ثقافة و فنونعربي التونسي الفرنسي أوبير حداد يغوص روائيا في عالم أحلام اليقظة by admin 31 مارس، 2021 written by admin 31 مارس، 2021 113 روايته الجديدة “حورية إيزيه” تدور في مصح على جزيرة اندبندنت عربية / انطوان جوكي ثمة كتب قادرة بسحرها على إنقاذنا من رداءة عالمنا الغارق في العنف واللامبالاة. وإلى هذا النوع من الكتب تنتمي رواية الكاتب الفرنسي ــ التونسي أوبير حداد “حورية إيزيه”، التي صدرت حديثاً عن دار “زولما” الباريسية، وتغوص بنا في عالم يخالط الخيال فيه واقعاً متقلباً، وتراود شخصياته القليلة باستمرار أحلام يقظتها، أو ذكرياتها، ما يمنح سرديتها بعداً حلمياً آسراً. أحداث الرواية تقع على جزيرة “إستراند” الخيالية التي تعبر الغيوم سماءها بصمت مهيب، ويغني المحيط الذي يحاصرها أثناء احتدامه، لاعقاً الجرف الذي يحده، وناقلاً من حين إلى آخر سفناً فولاذية ضخمة وغرقى يدعون أنفسهم إلى الحكاية. وعلى طرف الجرف، مصح عقلي تتخلله متاهة يفقد من يعبر أروقتها الخضراء حواسه، أو يستعيدها. عالم استيهامي إذاً، أو بالأحرى عدة عوالم، بما أن زوايا النظر والإدراك تختلف وفقاً للشخصية التي نسير خلفها. في الرواية، لدينا أولاً الشابة الجميلة ليلو، التي يعثر عليها يوماً عاريةً وحاملاً أثناء تسكعها في محيط قرية “أومفيلت” التي تقع داخل الجزيرة. ونظراً إلى تعذر التواصل معها، تنقل إلى ميدان “ديساندوري” الذي كان في الماضي مستشفى للمصابين بداء السل، قبل أن يتحول إلى مصح للأمراض العقلية. شابة تعيش في عمق نفسها، وتتوه داخل أفكارها “غائبة عن الآخرين، وغير مبالية بجميع محاولات تدجينها، لكنها تتمتع بحضور شهواني جنوني”. وفي إحدى الليالي، تتسلق سور المصح، كعادتها، للتنزه على الشاطئ، لكن نزهتها تنتهي هذه المرة بقفزها من أعلى الجرف في المحيط، مثل مرضى كثر قبلها. صمم الولادة لدينا ثانياً ابن ليلو، مالغورن، الذي ولد في المصح، وترعرع في كنف الممرضة سيغريد. ومع أنه يعاني صمماً منذ الولادة، لكن ذلك لن يمنعه من استشعار كل تفاصيل العالم الذي يحيط به، ومن الاهتمام حين يكبر بأشجار السرو والصنوبر والشربين والطقسوس التي تتألف منها أروقة المتاهة التي تخيلها وشيدها الطبيب ريفالد داخل المصح على شكل مدونة موسيقية، لأسباب علاجية. ومن قمة الجرف الذي تتآكله الأمواج تدريجياً ويطل على محيط يخلب العقول والأجساد على حد سواء، نراه يتأمل باستمرار عالماً يبتكر له قواعد خاصة، نظراً إلى عجزه عن التحاور مع تلك الحفنة الصغيرة من البشر التي يخالطها داخل مصح مهدد مبناه بالسقوط داخل المحيط في أي لحظة. رواية “حورية إيزيه” (دار زولما) لدينا الطبيب ريفالد، مدير المصح، الذي يمارس اختباراته على مرضاه، ولا يتردد في الذهاب بالصدمات النفسية أو الكهربائية التي يخضعهم لها إلى حد قتل عدد منهم، ما يؤدي في النهاية إلى توقيفه وإغلاق المصح. لدينا أخيراً الفتاة بيردر التي تعيش بوحدها في مبنى المنارة القديمة، وتسبر كل مساء المحيط بغبطة كبيرة. يتيمة الأم التي توفيت وهي طفلة، والأب القبطان الذي غادرها بعد وفاة زوجته لصالح الإبحار بلا هوادة في بحار العالم، يتسلط عليها صوت صديقة متوارية تحاورها باستمرار، وذكرى أخ ابتلعته الأمواج. غرفتها في أعلى المنارة مختبر أحلام يقظتها، وحين تعود إليها عند الغروب لتأمل البحر، تجتاحها فرحة لا تقاس. منغلقة داخل كآبتها، تطوف بيردر في أرجاء الجزيرة منذ الفجر، مدركةً أن “لا أحد قادر على منعها من غرف السعادة من قلب مأساتها”. وفي أحد الأيام، تلتقي بالفتى مالغورن على الشاطئ حول كائن بحري غريب وتفتنه فوراً، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى مغادرة كل منهما دروب تيهه الاستيهامي الخاص. أشباح الماضي باختصار، شخصيات تتسلط عليها أشباح ماضيها، وتبدو محاصرة داخل جدران عزلتها، لكن من دون أن تعاني كثيراً ذلك لسبب بسيط، وهو أن “الأساطير هنا أكثر واقعية من حياة الناس”، وفتنة الطبيعة التي تعيش هذه الشخصيات في أرجائها تحثها باستمرار على مساءلة الرمل والبحر والسماء ونفسها لتحقيق قدر لا تحده أي