ثقافة و فنونعربي التحكيم بين هنتنغتون وفوكوياما لدى نيقولاي برديائيف by admin 4 أكتوبر، 2020 written by admin 4 أكتوبر، 2020 36 “معنى التاريخ” مسار الكون في طبعته الروسية سلافي وديني اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في خط فكري مباشر يمتد من دوستويفسكي الذي كتب عنه ما لا يقل عن نصين كبيرين يحمل أحدهما عنواناً بالغ الدلالة هو “روح دوستويفسكي”، إلى سولجنتسين مروراً بكبار المساجلين دفاعاً عن الفكرة السلافية على الضد من الروس مناصري الدخول في الزمن الغربي، كانت فلسفة التاريخ بالنسبة إلى الفيلسوف نيقولاي برديائيف، هي نفسها فلسفة التاريخ الدينية بالنظر إلى أن التاريخ الروسي لم يكن سوى الصراع الجدلي التاريخي الذي يسير في خط صدامي بين اليهودية والهلنستية والمسيحية في طبعتها الروسية (الأورثوذكسية) أو الكابوسية التي تضع نصب عينها فكرة النهاية كخط تفكير دائم. وهذا بالتحديد ما حاول أن يقوله، منذ عام 1923 برديائيف منذ أصدر كتابه الأساسي “معنى التاريخ”. مع هذا الكتاب لم تعد المواربة ممكنة، وبات يمكن أخيراً فهم تلك المفارقة التي جعلت نظامي حكم متناقضين تماماً – القيصري ثم البلشفي – في روسيا يعتقلان برديائيف ويضطهدانه ليجد ملجأ له في فرنسا حيث كان “معنى التاريخ” واحداً من أول وأنجح الكتب التي أصدرها هناك. ففي هذا الكتاب الذي يقوم أساساً على طرح أسئلة محيّرة، قال برديائيف بوضوح وتسلسل له منطقه الداخلي ما كان سبق له أن قاله نتفاً من قبل: التاريخ ليس سوى تاريخ الظاهرة الدينية والروس أبطال تبني هذه الظاهرة “حسبكم أن تقرؤوا دوستويفسكي لتجابهوا هذه الفكرة. ثم حسبكم أن تقرؤوا تولستوي لتجدوا أمامكم أعتى مجابهة لها”. بين هنتنغتون وفوكوياما طبعاً حين كتب برديائيف هذا الكلام في سنوات العشرين يوم كان الانتصار الأكبر للثورة البلشفية على الدين وعلى الفكرة السلافية قبل أي شيء آخر، عومل “معنى التاريخ” بما يتراوح بين السخرية والإشمئزاز فماذا اليوم بعد مرور قرن بكامله على صدوره وفي زمن نشهد انتصار “صراع الحضارات” لصموئيل هنتنغتون، على “نهاية التاريخ” لفرنسيس فوكوياما؟ يفيدنا برديائيف في تمهيده لكتابه أن تخاداييف ورفاقه من أنصار الدعوة السلافية كانوا قد طرحوا باكراً فكرة فلسفة التاريخ كممر إجباري لنظريتهم، “بالنظر إلى أنهم كانوا يرون في اللغز الروسي ومصائره التاريخية لغز هذه الفلسفة نفسها” مستنتجاً أنه “يبدو” بناء فلسفة دينية للتاريخ هو التطلع الأسمى والطبيعي للفكر الفلسفي الروسي”. ولشرح هذه الفكرة نرى برديائيف يتناول تباعاً مسائل تبدو نظرية أول الأمر مثل “ماهية التاريخ ودور التقاليد في بنائه” و”العلاقة بين التاريخ والميتافيزيقا” و”الله والإنسان” و”مصير الشعب اليهودي” و”المسيحية والتاريخ” و”النهضة والنزعة الإنسانية” ثم “نهاية النهضة وأزمة النزعة الإنسانية وظهور النزعة الآلية (التي سوف يخصص لها لاحقاً كتاباً كاملاً)”، و”نهاية النهضة وأزمة الثقافة وتفكك الصورة الإنسانية” خاتماً كتابه بفصل بدا أول الأمر خجولاً في طرحه عنوانه “نظرية التقدم ونهاية التاريخ” حيث يطرح نظرية حول تلك النهاية تتناقض تماماً مع نظرية فوكوياما اللاحقة حولها. وفي يقيننا أن برديائيف لو عاش حتى زمننا وزمن فوكوياما كان من شأنه أن يطرح نظريته هذه الاستنتاجية بشكل أكثر ثقة! برديائيف ووريثه معاصرنا مهما يكن، اذاً نيقولاي برديائيف (الروسي الذي يحاول الأوكرانيون “استرداده” منذ حين)، قد قال، في تلك السنوات، حيث كانت الثقافة بالكاد تصل إلى قطاعات عريضة من الناس، إن “اقتحام الجماهير للميدان الثقافي قلبه رأساً على عقب، وخفّض نوعيته بتخصص مسرف، وقوّض تمامية الوجود الإنساني، إذ نزل به إلى مستوى وظيفي محض”، فما الذي كان من شأنه أن يقوله اليوم أمام هجمة التلفزة وانتشار الثقافات الجماهيرية وانعدام الخلق الإبداعي الحقيقي؟ ثم ما الذي كان بإمكانه أن يقوله لو أنه ظل حياً حتى أيامنا هذه ليرى بأم عينيه سقوط الشيوعية الروسية التي حاربها طويلاً، ولكن حتى يرى – خصوصاً – ورثة النزعة السلافية وقد تحول العديد منهم، في روسيا أو في صربيا، إلى فاشيين وجلادين؟ ليس بإمكاننا أن نجيب بالطبع عن أيٍ من هذين السؤالين. ولكن لئن كان في مقدورنا أن نجد إن برديائيف كان محقاً كل الحق ومتبصراً كل التبصر في نظرته إلى الكوارث التي ستترتب على انتشار أنماط هجينة من ثقافة الجموع، ولئن كان في وسعنا أن نقرر أنه هو الذي انتصر في المعركة الفكرية التي قامت بينه وبين الماركسية الروسية، فإن ما لا يمكننا أن نحسم فيه، عن حق، هو ذلك الإرث الذي خلّفه في مجال النزعة السلافية الأرثوذكسية التي نافح عنها طويلاً وأورث في ذلك الكثير من أفكاره للكاتب ألكسندر سولجنتسين، وأيضاً لرهط من الكتّاب الذين يتزعم بعضهم اليوم أكثر الحركات الفاشية في روسيا تعصباً. من المسؤول عن الانحراف؟ مهما يكن، من العسير بالطبع اليوم الافتراض أن برديائيف يمكن أن يكون، هو، مسؤولاً عن ذلك الانحراف الذي وصلته النزعة السلافية. فهو مات عام 1948 يوم كان كل شيء يشير إلى أن تلك النزعة قد اندثرت إلى الأبد وأنها – في أحسن أحوالها – تمثل نفحة ماض قد يثير خيال قصاص أو أديب يحن إلى نزعة روحية ما، لكنها “من المستحيل” أن تعود ذات يوم لتصبح برنامج عمل سياسي يغطي بعض أكثر الإيديولوجيات المعاصرة تطرفاً وتعصباً. يوم مات نيقولاي برديائيف كان خصومه الماركسيون الروس يعيشون أوج انتصاراتهم، وكان ستالين في ذروة مجده، وكانت الفلسفة الروسية كلها قد أضحت في مهب العدم. أما برديائيف نفسه فكان يعيش في الضاحية الباريسية منذ ما يقرب من ربع قرن، كاتباً يحترمه الكثيرون، ويؤثر في شخصانية عمانوئيل مونييه ويبجل كبار المفكرين، من جاك ماريتان إلى إتيان جيلسون صيحته المدوية نحو ولادة “عصر وسيط جديد”. لكنه كان في الوقت نفسه منفياً كفّ منذ زمن عن خوض أية معركة سياسية. ومع هذا حين كان برديائيف لا يزال شاباً في روسيا، كان ثورياً في الفكر وفي العمل السياسي. فهو المولود في كييف في 1874 من أسرة روسية نبيلة، في بداية عمله الفكري حاول المزاوجة بين الماركسية والمسيحية ضمن إطار مثالية فلسفية تنتمي إلى هيغل بعض الانتماء، وكان يبدو عليه واضحاً تأثير جيرانه، في قرية نفي إليها بسبب نشاطاته الثورية، وكانوا من الماركسيين الثوريين. بيد أن عودته إلى موسكو من منفاه الأول جعلته ينجذب نحو التفكير الديني أكثر وأكثر ويخضع لتأثير الأرثوذكسية الروسية ويهتم بخاصة بقراءة دوستويفسكي وتحليل نزعته الروحية. يوم رفض دعوات موسكو ولقد قاده هذا كله إلى نوع من النزوع نحو فكر أرثوذكسي ثوري جعله في وقت واحد معادياً للكنيسة (التي لم تحب ثوريته) وللماركسيين (الذين لم تعجبهم أرثوذكسيته)، خصوصاً أنه، في مواجهة الماركسية، كان يرى، كما يفيدنا كتابه “مغزى الفعل الخلاق، دراسة في تبرير الإنسان”، إن معنى الحياة ومغزاها لا يمكن أن يكمنا في طلب الخلاص الشخصي، بل كذلك في مواصلة الفعل الإلهي الخلاق. فالعالم بالنسبة إليه لا يزال قيد الصنع ولم يكتمل، بمعنى أن خلقه عملية متواصلة. في تلك السنوات الناضجة من حياته وضع برديائيف أفضل كتبه من “فلسفة الحرية” (1911) إلى “فلسفة دوستويفسكي” (1922) ثم “معنى التاريخ” و”فلسفة اللامساواة” و”روح دوستويفسكي” وهي كتب نشرها في المنفى بعد أن غادر الاتحاد السوفياتي نهائياً عام 1922 هو الذي تعايش مع البلاشفة أربعة أعوام انتهت به إلى الهجرة. يومها سافر برديائيف أولاً إلى برلين ومنها إلى فرنسا حيث عاش اعتباراً من 1924، وأصدر العديد من كتبه وكذلك مجلة اسمها “الطريق” تهتم بفلسفة الدين. ومن أبرز الكتب التي وضعها في فرنسا “مصادر الشيوعية الروسية ومعناها” و”الروح والواقع”. ونذكر هنا أن السلطات السوفياتية لم تكفّ عن دعوته إلى العودة إلى روسيا على رغم معاداته لها، ولم يكفّ هو عن رفض تلك الدعوة. المزيد عن: نيقولاي برديائيف/صموئيل هنتنغتون/فرنسيس فوكوياما/الفلسفة الروسية/روسيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شارلي كوفمان يفضح في روايته الأولى وعد السينما الزائف next post أصدقاء الماضي يلتقون ليكتشفوا خيباتهم في “شلة ليبون” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.