مبنى بوتينيس في مدينة ليون الإسبانية (موقع المدينة) ثقافة و فنون غاودي شيد مبنى سكنيا تنبأوا له بالانهيار by admin 17 أبريل، 2025 written by admin 17 أبريل، 2025 24 عملاق المعمار الكتالوني يحقق في وقت فراغ ملائم واحداً من أجمل المباني في زمنه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن ذلك لا في برشلونة التي عمر فيها المعماري الإسباني الكتالوني الكبير أنطوني غاودي معظم إنجازاته وبخاصة كاتدرائية “العائلة المقدسة”، التي لم تنجز حتى اليوم! ولا في مدريد التي أخرجت فنه من الطابع المحلي وأعطته مكانة عالمية، بل في مدينة ليون (الإسبانية، وهي بالطبع غير ليون الفرنسية). وما نتحدث عنه هنا إنما هو من ناحية مبدئية مبنى سكني صمم ونفذ في زمنه كمجرد عمارة تستخدم طوابقها العليا للسكن فيما يستخدم طابقها السفلي للتجارة وما دون ذلك كمستودعات. في بداية الأمر لم يكن المبنى الذي سيحمل اسم مالكيه من آل بوتينيس مؤهلاً لا للشهرة التي ستصبح له ولا للشعار الذي سيلتصق به في نوع من السخرية وفحواه أن “عمارة بوتينيس ستنهار” وهو شعار رفع منذ بدايات العقد الأخير من القرن الـ19 أي منذ أكثر من 130 عاماً من يومنا هذا. لكنه سرعان ما تبين أنه شعار خطأ ولا أساس له من الصحة مع أن الذين بادروا إلى رفعه في الزمن الذي كان المبنى يشيد فيه كانوا بالغي الجدية في رفعه متوقعين للمبنى أن ينهار يوماً على رؤوس ساكنيه. لكنه كما نعرف لم يفعل بل لا يزال يقف شامخاً حتى اليوم بوصفه واحداً من أجمل مباني تلك المدينة الإسبانية الناعسة التي تخلو على أي حال من معالم جاذبة باستثناء عمارة بوتينيس. ومع ذلك لا بد من العودة إلى هذه العمارة للتذكير بأنها إنما بنيت صدفة وأنجزها غاودي على هامش اهتمامات أخرى له بدت دائماً أكثر أهمية بالنسبة إليه. أنطونيو غاودي (1852 – 1926) (غيتي) في عالم التجريب والحقيقة أننا لتوضيح ذلك كله، لا مفر لنا من العودة إلى حكاية ذلك المشروع كما انطلق. وهو مشروع بدأ هامشياً وبالصدفة كما أشرنا. فالذي حدث يومها هو أنه وفيما كان أنطوني غاودي في ذلك الزمن يشتغل على إنجاز واحد من مشاريعه العمرانية الكبرى، وهو المبنى الأسقفي لمدينة آستورغا الواقعة على بعد 50 كيلومتراً من ليون، حدث أن صناعياً من ليون نفسها هو فرنانديس آندريس دا بوتينيس مات مخلفاً مصانع ضخمة وعدداً من الورثة الطموحين ناهيك بقطعة أرض فسيحة اشتراها قبل موته بما يساوي اليوم 100 يورو ولم يجد لها أي استعمال ملائم. لكن بعض موظفيه النشطاء من الذين أكملوا مسيرة مشاريعه من بعده رأوا أن في مقدورهم أن يخصوا قطعة الأرض بمبنى سكني يقيمونه هناك. وكل هذا كان يومها طبيعياً ما عدا السعر البخس الذي اشتريت به الأرض. ولكن كان ثمة أمر آخر غير عادي. وهو وجود أنطوني غاودي في المكان للإشراف على إنشاء مبناه الأسقفي. ولما كان راعي الفنون والعمران البرشلوني يوزيفي غويل صديق غاودي وممول معظم مشاريعه، صديقاً للصناعي الراحل ويرعى إلى حد