حرائق تدمر المنازل في حي باسيفيك باليساديس بمدينة لوس أنجليس في يناير2025 (أ ب) تكنولوجيا و علوم أجزاء كبرى من الولايات المتحدة ستصبح غير صالحة للعيش بعد عقود by admin 7 فبراير، 2025 written by admin 7 فبراير، 2025 14 من تلوث إمدادات المياه ومشكلات البنية التحتية وصولاً إلى العواصف القطبية… لا تقتصر التهديدات على فلوريدا وكاليفورنيا اندبندنت عربية / هولي باكستر محررة في قسم الرأي @h0llyb4xter ليس غريباً على الولايات المتحدة أن تشهد طقساً قاسياً، ولكن التأثيرات المتسارعة الناجمة عن تغير المناخ، تتهدد بعض المناطق بدخول مرحلة تصبح فيها غير قابلة للعيش. بدءاً بالحرارة الشديدة التي تضرب الجنوب الغربي وصولاً إلى ارتفاع منسوب مياه البحر وهبوب العواصف العاتية على طول السواحل، تتعدد التحديات وتبدو مقلقة جداً، لا سيما أنها مترابطة بعضها مع بعض، فيكون من الصعب التعامل مع كل واحدة منها بصورة منفصلة. مسادة سيغل، مستشارة لدى “الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ” (اختصاراً “فيما” FEMA) ومنظمات معنية بإدارة الطوارئ والاستجابة للأزمات، تعي هذه الحقيقة جيداً. ولدت سيغل في فينيكس [عاصمة ولاية أريزونا] ولديها طفل يبلغ من العمر تسع سنوات، وشهدت تحول مسقط رأسها إلى بيئة غير آمنة. في الصيف الماضي، سجلت المدينة 113 يوماً متتالياً تجاوزت فيها درجة الحرارة 100 فهرنهايت (37.8 درجة مئوية)، علماً أنها الفترة الأطول منذ بدء التسجيلات. وبلغ متوسط درجة الحرارة 97 فهرنهايت (36.1 درجة مئوية). تقول سيغل: “في أيام الصيف عندما تسجل درجة الحرارة 116 فهرنهايت (46.7 درجة مئوية)، لا يمكنك الاستمتاع بالجلوس إلى جانب بركة السباحة. بدلاً من ذلك، إما تبقى في الماء، أو في الداخل، أو تحتمي في الظل. وفي مرحلة معينة من النهار، يصبح حوض السباحة ساخناً جداً، فتشعر كأنك تعوم في قدر حساء”. وشهدت فينيكس العام الماضي 4.54 بوصة فقط (115.3 مليميتر) من الأمطار، أي أقل بمقدار 2.52 بوصة (64 مليميتراً) عن المعدل الطبيعي، وأدت قلة الأمطار، ومعها تزايد درجات الحرارة، إلى اختلال التوازن الطبيعي لمواسم السنة: “في حديقتي شجرة ليمون تتفتح أزهارها في يناير (كانون الثاني)، وشجرة ليمون حامض تزهر في يناير أيضاً. ولكن من المفترض أن تزهرا في فصل الربيع”، كما تقول سيغل. في الحقيقة، ليست هذه التغيرات المناخية مجرد ظاهرة مزعجة أو مشكلة بسيطة، بل تؤثر سلباً في نوعية الحياة وفي الصحة العقلية والنفسية للناس. وتضيف سيغل: “في أريزونا، يصاب الناس بالاكتئاب صيفاً، تماماً كما يصاب سكان نيويورك باضطراب العاطفة الموسمي في الشتاء”. الآن، يمضي كثر من سكان أريزونا معظم أيام الصيف داخل منازلهم، وفي النتيجة، أصبح النقص المزمن في فيتامين “د” [الذي نستمده من الشمس] أكثر شيوعاً، خصوصاً في جنوب الولاية. ملعب للأطفال مهجور مع اشتداد درجات الحرارة في فينيكس الصيف الماضي (أ ب), by ali.charafeddine ميخائيل تشيستر، خبير في التكيف مع المناخ والبنية التحتية من “جامعة ولاية أريزونا”، يسلط الضوء على العواقب الطويلة المدى لهذه التغيرات المناخية. ويقول في هذا الصدد: “هل ستسوء الأمور؟. نعم ستسوء. أعني أننا دخلنا هذه المرحلة فعلاً. أحد الأسباب البسيطة التي ستقود إلى تفاقم الأحوال مستقبلاً أننا لم نشرع منذ البداية وبصورة فورية وعاجلة في حل مشكلة تغير المناخ، وما زلنا نمارس العادات والسلوكيات [المضرة بالمناخ والبيئة] نفسها التي نتبعها منذ عقود. مثلاً، أقللت أولادي إلى المدرسة اليوم في سيارة تعمل بالبنزين، وأطلقت كمية من ثاني أكسيد الكربون ستبقى في الغلاف الجوي طوال 100 عام”. درجات الحرارة تفوق الاحتمال: الجنوب الغربي ليست فينيكس المدينة الوحيدة في الجنوب الغربي للولايات المتحدة التي تواجه الحرارة الشديدة ونقص المياه. لاس فيغاس ولوس أنجليس تعانيان ظروفاً صعبة أيضاً مع تقلص منسوب نهر “كولورادو” الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة إلى ملايين السكان في المنطقة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والإفراط في استخدام المياه وتراجع حجم الثلوج التي تتساقط عادة على جبال روكي ثم تتدفق منها إلى النهر وتغذيه. وفي حال عدم اتخاذ إجراءات تغييرية جذرية في إدارة المياه والحفاظ عليها، ستواجه المدينتان خلال العقود المقبلة ظروفاً عصية على الاحتمال يتعذر العيش في ظلها. وتمثل هذه المشكلة تحديداً [نقص مياه “نهر كولورادو”] حالاً طارئة تستدعي إيجاد تدابير ملحة وسريعة، إذ ينتهي الاتفاق الحالي حول كيفية تقسيم استخدام مياه النهر بين الولايات التي تعتمد عليه عام 2026. أضف إلى ذلك أن الاستفادة من النهر لا تقتصر على توفير المياه إلى منازل الأسر في المناطق الصحراوية في نيفادا وكاليفورنيا، بل يُستخدم أيضاً في ري كثير من المحاصيل الزراعية، لذا فإن النقص في مياه النهر سيقود بدوره إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية. قارب ظهر على أرض متشققة بعدما كان مغموراً بالماء على بعد مئات الأقدام من شاطئ “بحيرة ميد” وهي خزان مائي تكون بفعل “سد هوفر” على “نهر كولورادو” (أ ب) ويشدد تشيستر على أن كلفة التقاعس ستكون أكبر بأشواط من كلفة اتخاذ خطوات فاعلة اليوم. ويقول في هذا الشأن: “إذا سمحنا لهذه الكوارث الواسعة النطاق بالحدوث، فستكون الكلف الناتجة منها أكبر بكثير من كلفة الحد من الانبعاثات الكربونية، وبمرور الوقت، ستزداد الكلف أكثر في محاولة التعامل مع آثار هذه الكوارث ومعالجة أسبابها. الأجدر بنا التركيز على هذا النقاش الآن”. قديمة جداً ومحال أن يُعاد بناؤها: نيويورك ويقول تشيستر: “فينيكس مدينة جديدة أما نيويورك فقديمة، وأعتقد بأن هذه نقطة انطلاق مهمة حقاً. ما زالت فينيكس تنمو وتتطور، فيما تجاوزت نيويورك مرحلة التوسع هذه، وباتت مدينة مكتملة ومتطورة”. وذلك مفاده بأن البنى التحتية في نيويورك “ليست مصممة من الأساس لمواجهة الظروف القاسية التي تواجهها المدينة اليوم”، وقد جرى تطويرها بصورة كبيرة ومعقدة على مر السنين إلى حد أنه لم يعُد ممكناً