مناخ الثورات الأوروبية الذي عبر عنه سوينبرن في شعره (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون شعر تحذيري للإنجليزي سوينبرن في معمعان السياسة الأوروبية by admin 25 أبريل، 2025 written by admin 25 أبريل، 2025 51 “أغنيات ما قبل الفجر” ثورة ولكن ليس على شاكلة الانتفاضات المعهودة لمعارضين يتوقون إلى مجرد التسلط اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب “يمكن القول إن أحكام سوينبرن على وجه العموم صائبة، وذوقه يمتاز بالحساسية والقدرة على التمييز، بحيث إننا لا نستطيع أن نصف تفكيره بأنه مخطئ أو ملتو في وقت يظل تفكيره معه تفكيراً. غير أن سوينبرن يتوقف عن التفكير في عين اللحظة التي نكون فيها معه أشد ما نكون حماسة إلى التفكير، وهذا التوقف على رغم أنه لا يفسد عمله، يجعل من هذا العمل مدخلاً، أكثر منه متناً”. هذا الحكم الذي أصدره الناقد والشاعر تي. أس. إليوت على سلفه الشاعر والناقد الإنجليزي آلغرنون تشارلز سوينبرن، كان إليوت يقصد منه الحديث عن نقد هذا الشاعر لا عن شعره. ذلك أن هذا الشعر لم يكن مبدئياً، من النوع الذي يمكن الحديث عنه من منطلق العقل والتفكير، إذ إن شعر سوينبرن، في صورة عامة، انتمى إلى الشعر السابق على السوريالية، من خلال تأثره المعمق بويليام بليك وبودلير، ثم صداقته الطويلة مع روزيتي. ومع هذا يمكن هنا التوقف عند عمل شعري معين لسوينبرن، لإخراجه من ما قبل السوريالية، وضمه إلى حيز الفكر العقلاني. وهذا العمل هو مجموعته “أغنيات ما قبل الفجر”، التي وضع قصائدها انطلاقاً من اندفاعته الحماسية إلى جانب المسألة الإيطالية، على غرار حال بايرون في موقفه المناصر، عملياً وفكرياً، للثورة اليونانية، وكذلك على غرار شيللي في بعض لحظاته الثورية. طبعاً لا تنتفي هذه “العقلانية” عن شعر سوينبرن بصورة عامة. ففي “أغنيات ما قبل الفجر” نزعة رومانطيقية ماثلة وحقيقية، لكنها رومانطيقية نضالية وظفت هنا من أجل قضية. وبالتالي بات في الإمكان مد حكم إليوت النقدي ليشملها، من دون أن يشمل جملة أعمال أخرى لسوينبرن كتبت قبل تلك “الأناشيد” وبعدها. والحقيقة أن إليوت لم يكن الوحيد الذي “حاسب” تلك المجموعة عقلانياً، على اعتبارها مواقف فكرية وسياسية تستدعي التفكير، ثم ما إن يصل هذا التفكير إلى ذروة حماسته، حتى يعود الشاعر لعواطفه وشاعريته الخاصة، تحديداً – وفي استعارة من اليوت – “في اللحظة التي نكون فيها أشد ما نكون حماسة إلى التفكير”. فما هذه المجموعة؟ لماذا وضعها سوينبرن؟ وما سبب خروجها عن مألوفه الشعري؟ سوينبرن (1837 – 1909): نحو ثورة غير سياسية (الموسوعة البريطانية) بحثاً عن فجر الحرية إن المناخ الطاغي على قصائد هذا العمل هو مناخ البحث، والسعي إلى فجر الحرية في اندفاعة عاطفية “جمهورية” حادة، عاشها سوينبرن في زمن كان فيه شديد الاستلهام من نهضة الشعوب الباحثة عن استقلالها. وكان الشعب الإيطالي، في نظره، في مقدمة هذه الشعوب. ومن هنا نراه يستلهم نضال هذا الشعب، ولكن في تعميم لدائرة النضال يشمل غيره من الشعوب. أما سبب وجود الشعب الإيطالي وقضيته في صلب ذلك النضال، ففي خلفيته لقاء