الأحد, فبراير 23, 2025
الأحد, فبراير 23, 2025
Home » أوسكار وايلد يفضح في “زوج مثالي” نفاق المجتمع الإنجليزي

أوسكار وايلد يفضح في “زوج مثالي” نفاق المجتمع الإنجليزي

by admin

 

المسرح على الطريقة الاجتماعية لخوض المعركة الضارية ضد تسلط الملكة فيكتوريا

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

من المؤكد أن العداء الذي استشرى بين جلالة فيكتوريا البريانية وواحد من أكثر رعاياها إبداعاً، الكاتب أوسكار وايلد، واصلاً إلى ذروته عام 1895 لم يأت من فراغ، ففي ذلك الحين كان وايلد قد وصل إلى أقصى درجات رغبته في تصفية حسابه مع مجتمع لندن المخملي، ومن ثم مع الملكة فيكتوريا التي كانت “فرضت على ذلك المجتمع قيماً أخلاقية وسلوكية جعلت النفاق عملة رائجة والفساد كامناً تحت أقنعة الطيبة والتهذيب” بحسب رأيه.

وكانت تجربة وايلد الفرنسية والأوروبية فتحت عينيه على حقائق جديدة في الحياة، وهكذا في وقت كان صاحب “صورة دوريان غراي” أضحى “عدو المجتمع الرقم واحد” بالنسبة إلى المملكة الطهرانية ومجتمعها “المثالي” المنافق في حقيقته، قرر وايلد أن الوقت حان لكي يوجه إلى هذا المجتمع ضربة قاضية تربط بين الفساد السياسي والفساد الأخلاقي، بين حقائق الداخل ورياء الخارج في بوتقة واحدة، وهكذا ولدت في ذلك العام، وقبل رحيل وايلد بخمسة أعوام تلك المسرحية التي ستعيش طويلاً من بعده، مسرحية “زوج مثالي” التي يرى فيها البعض عملاً فنياً شديد الإتقان أبدعه كاتب أصبح متمكناً من حرفته، فيما رأى فيها آخرون إضافة إلى ذلك قطعة أدبية رائعة تكاد تكون وصية الكاتب الفنية والأخلاقية في آن معاً.

ورأى هؤلاء، دائماً، أن هذا البعد الأخير إنما يتجلى في حوارات “زوج مثالي” بأكثر مما يتجلى في حبكتها، وهنا قد يكون من المفيد أيضاً أن نذكر أن وايلد كتب هذه المسرحية، ثم ألحقها على الفور بمسرحيته الكبيرة الأخرى، التي لا تبتعد عنها كثيراً من جهة البعد الأخلاقي، “أهمية أن تكون جاداً”، في زمن كان يعيش أزهى أعوام انتصاراته الأدبية، وعدداً من المشكلات والفضائح التي أثارها في وجهه – مستغلاً كراهية الملكة والسلطات له – المركيز كوينزبري، والد صديقه لورد الفريد دوغلاس، مما أدى عامذاك إلى “بهدلته” في أوساط المجتمع الراقي، ثم إلى سجنه.

ومن الواضح أن ما حصل لوايلد على أيدي ذلك المجتمع الراقي كان هو ما حرك قلمه لكتابة “زوج مثالي”، غير أن المدهش في الأمر هو أن كاتبنا لم يبد هنا أي قسط في الرغبة في الانتقام: كل ما في الأمر أنه كتب ليفضح، ومن ثم ليدعو إلى التسامح وكأنه يقول: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر!”.

أوسكار وايلد (1854 – 1900): دعوة إلى التسامح؟ (غيتي)

مناورات ومؤامرات سياسية

يتمركز محور مسرحية “زوج مثالي” من حول ثنائيين: فمن ناحية هناك الزوجان، سير روبرت شيلترن وزوجته، ومن ناحية ثانية هناك صديق هذه العائلة الصغيرة لورد آرثر غورنغ، تقابله سيدة المجتمع، المفتقرة إلى المثل العليا والسمات الأخلاقية، مسز شفلي.

أما الحبكة فتدور من حول مناورات ومؤامرات سياسية واقتصادية تتعلق بفضائح مالية من النوع الذي بدأ يتكاثر في بريطانيا عند نهاية القرن الـ19، ويكاد يصبح قاعدة في الحياة السياسية، ولكن من دون أن يعترف أحد بوجوده، إنه القناع الذي كان يغلف كل شيء، ويحتاج من ثم إلى من يكشفه، وفي هذه المسرحية ها هي المسز شفلي تتنطح للقيام بدور الكاشف، ليس بسبب حرصها على أخلاق المجتمع بالطبع، بل لأن لديها هي مصالح في ذلك، مصالح تحتم عليها أن تدمر المعبد على نفسها وعلى الآخرين إن لم تصل إلى مبتغاها. والحقيقة أنه إذا حدث ودمرت المسز شفلي “المعبد” فإنها، هي، لن تخسر في ذلك شيئاً، وبالتحديد لأن سمعتها في المجتمع هي من السوء بحيث لن يؤثر فيها مزيد من السوء.

أما بالنسبة إلى الزوجين شيلترن فالأمر مختلف كلياً، فهو سياسي مرموق تبدو الأنظار متفتحة عليه تراقب حركاته وسكناته، تماماً مثلما يحدث عادة مع ذلك الصنف الناجح، باكراً، من السياسيين، الذين يصعدون ويصعدون في المجتمع… والذين ينظر إليهم هذا المجتمع عادة، نظرة هي مزيج من الإعجاب، وإحصاء الأنفاس والخطوات.

