الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home »  البريطاني جون لانكستر يطور رؤية أورويل في “الجدار”

 البريطاني جون لانكستر يطور رؤية أورويل في “الجدار”

by admin

رواية الهجرات البشرية الجماعية والمستقبل الكارثي

اندبندنت عربيد / انطوان ابو زيد 

في الرواية الصادرة بترجمتها العربية للكاتب الإنجليزي جون لانكستر (1962) وهي بعنوان “الجدار”، عن دار الرافدين، (ترجمة إيناس التركي)، استشراف لمسألة لا تزال تؤرق سكان الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، عنيت العالم الغربي الصناعي والمتقدم، ألا وهي مسألة الهجرة الجماعية للموجات البشرية من الجزء الجنوبي من القارة، هرباً من الفقر والمجاعة والظلم والحروب الأهلية وحروب الإثنيات والطوائف والأديان والعصبيات.

وقد شهد العالم آخر فصولها مع غرق الآلاف من السوريين والجزائريين والصوماليين وغيرهم في قوارب الموت التي تقلهم بصورة غير شرعية إلى أقرب شاطئ لدولة أوروبية، وهيهات أن يصلوا أحياء.

وفي المقابل، شهد العالم الغربي الأوروبي تحديداً، نمواً للاتجاهات الحزبية المتطرفة، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والتي تدعو إلى منع الهجرة غير الشرعية إلى البلاد وتغريمها، ورد الداخلين عنوة إلى بلادهم الأصلية، على غرار ما حدث في كل من اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا بدرجة أقل، وهي البلدان ذوات الشواطئ المقابلة لشرق المتوسط، من حيث يتدفق أغلب المهاجرين غير الشرعيين.

إذاً، تحكي الرواية مغامرة، بل تجربة أحد الشبان الإنجليز، ويدعى كافاناه، في أواخر القرن الحادي والعشرين، وقد انتهى العالم الذي نعرفه إلى كوارث بيئية هائلة، أفضت إلى تغيير في بنى الحكم، وفي علاقات الأفراد بدولتهم، وأجبر على الخدمة لسنتين متتاليتين، مثل سائر الشبان والشابات من عمره، للدفاع عن الجدار الذي بنته الدولة، بالتعاون مع المواطنين، على امتداد عشرة آلاف كلم، وبعلو خمسة أمتار، منعاً لعبور المهاجرين الآتين من وراء البحار، أو من قارة أوروبا الغربية، الفارين من بلادهم القريبة والبعيدة، طمعاً في دخول إنجلترا المستقرة نسبياً. وكيف أن كافانا هذا وصديقته هيفا، كانا يقضيان خدمتهما، أسبوعاً في الحراسة، وأسبوعاً آخر في التمارين ودورات التدريب التي تضمن لهما ولأفراد “المدافعين” قدراً أكبر من الجهوزية، ويتعرضان لمخاطر كثيرة يبسطها الروائي في مراحل أو فصول ثلاثة:

كافاناه وهيفا

الفصل الأول، وهو بعنوان “الجدار” وفيه يحكي الراوي كافاناه أيامه الأولى من دخوله إلى سلك المدافعين، أو بلغة عصرنا الجيش النظامي، للشروع في خدمته للدفاع عن “الجدار” سبب وجود الدولة والشعب، وتعرفه إلى رفيقته هيفا التي صارت لاحقاً شريكته في ممارسة الجنس، وكيفية تركز النشاطات في البلاد على الدفاع عنها، من دون سائر الأعمال المنتجة التي كانت قائمة قبل “التحول” الكبير، أي قبل حدوث الكوارث المناخية الكبرى، وانفصال الشبان والشابات عن ذويهم نهائياً باعتبار “كبار السن يشعرون بأنهم دمروا العالم تماماً، ثم أنجبونا لنحيا فيه…” (ص:58) وذلك للإشارة إلى ارتفاع نسبة المياه في البحار، نتيجة الاحتباس الحراري، وغرق كثير من مساحات الدول الشاطئية بالمياه.

إذاً، فالجدار المنشأ، بحسب حكاية لانكستر، ليس لرد المهاجرين عنوة إلى البلاد فحسب، بل لصد مياه المحيطات المتصاعدة بفعل ذوبان الجليد أيضاً.

