الريفلكسولوجي… علاج تقليدي لأصل المرض

يرتكز مبدأ العمل على خريطة القدمين واليدين بهدف الوصول إلى نهايات الأعصاب لأعضاء الجسم

اندبندنت عربية / هلا الخطيب كريّم صحافية لبنانية ودكتورة محاضرة في كلية الإعلام – الجامعة اللبنانية @halasco

الريفلكسولوجي Reflexology في تعريفه الشهير هو علم وفن يعتمد على الضغط على نقاط معينة في القدمين والكفين في جسم الإنسان. ترتبط بدورها هذه النقاط المحددة بأعضاء وأجزاء مختلفة من الجسم من خلال قنوات أو مسارات طاقة لا مرئية تعرف بـ “الميريديان”، وهي قنوات داخل الجسم تنقل الطاقة الحيوية إلى الأعضاء والأنسجة المختلفة. وهذا الضغط لهذه النقاط من شأنه أن يحفز عملية الشفاء الطبيعية في الجسم لتحقيق التوازن بين الجسد والعقل.

يرتكز علم الريفلكسولوجي الذي نعرفه على مبدأ العمل على خريطة القدمين واليدين، بحيث ترشد إلى نهايات الأعصاب لأعضاء الجسم على لوحة القدم أو الكف وترتبط بها. فأصابع القدم مثلاً تمثل الرأس والرقبة، وقوسها يرتبط بالأعضاء الداخلية مثل المعدة والكلى، أما الكعب فيرتبط بمنطقة الحوض.

والضغط الدقيق والمحدد على هذه النقاط، يجعل الطاقة تدفق بها ويزيل الانسدادات التي قد تسبب الأمراض أو الآلام.

النهايات العصبية في جسم الإنسان

هذا ما نعرفه عن الريفلكسولوجي بشكل تقليدي قبل أن ندخل في أحد أعماقه أو دهاليزه ليتبين أن الأمر أبعد من مجرد تدليك للقدم، بل أعقد بكثير.

وللوقوف على معرفته بشكل مبسط تحدثت الدكتورة الأردنية رنا الزعبي مديرة الأكاديمية الجامعية زراع الأمل Planters of Hope لـ”اندبندنت عربية” عن فهم هذا العلاج. تقول إن اختصاصها هو العلاج بإعادة التروية عن طريق النهايات العصبية، بدأت مشوارها الطبي بدراسة الإيريدولوجي أو التشخيص عن طريق العين، ثم الريفلكسولوجي أو النقاط الإنعكاسية لكل عضو في الجسم.

تدليك القدمين وحده لا يعد علاجاً بالريفلكسولوجي (موقع بيكسلز)

تقول “المشكلة أن الناس يظنون أن الريفلكسولوجي هو تدليك، لكنه في الواقع هو إعادة التروية عن طريق النهايات العصبية للأعضاء المصابة، إذا يحتوي كل عضو في جسمنا على 18 إلى 19 نهاية عصبية، وهي شعيرات دقيقة جداً يمر فيها مسار الدم بطريقة معينة. وعندما يحصل انسداد في النهاية العصبية يؤدي إلى نقص في الإمداد أو الإرفاد الدموي للعضو، فإذا كان الانسداد بسيطاً تظهر الأعراض، ومع زيادة الانسداد تظهر الأمراض، وإذا زاد أكثر تظهر الأمراض المزمنة ثم أمراض مستعصية وصولاً إلى الأمراض التي لا يمكن علاجها”.

وتلفت إلى أنه عكس ما يظن البعض، فالنهايات العصبية ليست موجودة فقط في الأقدام، فالأقدام تحتوي على النهايات العصبية الثانوية، أما النهايات العصبية الأساسية فهي موزعة في الجسم الإنساني بحسب كل عضو بواقع 18-19 نهاية عصبية للعضو، وكل الأعضاء تشترك بـ15 نهاية عصبية ثانوية. وأن أربع أعضاء فقط لها 19 نهاية عصبية، أربعٌ منها رئيسية و15 ثانوية، وهي القلب والدماغ والكبد والطحال. أما بقية الأعضاء فلها 15 نهاية ثانوية وثلاث رئيسية.

طب تقليدي من الشرق الأقصى

الريفلكسولوجي للقدم المعروف كتدليك، تقول د. رنا عنه، إنه هو في الواقع أيضاً ليس تدليكاً، إنما إعادة تروية لها قواعدها. وهو علم ياباني كان يعتمد منذ آلاف السنين في كل العلاجات الطبيعية، من دون تداخلات دوائية. وتضيف “نلاحظ إن شعوب الشرق الأقصى لا تهرم روابط الحمض النووي لديهم، ونجدهم يصلون لأعمار متقدمة من دون الحاجة إلى نظارات، ولا يتساقط شعرهم، والتجاعيد عندهم بسيطة جداً، والقدرة الجسدية كاملة القوى. كل هذا يعود للطب التقليدي لديهم، مثل الوخز بالأبر، الريفلكسولوجي، الإيريدولوجي وسواها، إضافة إلى العلاجات التي تستخدم الأعشاب”.

