ثقافة و فنونعربي إشراقات اللون الأسوَد معرض فريد في متحف اللوفر by admin 17 يوليو، 2020 written by admin 17 يوليو، 2020 46 أعمال تبيّن كيف ألهب هذا اللون مخيّلة الفنانين من مصر الفرعونية حتى العصر الحديث اندبندنت عربية / انطوان جوكي لا بد للمارّ في مدينة لانس الفرنسية من زيارة المعرض المثير الذي ينظّمه فرع متحف اللوفر فيها تحت عنوان “شموس سوداء”. فمن خلال عشرات التحف الفنية التي تعود إلى مختلف حقبات تاريخ الفن، يمنحنا منظّموه فرصة فريدة لتأمّل اللون الأسوَد في جميع تجلّياته واستخداماته ورموزه داخل الفنون الغربية. عنوان المعرض يستحضر فوراً إلى أذهاننا دار النشر العريقة التي حملت هذا الاسم في الخمسينيات ونشرت أهم النصوص السورّيالية. يستحضر أيضاً المعرض الشهير الذي نظّمته غاليري “ماغ” في باريس عام 1946 بعنوان “الأسوَد هو لون”. ومَن قرأ جيداً الشاعر الفرنسي جيرار دو نرفال، سيتذكّر حتماً قصيدته “كئيب” التي يقول في مطلعها: “أنا المعتِم، الأرمل، غير المتّعزي/ نجمي الوحيد مات، وعودي المرصَّع/ يحمل شمس الكآبة السوداء”. في حضوره الكلي في مختلف ظواهر الطبيعة، لطالما ألهب اللون الأسوَد مخيّلة الفنانين في جميع الأزمنة. هذا ما يتجلّى بقوة في المعرض الحالي حيث يتبيّن لنا أن هذا اللون هو الأول الذي استخدمه الفنانون منذ فجر التاريخ. ومن بلاد ما بين النهرين إلى مصر الفرعونية، مروراً بروما، تحلّى بمعانٍ عديدة ورمزية معقّدة. وبخلاف ما يظنّه معظمنا، لم يكن دائماً مرتبطاً بالموت والسديم. ففي مصر مثلاً، كان لونَ الأرض والخصوبة والتجدُّد، وتماثيل أوزيريس، إله الموت، وزوجته إيزيس، نُحِتت بمواد البازلت والغرانيت والأوبسيديين البركانية السوداء. تماثيل كانت توضع داخل النعوش لمرافقة الأموات في سفرهم إلى العالم الآخر حيث الحياة الأبدية. لوحة للرسام أوديلون رودون (موقع المعرض) لكن في التوراة، ومنذ الأسطر الأولى من سفر التكوين، يظهر هذا اللون بصفة مأتمية وكنقيض للنور. من هنا إثارته الافتتان والخوف معاً في الغرب خلال القرون الوسطى، واستخدامه الحصري لتمثيل الشيطان وجميع المخلوقات المعتمة والمخيفة المرتبطة به: الخفافيش، التنانين ومختلف العفاريت، كما في لوحات جيروم بوش، ثم في محفورات ألبرت ديورر. ومع ابتكار المطابع الذي ساهم في نشر هذه التمثّلات، انبثقت صورية الساحرة التي تمتطي مكنستها في ليل السبت الأسوَد ومعها تلك المرصودة للاجتماعات الليلية التي كان المشاركون فيها يمارسون طقوساً قاتمة تقوم على انتهاكات رهيبة، كما في أعمال السويسري مانويل دويتش والألماني هانز هولباين. مناخات ماسوية ومع حلول القرن الخامس عشر، أصبح الليل موضوعاً فنياً مستقلاً بذاته، فشكّلت المشاهد الداخلية أو الخارجية المظللة والقاتمة أرضية خصبة لاختبارات هدفها إثارة الانفعالات والعواطف. وفي هذا السياق كان استخدام اللون الأسوَد لتمثيل آلام المسيح أو “الأباطيل” وتدرّجاته اللونية لإحلال مناخات مأساوية تنبثق من عتمتها أجساد معذّبة، كما في لوحة الفرنسي إيبوليت فلاندران “الشفقة” التي تمثل فيها أمٌّ من دون وجه تنحني على جسد ابنها وبالكاد تنفصل عن خلفية اللوحة المعتمة. لوحة للرسام ألبرت دورر (موقع المعرض) ويجب انتظار القرن الثامن عشر كي تتجدد المخيّلة الغربية تحت تأثير فلسفة الأنوارالتي، في كفاح وجوهها من أجل انتصار العقل على الظلامية، عزّزت بشكلٍ مفارق الاهتمام بالغرابة والجنون وساهمت في ظهور التيار الرومنطيقي الأسوَد في القرن اللاحق. تيار افتُتن فنانوه بالمناخات الغامّة أو الغسقية واستكشفوا مشاعر الكآبة والغرابة المقلِقة والرغبات المكبوتة في أعمال تظهر فيها مشاهد أبوكاليبتية ورؤى كابوسية مرسومة باللون الأسوَد، كما في لوحات البريطاني جوهان فوسلي والسويسري أرنولد بوكلين التي تحوّل فن الرسم فيها إلى مرآة لعذابات النفس، أو في لوحة “سوناتة في ضوء القمر” التي جسّد الفرنسي بنجامين كونستان فيها الجانب الملغَّز لشخصية الموسيقي العبقري بيتهوفن من خلال إسقاطه عتمة شبه كلّية على فضائها، من دون أن ننسى