إعادة بنائها للتكيف مع التحديات الحالية. بناء عليه، على رغم أن مدناً مثل فينيكس تقاسي راهناً أحوالاً جوية أشد وطأة، بيد أنها أيضاً “مصممة بصورة أكثر ملاءمة للتعامل مع هذه الظروف”، يضيف تشيستر، “لذا نجد أنها تعاني مشكلات أقل، إضافة إلى أن خدماتها موثوقة أكثر”. مثلاً، جاء تصميم خلطات الأسفلت التي تُستخدم في رصف الطرقات على نحو أكثر دقة واهتماماً. أما خطوط الكهرباء فمدفونة تحت الأرض، وليست معلقة في الهواء خلافاً للحال في نيويورك، حيث تكون عرضة أكثر للتعطل بفعل الرياح القوية أثناء عاصفة عنيفة. خلال الـ20 عاماً المقبلة، ربما تصبح بعض أجزاء نيويورك ونيو جيرسي غير قابلة للسكن، إذ يرى السكان أن الكلفة والعناء المرتبطين بإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة جزئياً بسبب الفيضانات ليسا مجديين أو منطقيين، مما يدفعهم إلى ترك تلك المناطق. ووفق تشيستر، تنطبق هذه الحال على جزء كبير من الولايات المتحدة، خصوصاً على الساحل الشرقي الذي كان من أولى المناطق التي شهدت تشييد البنية التحتية في البلاد: “جرى إنشاء معظم أنظمة البنية التحتية الرئيسة في الولايات المتحدة في منتصف القرن الماضي تقريباً. حسناً، ونحن الآن كما تعلمون عام 2025، وتجاوزت هذه الأنظمة عمرها المتوقع الأولي. لجأنا إلى إصلاحها بصورة موقتة كي تبقى قائمة لمدة 20 عاماً أخرى أو نحو ذلك، ولكن لم يعُد ممكناً ترقيعها بعد الآن… لقد وصلت إلى نهاية عمرها الأول”. عناصر في إدارة الإطفاء والبحث والإنقاذ في ميامي يبحثون عن ناجين داخل المنازل التي غمرتها المياه بعد “إعصار ديبي” (رويترز) وإذا تركنا هذه البنية التحتية المتداعية على حالها فيما يستمر تغير المناخ في التفاقم، ستغمر مياه البحر منطقة مانهاتن برمتها بحلول عام 2300. كذلك ستواجه مدن عدة في فلوريدا، من بينها منطقة إيفرغلاديس بأكملها، المصير نفسه بحلول عام 2050. وتكمن المشكلة في أن أنظمة البنى التحتية المعمول بها حالياً تحتاج إلى تحديث، ولا بد من بناء أنظمة جديدة لمواجهة تغير المناخ. ولكن لا يبدو أن الإرادة موجودة لإنجاز المهمتين معاً: “لدينا بالفعل أنظمة تحتاج إلى استثمار كبير لتجديدها، وهي تمثل الوضع الحالي الذي نواجهه. ولا يتوافر المال الكافي للاستمرار في تشغيلها”، يقول تشيستر. ولما كانت الكوارث الطبيعية تصبح أكثر شيوعاً، ونحن في طريقنا نحو هذه النتيجة على أي حال، تكون الطريقة الفضلى لحماية المناطق الساحلية المعرضة للخطر في التكيف مع الأحوال الجوية القاسية بدلاً من محاربتها. مثلاً، تعكف نيويورك على بناء كثبان رملية محصنة عبر منطقة روكاوايز، وتفكر في تشييد جدار بحري بقيمة 119 مليار دولار لحماية الجزء السفلي من منطقة مانهاتن. أما مدينة سكوتسديل في ولاية أريزونا، فاقترحت بناء هيكل مماثل لتوجيه المياه بعيداً من المدينة باستخدام الخرسانة الصلبة خلال موسم الرياح الموسمية قبل عقد من الزمن، ولكن السكان رفضوا بحجة أنه سيشوه المظهر الجمالي للمدينة. وفي النهاية، اختارت المدينة بناء سلسلة