ما شؤون ورثته ومساعديه، تساءل عما إذا لم يكن من الأفضل الاستعانة بغاودي للتفكير في مشروع عمراني بسيط وسريع يقام على تلك الأرض. ولقد جاء التساؤل ملائماً إذ كان مشروع غاودي بطيئاً وهذا الأخير قد بدأ يشعر بالضجر متطلعاً إلى ما يزجي به الوقت ريثما ينجز المشروع. ونعرف أن إزجاء الوقت بالنسبة إلى مبدع كغاودي معناه سلوك درب التجريب الذي لم يبارح مخيلته بل حتى نشاطه اليومي لحظة. وهكذا وجد صاحبنا في ما اقترحه عليه غويل فرصة تخلصه من سأمه. بعض زوايا داخل المبنى (موقع المدينة) رقم قياسي ما… لقد كان أمام غاودي في ذلك الحين من عام 1892 نحو 10 أشهر أو أقل قليلاً كي ينتهي من مشروع الأسقفية. ولما كان يشعر بالسأم كما أشرنا، لم يوافق على ما اقترحه عليه غويل ومالكو الأرض من أن في إمكانه الانتظار ريثما تنجز الأسقفية لينطلق في المشروع الجديد، بل قرر أن يشتغل على هذا الأخير فوراً لينجز المشروعين في نهاية الأمر معاً. وهذا ما حصل بالفعل حيث نعرف اليوم أن المبنى الجديد رغم تجريبيته أنجز خلال تلك المدة القياسية التي لم تتجاوز الأشهر الـ10. ومن هنا سيكون له خصوم ومنتقدون كثر تحركوا منتقدين بعنف بعدما انتهى غاودي من وضع أسس المبنى وتبين لهم أن طابقه الأرضي ومستودعاته لا تستند كالعادة إلى أعمدة من الخرسانة بل إلى أعمدة معدنية لا تشغل كثيراً من مساحته. وتترك للمخازن السفلية والحوانيت والمعرض في الطابق الأرضي فراغاً كبيراً ندر أن تمتع به ما يوازي ذلك في عمارات أخرى. ومن هنا أتت تلك العبارة التي ستحظى بشهرة كبيرة في عالم العمران في إسبانيا. والحقيقة أنها بدت منذ البداية عبارة تتقصد السخرية وهي سخرية تفاقمت مع الزمن وإذ راح المبنى المسمى “كازا بوتينيس” يبدو واحداً من أكثر مباني المدن الإسبانية صلابة ومقاومة لعوادي الزمن ولا تزال كذلك حاله حتى اليوم. غير أنه سيكون من الافتئات على مشروع غاودي هذا الاكتفاء بالحديث عن صلابته. فمبنى من توقيع غاودي لا يمكنه إلا أن يكون قطعة فنية بديعة، بل استثنائية في نهاية الأمر كما نعرف. ومن ثَم، هنا، مرة أخرى عرف مجنون الهندسة العمرانية هذا كيف يضافر بين القوة والفاعلية والجمال البصري في توليفة جعلت من المبنى علامة فارقة وبالتحديد من مجال المزاوجة بين القوطية الجديدة، نيو غوتيك، بالنسبة إلى المنظر الخارجي للمبنى، والحداثة الداخلية التي تتجاوز حدود زمن معين في التصميم العملي كما التزييني الجواني لمبنى لم يكن يستهدف مبدئياً أن يكون أكثر من فضاء للتجارة والسكن. وهنا كان يكمن طابع البصمات التي تركها غاودي على مبنى كان يريد منه أن يخلصه من سأمه لا أكثر! رموز وإشارات ولعل المرء منذ اللحظة التي يطل فيها على المبنى قادماً إليه من مسافة ما، يكون قادراً على التخلص من تلك الفكرة الأخيرة لمصلحة إحساس فني يبدو وكأنه نابع من فكر متأن وعمق في التفكير لا يضاهى ولا يمكنه أن يكون ابن ساعته. والحقيقة أن ليس أدل على هذا من كون مبنى بوتينيس قد طغى بسمعته