بأقلامهمعربي جهاد الزين : نساء السعودية، إيران، أفغانستان عام 2023.. تأنيث السياسة في الشرق الأوسط by admin 5 يناير، 2023 written by admin 5 يناير، 2023 101 الذي يحدث في إيران له نكهة تاريخية خاصة من حيث ليس فقط الطابع الأنثوي العميق للاعتراض على القمع ومواجهته العزلاء، بل أيضا من حيث ربما حصول أكبر عملية تسييس لدور المرأة في تاريخنا الحديث. إذا كان ذلك صحيحاً فإن تأنيث السياسة في الشرق الأوسط هو اليوم عملية كبرى لا سابق لها في الحجم. النهار اللبنانية – جهاد الزين في إصلاحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المرأة هي مفتاح تحديث المجتمع بل هي “المركز” الذي منه انطلقت وتستمر عملية التحديث الاجتماعي ولن تتوقف، والأهم لن يستطيع أحدٌ إيقافها من قوى الرجعية الدينية، وهي غير المحافظة الدينية التي ننتمي لها “جميعا” في الشرق الأوسط، أعني ب”جميعاً” نحن أولئك المعارضون لقوى الإسلام الأصولي. .…في أفغانستان التي سيطرت عليها حركة “طالبان”، المرأة هي مفتاح تنوير المجتمع بل أَنْسَنَتِهِ ضد ما يسمّيه جون بوتيرو “الحيوان الديني” وبوتيرو الراهب السابق والباحث المرموق والمختص بالعهد القديم والفلسفة اليونانية يستخدم هذا التعبير لوصف الإنسان (l’homme) ك “حيوان ديني” في كتابه الرائع “ولادة الله- العهد القديم والمؤرِّخ”، ولكن هنا ولأننا في قلب الشرق الأوسط “المقدّس” نحصر هذا الوصف بالداعشية ومثيلاتها الأصولية المتوحشة.… في إيران التي تشهد ثورة نسائية أو ثورة بطليعة نسائية، المرأة هي “مركز” تحرير كل المجتمع من الطغيان السياسي والاجتماعي. إذن المرأة السعودية، المرأة الأفغانية، المرأة الإيرانية هن شخصيات العام 2022 في أدوارهن الثلاثة: المرأة السعودية في التحالف مع حاكم شاب إصلاحي قرّر أن يكون إصلاحيا، في أفغانستان العكس، الضحية السلبية التي يمنعها حاكم ظلامي “طالباني” من التعليم والعمل المختلط، (الصورة لتظاهرة نسائية أفغانية) في إيران المرأة الثائرة الإيجابية التي نزعت حجابها (“عمامتها”) ضد عمامة الحاكم المتسلّط الإيراني… في أدوارهن الثلاثة المختلفة ترسم نساء الجزء المسلم السني والشيعي من الشرق الأوسط بعض أهم الآفاق االتحديثية للمنطقة، وفي الدوائر الثلاث يتفاعل الإصلاح والتضحية والثورة كثلاثة أقانيم ديناميكية في القرن الحادي والعشرين. هل يجوز لنا دون أن نظلم إنجازات الحركات النسائية العربية والمسلمة في القرن العشرين، أن نتحدّث عن “ولادة” امرأة جديدة سياسياً في المنطقة. نظلم بالتأكيد التواريخ النسائية المصرية واللبنانية والسورية والعراقية والمغاربية، خصوصا في تونس حيث ساهمت النساء العلمانيات في كسر التيار الأصولي في مرحلة السنوات الأولى بعد الثورة عام 2010-2011. وكلها حركات في بلدان مختلفة حقّقتْ على مدى القرن العشرين مكاسب مكرّسة في القوانين أو في التقاليد. لو كنتُ إيرانيا لكنتُ فخورا بالتاريخ الثوري الذي تصنعه اليوم نساء إيران ذوات الإرث العريق في المساهمة في التحولات الكبرى التي شهدها بلدهن منذ نهايات القرن التاسع عشر. ولو كان للذكاء والشجاعة لَوْنان لرسمتُ العلم الإيراني اليوم بهذين اللونين – الصفتين. قلتُ في مقدمة مقالي أن الرجعية الدينية هي غير المحافظة الدينية. كلنا محافظون في المنطقة ولكن لسنا كلنا رجعيين. الشخصية التي تعيش في مجتمع ذي ثقافة دينية هي بالضرورة محافظة حتى لو لم تكن هذه الشخصية متديّنة. لعل السعودية اليوم بعدما انطلقت إصلاحاتها هي المختبر الأمثل للتمييز بين المحافظة البنّاءة والرجعية المتخلفة. النسوة الإصلاحيّات العرب ظُلمن حين صُنِّفن في أحيان كثيرة ضد الدين ودفعن أثمانًا مرئية وغير مرئية في هذا الطريق. المرأة السعودية وهي تدخل حديثاً في رحاب هذه الليبرالية الاجتماعية بدعم من حاكم متنور فَهِمَ أنه من دون تغيير فإن النظام