المخرج الإيطالي بيترو جيرمي (موسوعة السينما الإيطالية) ثقافة و فنون استرجاع باريسي لسينما المخرج الإيطالي الأكثر إنسانية والأقل هزلا by admin 2 ديسمبر، 2024 written by admin 2 ديسمبر، 2024 62 بيترو جيرمي افتتح الواقعية الجديدة قبل أن يغيب في نسيانها ثم يؤسس تيارها الضاحك اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل شهر من الآن اختتم السينماتيك الفرنسي في باريس موسم عروض سينمائية نجح في نفض الغبار عن واحد من أصحاب الوجوه المنسية في التاريخ الراهن بعض الشيء للسينما الإيطالية، وهو بالتحديد السينمائي الذي عد خلال سنوات الـ60 من القرن الماضي واحداً من أبرز مبدعي ذلك التيار الذي عرف بتيار الكوميديا الإيطالية مع أنه كان في حقيقته نوعاً من امتداد أكثر جدية للتيار السابق عليه: تيار الواقعية الجديدة في ذلك البلد الذي لم يتوقف يوماً عن أن يكون سينمائياً بامتياز. ونتحدث هنا على أية حال عن بيترو جيرمي (1914 – 1974) الذي حتى ولو كان قد بدأ حياته السينمائية باكراً جداً على التيار الذي اعتبر من مؤسسيه منذ ما قبل سنوات الـ70 فبداياته السينمائية تعود إلى نحو عام 1947 حين حقق فيلمه الأول “الشاهد”، فإنه انتظر حتى عام 1961 قبل أن يطلق التيار الكبير الآخر في مسيرته أي تيار الكوميديا الإيطالية، بفيلمه الأشهر “طلاق على الطريقة الإيطالية” (1961) الذي لا يزال يعد حتى اليوم السابق والأفضل بين مجمل الأفلام التي أسست للتيار. وعلى أية حال لن يفوتنا أن نذكر هنا أن الموسم السينمائي الاستعادي الذي تابعناه مع الجمهور بشغف، أكد أن هذا التيار لا يزال متخماً بأهميته وبعده الإنساني ودلالاته الاجتماعية حتى اليوم، ولا سيما لدى جمهور لم يعرف لا بيترو جيرمي ولا سينماه من قبل. بعيداً من الكوميديا ولعل من الأنسب أن نبدأ حديثنا هنا عن جيرمي بوقفة عند “طلاق على الطريقة الإيطالية” الذي لم يطلق يومها ذلك التيار بكل زخمه، بل أطلق كذلك شعبية بطله الذي كانت نخبويته فاقعة من قبل لكنه مع فيلم جيرمي جمع الشعبية إلى النخبوية وبارح محليته الضيقة إلى آفاق جعلت منه واحداً من كبار النجوم السينمائيين على الصعيد العالمي أسوة بآلان ديلون وعمر الشريف وغيرهما من الكبار الذين لا يمكن هوليوود أن تزعم أنها صنعتهم هم الذين نادراً ما عملوا تحت سقفها. المهم هنا إذا أن فيلم جيرمي أتى في ذلك الحين وتحت غطاء الكوميديا ليركز على واحدة من القضايا الشائكة التي تطاول الحياة الاجتماعية في ذلك البلد وفي ذلك الحين: قضية الطلاق الذي كان محظوراً كنسياً حتى وإن كانت قيوده قد بدأت تخف بعيد الحرب. كان ذلك بضغط من القوى الاجتماعية الجديدة أما المقاومة فكانت من جانب المجتمع بفعل العادات والتقاليد بأكثر مما بفعل سلطة الكنائس. ونعرف عادة أن تلك تكون في أحيان كثيرة أقوى من هذه وأقسى. ومن هذا الواقع استقى الفيلم موضوعه الذي يدور من حول بارون ثري من أساطين المال في صقلية لا يتورع عن قتل زوجته للتخلص منها، إذ عجز عن طلاقها لمعارضة الكنيسة والمجتمع للطلاق. والحقيقة أن جيرمي لم يكن في حاجة إلى أن يعلن أول الفيلم أنه مأخوذ من حادثة وقعت فعلاً. وذلك بكل بساطة لأن مثل تلك الجريمة كانت تقع فعلاً بصورة يومية باعتبار قتل الزوجة – وربما الزوج أحياناً – كان الحل الوحيد للطرف الذي يريد التخلص من زوجه. وتسير الحياة في عاديتها من الواضح هنا أن ليس ثمة في الفيلم حكاية حقيقية ولا درس أخلاق ولا أي شيء من هذا القبيل. كل ما فيه عرض لسلوكيات شريحة هي، على غرابتها، جزء من الحياة اليومية في مجتمع لا يتوقف عن التهام نفسه بنفسه وحتى من دون أن ينتبه إلى غرابة أوضاعه وتصرفاته بحيث يصعب القول إنه يعيش وسط تلك “الغرابة غير المقلقة” – في استعارة طردية من عنوان شهير لفرويد – يعيش حياة عادية يكاد الناس يمرون بها دون انتباه. ثم تأتي السينما لتسلط مكبرها على الحدث العادي فتنتزع منه عاديته محولة إياه إلى قضية لا عهد للناس بها من قبل. بوستر فيلم من إخراج بيترو جيرمي وبطولة مارسيللو ماسترياني (موقع الفيلم) لقد أتى فيلم جيرمي هذا ليلعب دور المكبر مثيراً دهشة المتفرجين وسخطهم ولسان حالهم يقول باستنكار مدهش: أيحدث هذا حقاً لدينا هنا! يا للفضيحة! وتكون الفضيحة متمثلة خاصة في ما يؤول إليه مصير البارون: كان مصيره عادياً قبل السينما. فهو بعد أن قتل زوجته، لمجرد أنه عاجز عن طلاقها، يدخل السجن لفترة قليلة جداً، ثم يبارحه ليجد عشيقته التي من أجلها اقترف ما اقترف، تنتظره فيعقد عليها زيجة ثانية لا يمكن للكنيسة أن تعترض عليها وتسير به الحياة بصورة طبيعية، إذ حتى حين يحتج البعض على ما جرى يكون ثمة دائماً من يرد على الاعتراض قائلاً: وما دخلكم أنتم في الأمر؟ ومن هنا نتذكر كيف أن ثمة من وقف ضد الفيلم وإثارته القضية متسائلاً: لماذا يتدخل هؤلاء في الحياة الشخصية للبارون. لقد “فقد زوجته وترمل” وخضع لـ”حكم القانون” وهو حر في أن يعيش حياته الآن كما يشاء! سينما احتجاج اجتماعي من الواضح في نهاية المطاف حتى ولو كان “طلاق على الطريقة الإيطالية” فيلماً متفرداً بدا عليه، ظاهرياً في الأقل، أنه يبتغي الوصول بالهزل المتهكم على المجتمع حدوداً فاقت كل مستويات الحس الكوميدي في هذا البلد، من الواضح أن الموضوع قد لامس كل شرائح وطبقات المجتمع، وكان له تأثيره في التخفيف التدريجي من المحظورات الكنسية والاجتماعية سواء بسواء. غير أن الأهم من ذلك كان في تأثيره في السينما نفسها بعدما تشتت الواقعي منها في دروب مسدودة مع تحف ورثت الواقعية الجديدة متشظية على أيدي فيسكونتي (وسينماه الأرستقراطية) وأنطونيوني (وسينماه الشاعرية) وفلليني (وسينماه الكبيرة في المقاييس كلها)، وغيرهم وبالتواكب مع مؤسس الواقعية الجديدة روسيليني وتشابك الدروب العديدة التي راح يسلكها مؤسسون آخرون من طينة فيتوريو دي سيكا. ففي الحقيقة أن جيرمي إنما خلق من خلال ذلك الفيلم سينما لا يمكنها إلا أن تنتظم في توجهات سينمائية متعددة لا تقتصر على فيلم واحد، بل تنخلق من خلالها مواضيع تنطلق من المجتمع وعوراته كما يرصدها مبدعون سخروا كل طاقاتهم الإبداعية ليجمعوا ذلك في صرخة واحدة هي “كفى!”. وهم كانوا على أية حال مدركين تماماً أن فيلماً يحققه واحد منهم لا يمكن أن يفي وحده بالغرض. وهكذا على خطى بيترو جيرمي ولدت سينمات حققها مخرجون جدد وآخرون أفاقوا من سباتهم، بل حتى من حيرتهم يفوق بعضهم جيرمي هزلاً أو ميلودرامية ويحملون أسماء راحت تنطلق كالسهم من بعد جيرمي أو تستعيد قديماً كان سابقاً لمحاولة جيرمي الجريئة الأولى. وفي مطلق الأحوال سنجدهم منذ ذلك الحين يحدثون تغييرات لم يكن أي منهم يتوقعها على أية حال، ليس في بنية السينما وحدها، بل انطلاقاً منها في بنية المجتمع، أفلام تحمل توقيعات كومنتشيني أو مونيتشيللي أو ريزي ثم بخاصة أيتوري سكولا، وصولاً إلى ورثة لهم من أبرزهم ناني موريتي، واللائحة تطول بالتأكيد. ومن هنا إذا كانت باريس قد احتفلت منذ نهايات الصيف الماضي ببيترو جيرمي وسينماه، فإنها في الحقيقة إنما احتفلت بتيار سينمائي كبير عرف كيف يحدث قلبة اجتماعية – سينمائية ربما تكون واحدة من أطرف الثورات التي أحدثها فن في تاريخ مجتمع من المجتمعات، قلبة لا شك أنها كانت كافية، حتى ولو قيل بعدها إن السينما الإيطالية قد بهتت، بل “انتهت” مع حلول نهايات القرن الـ20 لتدخل سجل الخلود، في مجالها في الأقل، لن يكونوا على خطأ أولئك الذين أردفوا قائلين: على أية حال يمكن القول إن ختامها كان… مسكاً. المزيد عن: باريسالسينما الإيطاليةالكوميديا الإيطاليةطلاق على الطريقة الإيطاليةالواقعية الجديدةآلان ديلونعمر الشريفبيترو جيرمي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كي تصدق المقولة عن نقش الفلسفة في الصغر next post رواية “غاتسبي العظيم” تسطع في برودواي بعد 100 عام You may also like هل هناك مدرسة فلسفية مغربية؟ 3 ديسمبر، 2024 “الجميلات النائمات” في رحلة الحب والموت 3 ديسمبر، 2024 “أعراس” لسترافنسكي: تقاليد الريف الروسي تغزو الموسيقى الأوروبية 3 ديسمبر، 2024 العراقي قيس الزبيدي ترك اثرا كبيرا في السينما... 3 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: لُقى «سمهرم» في محافظة... 3 ديسمبر، 2024 “أيام الرخص” تسترجع الأربعينيات الليبرالية في مصر 2 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الفن والجنون وجهان لعبقرية... 2 ديسمبر، 2024 ما حدود قدرة كُتاب الظل على نقل التجارب... 2 ديسمبر، 2024 برامانتي بصحبة ليوناردو سنوات بداياته في خدمة آل... 2 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 ديسمبر، 2024