بوستر فيلم “زوج مثالي” (موقع الفيلم)

سلوك عام

إنه السلوك العام، لذلك يبدو الواحد من أولئك الصاعدين الناجحين وكأنه يمشي في رمال متحركة أو على حبل مشدود، إذ إن أي هزة تكون قادرة على إسقاطه من أعلى وعلى تدمير سعادته الزوجية وحياته العامة، وهذا الأمر أدركته المسز شفلي منذ بداية المسرحية، أي منذ اللحظة التي نطل فيها، نحن المتفرجين، على حياة الزوجين السعيدين شيلترن، ليواجهنا الزوج تحت قناع الرجل النزيه الذي حقق مساره السياسي بكل إتقان ونجاح، إلى درجة أن كل أصدقائه يكنون له خالص الاحترام، كما أن زوجته تحبه بكل جوارحها وهي ترى فيه الزوج المثالي والرجل الكامل والإنسان ذا الذكاء غير المحدود، غير أن هذه الصورة، العامة والخاصة، للورد شيلترن تبدأ بالاهتزاز، بالنسبة إلى المتفرجين في الأقل، منذ اللحظة التي تظهر فيها تلك السيدة المغامرة المسز شفلي، وقد أمسكت بين يديها وثائق تثبت أن الثروة التي حققها شيلترن لم تتحقق بطرق شريفة، بل بلصوصية حاذقة وبأساليب غير نزيهة على الإطلاق.

إن اللورد شيلترن ليس الشخص الذي يعتقدون… هذا ما سعت السيدة إلى قوله استناداً إلى ما تملك من وثائق، لا سيما استناداً إلى رسالة من نوع خاص، وإذ تهدد شفلي اللورد فلا يستجيب إلى تهديدها مستخفاً بها، تنتهي الرسالة المذكورة إلى الانتقال من بين يدي المسز شفلي إلى يدي الليدي شيلترن، فإذا بهذه تنهار تماماً: لقد أدركت على الفور حقيقة زوجها و”مثاليته”، وها هي من ثم تفقد في الوقت نفسه سعادتها الطاغية وثقتها في هذا الرجل الذي كان يملأ عليها حياتها ووجدانها.

نوع من التدمير الذاتي

وهكذا لا يكون أمامها إلا أن تبادر إلى تحطيم حياتها الزوجية وسعادتها مشمئزة حزينة وهي على قاب قوسين وأدنى من الانهيار، غير أن هذا كله لن يحصل، ذلك أنه إذا كانت المسز شفلي بادرت إلى إثارة الفضيحة أمام الليدي من حول زوجها، فإن اللورد آرثر غورنغ موجود أيضاً… ومنذ أول الأحداث، إذ إننا باكراً كنا أدركنا كم أن هذا الفتى اللاهي، الحاضر عميقاً في صلب حياة المجتمع اللندني، يخفي خلف سماته اللعوب، فيلسوفاً ورجل أخلاق وفضيلة لا مثيل له، وهنا عند هذه اللحظة من المسرحية، حين تصل حياة الليدي شيلترن إلى الحافة، يجد غورنغ أن عليه أن يتدخل لوضع الأمور في نصابها عبر حبكة بديعة، ولكن أيضاً بفضل سلسلة من التدخلات اللفظية التي تقول قوة الكلام، وبخاصة عبر عبارة أثيرة لديه فحواها أن الإنسان الذي هو، في طبعه، ضعيف وبائس أخلاقياً، يحتاج حقاً إلى قدر كبير من التسامح، يحتاج إلى التفهم الخير، أكثر مما يحتاج إلى الإدانة، وهكذا ينقذ اللورد غورنغ حياة صديقيه الزوجية في دعوة حاسمة وطيبة إلى التسامح والتفهم المتبادل، وتنتهي هذه المسرحية التي بنيت أصلاً انطلاقاً من هذا المفهوم.

الكاتب من خلال بطله

من الواضح أن الحوارات والعبارات التي وضعها أوسكار وايلد على لسان بطله، إنما تعبر عن أفكاره هو، حرفياً، وكذلك عن عمق احتياجه هو نفسه إلى الحنان والتسامح في أعوامه الصعبة تلك، لكن وايلد لم يفته في الوقت عينه أن يكشف السر عن مجتمع النفاق والرياء، بخاصة أننا في معظم لحظات المسرحية نجد أنفسنا ميالين إلى التعاطف مع المسز شفلي، على رغم خبث مناوراتها، ولعل هذا ما زاد من طين أوسكار وايلد بلة، وهو الذي حين قدمت المسرحية في لندن كان على وشك الذهاب إلى السجن حيث سيمضي عامين يخرج بعدهما مريضاً ليعيش أعواماً قليلة أخرى لا أكثر، ولكننا نعرف أن عزاءه كان في أنه عاش حتى شهد موت غريمته الرئيسة الملكة فيكتوريا التي مرضت وماتت في العام نفسه الذي مات هو فيه، 1900.

وأوسكار وايلد، الكاتب الإنجليزي الذي ولد في دبلن ودرس فيها قبل أن ينتقل لمتابعة دراسته في أوكسفورد لاحقاً، لم يعش طويلاً، إذ مات في الـ46، لكن ذلك كان كافياً له لكي يكتب كثيراً من الروايات والمسرحيات ويعيش حياة صاخبة ويتنقل في كثير من البلدان الأوروبية ويقارع فيكتوريا مقارعة الند للند، ومن أشهر مسرحيات وايلد، إلى ما ذكرنا “فيرا أو العدمي” و”دوقة بادوا” و”مروحة الليدي وندرمير” و”سالومي”… إلخ.

المزيد عن: الملكة فيكتورياأوسكار وايلدجامعة أوكسفوردالمجتمع الإنجليزي

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili