_صورة ذاتية_ (1882-1883) لـ إدوارد مونخ، ضمن مجموعته الجديدة في المعرض الوطني للبورتريه (فريدريك بيركلوند_ متحف أوسلو) ثقافة و فنون إدوارد مونخ: وجوه بين العزلة والجنون by admin 26 أبريل، 2025 written by admin 26 أبريل، 2025 17 في المعرض الوطني للبورتريه، تعرض أعمال نادرة للنرويجي العبقري الذي أبدع “الصرخة”، فتكشف لنا عن عذاباته الداخلية وتظهر هذا الفنان الانعزالي في أكثر حالاته الاجتماعية إثارة وعمقاً اندبندنت عربية / مارك هدسون من الممكن أن تتغير انطباعاتنا عن “الثقافة الاسكندنافية” مع الزمن، فتارة تأسرنا أجواء الخَبز و”الدفء المنزلي”، وتارة أخرى تتلاشى، لكن رؤى إدواردد مونخ الشمالية المعذبة لا تفقد بريقها أبداً. أكثر حتى من أفلام إنغمار برغمان أو كل هذه الأعمال الدرامية الشمالية الباردة والأنيقة، ينجح صاحب لوحة “الصرخة” في تجسيد ذلك الشعور الخانق والمقلق الكامن في قلب الأرض التي تشرق شمسها في منتصف الليل. لكن إلى جانب هذه الصور الشخصية العميقة التي ألهبتها “الملائكة السوداء” التي رافقت الرسام النرويجي طوال حياته – “المرض، والجنون، والموت” – كان مونخ أيضاً فنان بورتريه غزير الإنتاج، وأنجز كثيراً من لوحاته بطلب من رجال أعمال أثرياء وشخصيات عامة أخرى. وتظهر هذه اللوحات، بحسب ما يؤكده المعرض الحالي، جانباً أكثر انفتاحاً وعالمية في شخصية فنان غالباً ما ينظر إليه على أنه انعزالي إلى حد الهوس. يُعد هذا المعرض أول فعالية بريطانية تركز على لوحات البورتريه التي أبدعها مونخ، إذ يجمع 40 عملاً تراوح ما بين رسوماته المبكرة كطالب، ولوحات بورتريه “متقنة” تفيض بالثقة، وأعمال أكثر حميمية يبدو فيها وكأنه ينظر إلى الخارج، إلى العالم الحقيقي بأشخاصه، وفي الوقت ذاته يغوص في أعماق شياطينه الخاصة. باستثناء بورتريه ذاتي متغطرس رسمه عندما كان في الـ19 من عمره، تبدو أعمال مونخ المبكرة صغيرة الحجم ومتواضعة إلى حد الزهد. فمن المستحيل أن نتوقع، عند تأمل الصورة الدقيقة التي رسمها لوالده الملتحي وهو يدخن الغليون، أن هذا الرجل كان يعاني “نوبات من التوتر الحاد وقلق ديني طاغٍ”. “أندرياس مونخ يدرس التشريح” (1886) (متحف مونخ/ يوري كوباياشي) أما البورتريه الصغير بالقدر نفسه الذي رسمه لـ”عمته الرائعة”، كارين بيولستاد (1885)، فعلى رغم أنه مرسوم بأسلوب أكثر مرونة، فإنه يحمل لمسة من التأمل الذاتي التي تميز مونخ، مع أن ذلك قد يكون نتيجة نظر السيدة إلى أسفل وهي منشغلة بالقراءة. في لوحة “أندرياس مونخ يدرس التشريح” (1886)، تلمع أضواء متقطعة بزوايا حادة، كأننا أمام نسخة شمالية من أعمال سيزان، إذ ينهمك شقيقه الأصغر، الطبيب، في القراءة. لكن اللوحة التي تؤكد بوضوح أننا أمام فنان استثنائي بحق هي “المساء” (1888). تظهر فيها شقيقته الصغرى، لورا، وهي جالسة أمام شاليه مستأجَر على الشاطئ، للوهلة الأولى يبدو المشهد أشبه بمنظر شاطئي لطيف مستوحى مما بعد الانطباعية، لكن نظرتها المضطربة والهائمة نحو يمين اللوحة تكشف عما هو أبعد من ذلك. يجعلنا مونخ نشعر بأن المساء ليس مجرد لحظة من الهدوء والسكينة، بل هو الزمن الذي تخرج فيه التوترات الحارقة من أعماق العالم اليومي إلى السطح. من هذه النقطة فصاعداً، يصبح المعرض بمثابة تفكيك دقيق للعناصر التي تحمل بصمة مونخ الفريدة، مقابل تلك التي