الاعتقاد الأكثر شيوعاً هو أن الاكتئاب مرض حصري يصيب الأثرياء والمتعلمين تعليماً مميزاً لا الفقراء والأميين (أ ف ب) صحة الاكتئاب للجميع والعلاج لـ”القادرين فقط” by admin 22 فبراير، 2025 written by admin 22 فبراير، 2025 24 تبقى العلاقة بين الفقر والاكتئاب جدلية ولكنها مؤكدة بقدر اقتران ذلك المرض النفسي بالطبقات المرفهة اندبندنت عربية / أمينة خيري حين تفوه حازم ابن الـ16 سنة بكلمة اكتئاب أمام زملاء العمل من عمال “الدليفري” ونقل البضائع ورصها، تراوحت ردود أفعالهم ما بين السخرية والصدمة والسؤال عن ماهية هذا الاكتئاب الذي هو سمة من سمات “أولاد الذوات”. وحين نصحت سيدة عاملة النظافة التي تساعدها في أعمال البيت بزيارة طبيب نفسي لأنها على الأرجح مصابة باكتئاب، نظرت إليها العاملة طويلاً ولسان حالها يقول “هل جننتِ؟”، وظلت أسابيع بعدها تزج بعبارات في أحاديثها مع السيدة جميعها يدور في فلك أنها في كامل قواها العقلية، وأن التعب لا يعني أن الشخص فقد عقله، لا سيما لو كان يصلي ويصوم ويرضى بما قسمه ربه. وحين وجدت منال أن زوجها سائق الأجرة بدأ يقلل من ساعات العمل بحجة أنه غير قادر على رؤية أحد، ثم تطور الأمر إلى بقائه في الفراش معظم ساعات النهار والليل، وأخيراً لم يعد قادراً على اتخاذ قرار خاص بالبيت أو الأبناء وأصبح شديد العصبية ولا يطيق حتى مشاهدة الأفلام التي كان يحبها أو متابعة المباريات، قررت أن تطلب الطلاق، والسبب هو عدم تحمله المسؤولية وبعده عن الله، ويكفي أنه حاول الانتحار مرة. وحين أصر أحد معارف الزوج، ويعمل طبيباً، على عرضه على طبيب أمراض نفسية وعصبية شُخص بأنه مصاب باضطراب اكتئابي كبير أو رئيس، وأن عدم تشخيصه فترة طويلة أدى إلى تدهور حاله، والمثير أن زوجته حين عرفت بالأمر سألت مستفهمة لا مستنكرة “وهل يصاب الفقراء بالاكتئاب؟”. علاقة ملتبسة العلاقة بين الاكتئاب والفقراء ملتبسة، فالعادات والأعراف والمعتقدات والآراء حولها تفوق المعلومات والحقائق والوقائع والأرقام، والاعتقاد الأكثر شيوعاً هو أن الاكتئاب مرض حصري يصيب الأثرياء والمتعلمين تعليماً مميزاً لا الفقراء والأميين أو أنصاف المتعلمين. قائمة الاعتقادات حول الاكتئاب والفقراء أو الفقر طويلة، ويُعتقد أن الاكتئاب والإيمان أو التدين لا يمتزجان، بمعنى أن الشخص الشديد الإيمان والبالغ التدين لا يصيبه الاكتئاب، كذلك يُعتقد أن الشعور بالرضا وعدم التطلع إلى ما لا يمكن تحقيقه يقي الشخص الإصابة بالاكتئاب، وآخرون يعتقدون أن الاكتئاب مرض غربي لا علاقة للشرق به، أو أن الإصابة به رفاهية ليست للفقراء. تبقى العلاقة بين الفقر والفقراء من جهة، والاكتئاب والمكتئبين من جهة أخرى، جدلية، لكنها مؤكدة بقدر اقتران الغنى والأغنياء بالاكتئاب والمكتئبين. طبيب الأمراض النفسية والعصبية فيكرام باتل من أبرز من سلطوا الضوء على مبدأ المساواة الذي يتعامل به مرض الاكتئاب مع الناس، والمثير أن الاعتقاد الخاطئ بأن الاكتئاب لا يصيب إلا الأغنياء أو شعوب الدول الغربية فقط لم يكن حكراً على الناس العاديين، بل ظل كثير من الأطباء النفسيين يعتقدون عقوداً طويلة أن الاكتئاب ظاهرة غربية، أحد هؤلاء هو باتل الذي كان يعتقد أن الاكتئاب لا وجود له إلا في الدول الغنية. في بداية التسعينيات اعتقد طبيب الأمراض النفسية والعصبية أن شعوب الدول النامية ربما يمرون بفترات تعب أو قلق، وأقصى ما يمكن أن يعانوه هو “التفكير الزائد”، وهو ما يداويه المعالج الروحاني، لكن حين تحدث مع من يعانون “التفكير الزائد” اكتشف أنهم مصابون بالاكتئاب. لا استثناءات بلغة الأرقام، تقول منظمة الصحة العالمية أن اضطرابات الصحة العقلية والنفسية