ثقافة و فنونعربي لا مآسي ولا عواطف في لوحات الإنجليزي فرانسيس بيكون by admin 9 فبراير، 2021 written by admin 9 فبراير، 2021 56 محاولات لجعل الروح تحكي من خلال تعابير الوجوه والأجساد اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يرتبط فنان من أبناء القرن الـ20 بالفن نفسه بقدر ارتباط فرانسيس بيكون به. ولا نعني هنا مسألة التعبير الفني بل قضية المرجعية الفنية. وبالتحديد كجواب على سؤال أساسي وهو: أيّ الأشياء يمكن أن تكون أكثر صلاحية لتتحول لديّ إلى مرجع لعمل فني؟ هناك فنانون استخدموا المناظر الطبيعية وآخرون المشاهد الدينية والتاريخية، وفريق اشتغل على رسم جسد المرأة وملامح الأطفال وغير ذلك. أما فرانسيس بيكون فلقد آثر في واحدة من أخصب مراحله وأكثرها عمقاً لتكون من ثم أوسعها شهرة، آثر موضوعاً قد يبدو الأكثر بديهية، بالنظر إلى أنه يكاد يكون موجوداً في الغالبية العظمى من اللوحات التي رسمها الفنانون: الوجه البشري! ولكن الوجه البشري الذي رسمه بيكون لم يكن الوجه نفسه الذي رسمه المئات من زملائه الفنانين الآخرين. ولا هو توصل إلى النتيجة نفسها التي كانوا هم يتوخونها، ولا تماثلت الدوافع عنده وعندهم. فهو أبداً لم تكن غايته رسم بورتريهات. وأبداً لم يسعَ إلى رسم أناس عاديين. ما كان يرسمه وجوه الناس الذين يعرفهم بوصفها بحسب تعبيره “خرائط للروح”. بالنسبة إليه كانت تلك “الخرائط” تظهر من خلال شفافية الوجوه نفسها. ومن خلال تلك اللحظة التي نتعرف فيها إلى الروح من خلال الوجه، وليس على هوية صاحبها من خلال تواجهنا مع ملامح وجهه. خاتمة أزمة إبداعية ونعرف أن بيكون قد توصل إلى هذا المفهوم بعد أزمة إبداعية عاشها، واستمرت لديه طويلاً لتنتهي في تلك اللحظة التي وجد نفسه فيها يواجه لوحة “مجزرة الأبرياء” لبوسان، وقبل ذلك مشهداً في فيلم للروسي إيزنشتاين. حينها لم تثر المجزرة نفسها اهتمامه، ولم تكن لديه أية رغبة في “الاحتجاج فنياً” ضد الجريمة الجماعية التي يعبر الفنان الكلاسيكي عنها. ما أثار اهتمامه بالفعل لم يكن حتى الألم الذي يعتصر الشخصيات المذبوحة، ولا القسوة التي تطغى على ملامح القتلة. لم يكن هذا كله ليعنيه في شيء. كان ينظر إليه كحالة تعبيرية عابرة. وفي المقابل، راح يتأمل تلك الأرواح، أرواح الضحايا كما أرواح الجلادين كم تجلت من خلال شفافية التعابير. في تلك اللحظة، أمام تلك الوجوه التي تجاوزت كونها “مظهراً” للروح أو للمشاعر أو حتى للوضع المأساوي الذي تعبّر به، أدرك بيكون أنه قد وجد موضوعه وأشكاله الفنية التي لن يرى فيها كثر من مشاهدي أعماله، بل دارسيها حتى، سوى تشويهات تعبّر عن “احتجاج ما” ضد “شرط إنسانيّ ما”. فرانسيس بيكون (غيتي) الفنان يفسّر فنه لقد عاد هو وعدّل تلك التفسيرات، آخذاً على المفسرين كونهم لم يتنبّهوا إلى أنه قد تعامل بالطريقة نفسها مع كل الوجوه التي رسمها، أو اقتبسها في رسوم من إنتاجه بمعنى أنه حين أعاد رسم لوحة كلاسيكية شهيرة لبابا من الفاتيكان أو رسم فيليب سوبو أو ميشال ليريس، أو استخدم جسداً استعاره من لوحة لخاييم، سوتين، أو حطم أشكالاً تنم عن وجوه لا يصعب التعرّف إليها، إنما كان دائماً يرسم على الشاكلة نفسها من دون أن يتوخى تقديم أي موضوع للشكوى. فالإنسان لا يستخدم “الخرائط” للحصول على تعبير ما، بل للتوغل في طوبوغرافية محددة من دون أن يترك لتلك الطوبوغرافية مجالاً للتأثير العاطفي عليه. والحقيقة أن بيكون جهد طويلاً لكي يوصل هذه الفكرة إلى مشاهدي لوحاته الذين كانوا يصرون دائماً على العثور على الفواجع في خلفية تلك اللوحات، أو حتى على الإمساخات المورفولوجية. ومن المؤكد أن هذا “القصور في فهم فن بيكون” قد نتج، في رأيه هو على الأقل، من كون لوحاته تبدو للوهلة