابيث ستروات إلى ستيفن كينغ، على رغم أنها أكثر الولايات انعزالاً في الولايات المتحدة

اندبندنت عربية \ أماندا وايتينغ 

“مين” هي أكثر بقعة معزولة في قارة أميركا. إنها مكان يقع في أقصى الشمال ويشكل شبه جزيرة محاطة بالأراضي الكندية من ثلاث جهات، وفي أقصى الشرق ليكون أقرب جزء من البلاد مع حدود أوروبا. ومع ذلك، فإن المناظر الطبيعية المتجمدة في مين وبلداتها الصغيرة المنعزلة تحتل مساحة كبيرة بشكل واضح في الخيال الأميركي. ظل عدد سكان الولاية صغيراً نسبياً يتأرجح عند مليون نسمة منذ قرابة 50 عاماً، لكن خلال العقدين الماضيين، ألهمت شواطئها الوعرة وأشجار الصنوبر الطويلة فيها وبلداتها الهامشية ثلاث روايات فازت بجائزة بوليتزر: “الإمبراطورية تسقط” Empire Falls لريتشارد روسو (جائزة دورة عام 2002)، و”أوليف كيتردج” Olive Kitteridge لإليزابيث ستراوت (2009)، ورواية بول هاردينغ الرثائية عن الفقدان “مصلّحو الساعات” Tinkers (2010).

مين هي مكان تهب فيه الرياح عبر الغابات المكتظة، ويتراكم الثلج على جوانب الطرقات مشكلاً تلالاً بارتفاع المنازل. يمكنكم الرجوع بالزمن إلى عام 1864، عندما كتب هنري ديفيد ثورو مقالاً شديد الملاحظة عن الطبيعة بعنوان “غابات مين” لتجدوا فيه صوراً واضحة جداً للولاية، لكن في الحقيقة ليس هناك داع للقيام بذلك. توجد مين وتضاريسها القاسية بكثرة في الكتب الأدبية. خذوا مثلاً رواية “قوانين منزل سايدر” The Cider House Rules والرسم المتأني للخريطة الذي صاغه جون إرفينغ، من الجبال الداخلية التي تنزلق إلى وديان وعرة تفسح المجال لـ”بحر مين المشرق”. أو الكتب الأكثر مبيعاً التي تصف الأجواء، مثل رواية “قطار الأيتام” Orphan Train القلقة لكريستينا بيكر كلاين و”وزن الماء” The Weight of Water لأنيتا شريف، التي تتحدث عن بحر مين الضبابي الذي ينبعث منه البخار مثل حمام. وبالتأكيد، أعمال ستيفن كينغ، القاص الملحمي للخوارق في مين، حيث يبدو أنه لا مفر من المستحيل فيها.

عدت هذه السنة إلى مين، في رحلتي البرية الأدبية المستمرة طوال حياتي. إنها تشكل خلفية لثلاثة كتب جديدة: “لوسي قرب البحر”، العودة الدقيقة لستراوت إلى الشمال القصي، والمجموعة القصصية الأولى غير المتكلفة بطريقة جميلة لمورغان تالتي “ليلة ساكن أصلي”،  Night of the Living Rez ، و”شارع هوكولا” Hokuloa Road الرواية الغامضة المخيفة والمتوهجة لإليزابيث هاند حول رجل يغامر بحياته لينتقل من مكان شديد العزلة إلى هاواي. ما وجدته في صفحات هذه الأعمال كان ثلاثة أماكن مختلفة، يمكن التفرقة بينها وفقاً لعمر بطل الرواية وطبقته الاجتماعية وظروفه، لكنها جميعاً مفتونة بكونها قصية وخائفة منه.

بُعد مين هو الذي يحرك الحبكة في “لوسي قرب البحر”، الرواية التي تتناول فيها ستراوت الوباء من خلال قصة ثنائي متقدم في السن من مدينة نيويورك يتجه نحو الشمال على أمل تجنب فيروس كورونا القاتل. الكاتبة المحترفة لوسي وزوجها السابق وليام هما شخصيتان مألوفتان لقراء روايتي ستراوت السابقتين “اسمي لوسي بارتون” My Name is Lucy Barton (صادرة عام 2016) و”آه يا وليام!” Oh William! (2021). في كتابها الأخير، تعتبر مين ملاذاً، ليست عالماً حقيقياً، بل منطقة عازلة يحاول الزوجان وضعها بينهما وبين المكان الذي أتيا منه.

عند وصولها إلى مدينة كروسبي المتخيلة، ولكن التي تستحضر ذكريات المدن الساحلية الهادئة بشواطئها الوعرة في ولاية مين (وأيضاً مسقط رأس بطلة ستروت الأخرى، أوليف كيتريدج) – تُستقبل لوسي بكآبة تتناسب وحزنها. تكتب ستراوت: “بدا كل شيء بنياً وكئيباً حقاً، لكن بطريقة مثيرة للاهتمام: كانت هناك درجات عدة مختلفة من اللون البني في المروج التي مررنا بها، كان المكان هادئاً”. مين التي تتحدث عنها مشبعة بشعور من الرسوخ القوي: كان المحيط يحيط بلوسي “على جانبي الطريق”؛ الطحالب البحرية “تتموج باسترخاء فوق الصخور”؛ “وبقي الطقس بارداً وقاتماً”. بصمة الخسارة واضحة في الرواية – هناك وفيات، وحالات طلاق، وإجهاض – ولكن هناك أيضاً مصالحة. لا تزال مين وفية بوعدها لشخصيات ستراوت وتحتضنها أثناء تأملاتها.