من المتنزهات ومناطق الترفيه بدلاً من ذلك. وفي الآونة الأخيرة، اكتشف الباحثون أن الأعشاب والنباتات الوفيرة الموجودة في الحدائق الجديدة امتصت فعلاً كمية أكبر من المياه مقارنة مع الهيكل الخرساني المقترح. والأشخاص الذين دافعوا عن فكرة بناء الهيكل المصمم لتصريف المياه تجاهلوا حقيقة أنه ليس في المستطاع هزيمة الطبيعة أو التغلب عليها، بل لا بد من التعاون معها للاستفادة منها. ونحن ببساطة بلغنا مرحلة متقدمة جداً الآن تحتم علينا التفكير بهذه الطريقة. ارتفاع المياه والتلوث في فلوريدا في ميامي، يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر واشتداد الأعاصير مجتمعين في تضافر ظروف سيئة تترتب عليها أزمة شديدة الخطورة ومعقدة. فتغمر المياه الشوارع بصورة متكررة في خضم ظاهرة “المد الملكي” [ظاهرة طبيعية تصل فيها أمواج البحر إلى أعلى مستوياتها بسبب تأثير جاذبية القمر والشمس عندما يكون القمر في أقرب نقطة من الأرض]، ويهدد تسرب المياه المالحة إمدادات المدينة من مياه الشرب. ومع تزايد شدة العواصف، ستستمر كلفة إعادة البناء والخسائر المادية والمعاناة التي يتكبدها السكان، في الارتفاع. في تعقيبه على الحرائق الأخيرة التي اجتاحت لوس أنجليس، يقول تشيستر: “في منطقة باسيفيك باليساديس، سيتمكن كثير من السكان من إعادة بناء منازلهم ببساطة من دون الحاجة إلى التأمين ضد الأضرار. في حين أنه في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة، لا يستطيع الناس تحمل كلف إعادة بناء منازلهم إذا لم يكُن لديهم تأمين… ستتكشف هذه العوامل في المستقبل، وتؤثر حتماً في التوجهات المالية أو أي مناطق نختار توظيف الاستثمارات فيها وأي مناطق نقرر عدم الاستثمار فيها. ونرى أن بعض الولايات بدأت تتوخى مزيداً من الجدية في شأن أي الأماكن تقرر دعم التطوير والتوسع فيها، وأي الأماكن تقرر معارضة التطوير فيها أو منعه”. ستكون ولايات مثل فلوريدا في مقدمة النقاشات حول كيفية التصدي للأزمات الناجمة عن تغير المناخ، وستضطر إلى البدء بإنفاق مبالغ كبيرة من المال في سبيل حماية سكانها، ولكن ليس واضحاً ما إذا كانت الإرادة السياسية موجودة فعلاً. ولكن تبعث هذه الحقيقة على قلق كبير، خصوصاً أن ميامي تشهد ازدهاراً في عدد السكان والنمو العمراني، مع أنه من المتوقع أن تغمر المياه 60 في المئة من مساحة مقاطعة ميامي ديد خلال الأعوام الـ25 المقبلة. من يتحمل الكلف؟ مشكلة حرائق الغابات في كاليفورنيا للأسف، أصبح موسم حرائق الغابات في كاليفورنيا أطول، مع درجات حرارة أعلى، مما يجعله أكثر تدميراً وأشد خطورة على الأرواح والممتلكات، ويغذيه مزيج من الجفاف والحرارة الشديدة وسوء صيانة الغابات والاهتمام بها. ولا تكتفي الحرائق بإشعال النار في المنازل والمناظر الطبيعية فحسب، بل أيضاً تخنق أنفاس السكان بدخانها الذي يملأ الهواء. وسيغل التي غطت هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) وشاهدت عن كثب الآثار الصحية الطويلة المدى على المستجيبين الأوائل الذين هبوا لتقديم