فوائد بالجملة 

يقوم الريفلكسولوجي بمهام علاجية كثيرة تكاد لا تحصى منها الجسدية ومنها النفسية. وتكشف الطبيبة أن الانعكاسي الذي يعتمد على تحفيز ما بين 18 إلى 19 نهاية عصبية موزعة في مختلف أجزاء الجسم، وليس فقط في الأطراف، يسهم في تنظيم تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية، وذلك من خلال تحسين الدورة الدموية عبر هذه النقاط الرئيسية، فيساعد في تقوية كفاءة الأعضاء، ومعالجة المشكلات الصحية. ويلعب دوراً هاماً في دعم الجهاز المناعي عبر تحفيز نقاط معينة تساعد في تدفق السائل الليمفاوي وتحسين وظائف المناعة، فيجعل الجسم أكثر قوة وقدرة على مقاومة الأمراض. ويحسن الدورة الليمفاوية، ومرونة الجسم، وينشط الخلايا المناعية، ويساعد في تخفيف التوتر. ويعد حلاً جيداً جداً لالتهاب المفاصل وآلام الظهر، ومشكلات الجهاز الهضمي من الانتفاخ ومتلازمة القولون العصبي.

“هو آمن أثناء الحمل فيقلل تورم القدمين، ويخفف آلام الظهر والحوض، ويدعم الجسم للاستعداد للولادة”، تضيف الزعبي وتتابع “يحسن جودة النوم والاسترخاء للحوامل ولمن يجدون صعوبة في الحصول على قسط نوم كافٍ، كونه يهدئ الجهاز العصبي، ويسرع في عملية الاسترخاء والنوم العميق، وتقليل الاستيقاظ المتكرر، والشعور بالنشاط أثناء الاستيقاظ صباحاً”.

ومن فوائده أيضاً أنه يخفف من شدة نوبات الصداع النصفي، من خلال تحسين الدورة الدموية في الرأس والرقبة، ويقلل التوتر والألم الناتج من الإجهاد. كما يعد علاجاً مثالياً للرياضيين بسبب تسريع التعافي بعد التمارين المكثفة، وتخفيف توتر العضلات وآلامها، وتحسين مرونة الجسم.

وإلى جانب ما تقدم من الفوائد الجسدية للعلاج الانعكاسي، يمكن أن يحقق التوازن النفسي لأنه يحسن التركيز ويقلل التوتر العقلي ويسهم في التفكير بوضوح ويحسن المزاج، ويساعد في تعزيز تدفق الدم لتوزيع الأوكسجين بكفاءة.

كما يمكنه تحقيق التوازن الهرموني ودعم الجهاز الغدد الصماء. وتخفيف الآلام المزمنة في مناطق مثل الظهر والرقبة والركبتين. ودعم الجسم في إدارة الالتهابات، بخاصة للأشخاص الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية.

الدكتورة رنا الزعبي تعتبر أن الأساس هو في علاج المصدر وليس العارض (اندبندنت عربية)​​​​​​​

علاج المرض من المصدر

من الأمراض التي عالجتها د. رنا بالريفلكسولوجي تذكر التأخر في النطق عند الأطفال، والشلل الدماغي، آلام المفاصل والعظام، نقص الأوكسجين في الجسم، عدم الحركة طويل الأمد، مشكلات في العين إذا لم تقطع النهاية العصبية.

توضح “نحن نعتمد إعادة التروية من منبع المشكلة وليس العارض. مثلاً إذا أتاني مريض يشكو من الغدة الدرقية، لا أعالج فقط الغدة الدرقية، فهي واحدة من الغدد والمسؤولة عنها هي الغدة النخامية، لذا نعود إلى المصدر إلى سبب المشكلة ومنبع الألم. فنحن لا نقسم الجسم بل ننظر إليه كوحدة متكاملة، وأثناء العلاج نتفحص كل النهايات العصبية. فمثلاً إذا حدث انسداد في ست إلى ثمان من النهايات العصبية للعين، يكون الانسداد بسيطاً، قد يظهر على شكل انسداد في القناة الدمعية والتهاب، فيتناول المريض عقاقير مضادة للالتهاب، أو مرهماً قد تخف المشكلة، لكنها تصبح موسمية. ومع الوقت يزداد الانسداد لأن المشكلة لم تحل من أساسها، بل إن الدواء كان للعارض الذي حدث. فيكبر انسداد النهايات العصبية ليصل مثلاً إلى 10 انسدادات ما يجعل العارض الجديد عبارة عن ماء زرقاء أو بيضاء. حتى إن سحب هذه المياه قد يعيدها بعد فترة لأن الانسداد ما زال موجوداً. فالعارض يأتي على شكل منبه للمشكلة لمعالجتها. وقد يصل الانسداد إلى 15 نهاية عصبية ما يؤدي إلى مشكلات في الشبكية من النزيف والبقع. هنا لا بد لفحص النهايات العصبية للبنكرياس لأنه غالباً يكون السبب مرض السكري. هذا مثال واحد عن أهمية عدم تقسيم الجسم، لذا نفحص كافة النهايات العصبية للجسم، فهو وحدة واحدة. بعدها نركز على المشكلة الأساسية”.