وفي هذا الفصل كذلك وصف لانقلاب القيم، في بلاد “الجدار”، حيث بات المدافعون أو الجنود المئة ألف، المتناوبون على حراسة الجدار كل خمسين ألف نوبة تمتد أسبوعاً، ذوي الامتيازات الكبرى فيها، يليهم مرتبة “المتناسلون”، وفي المرتبة الثالثة المدافعون الأنفار، ولهم امتيازات بحسب نباهتهم وإخلاصهم لوطنهم، أما الأفراد الداخلون عنوة إلى البلاد ومهربو الرقاقات الإلكترونية، والخاسرون في المعارك فيصيرون خدماً، على غرار الأسرى في الحروب المئة عام، بين الإنجليز والغاليين.

الترجمة العربية للرواية (دار الرافدين)

في الفصل الثاني، وعنوانه “الآخرون”، تتوالى التحديات أمام الثنائي كافاناه- هيفا، وتتصاعد وتيرة التهديد بفعل اشتداد التدريبات حدة وخطراً، ومقتل العديد من رفاقهما في خلال المواجهات بين المدافعين والمهاجمين الآخرين، إلى أن انتهت بوقوع الثنائي وبعض رفاقهما في قبضة فرقة مهاجمة، من فئة المعارضة، وسقوط حق الإقامة عنهما في اسكتلندا، ورميهما في إحدى الجزر النائية.

أما الفصل الثالث والأخير، وعنوانه “البحر” فيشهد على أسرهما من قبل جماعة غريبة، مهاجمة، بل عدوة، استطاعت النفاذ من نقاط المراقبة، وبين الأبراج المنصوبة، واستولت على المكان. فكانت العقوبة التي تنتظر من لم يحسن الدفاع عن منطقته، أن يرمى في جزيرة نائية، حيث ينتظره الموت غرقاً، بفعل تصاعد الموج، وفقدان المواد الغذائية، وبفعل هجمات القراصنة الآتين من عرض البحر، أو المتربصين بالسفن الصغيرة والقوارب والموانئ.

ولكن كافاناه وهيفا يأبيان الاستسلام للقراصنة الذين هاجموا المكان، وكادوا يستولون على ما بقي من المؤنة في ذلك المرفأ الصغير، لولا استنهاض همتهما واستخدامهما كل مهاراتهما المكتسبة بالتدريب، وتمكنهما من تفجير القارب الذي أتى بالقراصنة.

البلدان المنكوبة

بالطبع، لا يسع العرض الموجز هنا الإحاطة بكل مجريات الأحداث، ولكن الرواية تعاود طرح مسائل عديدة وتلقي عليها أضواء مضاعفة؛ وأولى هذه المسائل، بل القضايا، التغير المناخي الذي بدأ يثقل كاهل البشرية بالعديد من الكوارث التي لن تقوى على النهوض من تبعاتها لآجال بعيدة من الزمن.

أما المسألة الثانية المترتبة عن الأولى، فهي المهاجرون من البلدان المنكوبة بمناخها، وأنظمتها السياسية، وبكل مقومات العيش، والأمان والاستقرار. وما موجات الهجرة الجماعية التي شهدتها الدول الأوروبية من بلدان شرق المتوسط (لا سيما منها العربية والآسيوية) إلا دليل على فداحة ما آلت إليه الأوضاع المناخية في تلك البلدان، يضاف إليه عامل الفساد المستشري في دول العالم الثالث.

والمسألة الثالثة، والمطروقة بقوة في الرواية وهي زوال مفاهيم معينة لطالما اعتبرت من المقدسات في زمن سابق – ولا ننسى أن أحداث الرواية تجري في أواخر القرن الواحد والعشرين – فرأينا، كيف حدثت القطيعة النهائية بين جيل الشباب والجيل السابق الذي نسبت إليه جريمة التغير المناخي الكارثي على صعيد البشرية ككل.