العون، تخشى من احتمال ظهور وباء مماثل بين عناصر الإطفاء والسكان في كاليفورنيا. وتقول: “يعتريني قلق على عمال الإطفاء في كاليفورنيا، إذ أخشى أن يصابوا بمشكلات صحية في الرئتين بسبب جودة الهواء المتدنية، تماماً كما حدث مع عناصر الطوارئ الذين هبوا لتقديم النجدة في أحداث الـ11 من سبتمبر”. وتسهم حرائق الغابات أيضاً في حدوث حلقة خطرة من المشكلات التي تؤثر في بعضها بعضاً، إذ تطلق الحرائق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في تسريع ظاهرة الاحترار العالمي، مما يجعل بدوره الظروف أكثر ملاءمة لاندلاع الحرائق في النتيجة. ومرة أخرى، [على رغم المشكلات المتصلة بالحرائق] تتمحور المشكلة الأساس حول الجهة التي ستتحمل الكلف المالية لهذه الخسائر. “من يدفع الفاتورة؟” يسأل تشيستر، عند الحديث عن الأضرار الناجمة عن حرائق الغابات الأخيرة عبر منطقة المحيط الهادئ، ويضيف: “تطرح كاليفورنيا الآن هذا السؤال. هل تأخذ شركة التأمين هذه المهمة على عاتقها، أم الحكومة المحلية أم الحكومة الفيدرالية؟. لا تتوافر إجابة واضحة عن هذه الأسئلة حتى الآن”. ويردف تشيستر: “ستلاحظون الخلافات المتزايدة بين الحكومات المحلية من جهة وشركات التأمين من جهة أخرى. إنها شركات تتوخى الربح. إذاً كيف تتعامل مع هذا الموقف المعقد وتخبرها أنه يتعين عليها تقديم التأمين ضد الأضرار وفق شروط معينة إذا كانت أعمالها ترمي إلى تعظيم الأرباح؟. من المتوقع أن نشهد هذا النقاش والتوتر يتطوران قريباً”. نيك سونينبرغ ووالداه يبحثون عن مقتنيات شخصية لاسترجاعها من بقايا شقته التي دمرها “حريق إيتون” في 25 يناير 2025 في ألتادينا، كاليفورنيا (غيتي) لسوء الحظ، كثر من علماء المناخ متشائمون بالنسبة إلى كيفية تطور هذا النقاش المحتدم حول المشكلات الناجمة عن المناخ وشركات التأمين ضد الحوادث، ويتوقع أحدهم أن سكان لوس أنجليس سيغادرونها ببساطة، فتمسي مهجورة تماماً وتتحول إلى “أول مدينة أشباح عملاقة في العالم”، عندما ترفض الشركات المعنية توفير أي تأمين للمنازل والممتلكات ضد أضرار الحوادث في المنطقة، بعد مرور عقد أو نحو ذلك على الكوارث المستمرة المرتبطة بالمناخ. المال لا يشتري الحلول: مشكلات المياه في الغرب ومع تناقص إمدادات المياه، ربما تضطر مناطق كثيرة على الساحل الغربي إلى اتخاذ قرارات صعبة متصلة بالموارد المستدامة. وستكون كلفة نقل المياه عبر مسافات شاسعة باهظة جداً، مما يدفع الناس إلى المغادرة، ليس بسبب الحرارة الشديدة، ولكن بسبب الكلف المرتبطة بالحاجات الأساسية [الماء] اللازمة للبقاء على قيد الحياة. كابدت إحدى المجتمعات الصغيرة في ولاية أريزونا هذا التحدي الصعب فعلاً. ورفع “ريو فيردي فوتهيلز”، أحد مجتمعات مدينة سكوتسديل، دعوى قضائية ضد الأخيرة عام 2023 بعدما قطعت إمدادات المياه عن هذا المجتمع الثري برمته. وكان الجفاف الشديد السبب وراء هذا القرار، إذ قالت سكوتسديل إنها بحاجة إلى المياه لتلبية حاجات سكانها وإنه لم يعُد في إمكانها السماح لشاحنات المياه الخاصة