الأولى، وكأنها تنتمي إلى ذلك “الكابوس السعيد” الذي جرى الحديث عنه دائماً لمناسبة ذكر فيينا بدايات القرن الـ20، فهي من الناحية الشكلية قد تبدو شبيهة ببعض أعمال أوسكار كوكوشكا، وقد يرى البعض قرابة ما بين جيمس آنسور وسوتين من جهة، وبينه من جهة ثانية، غير أن هذا ليس إلا للوهلة الأولى، لأن تأملاً دقيقاً في عوالم فرانسيس بيكون ومتابعة متأنية لمساره الفني سيجعلاننا نرى فيه شيئاً مختلفاً تماماً، هذا إذا وضعنا جانباً قوته التقنية، التي تجعل أي لوحة له تبدو أشبه بمتاهة خطوط وألوان تحتاج أكثر من نظرة قبل إدراك ماهيتها متكاملة. رسام أوروبيّ فرانسيس بيكون الذي رحل عن عالمنا عام 1992 بفعل أزمة قلبية نتجت من نوبة ربو ألمّت به، بشكل مفاجئ، كان، حين وفاته، لا يزال في قمة عطائه، على الرغم من أنه كان يومها في الـ83 من عمره. فهو ولد عام 1909 في دبلن بإيرلندا، من والدين إنجليزيين. وكان الصبي في الخامسة من عمره حين انتقلت الأسرة لتقيم في لندن، غير أن ذلك لم يمنع فرانسيس وبقية أفراد الأسرة من التنقل منذ ذلك الحين بين لندن ودبلن، ما جعل وعي الفتى يتفتح على عالمين ثقافيين سوف يتكاملان لديه لاحقاً في 1925، حين كان فرانسيس في الـ16، وحصل خلاف عنيف بينه وبين والده دفعه إلى ترك الأسرة بشكل نهائي، متخذاً قراره بأن يصنع مستقبله بنفسه وبأن يكون مستقبله فنياً. وكان قد اكتشف الأدب والرسم قبل حين واطلع بشكل جيد على أعمال الرسامين الألمان والهولنديين. ولقد تلت ذلك ثلاث سنوات (1926 – 1928) تنقل فرانسيس خلالها بين برلين وباريس، حينها اكتشف، إلى جانب الرسم، فن السينما وخصوصاً لدى بونيال وأيزنشتاين، ثم اكتشف السورياليين وأعمال المصور ساندر الفوتوغرافية، ولكن خصوصاً لوحة “مجزرة الأبرياء” لبوسان التي لن تبرح خياله بعد ذلك أبداً، وستكون واحدة من الأسس التي بنى عليها فن الرسم لديه إلى جانب ذلك المشهد السينمائي في فيلم “الدارعة بوتمكين” لوجه الأم التي اندفعت في الصراخ أمام عربة طفلها التي تدحرجت على سلالم أوديسا الشهيرة. في حمى السورياليين في تلك الآونة، كان بيكون قد بدأ يرسم، وكانت لوحاته بدأت تلقى ترحيباً لدى السورياليين الفرنسيين. وراح يرسم بكثرة ويشارك في معارض جماعية ويرتبط بصداقات مع شعراء رسمهم مثل فيليب سوبو وميشال ليريس، كما مع فلاسفة من أمثال جورج باتاي، اكتشفوا الأبعاد الفلسفية للوحاته. لكن بيكون، وعلى الرغم من إعجاب المثقفين بأعماله، كان لا يفتأ يعبر أزمات غضب مرعبة. ولقد قادته واحدة من تلك الأزمات لأن يدمر كل لوحاته، ما عدا عشر لوحات آثر استبقاءها. وكان ذلك في عام 1941. بعد ذلك بقي بيكون منكباً طوال عشرة أعوام على محاولة العثور على مفتاح جديد لإبداعه، وهكذا توصل في نهاية سنوات الأربعين إلى اكتشاف “خريطة” اعتبرها “قارة تعبيرية جديدة” هي وجه الإنسان وجسده. ومن هنا كانت تلك السلسلة من اللوحات التي أوصلت شهرة فرانسيس بيكون إلى الذروة طوال النصف الأول من الخمسينيات، والتي كان موضوعها الأساسي، وجوه الأشخاص. وكان يرى أن أفضل الوجوه التي يمكن له أن يرسمها إنما هي وجوه الشعراء والفلاسفة، وهكذا راح يرسم أصدقاءه في لوحات، كان يقول إن مثله الأعلى في رسمها كان “صرخة الأم” في “الدارعة بوتمكين”. ابن الفن المدلل في عام 1957 أقيم أول معرض استرجاعي للوحات فرانسيس بيكون في باريس وكان رد الفعل عليه محبّذاً، خصوصاً أنه كان، بالنسبة إلى النقاد، مناسبة لعودة الفن البريطاني إلى الساحة بعد غياب، على الرغم من أن بيكون اعتبر نفسه، دائماً، أوروبياً قارياً، أكثر منه بريطانياً. وبعد باريس، كان دور الولايات المتحدة لتكتشف أعمال بيكون في 1963. أما باريس فلقد عادت وخصّته بمعرض شامل لأعماله في “الغران