الخميس, يناير 30, 2025
الخميس, يناير 30, 2025
Home » مجيد رفيع زاده يكتب عن: مناورة إيران التكتيكية… تحول هش في الدبلوماسية النووية

مجيد رفيع زاده يكتب عن: مناورة إيران التكتيكية… تحول هش في الدبلوماسية النووية

by admin

 

تخفيف الضغوط وشراء الوقت

المجلة / مجيد رفيع زاده

في تحول لافت للأحداث، شرعت إيران مؤخرا في محادثات نووية مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، في تحول كبير في المسار الدبلوماسي الإيراني بعد سنوات من ركود المفاوضات. وقد دفعت هذه العودة المفاجئة إلى الدبلوماسية الكثير من المراقبين إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تغير هذا الاتجاه، وما هي أهداف إيران منه، وهل ستسفر هذه المحادثات الجديدة عن أي نتائج ملموسة؟

اتسم موقف إيران من المفاوضات النووية بالتشدد طيلة السنوات الماضية. فقد أكدت الحكومة الإيرانية، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، أن البلاد لن تستسلم للضغوط الخارجية، والأميركية منها على الأخص. ولكن مع حلول عام 2025، تغير خطاب إيران جزئيا، ما فتح المجال أمام الإعلان عن محادثات نووية جديدة مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث. ويثير هذا التحول غير المتوقع السؤال التالي: ما الذي دفع إيران إلى فتح فصل جديد من الدبلوماسية؟ ولعل السؤال الأهم من ذلك هو: ما الذي تأمل إيران في تحقيقه من هذه المفاوضات؟

تحول تكتيكي وليس تغييرا جذريا

للوهلة الأولى، تبدو مبادرة إيران الأخيرة انحرافا كبيرا عن سياستها الراسخة في رفض الضغوط الدولية على برنامجها النووي. غير أنه من المهم أن ندرك أن هذا التحول تكتيكي في طبيعته على الأرجح، وليس تغيرا جوهريا في أهداف إيران الاستراتيجية الأوسع. وقد يبدو قرار إيران بالانخراط في الدبلوماسية النووية مفاجئا، ولكن من المرجح أن ما دفعها لاتخاذه، هو سلسلة من العوامل الداخلية والخارجية الملحة التي لم تبق للحكومة سوى القليل من البدائل. ومن منظور المرشد الأعلى، فإن الدبلوماسية والمفاوضات كثيرا ما ينظر إليهما بعين الريبة، لأنهما قد تفسران بوصفهما علامات على الضعف. وفي سياق السياسة الإيرانية، يعد الاستسلام للمطالب الدولية أو الانخراط في الدبلوماسية دون فوائد ملموسة، ضربة لمكانة الحكومة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.

لذا من المرجح أن لا يعود انفتاح إيران على مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، إلى تحول في استراتيجيتها النووية الطويلة الأجل، بل هو في الواقع خطوة تكتيكية تهدف إلى تخفيف الضغوط وشراء الوقت. ولطالما نظرت الحكومة الإيرانية، ولا سيما وهي بقيادة المرشد الأعلى خامنئي، إلى الدبلوماسية كآلية للبقاء واستمرار الحكم، وليس مسارا حقيقيا للتسوية. لذا فإن هذه المحادثات النووية، مع أنها تشير إلى تحول في النبرة، لا تشير بالضرورة إلى تغيير في أهداف إيران الأساسية.

سقوط الأسد: ضربة استراتيجية لإيران

أحد أهم العوامل المؤثرة في إحداث هذا التحول الدبلوماسي الإيراني الأخير، هو الانهيار الدراماتيكي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. فلطالما كانت سوريا واحدة من أهم حلفاء إيران في المنطقة، وقد شكل سقوط حكومة الأسد انتكاسة شديدة لطهران، سواء على الصعيد الاستراتيجي أو النفسي.

فمن الناحية الاستراتيجية، أدى فقدان نظام الأسد إلى تعطيل نفوذ إيران في بلاد المشرق العربي. فقد شكلت سوريا الأسد حلقة وصل حاسمة بين إيران ووكلائها الإقليميين، بمن فيهم “حزب الله” في لبنان ومختلف الميليشيات المسلحة في العراق واليمن. وأدى سقوط حكومة الأسد إلى قطع ممر حيوي للنفوذ الإيراني، فقلل بذلك من قدرتها على فرض قوتها في جميع أنحاء المنطقة. بالإضافة إلى أن خسارة سوريا كحليف، كشفت عن نقاط ضعف إيران في المنطقة، ويطلق إشارة لخصوم طهران بأن نفوذها قد ينحسر.

