ناتلي بورتمان وسكارليت جوهانسون في مشهد من فيلم "ابنة بولين الأخرى" (موقع الفيلم) ثقافة و فنون “ابنة بولين الأخرى” تاريخ “متخيل” للحاكم المزواج by admin 9 مارس، 2025 written by admin 9 مارس، 2025 29 درس في السينما التاريخية من خلال فيلم “بسيط” تناول اللحظة الأصعب في تاريخ بريطانيا اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هو سجال إبداعي – سينمائي بالتأكيد، لا يزال محتدماً منذ بدايات السينما، والسينما التاريخية بصورة عامة. سجال يتعلق بالحقائق التاريخية التي يمكن للسينما الروائية أو غير الروائية أن تلتزم بها. ولعل الجانب الرئيس في هذا السجال هو الذي يدور بين المؤرخين والروائيين. الأولون يصرون على الالتزام بالوقائع التاريخية مهما كانت منتمية إلى الجانب الإبداعي المتخيل، فيما الآخرون ينادون بحرية المبدع في التعامل مع تلك الحقائق. ويمكننا القول إن ذلك السجال يتجدد في كل مرة يبرز فيها فيلم تاريخي جديد، لكنه – أي السجال – يكون أقوى خصوصاً مع الأفلام الأقل أهمية لأنها عادة ما تكون هي التي تعبر عن الموضوع بصورة أفضل ولأسباب لا يمكن حصرها. كل هذا، وعناصر أخرى كثيرة أيضاً بما فيها قوة الأداء لدى معظم ممثلي الفيلم تجعل من “ابنة بولين الأخرى” الفيلم البريطاني الذي كان من آخر ما ظهر على الشاشات الكبيرة متعلقاً بحياة الملك المزواج هنري الثامن وزوجاته، عملاً مرشحاً كي يصبح بالتدرج إحدى الكلاسيكيات المميزة في تاريخ الفن السابع. فلماذا إذاً، يوحي هذا الفيلم لمتفرجه، بعد مرور نحو الساعة من بدايته، بأنه أي المتفرج أمام ما يشبه الميلودرامات التلفزيونية الصباحية التي تحقق للترفيه عن ربات البيوت فيما يقمن بالأعباء المنزلية بعد ذهاب الزوج والأولاد إلى شؤونهم؟ لماذا يبدو هذا الفيلم وكأنه حكاية تدور في أيامنا هذه – وليس هذا، في هذا السياق، مدحاً – من جانب أشخاص حلاً لهم أن يرتدوا ملابس تاريخية وأن يتحركوا في ديكورات تاريخية؟ جواب شبه مستحيل السيناريو، بالتأكيد. السيناريو مع أن كاتبه بيتر مورغان كان قبل ظهور ذلك الفيلم بعامين وصل إلى ذروة الكتابة السينمائية مع فيلم “الملكة” الذي أخرجه ستيفن فريرز، عن الأسبوع الذي سبق وتلا مقتل الأميرة ديانا، وكيف أثر ذلك في سياسة بريطانيا وفي مزاج القصر الملكي وفي العلاقة بين اليزابيث الثانية ورئيس حكومتها الجديد الشاب في ذلك الحين توني بلير. فكيف لم يتمكن مورغان من أن يصور كواليس قصر هنري الثامن وسياساته، كما فعل مع قصر اليزابيث الثانية؟ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال. ومع هذا قد تكون محاولة في هذا الإطار مجدية. وفحوى المحاولة القول إنه، بقدر ما وظف الكاتب الحدث في خدمة السياسة في “الملكة”، من دون أن يبتعد من اللغة السينمائية وعامل التشويق ولا سيما عبر كتابة حوارات ربما بدت أقوى في هذا الفيلم، لم يكن مصيباً تماماً حين فعل في “ابنة بولين الأخرى” عكس ذلك تماماً، إذ وظف السياسة في خدمة الحدث. لكن الكاتب ثم المخرج من بعده طبعاً، معذوران في هذا. وحسبنا لتبرير العذر أن نذكر بأنهما، في “ابنة بولين