واجتذابه للزوار على مبنى الأسقفية الذي زامنه ليقام على هامشه. فالأمر يبدو اليوم وكأن العكس هو الصحيح. وذلك واضح منذ واجهة المبنى التي تبديه كقصر منيف تحفل نوافذه بالرموز والأعمدة والإشارات التي توحي من فورها ومن بعيد بأننا أمام عمل لغاودي منذ المظهر الذي تتخذه أصغر قطعة حجارة وصولاً إلى السياج المعدني الذي يحيط بالمبنى مروراً بالنوافذ التي تبدو حيناً كشرفات متنوعة المظهر بين طابق وطابق حتى وإن احتفظت وربما بصورة عجائبية بوحدة مدهشة هي جزء من وحدة المكان ككل. والمبنى الذي يستخدم اليوم مقراً رئيساً لصندوق الادخار الإسباني الذي اشتراه في عام 1929، يدين في الحقيقة إلى مالكيه الأصليين الذين إذ أرادوا منه أول الأمر أن يستخدم مسكناً لهم (الطابق الثالث الأعلى)، ولموظفيهم الكبار (بالنسبة إلى الطابق الثاني) وكمكاتب لشركتهم الصناعية وحوانيت تجارية ومستودعات (بالنسبة إلى بقية الطوابق)، لم يبدُ أي اعتراض في أي مرحلة أو مقابل أي ابتكار تجديدي وثوري يصل أحياناً إلى حدود تبديه أقرب إلى الانفلات من كل منطق، تطلع إليه المعماري الكبير. بل إنهم ساندوه حين تعرض لتلك الانتقادات الحادة لاستخدامه عناصر عمرانية يعود بعضها إلى ما هو تقليدي تم التخلي عنه في ماضيات الأيام، وبعضها الآخر يجدد من حيث لا يتوقع أحد. وذلك تبعاً للشعار الذي ساد بينهم وهم يؤكدون أن المبنى سينهار بالتأكيد عما قريب. والطريف أن أنطوني غاودي (1852 – 1926)، حتى وإن كان لم يعهد عنه أنه كان من محبي خوض النقاشات، حين بلغته أنباء تلك الحملة ابتسم بكل جدية قائلاً لمن حوله “أرجو أن تطلبوا منهم موافاتي بما لديهم من تقارير تقنية حول هذا الأمر وأعدهم بأنني سأؤطرها وأعلقها فوق مكتب المدخل الرئيس للمبنى كذكرى وعبرة…”. المزيد عن: أنطونيو غاوديفن العمارةبرشلونة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حازم صاغية يكتب: مرّة أخرى عن الذكرى الخمسين للحرب اللبنانيّة… next post معرض باريس يكرم الأدب المغربي الفرنكوفوني ويتجاهل العربي You may also like المستشرق بروفنسال يسبر كوامن الحضارة الإسلامية في إسبانيا 19 أبريل، 2025 الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور 19 أبريل، 2025 “درب الريش” تكشف عبثية الصراع بين الشمال والجنوب 19 أبريل، 2025 “شكاوى تاسو” الإيطالي بريشة الفرنسي ديلاكروا 17 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: بارغاس يوسا تخطى “الواقعية السحرية”... 17 أبريل، 2025 معرض باريس يكرم الأدب المغربي الفرنكوفوني ويتجاهل العربي 17 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: الأفعى والجمل قطعتان أثريتان... 17 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: التروبادور ينتصرون للحب المستحيل... 17 أبريل، 2025 ( 10 ) أفلام لبنانية غاصت في هاوية... 15 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: معرض أربيل للكتاب يرسخ... 15 أبريل، 2025