بتوصيل المياه إلى مجتمع “ريو فيردي” الثري الذي بنى قصوره الفاخرة على التلال القريبة. وبعد معركة استمرت 10 أشهر، وصلت المياه مجدداً إلى 500 أسرة كانت توقفت الإمدادات عنها. ويعتمد السكان الآن على اتفاق موقت وغير مضمون مع شركة المياه الكندية “إبكور” EPCOR التي ستضخ المياه من “نهر فيردي” عبر أنبوبها الرئيس الجديد الذي تكلف 10 ملايين دولار. وينتهي الاتفاق في ديسمبر (كانون الأول) عام 2025. المشكلة، في رأي مسادة سيغل، أن الناس لا ينفكون ينتقلون إلى أريزونا، فقد وصل إليها 250 ألف شخص العام الماضي وحده، ويبنون مجتمعات على شاكلة “ريو فيردي فوتهيلز”، مع العلم أن البنية التحتية في الولاية تجد صعوبة كبيرة الآن في تلبية حاجاتهم. وفي نهاية المطاف، حتى أصحاب الثروات الكبيرة سيجدون أن بعض الأشياء لا يمكن شراؤها بالمال. البرد الشديد: العواصف القطبية الشمالية في شيكاغو وفي حين أن الحر يشكل التهديد الأكثر تأثيراً في جنوب الولايات المتحدة، أصبحت الأحوال الجوية الباردة جداً مصدر قلق متزايداً في الغرب الأوسط. فشهدت مدن مثل شيكاغو موجات برد غير مسبوقة نتيجة اضطرابات في الدوامة القطبية. وتضع هذه الأحداث المفاجئة والشديدة من البرد ضغطاً هائلاً على شبكات الطاقة الكهربائية وتتهدد أرواح السكان، جاعلة الحياة اليومية محفوفة بالأخطار. ومع أن الشتاء عموماً سيكون أكثر دفئاً في الغرب الأوسط نتيجة ظاهرة تغير المناخ، بيد أن الاختلال في درجات الحرارة بين هذه المناطق من جهة والقطب الشمالي من جهة أخرى، يسمح للهواء المتجمد بالتحرك فجأة إلى الأسفل حاملاً معه دوامات هوائية باردة تضرب أماكن عدة مثل شيكاغو. من ثم، سيكون الشتاء عموماً في الغرب الأوسط أقل شدة يوماً بعد يوم، ولكن ستحدث موجات برد قارس من شأنها أن تعطل فجأة البنية التحتية وتعرض أرواح الناس للخطر. صورة من الأعلى لبحيرة ميشيغان التي تجمدت تماماً بعد موجة برد قطبية (غيتي) وبطبيعة الحال، سيقود ارتفاع درجات الحرارة بصورة عامة إلى فصول صيف شديدة الحرارة في المدن المصممة منشآتها على نحو يحبس الحرارة في الداخل بدلاً من إبقائها في الخارج. كذلك ستمثل الفيضانات مشكلة إضافية. وليس مستبعداً أن تبدأ مدينة شيكاغو، المبنية على أرض كانت مستنقعاً في السابق، بالغرق تدريجاً إذا تكررت حوادث الفيضانات. ومن المهم التركيز على الغرب الأوسط في هذا النقاش لأنه يُعتبر في الغالب “ملاذاً آمناً من المناخ” أو “ملجأ مناخياً”، بمعنى أنه يمكن للناس الاعتماد عليه في البقاء بمنأى عن تأثيرات الاحترار العالمي [لأنه أقل تأثراً بتغير المناخ مقارنة بالمناطق الأخرى]. ولكن الاعتقاد الذي كان سائداً في الماضي ويقول إن الولايات والمدن في الشمال أو الغرب الأوسط ستشكل ملاذات آمنة صغيرة في خضم فوضى المناخ قد عفا عليه الزمن ولم يعُد دقيقاً، بل إنه اعتقاد خاطئ أيضاً، كما يقول معظم الخبراء. جودة الهواء والجغرافيا السياسية: لماذا لا يمكنك ببساطة الانتقال إلى فيرمونت بالنسبة إلى كثير من الأميركيين، تبدو فكرة الانتقال إلى مكان آخر هرباً من تأثيرات تغير المناخ جذابة من الناحية النظرية، ولكنها في الواقع غير عملية. وتقول سيغل: “هل أغادر منطقتي إلى مكان آخر؟ في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بلغت درجة الحرارة 116 فهرنهايت (46.7 درجة مئوية) [في فينيكس]. ولكن المشكلة مثلاً أن أختي جاءت لزيارتنا من فلوريدا، والأخيرة شديدة الحرارة أيضاً. إذاً، أين نذهب؟ تلاحقك حرائق الغابات في كاليفورنيا، ويطبق على أنفاسك [الهواء الملوث] في نيويورك… في الواقع، لا يسعك ببساطة الهرب إلى مكان آخر”. وحتى لو بدت الولايات الشمالية من قبيل فيرمونت أو مينيسوتا ملاذات آمنة من حوادث تغير المناخ، ليست الهجرة الجماعية في الحقيقة حلاً عملياً قابلاً للتطبيق بالنسبة إلى ملايين الناس في المناطق المعرضة للخطر بسبب التغيرات المناخية، وتضيف سيغل أن هذا الشكل من النزوح “لن يكون في متناول ملايين وملايين الناس الذين يسكنون الأجزاء الجنوبية من الولايات المتحدة”. ويتفق تشيستر مع رأي سيغل، ويحذر من الفكرة السائدة التي تقترح أن الانتقال إلى الشمال ببساطة يحل مشكلات الناس: “لقد اطلعت على الدراسات التي تظهر أن بعض المناطق أقل خطورة من غيرها. تبدو مينيسوتا رائعة، أو أي مكان آخر… ولكن حتى هناك من المحتمل أن يواجه الناس مشكلات جديدة بسبب حرائق الغابات الضخمة في كندا التي تؤدي إلى تدهور جودة الهواء إلى مستوى متدنٍّ جداً في شمال الولايات المتحدة لفترات طويلة من الزمن. لا يمكن للمرء أن يعزل نفسه عن هذه الأخطار، ذلك أن جودة الهواء ليست محكومة بالحدود الجغرافية والسياسية التي نعتمد عليها عادة عند اتخاذ قراراتنا في شأن مكان العيش. عالقون بين التهديدات: لا مكان للهرب ويضيف تشيستر أنه في بعض الظروف القاسية يكون من الضروري “التراجع” أو المغادرة، ولكن لا ينبغي أن نركن إلى هذا الحل كخيار أول. وبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نبدأ بقبول حقيقة أن بعض الكوارث ستحدث لا محالة، وأن نعيد بناء حياتنا ومجتمعاتنا استناداً إلى هذا الفهم، ونجهز أنفسنا لمواجهة هذه الأخطار على نحو أفضل. في مدينة نيويورك، مثلاً، “لا يمكنك ببساطة تغيير البنية التحتية بصورة كاملة لأسباب كثيرة”، يوضح تشيستر ويضيف: “لذا من المتوقع حدوث فيضانات ومشكلات. ولا بد من اتخاذ خطوات لتخفيف عواقبها. بمعنى آخر، علينا أن نتقبل فكرة أن الفيضانات ستحدث وتوجيه المجتمعات حول كيفية التعامل معها، مثل تعليم مرضى السكري كيفية حفظ الإنسولين مبرداً في حال انقطاع التيار الكهربائي، وتنفيذ التعديلات الممكنة في البنية التحتية حيثما يكون ذلك متاحاً وممكناً، مثل توسيع شبكات الصرف الصحي، أو دفن أسلاك الكهرباء تحت الأرض، أو رفع أجزاء مهمة من المباني إلى طوابق أعلى. ويردف تشيستر أن “كلف عدم التصرف في مواجهة الأخطار ستكون أكبر بأشواط من عدم اتخاذ خطوات استباقية أو حلول للحد منها منذ البداية. لا يمكنك أن تتجاهل، مثلاً، حرائق الغابات في لوس أنجليس أو فيضانات نيويورك، وتدعي أن لا كلفة