ومن هذه أنه لم يعد ثمة مفهوم “زواج” وما يلازمه من طقوس دينية أو مدنية، وإنما حل بديلاً له مفهوم “المتناسلين” أي العلاقة التي تهدف إلى حفظ النسل فحسب. أما مفهوم “العشق” وما يتولد منه من مفاهيم “كالعاشقين” وغيره، فقد حل بديلاً عنه مفهوم “الممارسين للجنس” الذي بات يلفظه المعنيون به من دون وجل، وبعيداً عن أي اعتبار شعوري أو أخلاقي.

الكاتب الإنجليزي جون لانكستر، والملقب بأورويل المعاصر، لنجاحه في تنبيه ضمائر الغرب والعالم إلى انفجار وشيك للمشاكل الناجمة عن التغير المناخي، وما يستتبعه من كوارث على كل صعيد، تماماً كما أفلح جورج أورويل، في روايته “1984”، في تنبيه العالم إلى مخاطر النظام التوتاليتاري وآثاره الكارثية على المواطن الفرد، نواة النظام الديمقراطي الحر، وعلى الجماعة والمجتمع، على حد سواء.

وفي الرواية أيضاً ميل قد يزداد رسوخاً في أعمال الكاتب اللاحقة، وعنيت به تحويله بعض المشاهد، في رسمه الإطار المكاني البارد جداً ضمن الوضع الأولي لحبكة الرواية القصصية، إلى عبارات أو قصيدة هايكو: “سماء/ برد/ ماء/ خرسانة/ ريح” (:22) ومثله صوغ قصيدتين للإيحاء بصلابة الجدار والخلاء المحيط به، وإبرازاً للعناصر التي يتشكل منها مشهد الجدار (ص:19)، و(ص:21).

للكاتب جون لانكستر خمس روايات غير هذه، وهي “جيراني الأعزاء”، و”ثمن اللذة”، و”السيد فيليب”، و”مرفأ العطور”، و”رأس المال”، إضافة إلى العديد من الدراسات والأبحاث والكتابات النقدية.

المزيد عن: رواية بريطانية/هجرة جماعية/هروب/لجوء/سورية/جورج اورويل/اليونان

 

 

You may also like

8 comments

Aurelia 2 يناير، 2021 - 1:34 م

Excellent web site you’ve got here.. It’s hard to find quality writing like yours nowadays.
I seriously appreciate individuals like
you! Take care!!

Here is my blog post slot deposit Pulsa 10 ribu

Reply
Mirta 2 يناير، 2021 - 1:50 م

I have read so many posts about the blogger lovers however this
post is in fact a pleasant piece of writing, keep it up.

my site … 충주출장

Reply
Leticia 2 يناير، 2021 - 2:50 م

Hello! I just wanted to ask if you ever have any problems with hackers?
My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing a few months of hard work due
to no data backup. Do you have any methods to protect against hackers?

my site … giveaway.gg

Reply
Bonnie 2 يناير، 2021 - 3:39 م

Hello there! Do you use Twitter? I’d like to follow
you if that would be ok. I’m absolutely enjoying
your blog and look forward to new posts.

Feel free to visit my web page :: how to lose weight after pregnancy while breastfeeding

Reply
Celeste 2 يناير، 2021 - 11:43 م

Wow, superb weblog layout! How long have you ever been running
a blog for? you made blogging look easy. The full glance of your website is fantastic, as neatly as the content!

Also visit my blog Poker Online

Reply
Patti 3 يناير، 2021 - 2:58 ص

Hi just wanted to give you a quick heads
up and let you know a few of the pictures aren’t loading properly.
I’m not sure why but I think its a linking issue.
I’ve tried it in two different internet browsers and both show the same outcome.

Review my homepage :: DICKBRAIN

Reply
Dawna 3 يناير، 2021 - 7:19 ص

Great blog! Do you have any tips and hints for aspiring writers?
I’m hoping to start my own blog soon but I’m a little lost on everything.
Would you propose starting with a free platform like Wordpress or go for a paid option? There are so many
options out there that I’m totally overwhelmed .. Any ideas?
Thanks!

My site; Kripto Koin

Reply
Rebecca 3 يناير، 2021 - 10:00 ص

Everything is very open with a clear clarification of the issues.

It was really informative. Your site is very useful. Thank you for sharing!

my webpage: Bandar Bola Online

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00