الأخرى” اقتربا من موضوع ليس جديداً على السينما على الإطلاق، موضوع يعرفه الجميع، بما في ذلك طلاب المدارس الثانوية البريطانية: موضوع زمن حكم هنري الثامن الذي تضافر فيه الشخصي والعام، العائلي والسياسي، العاطفي ولؤم مصالح الدولة. ومن هنا حاولا، كما يبدو، أن يسلكا فتحاً جديداً، انطلاقاً من رواية فيليبا غريغوري الصادرة قبل فترة التي جددت في الاقتراب من الموضوع: بدلاً من أن تصل إلى حكاية ابنتي عائلة بولين اللتين ارتبط بهما هنري الثامن، جاعلاً من أولاهما عشيقته ومن الثانية زوجته، انطلاقاً من القصر الملكي والأحداث السياسية والديبلوماسية الكبرى التي عاشتها بريطانيا في القرن الـ16، وصلت إلى هذه الأحداث الأخيرة انطلاقاً من التنافس والصراع بين الشقيقتين ماري وآن: ابنة بولين وابنة بولين الأخرى. ولعل مفتاح هذا كله كان في هذه الكلمة الأخيرة، الأخرى، إذ من الصعب في مسار الفيلم أن ندرك بعد كل شيء أيهما كانت الأولى وأيهما كانت الأخرى. وإدراك هذا يكمن مكان وجهة النظر التي يمكن أن يرى الفيلم من خلالها، فأتى الالتباس ليؤرجح عواطف المتفرج. بورتريه آن بولين (غيتي) موضوع جاهز لفيلم ناجح كانت هذه نقطة أساسية في الفيلم، لكنها تبقى أبعد من أن تصبح كل موضوعه – فالموضوع في بعده الميلوردامي الواضح -، إنما أتى هنا ليقلب الصورة التاريخية، وربما على غرار ما فعل فيلم “ماري انطوانيت” لصوفيا كوبولا، والمأخوذ بدوره من رواية معاصرة لنا كانت غايتها الأساس أن تعيد الاعتبار لملكة فرنسا الشابة، التي دفعت ثمن أخطاء مجتمع ملأها بالطموحات من دون أن يوفر لها الظروف الحقيقية لمماشاة هذه الطموحات فانتهت مقطوعة الرأس، ضحية لثورة ماتت ماري أنطوانيت من دون أن تفهم ماذا أرادت منها. وهذا المصير نفسه كان مصير آن بولين (ناتالي بورتمان) في “ابنة بولين الأخرى”، غير أن هذه لم تكن ضحية ثورة، بل ضحية تسويات ديبلوماسية وسياسية، من الصعب على المرء الملم بشيء من تاريخ هنري الثامن أن يفهم كيف غاب جزؤها الأساسي عن الفيلم. فكل الصراع مع روما وانشقاق الكنيسة الإنجليزية عن الكاثوليكية البابوية، لم يشغل من “ابنة بولين الأخرى” سوى دقيقتين أو ثلاث، فيما غاب توماس مور تماماً عن الفيلم. وبالكاد شاهدنا على الشاشة أمامنا خلفية تصور تاريخ بريطانيا في ذلك الزمن الانعطافي. بل أن هنري الثامن لم يبد مهتماً إلا بالزواج والطلاق. وربما بالصيد أيضاً، ولكن فقط كمبرر لبدء تخليه عن آن بعدما تعرف إليها وقرر الاستحواذ بها. في هذا الإطار بدا التناقض واضحاً بين ضخامة البعد السياسي لموضوع كان يطاول امبراطوريتين عظيمتين (بريطانيا وإسبانيا)، إحداهما في صعود والأخرى في أفول، وضآلة الهم العائلي الذي تمحور من حول أسرة بولين التي أراد ربها، تحت ضغط شقيق زوجته، الوصول إلى أعلى درجات المجتمع ولو كان الثمن سعادة ابنتين وكرامتهما. شخصنة التاريخ والحقيقة أن هذا كله يضعنا أمام تفسير للتاريخ، يشخصن الأحداث والأسباب والنتائج، إلى درجة بعيدة، ويدفع المتفرج إلى التساؤل عن هذا التاريخ الذي حدث فيه كل ذلك الشرخ، لمجرد أن ثمة خالاً طموحاً وأباً