الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » عباس بيضون يكتب في وداع منى السعودي: النحت بوصفه إيقاعات من حجَر

عباس بيضون يكتب في وداع منى السعودي: النحت بوصفه إيقاعات من حجَر

by admin

يبدو الخط العربي، بتشابكه وتوازنه، الملهمَ الأول للفنانة

العربي الجديد \ عباس بيضون \شاعر وروائي من لبنان

منى السعودي – الراحلة منذ أيام (1945 – 2022) – نحّاتة، بل قد تكون النحّاتة الوحيدة التي نعرفها، من قُرب، في الفنّ التشكيلي العربي. ليست النحّاتات، على كلّ حالٍ – كثيرات في الفن العالمي، بل هنّ بالأحرى لسنَ شهيرات، ولعلّ هذه الشهرة كانت تفوتهنّ أحياناً في حين كنّ يستحققنها. للنحّاتة الفرنسية كاميّ كلوديل، مثلاً، قصّة مع رودان. يُنسب إلى كامي كلوديل، عشيقة رودان، أنها أثّرت في فنّه، بل يدّعي البعض أن لها يداً كبرى في العمارة الرودانية.

ما بقي من فن كلوديل لا ينفصل تماماً عن الأسلوب الروداني، وهناك مَن ينسب إلى كلوديل أولوية في ذلك، لكن هذا يبقى موضع سؤال. الشائع هو أن حياة كلوديل الشقيّة، التي عصف بها المرض والقلق، لم تُعرف إلّا بمكانها من رودان، وأن كاميّ كلوديل هي، في النهاية، في صِلتها برودان.

قد نجد في تاريخ الفنّ سرباً من النحّاتات، قلّما يُضاء عليهنّ وقلّما ينلنَ ما يستحققنه أحياناً من شهرةٍ هُنّ أهلٌ لها. لعلّنا نجد وراء نحّاتين معروفين نحّاتاتٍ يقتربن منهم، لكنهنّ يبقين غالباً في الظل. وراء زادكين وهنري مور، على سبيل المثال، أسماء بقيت في النسيان. يمكننا في هذا السياق أن نفكر بنحّاتة مهمّة للغاية، هي الفرنسية ـ الأميركية لويز بورجوا، التي توفّيت عام 2010 بعد حياة طويلة عامرة بالإنتاج.

لويز بورجوا هذه لم تنل، هي الأخرى، الشهرة التي تستحقّها فعلاً، وإن يكنْ هناك تململٌ حول هذا الأمر، دعا نقّاداً ومهتمّين الى أن يستدركوا هذا الإهمال، وأن يضيئوا أكثر على عمل يقف بجدارة إلى جانب الآثار الكبرى في القرن العشرين. ربّما حفّزت على ذلك نسويّةُ لويس بورجوا، التي لم تكن نظريّةً فقط، بل تغلغلت إلى فنها نفسه. إذ يمكن أن نجد موضوعاً شاغلاً في نحت بورجوا، وهو موضوع العنكبوت في نحتها، موضوع العنكبوت الذي اعتبرته بورجوا موضوعاً نسوياً ورمز إلى المرأة بالعنكبوت.

كان فن بورجوا من الجرأة بحيث دخلت الأعضاء الجنسية للرجل والمرأة في العمل النحتيّ. لا يمكننا أن نتعرّض للويز بورجوا بدون أن نُلقي نظرة على فنٍّ قادر على أن يصنع توازناً موسيقياً في الأعمال، فيما هي قائمة على الحشد والتجمّع وعلى الكثرة في أحيان كثيرة. خيوط العنكبوت في منحوتات العناكب هي بذات هذه القدرة على الإيقاع والرهافة. لا بدّ أن فنّ بورجوا سيبقى لذلك مُلهماً أكثر فأكثر، ومُضيئاً أكثر فأكثر في النحت الحديث.