استمرت في الارتفاع على مستوى العالم، ولم تستثن بلداً أو فئة بعينها من السكان، وتشير المنظمة إلى أن واحداً بين كل ثمانية أشخاص في العالم عانى اضطراباً عقلياً أو مرضاً نفسياً عام 2024، أي أن نحو 970 مليون شخص من سكان الأرض يعانون مرضاً نفسياً أو عقلياً. ويمثل ذلك زيادة كبيرة على الأعوام السابقة، مما يعني أن مشكلات الصحة النفسية أصبحت أكثر شيوعاً. وتشير المنظمة إلى أن الاكتئاب والقلق هما الأكثر شيوعاً بين الاضطرابات النفسية والعقلية. نظرة سريعة إلى المنطقة العربية العامرة بالصراعات والحروب، سواء تلك التي توقفت أو التي تلوح في الأفق وغير البعيدة من مشكلات الفقر والبطالة وعدم المساواة في الفرص والحقوق، ناهيك بمعضلات تتعلق بجودة التعليم وتعليم البنات وغيرهما، يصعب تخيلها بلا اكتئاب، حتى لو بدا أن شكوى رجل في غزة من القلق والتوتر، أو امرأة في السودان من انعدام التركيز والرغبة المستمرة في النوم، أو طفل في لبنان من الرغبة في العزلة أو العصبية والتوتر، أو شاب في مصر من الخمول واليأس واضطراب النوم، أو فتاة في العراق من الانزعاج المستمر وانعدام الشعور بالقيمة، كأنها تفاهة أو رفاهية في ظل المشكلات “الكبرى”. قبل بدء حرب غزة بأشهر قليلة، نشر البنك الدولي ورقة عنوانها “تقاطع الظروف الاقتصادية والصدمات النفسية والصحة العقلية في الضفة الغربية وقطاع غزة” (2023)، وجاء فيها أن أعواماً من التعرض المتواصل لويلات الصراع أثرت تأثيراً شديداً في الصحة العقلية للفلسطينيين، ويشمل هذا عقوداً من التعرض للصراع، والقيود على الحركة والتنقل، وتدني ظروف المعيشة، لا سيما لسكان غزة الذين يخضعون لحصار جوي وبري جزئي. استناداً إلى “مسح الظروف النفسية للفلسطينيين” – الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بالتعاون مع البنك الدولي وجهات أخرى – وجد الباحثون أن 71 في المئة من السكان البالغين في غزة و50 في المئة في الضفة الغربية ظهرت عليهم أعراض تتسق والاكتئاب، كما تأكدت إصابة نحو سبعة في المئة من السكان في غزة والضفة الغربية باضطراب ما بعد الصدمة. وأشارت الورقة وقتها إلى احتمال تعرض السكان في قطاع غزة للصدمات أكثر من سكان الضفة الغربية، بحكم حجم الوقائع المأسوية التي تعرضوا لها، مضيفة أن إمكان التعرض للصدمات النفسية جراء الحرمان من أسباب التمكين الاقتصادي وفقدان الإحساس بالقدرة على التصرف في سياق يغلب عليه تفشي البطالة وغياب الفرص الاقتصادية يتضاعف في غزة. القلق للجميع كان هذا قبل حرب القطاع التي دكت غزة وقتلت وشردت وهجرت أهلها، قبل أيام قالت ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريك بيبركورن، إن “الجميع في غزة متأثرون بهذا الصراع الذي دام بين 15 و16 شهراً، وأن كل من في غزة، بمن في ذلك فريقا منظمة الصحة العالمية يعاني التوتر والقلق والشعور بالوحدة والاكتئاب”. وأضافت بيبركورن أنه قبل الحرب كان هناك مستشفى للأمراض النفسية وأكثر من ستة مراكز مجتمعية للصحة العقلية، وشبكة جيدة من المنظمات غير الحكومية التي تدعم الصحة النفسية، أما حالياً فتوقف كل هذا عن العمل أو دُمر. ما لم يتوقف هو الاضطرابات النفسية لسكان غزة، وعلى رأسها الاكتئاب، حتى لو اعتبره بعضهم غير ذي أولوية بالنظر إلى حجم الدمار والركام وشبح المجاعة الذي ما زال يلوح في الأفق. على مدى أشهر الحرب في غزة، وكذلك أثناء حرب السودان، والصراع في اليمن، والقلاقل في غيرها من المناطق، تبارى خبراء في تقديم النصيحة لمتابعي الصراعات عبر الشاشات لتفادي خطر الاكتئاب، أما من يتابعونها من خيمهم أو ما تبقى من نوافذ بيوتهم المهدمة في قلب الحرب فالنصيحة تبدو غير ذات