اف ب

المفاعل النووي الايراني في بوشهر في صورة التقطت في 8 اكتوبر 2021

انهيار نظام الأسد يقوّض مكانة إيران في الشرق الأوسط. إذ طالما نصّبت إيران نفسها كقوة إقليمية قادرة على تحقيق الاستقرار لحلفائها ومقاومة الضغوط الخارجية

أما من الناحية السياسية، فانهيار نظام الأسد يقوّض مكانة إيران في الشرق الأوسط. إذ طالما نصّبت إيران نفسها كقوة إقليمية قادرة على تحقيق الاستقرار لحلفائها ومقاومة الضغوط الخارجية. وقد أرسل سقوط أحد أهم حلفائها الإقليميين إشارة إلى كل من الجهات الفاعلة الإقليمية والقوى الدولية، بأن إيران ربما لم تعد حصينة كما بدت ذات يوم. كما أضعفت هذه الضربة السياسية موقف إيران التفاوضي على الساحة الدولية، مما يجعل التعامل الدبلوماسي مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث خيارا أكثر جاذبية في سعيها لإنقاذ سمعتها الإقليمية.

من الناحية النفسية، يشكل سقوط نظام الأسد ضربة موجعة لشعور القيادة الإيرانية بالأمن والقوة. فلطالما دأبت القيادة الإيرانية، ولا سيما تحت قيادة المرشد الأعلى خامنئي، على استعراض قوتها عبر تحالفاتها وقدرتها على تحدي الضغوط الغربية. وتمثل خسارة الأسد خسارة رمز رئيس من رموز المقاومة ضد الهيمنة الغربية، وهو ما يشكل تحديا لتصور إيران لنفسها كقوة إقليمية. ومن المرجح أن يساهم هذا التحول النفسي في قرار إيران بمواصلة المحادثات الدبلوماسية، حيث تسعى القيادة إلى استعادة شيء من السيطرة على صورتها الإقليمية والعالمية.

موقف “حزب الله” الضعيف: العمليات العسكرية الإسرائيلية

ما زاد من تعقيد موقف إيران، بالإضافة إلى الخسارة الاستراتيجية للأسد، هو العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة ضد “حزب الله” وغيره من الوكلاء الذين تدعمهم إيران في المنطقة. ولطالما كان “حزب الله”، أحدُ أهم حلفاء إيران، أداةً لنفوذ إيران في لبنان والمشرق العربي الأوسع. سوى أن الحملات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت قيادة “حزب الله” وبنيته التحتية، ألحقت بقدراته خسائر فادحة.

وتتدهور قوة “حزب الله” العسكرية وقدرته على تنفيذ العمليات في المنطقة، تدهورا شديدا بسبب العمليات الإسرائيلية. ويسبب هذا الإضعاف المتواصل لـ”حزب الله” قلقا خاصا لإيران، لأنه يمثل خسارة مباشرة لنفوذها في لبنان وتقليصا كبيرا لقدرتها على فرض قوتها عبر وكلائها. ولم يقتصر تأثير هذه العمليات على إضعاف “حزب الله” فحسب، بل أدى إلى إضعاف مكانة إيران الإقليمية، وهذا ما حد من خياراتها الاستراتيجية.

ويشكل تراجع قدرات “حزب الله” ضربة قوية لاستراتيجية إيران في الإطار الإقليمي الأوسع. وقد تشعر نتيجة لذلك، بالحاجة إلى الانخراط في محادثات نووية كوسيلة لإدارة موقفها الضعيف، والبحث عن سبل تمكنها من الحفاظ على نفوذها في المنطقة. ويمكن النظر إلى تحول إيران إلى السبل الدبلوماسية كوسيلة لتحويل تركيزها من الصراعات العسكرية الإقليمية ونقله إلى المشاركة الدبلوماسية، ربما على أمل تثبيت مكانتها في الشرق الأوسط.

 الصراعات الاقتصادية: تزايد الضغوط الداخلية

تواجه إيران على الصعيد الداخلي، أزمة اقتصادية كبرى، فاقمت من حدة نقاط الضعف في البلاد. فالاقتصاد الإيراني في حالة سقوط حر منذ سنوات، بلغت فيها معدلات التضخم مستويات فلكية وهبطت قيمة العملة الإيرانية هبوطا حادا. كما أدى سوء الإدارة الاقتصادية، إلى جانب التأثير المدمر للعقوبات الدولية، إلى جعل إيران تكافح من أجل تلبية احتياجات سكانها.

إحدى أكثر القضايا التي تواجه إيران إلحاحا عام 2025 هي أزمة الطاقة المنتشرة في البلاد على نطاق واسع. فقد باتت حالات انقطاع التيار الكهربائي ونقص الطاقة أمرين شائعين في الكثير من أجزاء البلاد، وهو ما يؤثر بشدة على الحياة اليومية والإنتاج الصناعي، مع أن الحكومة الإيرانية تبذل ما تستطيع لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة. وقد أثار هذا الوضع استياء كبيرا بين السكان، إذ يشعر كثير من الإيرانيين بأن الحكومة فشلت في تلبية احتياجاتهم الأساسية. ومع تصاعد السخط العام، تتعرض القيادة الإيرانية لضغوط متزايدة لتحقيق نتائج ملموسة. ويمكن النظر إلى المشاركة في المفاوضات النووية مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث على أنها وسيلة تستخدمها الحكومة لكسب الوقت ولكسب بعض الراحة من الضغوط الاقتصادية. ويمكن النظر إليها أيضا بوصفها وسيلة لتخفيف الضغوط الدولية وتأمين تنازلات اقتصادية قد تساعد في استقرار الاقتصاد الإيراني.

من أكثر القضايا التي تواجه إيران إلحاحا عام 2025 هي أزمة الطاقة المنتشرة في البلاد على نطاق واسع

 عودة دونالد ترمب: تجدد الضغوط الأميركية

من العوامل الرئيسة الأخرى التي ساهمت في تحول إيران إلى الاستراتيجية الدبلوماسية، عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة. فقد رافقت عودته إلى منصبه تأكيدات متجددة على ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران. ويشمل هذا إعادة فرض عقوبات قاسية على الاقتصاد الإيراني واستمرار السياسة الأميركية بدعم إسرائيل في مواجهة إيران.

واحتمال استمرار العقوبات وزيادة العزلة الدولية يجعل من الصعب على إيران أن تحقق أهدافها الإقليمية والنووية. ويحد موقف إدارة ترمب المتشدد من إيران من خياراتها الدبلوماسية. لذا ربما قررت إيران نتيجة لذلك أن تنخرط في المفاوضات النووية كوسيلة لتخفيف شيء من الضغوط الأميركية وربما تأمين إغاثة اقتصادية محتملة.

أ ف ب / الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، البيت الأبيض في 8 مايو 2018

وبالإضافة إلى الضغوط السياسية الخارجية، واصلت إسرائيل استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية. فقد استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية أواخر عام 2024 مراكز بحثية رئيسة ضمن البرنامج النووي الإيراني، مما تسبب في انتكاسات كبيرة له. ومع أن إيران لم تعترف رسميا بحجم الأضرار، فإن التقارير تشير إلى أن هذه الضربات عطلت طموحات إيران النووية، فزاد بالتالي من صعوبة تحقيق هدفها المتمثل في تطوير الأسلحة النووية في المستقبل القريب.

ولعل إيران، بعد الانتكاسات التي تعرض لها برنامجها النووي، قد خلصت إلى أن مواصلة المفاوضات مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث هو الخيار الأفضل لتفادي مزيد من الضرر الذي قد يلحق بمنشآتها النووية. وربما كان الخوف من أن تشن إسرائيل مزيدا من الضربات، هو القوة الدافعة وراء استعداد إيران المفاجئ للدخول في المفاوضات. وعلى الرغم من أن بوسعنا النظر إلى هذه المحادثات بوصفها جهدا حقيقيا لحل القضية النووية دبلوماسيا، فإن الدافع الكامن وراءها قد يكون أكثر برغماتية، أي السعي للحفاظ على البرنامج النووي الإيراني عبر تجنب المزيد من الضربات.

بالإضافة إلى الضغوط السياسية الخارجية، واصلت إسرائيل استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية

يبدو الاتفاق مستبعدا

على الرغم من التحول الواضح في الموقف الدبلوماسي الإيراني، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي جديد ضئيلة. فقد تغير المشهد الجيوسياسي إلى حد كبير منذ أيام إدارة أوباما، كما لم تؤد الاختلافات بين إدارتي بايدن وترمب إلا إلى تعميق الانقسام بين الولايات المتحدة وإيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل، إلى جانب الديناميات الإقليمية المعقدة، تجعل من المستبعد أن تتمكن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث من التوسط في صفقة ترضي جميع الأطراف المعنية.

فحتى ينجح الاتفاق النووي، لا بد أن تكون جميع الأطراف مستعدة لتقديم تنازلات. وإذا أخذنا في الحسبان التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتحديات الداخلية والخارجية المعقدة التي تواجه الحكومة الإيرانية، والمشهد السياسي في الولايات المتحدة، فإن تحقيق اختراق في الدبلوماسية النووية يبدو أمرا بعيد المنال على نحو متزايد.

وفي الختام، جاء قرار إيران الأخير ببدء المفاوضات النووية مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث مفاجئا للكثيرين. ومع ذلك، فإن الأسباب الكامنة وراء هذا التحول مرتبطة بعمق بالضغوط المتزايدة التي تواجه إيران على جبهات متعددة، محلية وإقليمية وعالمية. فقد ساهم انهيار نظام الأسد، وإضعاف “حزب الله”، والأزمة الاقتصادية، والضغوط الأميركية المتجددة، في دفع إيران إلى اتخاذ قرارها بالسعي إلى المشاركة الدبلوماسية. ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون هذا التحول في الدبلوماسية مناورة تكتيكية وليس تغييرا جوهريا في الاستراتيجية النووية الإيرانية بعيدة الأمد. ومع أن المفاوضات قد تقدم شيئا من الراحة المؤقتة، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق دائم لا تزال أمرا غير مؤكد.

المزيد عن:  إيران ترمب

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00