تلتزم القواعد التقليدية لفن البورتريه. لوحة “هانس يايغر” (1889)، هي صورة خالية من الزخارف لقائد جماعة البوهيميين في أوسلو، يتكئ فيها على أريكة مقهى. كانت مباشرة على نحو لافت بالنسبة إلى معايير تلك الفترة، لكنها لا تبدو صادمة بنظرنا المعاصر. أما البورتريه الكامل الذي رسمه مونخ لزميله الرسام كارل ينسن – هيل عام 1885، فلم يكُن سوى مقابل كلف مواد اللوحة ووجبة في فندق “غراند هوتيل” في أوسلو، إذ كان الفنان الشاب، البالغ من العمر 22 سنة حينها، يعاني ضائقة مالية آنذاك، غير أن النتيجة كانت محاولة مترددة لمحاكاة بورتريهات المجتمع الراقي، تبدو وكأنها نسخة مشوشة من أعمال جون سينغر سارجنت، رسام البورتريه الفيكتوري المتزمت، بعد أن احتسى بضعة كؤوس من شراب أبسنث (الذي كان المفضل عند مونخ في تلك الفترة). ولم يلقَ هذا العمل استحسان النقاد، بل اعتبروه مجرد “خربشة فجة على القماش”. “يابيه نيلسن” (1909) (متحف مونخ/ يوري كوباياشي) رسم مونخ لوحة بورتريه كاملة للطبيب دانييل جاكوبسون الذي عالجه في “عيادة الأعصاب” في كوبنهاغن بعد انهياره العصبي الناجم عن الإفراط في شرب الكحول. لكن الطبيب لم يُبدِ أي إعجاب باللوحة، بل وصفها بأنها “جنون مطلق”. كان مونخ يحمل مشاعر استياء تجاه جاكوبسون بسبب أسلوبه المتسلط، فجسّده في هيئة رجل “ضخم ومسيطر”، واقفاً مباعداً بين ساقيه وسانداً يديه إلى خصره، مرتدياً بدلة بلون تركوازي تتماهى مع خلفية صفراء وحمراء متموجة، وكأنها تحاكي “لهيب الجحيم”. واليوم، عند النظر إلى هذه اللوحة بعيداً من دلالاتها الانتقامية، تظهر كعمل رائد في بدايات التعبيرية. ومع تطور مسيرة مونخ الفنية واتجاهه إلى رسم البورتريه بتكليف من شخصيات مرموقة، ازداد التناقض بين البنية التقليدية، والمحافظة حتى أحياناً، لهذه اللوحات، إذ صرنا نرى رجالاً أنيقين ببدلاتهم المصقولة وأحذيتهم اللامعة، يقفون في وضعيات متأنقة، لكن اللوحات تنبض خلفهم بألوان مجنونة وغير واقعية. ففي بورتريه الناقد الفني يابيه نيلسن، تبدو اللوحة عادية إلى حد الابتذال، لولا البدلة البنفسجية الفاقعة التي يرتديها والخلفية الخضراء المتلألئة التي تحيط به، بل إن دقة ملامحه تكاد تكون واقعية تماماً بدرجة تثير التساؤل التالي: هل كان مونخ يسعى إلى استخدام لون متوهج ينبض بالرؤى الحالمة، أم أن نيلسن ببساطة كان يرتدي بدلة بنفسجية بالفعل؟ “فيليكس أورباخ” (1906) (متحف فان غوخ، أمستردام (مؤسسة فينسنت فان غوخ)) في الغرفة الأخيرة من المعرض، تتلاشى الحدود بين التقليدي والتجريبي، حيث تبدأ الأشكال بالتحرر في التصوير، وتزداد الألوان غنى وقوة في أعمال تعود لأواخر القرن الـ19 وعشرينيات القرن الماضي. ويظهر مونخ نفسه متوجهاً نحونا في منتصف حديث، على خلفية صفراء زاهية في لوحة “تورفالد ستانغ وإدواردد مونخ” (1909-1911). أما لوحة “عارضة جالسة على الأريكة” (1924)، مع درجاتها النابضة بالحياة من اللونين الأحمر والأزرق، فهي تذكر بأسلوب ماتيس الوحشي بعد 20 عاماً من الحدث، ولكنها مرسومة بأسلوب أكثر حرية ومتأثرة أكثر بنكهة شمالية رقيقة. تُسمى هذه الغرفة “الأصدقاء والحُماة”، حيث تركز على شبكة الأصدقاء والداعمين الذين تجمعوا حول مونخ خلال أعوامه الأخيرة عندما بدأ يشتهر. وهناك قسمان آخران يحملان اسمي “الراعون والمقتنون” و”البوهيميا”، مما