إنها علاقة عاطفية بين الشخص والمكان لا يمكن أن تكون أكثر تميزاً من مين التي يتحدث عنها تالتي في قصصه، التي تدور أحداثها في محمية شعب بينوبسكوت الهندي، مكان نشأة المؤلف. مين في كتاباته هي ولاية نشطة، عدوانية وحاضرة بشراسة. في قصة “حريق” التي تفتتح المجموعة القصصية، يضطر بطل الرواية “دي” إلى قطع جديلة صديقه الطويلة بعدما غفا الأخير في الخارج وتجمدت جديلته في الثلج. مثلها مثل رواية لوسي، تدور “ليلة ساكن أصلي” حول قسوة الحياة: الإدمان، والأطفال الهاربين، وفقدان الرضع – لكن في كتابات تالتي النثرية الغاضبة تظهر مين كمصدر إضافي للضغط. في حين أن الأعشاب البحرية “تتموج باسترخاء فوق الصخور” في قصة ستراوت، فإن “أشجار الصنوبر الحادة تتراكم وتتزاحم في ما بينها” (على عكس وصف ستيفن كينغ في رواية “هو” It التي يقول فيها: “كانت الأشجار، ومعظمها من التنوب، كثيفة، تنمو في كل مكان، وتتقاتل في ما بينها…”). في قصة أخرى، يلعب المطر “الكثيف الرطب” دوراً في حادث سيارة عنيف. تمتلك مين كل القوة المدمرة للخصم، لكنها تفتقر تماماً إلى الندم. بالنسبة لأولئك الموجودين في المحمية، فإن جمال المناظر الطبيعية المذهل يساوي صعوبة تحمل العيش فيها.

لكن رواية “شارع هوكولا” تقدم العرض الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق: تظهر مين في المرآة الخلفية للعمل، إنها ذاكرة تخبرنا بتجربة إحدى الشخصيات في مكان آخر. يصل غريدي ابن الطبقة العاملة إلى جزيرة خيالية في هاواي على أمل الفرار من الرتابة القاتلة للطريق المسدود للعيش في مين في عز وباء كورونا، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال بالنسبة له. كانت البيوت القليلة التي شاهدها غريدي متواضعة. كتل اسمنتية على شكل مستطيلات، منازل معيارية… لقد قطع مسافة تعادل نصف العالم ليجد نفسه محاطاً بنفس الهراء المزعج الذي تربى عليه”. يبدو أنه يحمل المكان معه أينما ذهب.

كل نسخة تعرضها هذه الكتب من مين نابعة من التاريخ الشخصي لأبطالها. يمتلك لوسي ووليام في رواية ستراوت المال الذي يمكنهما من السفر شمالاً بحثاً عن الأمان، بينما يضطر غريدي إلى قبول وظيفة في هاواي ليتمكن من مواصلة عيشه بعد توقف أعمال البناء في مدينته بسبب الحدث نفسه، الوباء. الوحشية التي يجدها “دي” في مين لا علاقة لها أبداً بالبلدات الساحلية النخبوية حيث يمتلك سكان نيويورك منازل إضافية – ومع ذلك توجد نسختا المدينة جنباً إلى جنب. هناك تنوع في مين – واجهة موجودة في طرف العالم غامضة بما يكفي لاستيعاب الاستعارات المتعارضة عن العودة للوطن والركود والهروب.

لكن مين أكثر من مجرد حيلة بصرية يلجأ إليها الكتّاب. تصور جميع هذه الروايات الثلاث الجديدة قوة الانطباع الذي تتركه الولاية، والإحساس بأن المناظر الطبيعية يمكن أن تشكل حياة الأشخاص. إنها ميزة تسبق الأدب الذي ألهمته، كما نعلم من جولات ثورو.

قال الكاتب المتعالي في أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر بعد شهور قضاها في الاستكشاف: “من الذي سيصف الحنان غير القابل للوصف والحياة الخالدة للغابة الكئيبة، حيث تكون الطبيعة دائماً في ربيعها على رغم أنها في عز الشتاء؟”. وعندما وجد صعوبة في وصف مين حرفياً، لجأ بدلاً من ذلك إلى وصف إحساسه تجاهها، قائلاً: “يا له من مكان يعيش فيه المرء، يا له من مكان يموت ويدفن فيه! هناك بالتأكيد رجال سيعيشون إلى الأبد وسيتحايلون على الموت والقبر”.

أو، كما يقول هاند بتعبير بسيط أنيق وحزين: “ربما تكون مين في نهاية المطاف هي العالم الحقيقي”.

© The Independent

المزيد عن: أحدث إصدارات الكتب\أوسع الكتب انتشارا\إصدارات الكتب

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00