باليه” (القصر الكبير) أدخله مباشرة عالم كبار “كلاسيكيي القرن الـ20” ومنذ ذلك الحين وحتى وفاته في 1992، ظل فرانسيس بيكون بمثابة الابن المدلل للحركة التشكيلية في العالم، وصارت لوحاته من أشهر ما رسمه فنان بريطاني خلال القرن الـ20، إذا استثنينا زميله ديفيد هوكني، البريطاني الآخر الذي لم يقل عنه شهرة وأهمية في القرن نفسه. المزيد عن: لوحات/فرانسيس بيكون/المناظر الطبيعية/المشاهد الدينية/ملامح الأطفال/وجوه الناس/بورتريه 9 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post علي الأمين : بأي ذنب قُتل لقمان “الحكيم”؟! next post مراد القادري: الشعر المغربي ما زال يحتاج إلى قراءة You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 9 comments 피망머니상 9 فبراير، 2021 - 12:04 م Woah! I’m really digging the template/theme of this blog. It’s simple, yet effective. A lot of times it’s very hard to get that “perfect balance” between usability and visual appearance. I must say you have done a fantastic job with this. Additionally, the blog loads very quick for me on Firefox. Outstanding Blog! Reply 피망머니상 9 فبراير، 2021 - 12:22 م Hello, i think that i noticed you visited my weblog so i got here to return the want?.I am attempting to in finding things to improve my web site!I assume its adequate to make use of a few of your concepts!! Reply kayseri escort 9 فبراير، 2021 - 2:15 م This design is spectacular! You definitely know how to keep a reader amused. Between your wit and your videos, I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Wonderful job. I really enjoyed what you had to say, and more than that, how you presented it. Too cool! Reply kayseri escort 9 فبراير، 2021 - 2:24 م Good post. I learn something new and challenging on blogs I stumbleupon on a daily basis. It will always be interesting to read through content from other authors and use something from other sites. Reply Opțiuni Binare 9 فبراير، 2021 - 4:14 م Normally I do not read post on blogs, however I would like to say that this write-up very pressured me to take a look at and do it! Your writing style has been amazed me. Thanks, quite great post. Reply thaiforexpartner.com 10 فبراير، 2021 - 12:34 ص Thank you, I have just been searching for information approximately this subject for ages and yours is the greatest I have found out so far. However, what in regards to the bottom line? Are you sure in regards to the supply? Reply คาสิโน 10 فبراير، 2021 - 11:38 ص You actually make it seem so easy with your presentation but I find this topic to be really something which I think I would never understand. It seems too complex and very broad for me. I am looking forward for your next post, I’ll try to get the hang of it! Reply cock-sucker 10 فبراير، 2021 - 2:23 م An intriguing discussion is definitely worth comment. There’s no doubt that that you should write more about this issue, it might not be a taboo subject but typically people don’t talk about such issues. To the next! All the best!! Reply :~:text=Wealth management is the highest 10 فبراير، 2021 - 2:31 م Do you have any video of that? I’d care to find out some additional information. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.