يعزز فكرة المعرض التي تدعي أن لوحات مونخ “تسلط الضوء على شبكاته الفنية والتجارية، فضلاً عن علاقاته العميقة والدائمة” – كما لو أن مونخ كان قرر عمداً توثيق هذه الأوساط. ومع أنه يمكننا اعتبار هذا مسألة قابلة للنقاش، إلا أن الكم الهائل من المعلومات الاجتماعية والتاريخية في النصوص الموجودة على الجدران قد يهدد بإخماد تأثير اللوحات كخبرات فنية بحد ذاتها، وكأنها موجودة بصورة رئيسة لتوضيح تفاصيل السيرة الذاتية. في الوقت نفسه، وباستثناء إشارة إلى السمات التي تشبه إلى حد بعيد أسلوب فان غوخ في لوحة “فيليكس أورباخ” (1906)، لا توجد تقريباً أية محاولة لوضع مونخ في سياق التطورات العميقة التي كانت تحدث في عالم الفن في أماكن أخرى – ولا سيما في باريس – في تلك الفترة. مرة أخرى، يُقدم مونخ كأحد الشخصيات المعزولة التي تقوم بتطوير نسخ خاصة بها من التيارات الفنية مثل ما بعد الانطباعية والرمزية والتعبيرية على أطراف أوروبا الشمالية، من دون أن يجري التطرق إلى حقيقة أنه أنجز كثيراً من أهم أعماله أثناء فترة إقامته في برلين. على كل حال، لا شك في أن هذا المعرض يعد حدثاً مهماً. ومن بين الأعمال الأكثر كشفاً وتعبيراً عن روح الفنان هي تلك الأعمال التي أنجزها في بدايات مسيرته الفنية، وعلى رغم أن ترتيب المعرض يجعلنا نتأمل هذه الأعمال في نهاية جولتنا، فإنها تظل أكثر الأعمال التي تكشف عن جوهره. فهي تضم أعمالاً مطبوعة ولوحات من تلك الفترة في حياة مونخ المرتبطة بلوحته “الصرخة”، من أكثر الرسومات شهرة – مثل “هنريك إبسن في المقهى الكبير” (1902)- وصولاً إلى لوحات أقل شهرة مثل “آسيه وهارالد نورغارد” (1899). وفي هذه الأعمال تحديداً نلمس أكثر ذلك الشحن العصبي الغامض الذي نعتقد بأنه يجسد جوهر مونخ. ومهما اختلفت الجوانب التي تُعرض أمامنا من فن مونخ، إلا أن هذه الأعمال تظل الأكثر تأثيراً والتي نعود لها دائماً. تعرض تشكيلة لوحات البورتريه لـ إدواردد مونخ في المعرض الوطني للبورتريه في الفترة ما بين الـ13 من مارس (آذار) و الـ15 من يونيو (حزيران). © The Independent المزيد عن: النروجما بعد الانطباعيةفان غوخالفن الحديثلندنالرمزيةفن البورتريهالبورتريه الذاتيالتعبيريةلوحة الصرخةإدوارد مونخ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 10 أطنان من الذهب ملاذ الأسر السورية في مواجهة أزمات الاقتصاد next post المدعية في قضية الملياردير جيفري إبستين انتحرت في أستراليا You may also like “6 أيام” فيلم استثنائي لكنه مصاب بلوثة الاقتباس 27 أبريل، 2025 هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما... 27 أبريل، 2025 الياباني إيبوزي يستجمع أصوات ومصائر ضحايا حروب الآخرين 27 أبريل، 2025 رحيل محسن جمال رائد الأغنية المغربية العصرية 25 أبريل، 2025 شعر تحذيري للإنجليزي سوينبرن في معمعان السياسة الأوروبية 25 أبريل، 2025 “نافذة على الشعر الصيني” مختارات من الحقبات القديمة... 25 أبريل، 2025 أكثر اللحظات الصادمة التي غيرت مجرى الأفلام عبر... 25 أبريل، 2025 بيلاسكويث رسم لوحته الأكثر إنسانية بعد 10 أعوام... 24 أبريل، 2025 مهى سلطان تكتب عن: حادثة واحدة وحروب كثيرة... 24 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: نجوى بركات تروي تراجيديا... 24 أبريل، 2025