قيمة، والأسباب كثيرة، من جهة يصعب تجاهل مشاهد الحرب أو ترشيد التعرض لها بينما الشخص يعيش فيها، ومن جهة أخرى إذا نجا الشخص من الاكتئاب فربما يقع صريع اضطراب ما بعد الصدمة أو الفصام أو الاضطراب الثنائي القطب، أو غير ذلك، هذا إن بقي على قيد الحياة. المعطيات جميعها تشير إلى صعوبة وربما استحالة تقديم الدعم أو العلاج النفسي لأهل غزة حالياً، إن لم يكن بسبب تدمير البنى التحتية وعدم توافر الطعام والمأوى فما بالك بالعلاجات النفسية، فبسبب الفقر الذي كان شديداً قبل الحرب. الفقر يؤثر سلباً في الصحة النفسية، والصحة النفسية العليلة تسهم في دفع الشخص نحو الفقر، وتشير دراسة عنوانها “تأثير الفقر في الصحة النفسية للشباب في مصر” (2022) للباحثتين سها متولي وهناء سلامة، إلى أن الصحة النفسية تتأثر بالعوامل والظروف الحياتية المحيطة، ويتعرض الفقير لضغوط اجتماعية واقتصادية عدة تنجم عن نقص الحاجات الأساس وعدم كفاية الدخل وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المادية، وهو ما يجعله أكثر عرضة من غيره للاكتئاب. كلفة الاكتئاب من جهة أخرى، تتطلب رعاية المرضى النفسيين كلفة مادية هائلة، إضافة إلى الكلفة غير المباشرة والمتمثلة في فقدان الدخل نتيجة المرض النفسي والحاجة إلى بدائل غالباً لا تكون متوافرة، ويضاف إلى ذلك استمرار شيوع معتقدات وأفكار تخلط بين قلة الإيمان والإصابة بالاكتئاب، وهو ما يجعل بعضهم ينكر المرض أو يتجاهله، أو يتعامل مع الاكتئاب باعتباره مساً شيطانياً يحتاج إلى معالج روحاني، إضافة إلى تفاقم اعتبار المرض النفسي رفاهية لا يقوى عليها سوى الأغنياء، وهو ما يضع آلام الفقراء النفسية في خانات قلة التدين أو عدم الرضا أو “عين أصابتهم”، أو مرضى لكن لا يقوون على طلب التشخيص والعلاج، بمعنى آخر الاكتئاب للجميع، أما التشخيص والعلاج فحسب التساهيل. عربياً، تندر الأرقام والبيانات المتاحة حول معدلات انتشار الاكتئاب وكذلك التشخيص والعلاج، عام 2019 أجرت شبكة الـ”باروميتر” العربي (مؤسسة بحثية) استطلاعاً عربياً (لم يشمل دول الخليج) أفاد بأن نحو 30 في المئة من المواطنين العرب إما مكتئبون أو عانوا أعراض المرض. وجاء العراق على رأس القائمة بنسبة 43 في المئة، تليه تونس (40 في المئة) ثم فلسطين (37 في المئة) فالأردن (34 في المئة) ثم لبنان (30 في المئة) ومصر (25 في المئة) وليبيا (23 في المئة) والمغرب (20 في المئة)، أما النسبة التي نجحت في الوصول إلى مرحلة التشخيص أو الحصول على العلاج، ففي علم الغيب. المزيد عن: الأمراض النفسيةالقلق والاكتئابأهوال الحروبغزةالسودانالصراعات الإقليميةالصحة النفسيةقلة الإيمان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الشيعة بين حزب الله وزعامة بري: متاهة التحولات next post أوسكار وايلد يفضح في “زوج مثالي” نفاق المجتمع الإنجليزي You may also like “ذاكرة الخلايا الدهنية” سبب استعادة الوزن بسرعة 23 فبراير، 2025 وسائل منع الحمل الهرمونية باستثناء واحدة تزيد خطر... 18 فبراير، 2025 تطورات جديدة في العلاج الجيني لأمراض العظام النادرة 18 فبراير، 2025 أشخاص يتناولون أدوية إنقاص الوزن يزعمون تدهور بصرهم 18 فبراير، 2025 حيلة تُمكنك من تغيير الموجات الدماغية المرتبطة بالاكتئاب... 16 فبراير، 2025 لاصقة جلدية تساعد على علاج السكري 16 فبراير، 2025 أول دواء يقلل خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية 16 فبراير، 2025 الريفلكسولوجي… علاج تقليدي لأصل المرض 14 فبراير، 2025 ما علاقة تعاطي الماريغوانا بارتفاع حالات الفصام؟ 14 فبراير، 2025 تفش غير مسبوق لمرض السل في الولايات المتحدة 13 فبراير، 2025