خانعاً، لم تتمكن احتجاجات الأم من ردعهما عن بيع الابنتين للملك، واحدتهما إثر أخرى. إن تفسير التاريخ الأقرب دائماً إلى المنطق يحدثنا عن تبدلات اقتصادية وجيو- استراتيجية عميقة تلت بدء تكون الإمبراطوريات والتنافس على احتلال المستعمرات في تلك العقود من السنين، أدت كلها إلى خروج بريطانيا عن كنيسة روما، التي فضلت دائماً دعم بلدان أوروبا الجنوبية للاتينيتها مثل فرنسا وإسبانيا، في لعبة صراع الأمم، على دول الشمال التي كانت تشكل الجديد الإمبريالي في ذلك الحين. وهو أمر لا تعتبر حكاية هنري الثامن سوى مرآة له. فإذا بـ”ابنة بولين الأخرى” يأتي موحياً بأنه ينظر إلى الجانب الآخر من مرآة التاريخ. وطبعاً لا يمكن الانطلاق من هذا كله لـ”محاسبة” مبدعين على عمل أبدعوه، خصوصاً أن الوقائع التاريخية، من ناحية الأحداث والعلاقات وتواريخها، لا تناقض كثيراً ما نشاهده في الفيلم. ثم إن الإبداع ليس درساً في التاريخ، والتاريخ ليس في أية حال من الأحوال معطى نهائياً يرصد مرة وإلى الأبد. فإذا كانت كاتبة الرواية، وكاتب السيناريو والمخرج من بعدها، اختاروا أن يضيئوا على جانب من الحكاية، يكون هذا حقهم، لأن الإضاءة هي، في نهاية الأمر، تفسير بين تفسيرات أخرى عدة. شيء من التاريخ لا أكثر في اختصار، لا يمكن طبعاً دارسي التاريخ أن يعتمدوا “ابنة بولين الأخرى” بين مراجعهم، لكن في إمكانهم في المقابل، أن يستمتعوا بساعتين من الجمال المطلق والصراعات الكاشفة عن أخلاق البشر وأطماعهم في كل زمان ومكان، حتى ولو أمضوا وقتهم بعد ذلك متسائلين عما إذا كان يجوز، أو لا يجوز، أن “يكتب” التاريخ على هذا النحو. وبهذا يكون بيتر مورغان ومخرج الفيلم جاستين شادويك، ربحا رهانهما في تقديم فيلم ممتع طريف، يؤكد مرة أخرى أن التاريخ ليس ملكاً حصرياً لأحد ولا للحقيقة التاريخية حتى ولا حتى بالطبع للون محدود من ألوان الإبداع أو المعرفة. المزيد عن: الملك هنري الثامنفيلم ابنة بولين الأخرىناتالي بورتمانتاريخ بريطانيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “ليالي” نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري next post هل يتحول “تل العباد” إلى نقطة اشتعال جديدة بين لبنان وإسرائيل؟ You may also like إيطالي من عصر التنوير يبحث عن الصلابة والراحة... 9 مارس، 2025 “الفتاة الوحيدة في الأوركسترا” أشد رقة في محاورة... 9 مارس، 2025 احتجاج آنا أخماتوفا المدوي في “قداس”و”قصيدة دون أبطال” 9 مارس، 2025 هكذا توفي الممثل جين هاكمان وزوجته في منزلهما 9 مارس، 2025 “ليالي” نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري 9 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: ذهبيات ساروق الحديد في... 5 مارس، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: العصر العباسي الأول بين... 5 مارس، 2025 موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية 4 مارس، 2025 شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز... 4 مارس، 2025 رؤساء أميركا في هوليوود والدراما “مثالية زائفة” 4 مارس، 2025