عقد بين سوينبرن وماتزيني، قائد الثورة الإيطالية ومنظرها الأكبر. كان لقاء عقد خلال آذار (مارس) 1867 بترتيب من كارل بلايند، الذي كان من غلاة الإنجليز المؤيدين للثورة الجمهورية الإيطالية، والساعين حتى إلى انتفاضة جمهورية في إنجلترا. وسوينبرن كان، على أية حال، قريباً من تلك الأفكار منذ دراسته الجامعية، حين انضم إلى رفاق كانت النزعة الجمهورية والاشتراكية الطوباوية، رائدهم. ومن هنا اهتمام ماتزيني به، إذ وجه إليه قبل اللقاء رسالة يقول فيها: “في وقت تخاض فيه معركة طاحنة بين العدل والظلم، بين الحقيقة والكذب، بين الحرية والطغيان، بين الله والشيطان، من أجل تحقيق تصور جديد للحياة (…)، يتعين على الشاعر أن يكون رسول اندفاعة مناضلة تجعل من كلامه برنامج عمل للأمم المضطهدة المناضلة، وجنازاً ختامياً للقامعين المضطهدين”. ماتزيني الثائر مثيرا لحماسة المبدعين (الموسوعة البريطانية) لا مبررات ضرورية للمعركة ولم يكن سوينبرن في حاجة إلى أكثر من هذا الدفع الحماسي من نجم بين نجوم النضال التقدمي الإيطالي في ذلك الحين، حتى يخوض المعركة، بشعره وعواطفه كلها. والحال أن سوينبرن كان سبق له أن كتب في الأقل، قصيدتين تمجدان ذلك النضال: “نشيد في ثورة كانديا” و”أغنية إيطاليا”، وهكذا راح مندفعاً يكتب الشعر السياسي الحماسي. فولدت أشعار مجموعة “أغنيات ما قبل الفجر” المستوحاة كما أشرنا، من الأحداث الإيطالية. وكان من أجملها، في ذلك الحين “مباركة أنت بين النساء” و”وقفة أمام روما” التي وصف فيها بلغة بسيطة توقف جيوش غاريبالدي أمام العاصمة الإيطالية استعداداً لاحتلالها. ولئن لم تغب الصور الإيطالية عن أشعار أخرى في المجموعة، فإن هذه الصور وجدت نفسها ملتحمة في نزوع إلى تجديد ثوري أوروبي شامل، كما في قصيدة “سيينا”. بينما انتفضت قصائد أخرى ضد الظلم في أشكاله كافة، سواء أكان ظلماً سياسياً أو اجتماعياً أم غير ذلك، وفي مثل هذه القصائد أسند الشاعر إلى الإنسان، لا إلى أية قوى ميتافيزيقية أو سلطوية، مهما انتزاع أغلاله، فالإنسان إن لم يحرر نفسه لن يجد ثمة من يحرره. كما يتجلى هذا خصوصاً في قصيدتي “هيرتا” وفي “أنشودة إلى الإنسان”، إذ لم يكن الكلام أقل من إعلان ثقة مطلقة بالإنسان الثائر وبالآفاق المستقبلية التي يفتحها هذا الإنسان لنفسه بـ”نضاله الحقيقي من أجل حياته وسعادته ومكانته في الكون”، “لا من أجل أفكار مجردة تصب في صالح القوى التي قد لا تكون اليوم في السلطة، لكنها ستصبح فيها غداً، بفضل نضال الإنسان الثائر، ثم تنقلب عليه تبعاً لمصالحها”. إن سوينبرن ينطلق في أشعار هذه المجموعة كلها إذاً، من الحرية السياسية ليصل إلى الحرية القصوى، حرية الإنسان، بالمعنى الأشمل للكلمة. طبعاً لا يخفي سوينبرن هنا، لا سيما في ثنايا القصائد الإيطالية الخالصة، إيمانه بالحرية السياسية، غير أنها في رأيه لا يمكن أن تكون غاية في حد ذاتها. فهي، إن كانت غاية، ستكون قادت الثوار الحقيقيين إلى الوقوع في فخ قوى سياسية معارضة لا أكثر. الحرية السياسية كما في أشعار سوينبرن، يجب أن تكون وسيلة للوصول إلى ما هو أصدق منها وأشمل، وأكثر ارتباطاً بالتوق الحقيقي