مشهد من فيلم "ما وراء التلال" (موقع الفيلم) ثقافة و فنون “ما وراء التلال” فيلم روماني عن المنافس الوحيد الذي لن يهزمه الحب by admin 30 يناير، 2025 written by admin 30 يناير، 2025 20 للتذكير بما أراد الفيلسوف لابويسيه قوله في كتابه المنسي “عن العبودية الطوعية” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب مثل كثير من الأفلام، ينطلق فيلم “ما وراء التلال” للمخرج الروماني كريستيان مونجو من حادثة تناولتها الصحف ذات يوم. ومثل كثير من الأفلام أيضاً، يبدو عنوان الفيلم في نهاية الأمر غير ذي علاقة فعلية بأحداثه نفسها. الفيلم هو الثالث الذي يحمل توقيع مونجو، المخرج الذي يعتبر الآن زعيم موجة جديدة في السينما الرومانية بدأ يفرض حضوره على الساحة السينمائية العالمية خلال السنوات الأخيرة، وهو الفيلم الثالث له الذي عرض في مهرجان “كان”، بعد بداية خجولة بفيلمه الأول “الغرب” عام 2002. وكان الفيلم الأشهر الذي أطلقه إذاً، وتحفته التي عرضها في عام 2007 في المسابقة الرسمية ونال بها السعفة الذهبية “4 أشهر 3 أسابيع ويومان”. الفيلم الذي لم يكف عن التجوال حول العالم منذ ذلك الحين، معطياً السينما الرومانية، في طريقه، مكانة متجددة. وآية ذلك أن فيلمه الجديد “ما وراء التلال” كان أحد الأفلام المنتظرة بتشوق في الدورة الأخيرة لمهرجان “كان”، وتحديداً في المسابقة الرسمية. وكما قلنا أول هذا الكلام، أخذ مونجو فيلمه الجديد هذا من حادثة جرت فعلاً في أحد الأديرة الريفية الأورثوذكسية، ويقع في منطقة غير بعيدة من العاصمة بوخارست. ونكاد نقول هنا إن الحادثة في حد ذاتها هي من نوع حوادث تقع هناك بكثرة، ولكن نادراً ما تجري الإشارة إليها في الإعلام، أو تثير سجالات دينية أو قانونية. غير أن هذه الحادثة بالذات كان من شأنها أن أثارت ضجة واستتبعت محاكمات وقرارات لا بد من القول إن الفيلم، في نهاية المطاف، فضل أن ينأى بنفسه عنها. الفيلم أخذ الجوهر الفكري للحادثة ليبني عليه عالمه الخاص وأسئلته الحميمة بحيث إن الحدث نفسه لم يعد سوى ذريعة ينطلق منها المخرج، محاولاً طرح جملة من القضايا المتعلقة بالحب والإيمان والاختيار الحر، وتضافر البؤس المادي مع البحث عن السمو الروحي. طبعاً يمكن القول هنا إن مونجو لم يقحم اهتماماته ومشاغله هذه كلها على الفيلم من خارجه، غير أنه عرف كيف يركز عليها بحيث يستوعب الحدث الخارجي والهم الداخلي في بوتقة واحدة. الحادثة الحقيقية ومع هذا، نعرف أن مونجو استقى موضوعه من كتابين أصدرتهما تباعاً صحافية رومانية كانت تعمل مراسلة لـ”بي بي سي” في بلادها حينما انتشرت أخبار عن موت صبية في دير تحت وقع محاولات لإخراج “الشيطان من جسدها”، حتى توجهت إلى المكان مستطلعة، وتابعت القضية في تفاصيلها، فاضحة ممارسات كانت دائماً من نوع المسكوت عنه، مما أسفر عن فضيحة دينية / سياسية أدت إلى عقوبات وحرمان كنسي وما شابه. حدث ذلك في عام 2005، ويومها تابع مونجو الأخبار مثل غيره من الناس عبر شاشة التلفزة، ومن دون أن يخطر في باله أن في إمكانه أن يحقق فيلماً انطلاقاً من تلك الأخبار. فكرة الفيلم جاءت لاحقاً، في عام 2007، ففي ذلك الحين كان مونجو في نيويورك مرافقاً عرض فيلمه “4 أشهر 3 أسابيع ويومان”، وحدث ذات يوم أن تعرف هناك على الصحافية تاتيانا نيكولسكو بران، صاحبة الكتابين اللذين فصلا القضية، وقدمت له واحداً من كتابيها، وما إن قرأه في ليلتين، حتى وجد فيه إمكانات سينمائية مدهشة، ناهيك بأنه وجد في تلك الإمكانات مجالاً لطرح أسئلة تشغل باله. وكان أهم ما في الأمر بالنسبة إليه، ليس فقط موت الفتاة، بل قصة الحب واللامبالاة، ومن ثمة قصة تتعلق بموقف الإنسان من ناحية والدين من ناحية، من قضية الاختيار الحر. إذاً، من صورة فتاتين في دير ومن هذه القضية الأخيرة ولد الفيلم، الذي يمكن اعتباره واحداً من أعمق أفلام هذا العام. المخرج الروماني كريستيان مونجو (موقع مهرجان كان) الحب والشيطان قصة الفيلم ، كحدث، تبدو بسيطة إلى حد ما: تصل الصبية ألينا كريستينا فلوتور من ألمانيا، حيث تعيش وتعمل منذ فترة، إلى الريف الروماني، ساعية إلى الوصول إلى دير تنتمي إليه الآن رفيقتها منذ طفولتهما اليتيمة، فويشيتا كوزمينا ستراتان. إن كل ما تريده ألينا الآن إنما هو اصطحاب رفيقتها إلى “منفاها” الألماني، كي تعيشا معاً بعد أن فرقت ظروف الحياة وقسوتها بينهما. لم يكن لألينا في الحياة أي شخص آخر غير فويشيتا، بيد أن الأمر ليس على النحو نفسه بالنسبة إلى هذه الأخيرة، فهي