عقلانية. ولسرد قصته، يشحذ حداد لغةً رائعةً، شعرية بامتياز، ترسم بريشة محمومة ونعمة نادرة الأصوات والأضواء والسماء واليم واليابسة، فتنتج من ذلك لوحة مترفة بألوانها النيرة وإيحاءاتها العذبة. وبخلطه الواقعي والخارق، الصمت والموسيقى، الميثات والأساطير، يحل أيضاً داخلها لا زمنية سحرية نتمنى لو نلازمها أبداً. ومع أننا ننتظر، على مر الصفحات، حدوث شيء ما، عنصراً محفزاً لقصتها، جواباً أو إفضاءً لنثره الأخاذ، إلا أن الخيوط التي يمنحنا إياها بألمعية مرهفة لا تتقاطر نحو نقطة محددة، لا لشيء سوى لأنه يبحث معنا عن نفسه داخل سرده، فتبقى قصته بلا خاتمة، مشرعة، مثل جزيرته، على رياح الخيال إنها إذاً قصة بعكس الزمن أو خارجه، تلك التي يقصها حداد علينا. قصة يبتلع المد والجزر أحداثها ويختطفها غناء الحوريات. نعم الحوريات، لأن البحر الذي يحاصر جزيرة “إستراند” سيلفظ حوريتين على الأقل على شاطئها، لكن في دوار الخاتمة المفتوحة على جميع الممكنات، لا يتركنا الكاتب نسقط من علو الجرف الذي يلتهمه المحيط، بل يمسك بنا ويسير معنا بضعة سطور إضافية، قبل أن يفلت يدنا ويتركنا تائهين، لكن منتشين، تماماً مثل شخصياته. خاتمة قد لا ترضي بعض القراء، لكنها الوحيدة الصالحة. فـ”في غبش الحلم ــ حيث تكمن الجزيرة ــ كل الدروب تضلل، ولا بداية أو نهاية لأي شيء”. باختصار، رواية على شكل قصيدة طويلة يمسك الخيال فيها بزمام السرد، وكل واحدة من صفحاتها، لا بل كل واحدة من جملها تشكل بموسيقاها واستعاراتها سفراً إلى تخوم الملحمة، سفراً يسائل حداد خلاله النفس البشرية بقريحة شاعر ملهم وقاموس ساحر موهوب يفتننا بـ”تعاويذه” من أجل دفعنا بشكل أفضل إلى تحرير أنفسنا من دبق الواقع ومنطقه. المزيد عن: روائي تونسي/كاتب فرنكوفوني/أحلام/التخييل/فانتازيا سردية/رواية 4 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هكذا “يحتفي” أهل جبال النوبة بالموت next post وليد فارس: تأخرت أميركا في الشرق الأوسط فانقضّت الصين You may also like فاز بجائزتي كتارا ونجيب محفوظ.. محمد طرزي: لا... 12 يناير، 2025 عن فلسطين.. في مرآة نعوم تشومسكي وإيلان بابيه 12 يناير، 2025 عودة يوسف حبشي الأشقر رائد الرواية اللبنانية الحديثة 12 يناير، 2025 مأساة ترحيل الجورجيين من روسيا يرويها فيلم “القديم” 12 يناير، 2025 صرخات المصرية جويس منصور في فرنسا 12 يناير، 2025 عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم 12 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن : الرسام الهولندي موندريان... 12 يناير، 2025 ليلى رستم تسافر إلى “الغرفة المضيئة” في الوجدان 12 يناير، 2025 زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 4 comments discuss 31 مارس، 2021 - 1:13 ص Hey there fantastic website! Does running a blog such as this require a lot of work? I have virtually no knowledge of coding but I had been hoping to start my own blog in the near future. Anyway, if you have any suggestions or tips for new blog owners please share. I know this is off topic but I just had to ask. Appreciate it! Reply slotxo 31 مارس، 2021 - 1:16 ص I was recommended this blog by my cousin. I’m not sure whether this post is written by him as no one else know such detailed about my trouble. You’re wonderful! Thanks! Reply legal weed states 31 مارس، 2021 - 1:36 ص legal weed states Reply Golf Battle Online Generator Free Gems 31 مارس، 2021 - 1:36 ص I do not know whether it’s just me or if perhaps everyone else encountering problems with your website. It looks like some of the written text within your content are running off the screen. Can someone else please comment and let me know if this is happening to them too? This may be a issue with my web browser because I’ve had this happen before. Thanks Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.