نبيل البقيلي يكتب الى بيروت الرسالة الاخيرة: بول شاوول آخر ما بقي من المدينة

بعض ممن عرفتهم فقدوا شرعيتهم كاصدقاء قدامى ، وتحولوا الى زمر وميلشيات اشد ارهابا من الميلشيات التي عرفتها المدينة ذات يوم.

Milan Malpensa Airport / نبيل البقيلي

تآتي الطائرات حزينة خجولة ومترددة كي تحط في مطار بيروت الدولي الذي لم يعد لائقاً لاسم الشهيد الرئيس رفيق الحريري

ولكن .. قررت الهبوط في مدينتي رغم ما احمله من الم ووجع طوال بعض السنوات من الغياب ، لاسباب عرفتها لاحقاً بانه يجب علي ان اتحلى بالامل والصبر ولاحقا بالايمان ، ان الله ينقذ او يقضي بمن يشاء.

كنت اكره ما يقوله ادونيس في مرحلة ما حول العربي او المسلم بانه قدري يعرف البدايات وبستعد للنهايات .

اما وقد آمنت بقدري كأنسان قررت ان امضي نحو بيروت مستعداً لمشيئته وبما قد يقضي به .

—————–

الزميل والصديق فؤاد حطيط كان اول من التقيتهم بعد سنوات من الهجرة في قبرص ، كان اللقاء في “ستارباكس غلاكسي” الذي بات يشبه قهوة القزاز في اسوأ ايامها

يقضي فؤاد وحدته برفقة حفيده ، متجاوزا معه مرحلة التحولات والازمات التي تمر بها البلاد ، من خلال هذه العلاقة استطاع ان ينظر نحو المستقبل والامل بعد ان فقد ايمانه بالكتابة والجدوى منها.

موعدنا التالي كان عند “اللحام” االذي هاجر من طريق صيدا القديمة الى عين الرمانة كي يبيع ما يدهش العالم من اللحمة ذات النكهة الجنوبية الطازجة.

من يعرف فؤاد خارج العلاقة المهنية يعرف مدى علاقته الساحرة وخبرته باللحمة ففي بيته كما كان يقال ملحمة خاصة به.

اعرف خبرته هذه منذ كنا في قبرص ولكن لم اكن اتوقع ان تصبح في بيروت “علاقة ملحمية” حيث يتوفر اللحم البلدي ذو النكهة الخارقة.

يتصرف فؤاد في ملحمة شارع غنوم وكأنه يتجول في المكتبة الوطنية او في متحف اللوفر.

كل ما يمكن تخيله من اشتقاقات اللحمة وفلسفتها اللبنانية والشعبية كان على المائدة المزينة بالخضار وكوؤس العرق الناصعة البياض .

تبدا الوليمة بصحتك ولتستكمل بحضور كل فعاليات آل حطيط ، الثقافية والاعلامية والمهنية ، الى جانب اصدقاؤهم وعائلاتهم ، جلسة تحولت الى مهرجان جنوبي برائحة اليانسون وكرم هذه العائلة ولطفهم في الاستقبال والاحترام.

جلسة مذهلة تعيد امجاد الوطن وبيروت ، وحوارات ذات قيمة ودلالة ومعنى .

—————–

بول شاوول الجميل المنعش بذاكرته حين يتحدث عن ماضي المدينة يحول كتابها والمثقفون فيها الى اشكال متوهجة بالسخرية والجدية

بول المعتدل بمواقفه السياسية اللا مساوم في كتاباته الثقافية

خلال الحرب فضل بول الانتقال الى جغرافية الحركة الوطنية قمارس حريته وكتاباته بعيدا عن القوى التي كانت تسيطر على الجغرافيا المقابلة.

اسس بول في مرحلة السبعينات مع مجموعة من الجامعين الذين كانوا ينتمون الى جميع الطوائف اسسو حركة “الوعي ” المعتدلة كي تقود المسيرة الطلابية المطلبية ، ولكن سرعان ما تحول معظمهم خلال الحرب اللبنانية الى قادة للميلشيات في طوائفهم.

بقي بول خارج بل معادياً لهذا الاصطفاف الطائفي.

حصد بول نتيجة عدم انحيازة الى اطراف الحرب وفي مرحلة السلام المؤقت المزيد من المتاعب ، والتهديدات والدعاوى من قبل السلطة الحاكمة من الرئيس لحود حتى عهد ميشال عون وعائلته اضطر خلالها الابتعاد القسري عن لبنان.

بول مازال محافظاً على صمته وثقافته وابتسامته في مواجهة انتكاساته الصحية وسقوط المدينة امامه في هاوية الانحطاط والفوضى وغياب ثقافتها العريقة .

