ثقافة و فنونعربي مسرحية إماراتية لكاتب كويتي تنتمي إلى الكوميديا السوداء وتلامس العبث by admin 3 أبريل، 2022 written by admin 3 أبريل، 2022 63 الممثل المتقاعد يقتله الانتظار في “لامع بلا ألوان” اندبندنت عربية \ يسري حسان يتناول العرض المسرحي “لامع بلا ألوان”، الذي قدمته فرقة المسرح الحديث في الشارقة، مأساة مسرحي متقاعد، في شكل يجمع بين الكوميديا السوداء والعبث. لكنه يتجاوز مأساة المسرحي في تقاعده، إلى طرح قضيتي الانتظار، والتمسك بالسلطة، أو التأسي عليها بعد فقدانها، ومايسببه ذلك من ألم وبؤس يؤديان في النهاية إلى مايمكن اعتباره موتاً إكلينكياً. النص عنوانه الأصلي “كوميديا بلا ألوان” للكاتب الكويتي بلال سامي، الفائز عنه بجائزة الشارقة للتأليف المسرحي منذ أربع سنوات، وهو نص مريح جداً لأي مخرج يركن إلى الكسل، بحيث يحفل بالإشارات المسرحية التي يمكن أن تضيق مساحة الخيال لدى المخرج الذي يعمل عليه، إذا كان من أولئك الذين يتجادلون مع النص ويسعون إلى تقديم رؤيتهم الخاصة.أما المخرج الكسول فإنه أسعد الناس بمثل هذه النصوص، ذلك أن الكاتب مارس الإخراج في النص، كما مارسه بشكل عملي، فقدم أعمالاً عدة للمسرح الكويتي، أي أن لديه خبرة الخشبة التي يعرف متطلباتها، ويكتب لها مباشرة، وبمعنى أكثر تفصيلاً فإن النص مكتوب بعينين، أو بروحين، إحداهما للكاتب والأخرى للمخرج. أكثر من ثيمة بين الكوميديا والعبثية (الخدمة الإعلامية) لاتداخل ملحوظاً بين هذا النص، ونص الروسي تشيخوف “أغنية البجعة” الذي يدور حول مسرحي في آخر عمل درامي يقوم به. الأمر هنا مختلف بحيث يعتمد نص “كوميديا بلا ألوان” أكثر من ثيمة تتعلق بالانتظار، والسلطة، والعزلة، وبشاعة العالم عموماً، فضلاً عن أن السياق مختلف تماماً. ولأن النص يتناول مأساة مسرحي متقاعد، فقد حفل بأسماء ومصطلحات مسرحية، ربما تستعصي على المشاهد العادي أو تؤثر في تواصله معه، وهو ماحدث بالفعل. فإذا كان المسرحيون أو حتى المهتمون بالمسرح يعرفون الروسي مايرهولد وتمارينه، ويعرفون الغروتيسك، والاختلافات بين طريقتي بيتر بروك وستانسلافسكي في التعامل مع الممثل، فإن المشاهد العادي يجد نفسه تائهاً بين هذا كله. وقد حاول مخرج العرض إبراهيم سالم البيرق التخفيف من ذلك قدر الإمكان. العمل على الممثل في نص العرض هناك ديالوغات بين المسرحي وزوجته، وبين المسرحي وخادمه، وبينه وبين زملائه في العمل، مكتوبة بشكل ساخر وأسيان في الوقت نفسه، يثير الضحك. لكن الجمهور، وأغلبه من المهتمين بالمسرح، لم يضحك، ولم يبتسم حتى، وهنا تأتي أهمية العمل على الممثل. ذلك أن انشغال أغلب الممثلين بالأداء الظاهري، واستعمال بعضهم لأصوات مستعارة، تناسب عمر أوطبيعة الشخصية، صرفهم عن الاتكاء على جمل بعينها يمكنها لفت أنظار الجمهور، أي جمهور سواء أكان من النخبة أو من العامة. فكما يقول بيتر بروك “أعتقد أن شكسبير قد فعل شيئاً سنظل نتعلمه في المسرح على الدوام، وهو ما يعرفه كل خطيب أيضاً، وهو ألا ندع أي نوع من أنواع الجمهور ينسل أو ينزلق من أيدينا لمدة طويلة. ولأن المرء يدرك تماماً وجود ظاهرة كهذه عند الجمهور، أعني، الجمهور الذي يخمد أو ينطفىء، لذا يصبح هدف العمل المسرحي برمته هو ألا تغفل جمهورك أو تفقده حتى للحظة واحدة، لأنك لو فعلت ذلك حتى ولو لبضع ثوان، فمن الصعب جداً الإمساك به ثانية”. السخرية ذات الحدين (الخدمة الإعلامية) العرض، في لحظات كثيرة أغفل جمهوره، ولم يسع إلى الإمساك بتلابيبه حتى تصل رسالته إليه، وهي رسالة فلسفية وجودية، كانت تتطلب الالتفات أكثر إلى سكة أداء تستطيع توصيلها على نحو جيد. الممثلون محمد جمعة، ودلال الشرايبي، ورائد الدالاتي، وفيصل علي، وباسل التميمي، وشيرين حافظ، وعلي نبيل، وطلال البلوشي، ومحمد الحاجي، تمتعوا بحضور جيد، وحاولوا استخدام أجسادهم كعلامات تنتج كثيراً من المعاني، لكنها جاءت غائمة، ذلك أنهم ساروا في طريق لايناسب طبيعة النص وتفاصيله الصغيرة، التي كان الالتفات إليها أكثر يجعل رسالة العرض وأسئلته أشد وأعمق تأثيراً، فضلاً عن مد جسور التواصل مع المشاهدين . تجريد الشخصيات جرد مؤلف النص شخصياته