الأعاصير والمياه القاتمة التي تحضر في بعض لوحات مواطنه غوستاف كوربيه بأسوَد شديد الإيحاء. وفي القرن التاسع عشر، ومع اختناق المدن بدخان الثورة الصناعية الأسوَد، فرّ الفنانون الرمزيون من دوّار الحداثة في اتجاه الحلم، فظهرت داخل أعمالهم عفاريت وعوالم شبحية، كما في لوحات الفرنسي أوديلون رودون أو في الرسوم التي زيّن مواطنه غوستاف دوريه بها “جحيم” دانتيه. ولعب الأدب آنذاك، والرواية الغوطيّة تحديداً، دوراً بارزاً في ظهور هذه الصورية المعذّبة التي شكّلت لاحقاً مصدر وحي للمخرجين السينمائيين، بدءاً بالألماني مورنو وفيلمه نوسفيراتو عام 1922. وفي الفترة نفسها، استخدم فنانون آخرون اللون الأسوَد لفضح مختلف وجوه البؤس، الذي كان يوصف غالباً بالأسوَد، وتمثيل ضحايا الثورة الصناعية، كما تشهد على ذلك لوحة “بائع زهور البنفسج” (1885) التي رسم الفرنسي فرنان بيليز فيها طفلاً يلتهمه الجوع وينام على الأرض بفمٍ مفتوح. مادية اللون لوحات سوداء تجريدية (موقع المعرض) وفي القرن العشرين، قاد فنانون كثر أبحاثاً تشكيلية لا غاية لها سوى استكشاف صفات اللون الأسوَد ومادّيته ومختلف مفاعيله، بمعزل عن رمزيته المتعدّدة، في لوحات تتشكّل حصرياً من هذا اللون، كما في أعمال الأميركي آد راينهارت التي تحمل عنوان “اللوحات الأخيرة”، ويقترح فيها تجربة تلامس التأمّل الروحي، أو في أعمال أخرى يحضر اللون الأسوَد فيها كمادّة أولى تنبثق من حيويتها أشكال وصور مختلفة. وبينما استعان فنانو الواقعية الجديدة، مثل الفرنسي سيزار، بمواد سوداء بهدف تمثيل شعرية العالم الحديث والشهادة على واقع جديد تصبغه النزعة الاستهلاكية، لجأ فنانون ينتمون إلى تيار “الفن الفقير” إلى مواد عضوية بسيطة غايتها تذكير الإنسان بماضيه، كما في تجهيز اليوناني جانيس كونيلّيس الذي يتألف من أكياس خَيْش تحمل أسماء أماكن بعيدة وتتكدّس أمام جدار مطلي كلياً بلونٍ أسوَد يستحضر سخام الثورة الصناعية ومادّتها الأولى، الفحم. لكن المسعى الأكثر راديكالية يبقى ذلك الذي قاده العملاق الروسي كازيمير ماليفيتش مطلع القرن الماضي ويقوم على التخلّي عن السرد والتصوير لصالح التجريد الصرف في لوحات تسائل بشكلٍ ثابث اللون الأسوَد الذي يطغى عليها من خلال استثمار مميزاته الرمزية والروحية والتشكيلية على حدّ سواء، كما في لوحة “مربّع أسوَد” (1913). مسعى تبنّاه الفرنسي بيار سولاج، فنان اللون الأسوَد بامتياز، وذهب به إلى أبعد حدّ في عمله حول “ما وراء الأسوَد” عبر تحويله هذا اللون إلى فضاء لامتناهٍ، سحيق ومنير، وبالتالي إلى ركيزة مثالية لاستخراج النور من قلب العتمة الكالحة. المزيد عن: اللون الأسود/متحف اللوفر/رسم/الحضارة الفرعوينة/التجريد/الحداثة/حضارة ما بين النهرين 4 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماري لورانسان تجمع كبار الفن من حول أبولينير next post رحيل إلياس فركوح راوي خسارات العرب المعاصرين You may also like زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: حسام أبو صفية… الرجل... 10 يناير، 2025 كتب يناير الإنجليزية: سيرة هوليوودي واعترافات 3 نساء 9 يناير، 2025 عبده وازن يكتب عن: بثينة العيسى تروي خراب... 9 يناير، 2025 أعظم 20 فيلما في تاريخ سينما الغرب الأميركي 9 يناير، 2025 وليام هوغارث يغزو بيوت لندن بلوحات شكسبيرية 9 يناير، 2025 استعادة الشاعر بول إلويار في الذكرى المئوية للبيان... 9 يناير، 2025 4 comments tinder dating 25 يناير، 2021 - 2:44 ص tinder date , tinder date https://tinderdatingsiteus.com/ Reply best free dating sites for single parents 1 فبراير، 2021 - 12:50 ص free dating sites https://freedatingsiteall.com Reply lovoo app android 18 مايو، 2021 - 2:43 ص lovoo عربي störungen lovoo http://lovooeinloggen.com/ Reply free xrayed adult dating sites 20 مايو، 2021 - 4:16 م adult singles dating dating sites for adult in america http://freeadultdatingusus.com/ Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.