نسترجع شريط الذكريات نزيه خاطر، عصام محفوظ، رفيق شرف، ونضالات حركة الوعي.

بول المنسجم سياسيا مع نفسه في جميع المراحل هو بول نفسه خلال الحرب العبثية وحربه مع السطة الفاسدة.

اترك بول شاوول حاملاً بيده اليسرى يده اليمنى وقلمه كي يكتب مقالاته .

——————-

• قسم الثنائي العائلات الشيعية التاريخية المناهضة الى بازل ومكعبات يستحيل جمعها بهدف السيطرة عليها، سوى بعض الافراد الذين يرفضون التطبيع مع النهج السياسي للحزب والحركة.
• ملامح ثورة تشرين لم يبق منها سوى بعض الشعارات التي يزيلها المطر تدريجياً
• هذه الثورة لم تفشل كونها خلقت جيلا ثورياً ينتمي الى شباب مازالت لهجتهم الطائفية او المذهبية تؤكد انهم استمرار للحالات او المرحلة التي تجسد رغبة الطوائف او المذاهب بتشريع ثقافتها.
• مرحلة الطائفة تكاد تنتهي الى مرحلة العائلة.
• – نعم لا افق امام هذه العشائرية الطاغية التي تسود منطق بعض اللبنانين.

– بعضهم يعتبر مشكلته مع الله بعد ان يأس من احزابه

-مدينة تشيع الاحياء لا موتاها ، الموتى بهذه البلاد ماتوا .. ولكن الاحياء ينتظرون.

-رائحة غريبة

صمت غريب

غرباء يزحفون في ازقتها وشوارعها بمباركة اممية

• لولا مطاعم بربر لاقفلت بيروت قبل غياب الشمس
• مطعم ام نزيه التي تحاول ان تحيي ذاكرة بيروت بايقاعاتها الجميلة ، ام نزيه تريد ان تقول لا تناموا ، بيروت مازات يقظة وحية ، هيا بنا الى الفرح لمن يرغب بالحياة.
• نساء قبيحات تقودهن كلاب هرمة.
• غادر ميشال عون السلطة ولكن رائحته مازالت في جميع مرافق البلاد.
• بيروت تكاد تلفظ انفاسها الاخيرة على عتبة حروب الاستنزاف التي تقودها نيابة عن الملائكة.
• فقدت المدينة الكثير من معالمها وخصوصيتها وكبريائها ولن تستعيد كرامتها في المدى المنظور.

————-

ابواب المدينة مظلمة وحيواناتها اللقيطة نحيلة وكلاب اصحابها طاعنون في السن

في الليلة الاخيرة فضلت ان اكون وحيداً مع”الماسة” كي استعيد ما فقدته من ذكريات .

المتسولة البيروتية ونظراتها الحادة

ترتجف رجلاي من شدة الخوف والقلق وانا استعيد ذكرياتي في المدينة.

مدينة يسودها الصمت والخوف والقلق

على عجلة وانا اغادر ، لا اريد مزيداً من الحنين والالم ولا اكتشاف اسرار جديدة عن المدينة واهلها وحالاتها الملتبسة ، اردت الاحتفاظ في ذاكرتي على ما تبقى من بيروت مدينة طفولتي واهلي وقبور اجدادي .. بيروت بازقتها وملاعبها من البسطة حتى قاع الخندق الغميق المطل على مدافن الباشورة حيث ينام جدي وجدتي واهلي ولا ادري من مات في غربتي.

الخسارات التي تستقبلك كثيرة ومتعددة حين تدخل المدينة التي غادرتها قبل اعوام وتدخلها مجدداً بحثاً عن صداقات قضت في الغربة او البلاد .

اغادر بيروت مغتسلا بمياهها التي تبدو ملوثة ولكنها في الباطن نقية طاهرة

قد لاتبالي وانت تفقد مدينتك لانك تنتحل هوية وطن اخر ولكن حين تكون تلك المدينة بمسنوى بيروت ووطنا اعلى رتبة من جميع الاوطان عليك التحلي بالشجاعة وانت تدخله بهوية اخرى

بيروت مدينة غير قابلة لاعادة التدوير

فقدت شعبها

وامكنتها

وهويتها

وثقافتها

وحريتها

ولم يبقى سوى بول شاوول ابنها الجميل

ينتظر

—————————

في حضرة الزميل فؤاد حطيط

بول مغادرا المقهى في الثانية

ميفوق وعطر كنيستها

لولا بربر لاقفلت بيروت عند غروب الشمس

قطط شارع الحمرا نحيلات

ما تبقى من ثورة تشرين

مطاعم وسهرات ام نزيه تحاول اضافة بعض الفرح الى المدينة

كانت عاصمة للصحافة العربية ولكن…