للإنسان: حريته الداخلية وحريته الدائمة التي تمكنه في كل لحظة من أن يقول لا، حتى للقوى التي يساندها اليوم، إذ تقدم نفسها كقوى تحرر وثورة، لكنها في حقيقتها ليست أكثر من قوى تسعى إلى السلطة، مستخدمة الإنسان وقوداً لمسارها السياسي لا أكثر. الثورة من الداخل واضح من هذا كله أن سوينبرن إنما يدعو هنا إلى الثورة من الداخل، وإلى الحرية كفعل تنوير دائم، هو الذي كثيراً ما راقب الحركات الثورية وهي تأكل، أول ما تأكل، أبناءها، وتضحي أول ما تضحي، بأولئك البشر الذين كانوا هم، لا القادة السياسيون، صانعي الانتصار والتحرر. وهذا كله يضع شعر سوينبرن في صف الإنسان، جاعلاً من “ثورته الشعرية” فعل إيمان ينطلق من السياسة، ولكن كي يناهضها مطالباً إياها بأن تتحول إلى فعل حرية، لا إلى فعل تسلط. غير أن هذا كله بدا، في تلك الأشعار، مخبوءاً في ثنايا حماسة لا حدود لها للثورة الجمهورية الإيطالية التي اعتبرها الشاعر نموذجاً لثورة الإنسان، كل إنسان. وكأنه، في اندفاعته الشعرية، يحذرها من أن تكون، في نهاية الأمر شيئاً آخر غير ذلك. ويقينا أن سوينبرن يبدو في هذا التحذير، أخاً لكل أولئك المثقفين الذين آمنوا بالثورات المتعاقبة وساندوها، ثم خاب أملهم ما إن تحولت تلك الثورات إلى دول، أو سلطات فانكشفت حقيقتها، مما دفع الحالمين إلى الاعتكاف أو مواصلة الثورة أو الانتحار. بيد أن ما يمكن قوله عن سوينبرن (1837-1909) على أية حال، هو أن ذلك المصير لم يكن مصيره. فهو، بعد كل شيء، لم يكن مثقفاً ثورياً محترفاً، ولا كان ثائراً دائماً يستخدم الكلمة سلاحاً. كان شاعراً بكل معنى الكلمة، عاش، خلال حقبة عابرة من حياته، تلك الاندفاعة السياسية القصيرة، مما جعل “أغنيات ما قبل الفجر”، “حدثاً” عارضاً في حياته الإبداعية، أما في ما عدا ذلك فإن أعماله تبدو ثورية في اللغة والصور، ذاتية في معانيها، أبعد ما تكون عن السياسة، وعن مساندة الحركات السياسية سواء أكانت ثورية أو غير ثورية، داعية إلى الحرية، أو مستغلة تلك الحرية لمآرب أخرى. المزيد عن: تي. أس. إليوتآلغرنون تشارلز سوينبرنالشعر الإنجليزيالسورياليةويليام بليكشارل بودلير 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “نافذة على الشعر الصيني” مختارات من الحقبات القديمة إلى اليوم next post رحيل محسن جمال رائد الأغنية المغربية العصرية You may also like القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها... 8 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة... 8 مايو، 2025 هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات 8 مايو، 2025 رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل 8 مايو، 2025 لماذا سمى بودلير ديوانه «أزهار الشر»؟ 8 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: سرير أميرة ثاج 8 مايو، 2025 لماذا يخطئ المثقفون؟… دور التنوير في مجتمعات ملتهبة 7 مايو، 2025 رحلة مع روبرت ماكفارلين عبر الأنهار 7 مايو، 2025 بيرليوز يستلهم صائغا نهضويا في أوبرا مشاكسة 7 مايو، 2025 مرصد الأفلام… جولة على أحدث عروض السينما العربية... 7 مايو، 2025