لهذه الحوادث. في الحقيقة، الكلف ضخمة جداً”. بالنسبة إلى تشيستر، لا يقتصر العمل من أجل المناخ [خفض الانبعاثات الكربونية والضارة وتعزيز الطاقة المتجددة…] على الجانب المالي أو الاقتصادي فحسب، بل يتعلق كذلك بإظهار سلوك صحيح يحتذي به الآخرون [خصوصاً الأجيال المقبلة]. لقد وضع ألواحاً شمسية على منزله، ليس بالضرورة من أجل توفير المال، بل كي ينقل إلى أطفاله رسالة أو قيمة معينة من خلاله. يريدهم أن يعرفوا أن هذا السلوك جزء من قيمنا اليومية. “وأنه أمر مهم لا بد من الالتزام به”. ويؤكد تشيستر الأبعاد الشخصية المترتبة على اتخاذ الإجراءات اللازمة الآن: “إذا عاش أطفالي الذين يبلغون من العمر ثلاث وخمس وسبع سنوات، حتى متوسط العمر، سيكونون على قيد الحياة عام 2100، أي بحلول نهاية هذا القرن. فالقرارات التي نتخذها اليوم ستكون توطئة لنجاحهم أو إخفاقهم على هذا الكوكب”. وبالنسبة إلى سيغل وعائلتها، ما زالوا يجدون لحظات من الفرح حتى في غمرة التحديات. “عندما هطل المطر قبل بضعة أشهر، خرج ابني إلى الفناء واستلقى على الأرض المبللة فيما ظهره إلى الأسفل وأخذ يحرك ذراعيه وساقيه ليرسم ملائكة المطر… وعندما تهطل الأمطار، نخرج ونلعب فيما تغمر قلوبنا السعادة لأن السماء تمطر.” ولكن تلك اللحظات الجميلة العابرة تؤكد الحاجة الملحة إلى التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة. وتضيف سيغل: “في ولاية أريزونا، عندما يهطل المطر، يكون الحدث الأبرز. يشعر الجميع بحماسة شديدة”. في الواقع، المصير الذي سيؤول إليه المناخ في المستقبل [إذا استمرت التغيرات المناخية]، إذ يكون هطول الأمطار نادراً والحرارة مستعرة ليس مشكلة أريزونا فحسب، بل مشكلة عالمية. وعندما نبلغ هذا الدرك، لن تتمتع المجتمعات المتضررة بترف الادعاء أن سياساتها تمنعها من تصديق حقيقة التغيرات المناخية. © The Independent المزيد عن: حرائق كاليفورنياالتغير المناخيارتفاع منسوب البحارالولايات المتحدةمدينة فينيكسلوس أنجليس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رسالة أميركية لبيروت… لا تسامح مع نفوذ “حزب الله” بتشكيل الحكومة next post كويكب قد يضرب الأرض بـ500 ضعف قنبلة هيروشيما You may also like كويكب قد يضرب الأرض بـ500 ضعف قنبلة هيروشيما 7 فبراير، 2025 زيادة خطرة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الدماغ 6 فبراير، 2025 لاستخدامه في تطوير الأسلحة وأدوات المراقبة… «غوغل» تقر... 6 فبراير، 2025 ( 6 طرق) سهلة تحميك من عمليات الاحتيال... 6 فبراير، 2025 “ديب سيك”… فقاعة صينية أم تهديد لأميركا؟ 1 فبراير، 2025 كيف تحمي بياناتك من المجرمين الإلكترونيين عند التسجيل... 31 يناير، 2025 أسلحة “النخبة الإسرائيلية” في قبضة مقاتلي القسام أثناء... 29 يناير، 2025 علاج “فائق السرعة” للسرطان يمكن أن يحل محل... 24 يناير، 2025 مقهى روبوتات في طوكيو لمساعدة البشر وليس استبدالهم 22 يناير، 2025 نهاية العالم قد تدنو فيما البشرية تتأرجح بين... 22 يناير، 2025