تستخدم رنا يديها في الضغط والسحب والتحفير وفي أحيان قليلة تستخدم آلة هزازة للتحفيز. أما نسبة الشفاء فتقول إنها تتراوح من 50 إلى 70 في المئة في النتائج وأحياناً تصل إلى مئة في المئة. وتؤكد على عدم التدخل الدوائي أو الجراحي في الريفلكسولوجي على رغم أنه يتكامل مع الطب الحديث.

شحنات الكهرباء الزائدة

وعن السيالات العصبية nerve impulses في الدماغ التي هي سيالات كهربائية، وكل شحنة موجبة تعادلها شحنة سالبة، سواء كان الدماغ يعطي أمراً حركياً أو حسياً إلى أي عضو، تقول المتخصصة في هذا العلاج إنه عندما تصبح الكهرباء زائدة في الدماغ، سواء سالبة أو موجبة، يهمني أن أخلص الجسم منها، ما يحدث هو أن ارتباط الشحنة بشحنة أخرى حتى تتعادل السالبة والموجبة يسبب قطعاً للسيال العصبي، فيعطي رد فعل على أشكال هلع أو عدم تركيز قد تصل لنوبات صرع بحسب كمية الكهرباء داخل الدماغ، أو حتى أمراض التوحد والتي أساسها معادن ثقيلة موجودة على الدماغ”.

ورداً عن كيفية وصول المعادن الثقيلة إلى الدماغ وزيادة كهربائه تقول د. رنا “إن الجسم محاط بمجال كهرومغناطيسي لتوزيع المعادن في الجسم، وعندما يحدث خلل في هذا المجال، تصبح السيالات الكهربائية غير متعادلة في الجسم فيكتسب سيالات كهربائية من خارج الجسم سواء سالبة أو موجبة نتيجة المعادن الثقيلة مثل الزئبق والحديد وسواهما. فما نقوم به هو أننا نقوم بسحب الكهرباء غير المتعادلة من نقاط معينة في الجسم بشكل يدوي، ويشعر المريض بخروج الكهرباء من جسمه ويشعر بالفرق فوراً ويعود الاستقرار للجسم”.

العلاج الانعكاسي عالمياً وعربياً

ينتشر العلاج الانعكاسي في جميع أنحاء العالم، لكنه يحظى بشعبية خاصة في الدول التي تمتلك تاريخاً غنياً في الطب التقليدي والبديل مثل الصين حيث يعتبر جزءاً من الطب الصيني التقليدي ويدمج بالوخز بالإبر، وفي تايلاند، والهند حيث يشكل جزءاً من الأيروفيدا، وكذلك في اليابان.

وأصبح هذا العلاج معتمداً كجزء من الرعاية الصحية في أوروبا مثل بريطانيا، وألمانيا وفرنسا إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتم استخدامه كعلاج تكميلي في المستشفيات والعيادات المتخصصة.

كما يمارس العلاج الانعكاسي في بعض الدول العربية مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب، لكنه يدمج في غالب الأحيان مع الحجامة والتدليك العلاجي والتدليك بالزيوت العطرية والوخز بالإبر وعلاجات الطاقة المتنوعة.

يختلف تقبل المجتمعات العربية للعلاج الانعكاسي، من دولة إلى أخرى، ولا يزال محدوداً في عدد منها، فيما يعود ذلك إما إلى نقص الوعي بفوائده أو قلة الممارسين المؤهلين أو حتى الخوف من تجربته، إذ تتفاوت آراء الأفراد حول فاعلية هذا النوع من العلاج، ويعتبره البعض كبقية تخصصات الطب البديل التي تحتاج إلى مزيد من الأبحاث العلمية لإثبات فاعليته.

في الوقت نفسه، وعلى رغم التقدم الهائل الذي شهده الطب الحديث، لم يتمكن من إقصاء الطب البديل والتقليدي، الذي مارسه الإنسان منذ آلاف السنين. وباتت مستشفيات ومراكز صحية عدة تدمجه مع التقنيات الحديثة لتأثيره الإيجابي في المرضى نفسياً وجسدياً.

عام 2014، أطلقت منظمة الصحة العالمية (WHO) إستراتيجية شاملة للطب التقليدي والتكميلي للفترة 2014-2023، بهدف دمج هذه الممارسات في النظم الصحية الوطنية وتعزيز سلامة وفاعلية استخدامها. ونظمت عام 2023، أول مؤتمر قمة عالمي رفيع المستوى في شأن الطب التقليدي، أقر بأهمية دمج الطب التقليدي في النظم الصحية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.

وبدأت منظمة الصحة العالمية العمل على تطوير إستراتيجية جديدة للطب التقليدي للفترة 2025-2034، استجابة لطلب الدول الأعضاء في جمعية الصحة العالمية خلال اجتماعها في مايو (أيار) 2023، بهدف مواصلة تعزيز دور الطب التقليدي والتكميلي في تحسين الصحة العالمية.

المزيد عن: العلاج الطبيعيالريفلكسولوجيالطاقة الحيويةجسم الإنسانالطب التقليدي