منى السعودي، الأردنية، نحّاتة أوّلاً، بل يبدو أنّ أكثر ما تفعله هو النحت فحسب، سواءً كان ذلك في تماثيلها أو في رسومها وحتّى في كتاباتها. لم يكن لمنى من النحت سواه، ورغم أن رسومها كانت تستدعي أشعاراً وأحياناً قضايا، إلّا أن هذه جميعها مطوّعة للنحت بشكلٍ خاصّ. لن نجد في فنّها ما يشبه نسويّة بورجوا وجرأتها الجنسية على سبيل المثال، بل لن نجد في نحتها، وهي المناضلة، أثراً لهذا النضال. النحت فنٌّ لا سابقة له في التراث العربي، بل والدين يُنكره، ولا يبدو أن منى رجعت إلى التراث النحتيّ الباذخ في المنطقة. ليس في فنّها آثار للفنّ الآشوري أو الكلداني بعامّة، أو الفينيقي أو المصري. لم يكن من هموم منى أن ترجع إلى هذه الفنون، كما فعل نحّاتون عرب آخرون.

مع ذلك نجد أن فنّها، الذي هو عبارة عن مفردات نحتية، ليس مفرداتٍ مجرّدة فحسب، بل هي أنساقٌ تتمثّل الحجر وتُحاول أن تُرسيه على ما يبدو أصلَه أو طبيعته أو وجهه الطبيعي. مفرداتٌ هي في حقيقة الأمر نوتاتٌ حجريّة، أو إيقاعات من حجر. هذه الجملة الموسيقية قائمة في مفردات منى السعودي التي ليست نصبية، بقدر ما هي داخلية، وتلتفّ على نفسها في عودة إلى القاعدة، في كتلة موزونة تنعقد حول ذاتها، وتشكّل نوعاً من عمل لا يتّجه إلى السماء بقدر ما يؤسّس داخلاً يتجمّع على السطح وفي الأسفل.

هذا لا يعني أن فن منى السعودي بلا سابقة وبلا تراث. عدا ما يرجع إليه هذا الفنّ في النحت التجريدي المعاصر، فإننا، ونحن نتطلّع إليه، يسعنا أن نفكّر فوراً في فنٍّ عريق في التراث هو فنّ الخط العربي أو الحروفية العربية. هذا الفنّ، يمكننا أنْ نفكّر في حركيته، وفي التفافاته، وفي أشكاله المتشابكة، وفي انعطافاته الداخلية، وفي مفرداته وتوازناته الإيقاعية ومعماره الموسيقي. هذا الفنّ يبدو وكأنه بالدرجة الأولى مُلهِمُ منى السعودي، بل هو وراء ما في منحوتات السعودي من تكامُل ومن سلاسة ومن إيقاع، بل هو وراء ما في هذا الفن من أناقة وتناسق، ما في مفرداته من بهجة صامتة بقدر ما هي مُوحية، من الإيحاء الإيعازي وشبه الصامت، بقدر ما هو أعراسيّ، وبقدر ما مفرداته أقربُ إلى أن تكون حُليّاً، أو تزيينات، أو أنساقاً متوازنة.

المزيد عن : رحيل\النحت\الأردن

 

 

 

 

 

You may also like

4 comments

electrical installation condition report near me 27 فبراير، 2022 - 10:14 م

When it is electrical installation condition report near me installations,
a condition report is necessary to ensure that they are safe for
use. An experienced person can examine the property and find
any potential issues.

Reply
Private mental Health diagnosis 27 فبراير، 2022 - 10:15 م

Outstanding post however , I was wondering if you could
write a litte more on this topic? I’d be very grateful if
you could elaborate a little bit further. Kudos!

Feel free to surf to my web blog; Private mental Health diagnosis

Reply
토토업체 27 فبراير، 2022 - 10:16 م

Many greens resorts offered tournaments from time to
time. If you would like to participate in them that make
a difference in where several travel which can. You can go online
and sign up for alerts about upcoming tournaments.

Also visit my web-site … 토토업체

Reply
best cbd Near me uk 27 فبراير، 2022 - 10:17 م

19. A person have 2 or more daughters? Yes
= plus 3. No = three. Daughters are elder health care providers.
FACT: Daughters provide the bulk of eldercare. Even daughters-in-law provide more care compared to sons.

Stop by my site … best cbd Near me uk

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00