صار لها حبيب آخر أبدي ومتملك لا يمكن ألينا أن تنافسه مهما فعلت ومهما كان عمق ارتباط فويشيتا الماضي بها، وهذا الحبيب الجديد هو الإيمان، هو الأعلى الذي لم ترتبط فويشيتا به إلا باختيارها الحر. بالتدريج تسعى ألينا وقد أقامت في الدير إلى إقناع رفيقتها بالسفر معها، غير أن هذه الأخيرة لم تعد قادرة على سلوك أي اختيار آخر، لذلك ترفض على رغم إلحاح ألينا. وهي ترفض من دون أن أي ضغط عليها من رؤسائها في الدير، والحقيقة أن واحدة من نقاط القوة الرئيسة في الفيلم – ومن دون أن نصل إلى الاعتقاد بأن الأمر كان على هذه البساطة في الحادثة الحقيقية – تكمن هنا: في ذلك الصراع الذي يصوره لنا بين قوة الحب من ناحية، وقوة الإيمان من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار بالتحديد يمكن القول إن مونجو سيطر على الموضوع تماماً، صارفاً النظر عما حدث حقيقة بعدما سيطر “الجنون” على ألينا، وصار مسؤولو الدير يرون أن الشيطان هو المسيطر عليها، وبالتالي بات يتوجب أسرها وتقييدها وإخراج ذلك الشيطان من جسدها، ومن روحها كذلك. وأشرنا أول هذا الكلام إلى أن الحادثة الحقيقية بما فيها ممارسات “التخلص من الشعوذة” و”طرد الشيطان” عن طريق التعذيب الجسدي، حركت السلطات وكذلك رؤساء الكنيسة فحرمت الأم الراهبة وسجن رئيس الدير، غير أن الفيلم لا يركز على هذه المسائل الحدثية. صحيح أنه يصور لنا رئيس الدير قاسياً حاسماً، ولا سيما في ضروب العقاب التي يفرضها على الخطاة الذين قد يقترف الواحد منهم واحدة أو أكثر من بين نحو 500 خطيئة يعاقب عليها القانون الكنسي الأورثوذكسي. فن من دون أشرار أو طيبين غير أن الفيلم يحاذر في الوقت نفسه من اتخاذ موقف، فليس ثمة هنا أشرار وطيبون، ما يهم هنا ليس سوى الصراع بين حب ألينا وإيمان فويشيتا. بل بالأحرى يمكن القول إن جوهر الفيلم إنما بني حول شخصية فويشيتا نفسها، وبصورة أكثر تحديداً، من حول قوة الإيمان التي تتملكها، فيقيناً هي تحب ألينا، ويقيناً أنها لولا حبها الكبير الآخر لكان من شأنها أن ترافقها إلى ألمانيا. لكنها لا تفعل، كذلك فإن حب ألينا لها وإصرارها على أخذها معها ثم الجنون والموت في سبيل ذلك، كل هذا يتركها غير مبالية على صعيد شخصي، إنها تحنو على صديقتها ورفيقة عمرها وتساعدها، ولكن من الخارج، من دون أي وعد، والأدهى من هذا، من دون أي تساؤلات أو شكوك. فالحاجز في داخلها، الحاجز هو الإيمان الكبير الذي يملأ قلبها، جاعلاً من غير الممكن لأي كائن أن يتسلل إلى داخل ذلك القلب حتى ولو كان -كحال ألينا بالنسبة إليها- أناها / الآخر. إنه الإيمان الذي ينبع، في رأي مونجو، من الاختيار الحر. وهو غير الإيمان الذي يأتي من طريق القسر والإكراه، فمن خلال هذا الفيلم يقول لنا مونجو – ومرة أخرى لا بد من القول إن هذه نقطة القوة في الفيلم والنقطة التي تجعل مسافة كبيرة بينه وبين الحادثة الحقيقية كما يمكننا أن نتصور – إن كل أسئلتنا حول الحب والعقل والسلطة، سيتوجب ذات يوم أن نحيلها إلى المكان الأصعب: إلى ذلك المكان الذي يشهد الصراع الداخلي العنيف بين الوعي والإيمان، بين حرية الاختيار وحرية التفكير. ترى أفليس علينا هنا أن نستعيد في ذاكرتنا، لولوج الفيلم بصورة أعمق، بعض أقوى صفحات كتاب “العبودية الطوعية” للفيلسوف الفرنسي لابويسيه؟ المزيد عن: ما وراء التلالالسينما العالميةرومانياالإيمانالحبكريستيان مونجوالأفلام الأجنبية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post التلوث يغرق العالم في “البخارة” والممثلون يبحثون عن الشمس next post كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا في “اجتماع سري” You may also like أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع... 30 يناير، 2025 كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا... 30 يناير، 2025 التلوث يغرق العالم في “البخارة” والممثلون يبحثون عن... 30 يناير، 2025 ظاهرة الزواج العصري المأزوم في مقاربة فلسفية 30 يناير، 2025 “موجز تاريخ الأدب البولندي” يرصد محطات الشيوعية وما... 30 يناير، 2025 فيلم “الخرطوم”: توثيق إرث ضائع وسط لهيب الحرب 30 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي موقع مسافي في... 28 يناير، 2025 جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل 28 يناير، 2025 قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية 28 يناير، 2025 ياباني يكتب رواية صينية معاصرة عن الذاكرة الثقافية 28 يناير، 2025