من أسمائها، فالممثل المتقاعد اسمه” فلان” والزوجة” زوجة فلان”، وهكذا لا توجد أسماء، ذلك أن التجريد ينزع عن الشخصيات صفاتها الإنساية، بخاصة أن أغلب الشخصيات هنا ليست سوية على طول الخط، البطل الرئيس “فلان” نعلم من الأحداث أنه كان مديراً لمؤسسة مسرحية غير محبوب، ويستأثر بالنجاحات والمكافآت لنفسه، وفي بيته كان دائم التوبيخ لخادمه والخصم من راتبه. غير أن المخرج أطلق اسم ” لامع” على المسرحي المتقاعد، وعلى المسرحية نفسها، وبعض الأسماء على الشخصيات الأخرى. وربما جاءت كنية “لامع” لإحداث نوع من المفارقة، فاللامع بالتأكيد تحيط به الألوان، أما أن يكون لامعاً وبلا ألوان، فهنا تكمن المفارقة. هو حر بالتأكيد في اختياره، وحر كذلك في اختزال بعض المشاهد والأحداث التي رآها غير مؤثرة في بنية العمل. فالتعامل يجب أن يكون مع نص العرض وليس أي شيء خارجه. لكن إطلاق الأسماء هنا، حتى لو كان على سبيل الإمعان في السخرية، أفقد نص العرض جزءاً كبيراً من عمقه، وخفف كثيراً من أسئلته، أو سطّحها. جماليات واضحة على أن ذلك لاينسف جهد صناع العرض كلية، فثمة جماليات تمتع بها العرض، بخاصة أن مخرجه يمتلك خبرة طويلة كممثل ومخرج دارس لفن المسرح، وقدم أعمالاً عدة أفصحت عن قدراته وموهبته في مجالي التمثيل والإخراج. وهو مابدا من انضباط العرض، على مستوى الشكل، ورسم خطوط الحركة، حتى أن المسرحي المتقاعد، يرشد خادمه إلى الوقوف في مكان بعينه من أجل “الميزانسين “، على حد قوله، بغض النظر عن أنه تعبير يخص المسرحيين أكثر. وكذلك قدرة المخرج على إحداث النقلات المكانية بشكل سلس من دون التأثير على إيقاع العرض. تلك النقلات غلب عليها شيئان، الأول هو اصطحاب المسرحي المتقاعد خادمه معه أينما ذهب، حاملاً الهاتف المنزلي، والآخر هو تحركه إلى أي مكان خارج البيت على المقعد نفسه، الذي يجلس عليه في البيت ويرفض مغادرته. الممثل المقعد والهاتف (الخدمة الإعلامية) الأول يعكس فكرة الانتظار بشكل عبثي، فهو ينتظر أن يرن الهاتف ليستدعيه أحدهم في عمل مسرحي بعد تقاعده، لكنه لا يرن أبداً ويأتي بالمطلوب. ويعكس الآخر فكرة تمسكه بالسلطة، وهو ما يوضحه مشهده في مقر عمله القديم، حيث يحاول زملاؤه في العمل، الجلوس على هذا المقعد، بينما هو، وفي سلوك عبثي آخر، متمسك به لايريد مغادرته. وفي النهاية يقوم الخادم بتقييده بسلك الهاتف وهو على مقعده، وكأنه سيظل كذلك منتظراً لا شيء، ومتمسكاً بلا شيء، كأن الانتظار والتشبث بالسطلة عنصران قاتلان لمن يقع في أسرهما. في العرض أيضاً كما في النص، شخصيات تحضر بأصواتها فقط، وهم أبناء المسرحي المتقاعد، يحضرون عبر الهاتف، ويرددون كلاماً واحداً. يطلبون أموالاً من والدهم ويهددونه بإفشاء سر حصوله على معاش التقاعد لأمهم، وكلهم لايعرف هل كان يشتاق هاملت لأبيه أم لعمه، في دلالة على غربة هذا المسرحي في عالمه. فالأبناء لاعلاقة لهم بالمسرح، بل إن العلاقة الوحيدة التي تربطهم بوالدهم المسرحي، مجرد علاقة نفعية فحسب. حتى الزوجة عندما تريد التعبير عن غضبها تجاهه تقول له، على سبيل السخرية “يا مسرحي”، وكأنها تسخر منه. لم يغادر الديكور (نفذه فارس جداوي) فكرة المسرح، فثمة منصة مسرحية يتم تحريكها فوق الخشبة تبعاً لطبيعة المشاهد. وكأن هذا المسرح ظل حاضراً في وعي المسرحي المتقاعد الذي يشتاق العودة إليه. واستخدم المخرج بدلاً من الصور الثابتة المشار إليها في النص، ممثلين يملأون الأطر بمشاهد عبثية، ثابتة أحياناً، ومتحركة في أحيان أخرى. أي إنه سعى دائماً إلى وضع توقيعه على النص الأصلي، وأعطى نفسه قدراً من حرية التصرف ليقدم ما يخصه بعيداً من الالتزام الصارم بإرشادات المؤلف، بغض النظر عن أن ذلك التصرف أفاد العرض وأضاف إليه أم أضره وخصم منه. المزيد عن: مسرحية إماراتية \ نص كويتي \ إخراج \ الممثل \ المعوقين \ علاقات إنسانية \ بيتر بروك 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post آمال عريضة بإنهاء الحرب في اليمن مع بدء سريان الهدنة next post عزت القمحاوي: النص المفتوح يتيح لي حرية أكبر في السرد You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024