السياسي كله يصبح في خطر . قام هذا الحاكم بتصفية أقوى بؤرة فساد في الشرق الأوسط واستعاد لخزينة الدولة ثروة من مائة مليار دولار كانت في يد بعض أكبر لصوص الثروة النفطية العربية. الأمير محمد بن سلمان فعَلَ سِلْماً ما يصح تشبيهه بما فعل عُنفاً محمد علي باشا في مصر في أوائل القرن التاسع عشر حين قام بتصفية نفوذ أمراء المماليك دفعة واحدة في موقعة القلعة الشهيرة. فندق ريتز هو القلعة السعودية. المرأة الأفغانية التي أُدْخِلتْ مجددا في جحيم الجهل والتعصب بعد سيطرة نظام طالبان مرة ثانية على السلطة في كابول هي اليوم الضحية المأساوية الكبرى للفكر الظلامي ولا بد أنها بما تبقى من حيوية نضالية في مجتمع مُنهَك كالمجتمع الأفغاني بدأت وستبدأ بتنظيم مقاومتها لهذا العسف التجهيلي البادئ بمنعها من دخول الجامعات. أما المرأة الإيرانية فتخوض واحدة من أكبر المواجهات ضد نظام ديني أصبح شديد التسلِّط وبحيث حوّلتْ الاعتراض على الرمز الأكثر حساسية لهذا النظام، وهو الحجاب، إلى عنوان لمعركة سياسية ضارية بل إلى ثورة شاملة كبرى على النظام السياسي. الجرح النسائي في أفغانستان شبه يتيم وشبه معزول، أما الجرح النسائي في إيران فهو متسع ونازف ولكنه على صعوبة حصاره الأمني، حاضر ويعبّر عن نفسه. لا أدعو إلى تمجيد عذابات المرأة بالاستقلال عن عذابات الرجل في منطقة تعاني انهيارات مجتمعات بكاملها في العراق وسوريا واليمن وليبيا، ولكن الذي يحدث في إيران له نكهة تاريخية خاصة من حيث ليس فقط الطابع الأنثوي العميق للاعتراض على القمع، حتى مع مشاركة قطاعات شبابية واسعة في الاحتجاجات، بل أيضا من حيث ربما حصول أكبر عملية تسييس لدور المرأة في تاريخنا الحديث. إذا كان ذلك صحيحاً فإن تأنيث السياسة في الشرق الأوسط هو اليوم عملية كبرى لا سابق لها في الحجم. لكن لا بد لتوضيح الفكرة من القول أن تأنيث السياسة شيء أما تأنيث السلطة فأمر مختلف. في كتابي “المهنة الآثمة -نقد تجربتي في الكتابة السياسية” الصادر عام 2018 عن دار “رياض الريِّس للكتب والنشر” كتبتُ: “في بلادنا كل يوم السياسة مفتوحة على احتمال ديني حساس، وهي تصبح أكثر فأكثر مفتوحة على الجرح النسائي في الشأن العام. هنا أسأل : هل من علاقة ما ترادفيّة توافقية تضاديّة بين اتساع السؤال النسائي واتساع السؤال الديني؟ ” عندما تفتح صحيفةً صباحا كما يُفتح باب سفينة ماخرة وتنتقل إلى مقالات الرأي فيها وتجد بين مسافراتها وقبطاناتها كاتبةَ رأي في تخلّف القوانين اللبنانية والعربية والإسلامية حول حقوق النساء، سيبدو الاحتجاج تقليديا، لكن عندما تزأر امرأةٌ مثقفة ضد ظلم ما تعرّضتْ له امرأة لم تقرأ صحيفة في حياتها، سيكون المجتمع لا القوانين هو مركز الإلحاد الإنساني وسيكون عليك أن تنتبه إلى أن هذا المجتمع هو البحر الملوّث الذي يحوّل السياسة التغييرية إلى حرب معه” (ص159- 160). jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سقوط الخمسة الكبار.. هل يكرر 2023 مأساة عمالقة التكنولوجيا؟ next post 2023 العام الأصعب للنظام الإيراني You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025 ابراهيم شمس الدين يكتب عن: هوية الشيعة الحقيقية... 10 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: “الوصاية” الدولية-العربية تفرض عون... 10 يناير، 2025 لماذا يسخر ترمب من كندا بفكرة دمجها كولاية... 9 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل مسلحو سوريا... 9 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لا يطمئن السوريّين إلّا…... 9 يناير، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: لبنان يسير نحو السيادة... 9 يناير، 2025 غسان شربل يكتب عن: إيران بين «طوفان» السنوار... 7 يناير، 2025 ساطع نورالدين يكتب عن: بيروت- دمشق: متى تُقرع... 5 يناير، 2025