الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » المصريون والدعم النقدي… الهواجس تشتعل والسياسة حاضرة

المصريون والدعم النقدي… الهواجس تشتعل والسياسة حاضرة

by admin

 

الفاتورة المكلفة والعمل على استدامة الخدمة من أسباب تمهيد الطريق لتحويل “العيني” إلى “بنكنوت”

اندبندنت عربية / أمينة خيري

نقدي! عيني! جزء صغير نقدي وما تبقى عيني! جزء صغير عيني وما تبقى نقدي! عيني! نقدي! نقدي! عيني!، ويمضي المصريون في طرح الخيارين وبحث المنظومتين وتداول قائمتي المنافع والأضرار مضياً يجمع بين الحديث والقديم.

قديماً، أو بمعنى أدق في 2010، تفجرت أنباء عن خطوات رسمية باتجاه التحول من الدعم العيني إلى النقدي، فتداول المصريون حينها أن تحوّل الشاي والسكر والزيت وغيرها من السلع الغذائية التي تُصرف على بطاقة التموين إلى الـ”بنكنوت” صار وشيكاً. وقتها تفجرت موجات نفي رسمية مؤكدة أن الدعم العيني مستمر والنقدي غير مطروح، لكن واقع الحال هو أنه لم يكُن مطروحاً خلف أبواب الحكومة المغلقة فحسب، بل بدأ كذلك اتخاذ خطوات تجريبية في عدد من المحافظات على سبيل التجربة، بهدف التعميم بعد عقود من الاعتماد الشعبي على الحكومة لتوفير السلع الاستراتيجية.

أعوام الاعتماد الشعبي

أعوام الاعتماد الشعبي شبه الكامل على الحكومات المتوالية لتوفير السلع الغذائية الاستراتيجية، وهي سنوات حملت رواسب متبقية من زمن السياسات الاشتراكية كانت في طريقها إلى كتابة فصلها الأخير، ولولا اندلاع أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011 وتحول شعار “عيش حرية عدالة اجتماعية” إلى أداة تهديد شعبي ينذر بمعاودة الانفجار حال اقترب أحدهم من “العيش”، لتحول الدعم العيني إلى نقدي في حينها.

“العيش” في هذا السياق ليس خبزاً فقط، فهو خبز بنظام النقاط وسكر وزيت، ومعها السلع التي يمكن صرفها بفارق نقاط الخبز، وهو ليس كل ما سبق فقط، إنه أيضاً العامل النفسي الذي صار يربط بين منظومة دعم السلع الغذائية من جهة وأداء الحكومة وواجباتها من جهة أخرى. إنه العامل النفسي الذي لا يقف عند حدود 64 مليون مصري يستفيدون من السلع المدعمة عبر 23 مليون بطاقة تموين، أو حتى الـ73 مليون مواطن المستفيدين من منظومة الخبز المدعم، لكنه يمتد إلى غالبية المصريين، إذ بات “دعم السكر والزيت” عامل أمان نفسي يعني أن “كله تمام”، أو قريباً من التمام.

كله ليس تمام

لكن كله ليس تماماً برؤى العين ووتيرة التصريحات ولغة الأرقام، فبالأرقام يقدر دعم السلع المدعمة، أي الفاتورة التي تسددها الدولة تحت بند دعم السلع التموينية للسنة المالية المقبلة بـ636 مليار جنيه مصري، بزيادة 20 في المئة عن السنة المالية الماضية، وفق ما صرح به المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري محمد الحمصاني قبل أيام. الحمصاني قال أيضاً في هذا السياق إن الدولة مستمرة في دعم محدودي الدخل، وعدم التخلي عنهم سواء بإتاحة السلع وتوفيرها، أو بدعم قدرة المواطن على الاستمرار في الشراء.

التأكيد الحكومي على دعم المواطن ليحافظ على قدرته على الاستمرار في الشراء فاقم من مخاوف بعضهم، وأكد هواجس ووساوس البعض الآخر، إذ إن المنظومة المعرفية الشعبية تقوم منذ عشرات الأعوام على أن أي زيادة تلحق بأي من السلع الاستراتيجية مثل الزيت والسكر والرز واللبن والفول، إضافة إلى الوقود والكهرباء، أو المتعلقة بـ”المزاج” مثل السجائر والشاي تعني بالضرورة ارتفاعات تطاول كل السلع والبضائع والخدمات، سواء كانت متصلة بهذه السلع أو غير متصلة. وهذا يعني كذلك تعريض الأمن القومي والسلم الداخلي والاستقرار في الشارع لأخطار تتفاقم مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وصعوبة الأوضاع الاقتصادية لا تخفف منها بيانات وزارة المالية التي تشير إلى زيادة مخصصات الإنفاق على الدعم (تشمل زيادة دعم الطاقة والمواد البترولية والكهرباء) والمنح والمزايا الاجتماعية إلى 635 مليار جنيه (نحو13.5 مليار دولار) في موازنة السنة المالية المقبلة 2024/2025، مما يمثل نسبة سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 529 مليار جنيه (11.22 مليار دولار) للسنة المالية الحالية بنسبة 4.5 في المئة من الناتج المحلي.

وكذلك لا تخفف منها تأكيدات متواترة من رئاسة الوزراء على نية الدولة لاتخاذ خطوات في طريق الإصلاح الاقتصادي وإدراك الحكومة لحجم الأعباء الملقاة على كاهل المواطن ونية صادقة للتعامل بجدية مع تلك الأعباء.

لا نية للإلغاء

آخر تحديث لـ”لا نية لإلغاء الدعم العيني” و”نفي صحة ما يتردد عن العمل بالدعم النقدي” كان في ديسمبر (كانون الأول) 2023، ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت الجسر وغمرت أخرى الجسر نفسه.

في مطلع العام الحالي تلقى المصريون ضربات متلاحقة، فرفعت شركات الاتصالات أسعار خدمات الإنترنت بنحو 33 في المئة، وزادت أسعار الكهرباء المنزلية بنسب تراوح ما بين 16 و26 في المئة، وقفزت أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنحو 20 في المئة، وجنّ جنون الأسماك واللحوم والدواجن والبيض والقائمة معروفة.

ومعروف أيضاً أن مجموعة من الإجراءات والتحركات خففت من حدة الأزمة نسبياً، فمن إبرام مشروع “رأس الحكمة” إلى الحصول على عدد من القروض المليارية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، حصل الاقتصاد على قبلة حياة، ومع قبلة الحياة أتت “شكّة (وخزة) دبوس” تمثلت في الإعلان المتحرج عن تحريك سعر الخبز المدعم من خمسة إلى 20 قرشاً، بدءاً من أول الشهر الجاري، وهذا “التقليص النسبي للدعم” كان البداية وليس النهاية.

لغة الأرقام

نهاية النقاشات وطلبات الإحاطة في البرلمان تحققت بلغة الأرقام، فـ”كلفة رغيف الخبز على الدولة تبلغ نحو 125 قرشاً، ويباع بخمسة قروش، لذا فإن الدولة تتحمل 120 قرشاً على كل رغيف، مما يعني أن الدولة تتحمل سنوياً 120 مليار جنيه (25.3 مليون دولار أميركي)، إذ ينتج متوسط مئة مليار رغيف سنوياً”، بحسب ما قال رئيس الوزراء المستقيل والجديد مصطفى مدبولي ضمن الإعلان المباغت عن قرار تحريك الخبز المدعم قبل أسبوعين.

وقبل أكثر قليلاً من أسبوعين، كان يجري نفي صحة ما يتداول من أقاويل أو أنباء أو إشاعات عن تحريك سعر الخبز المدعم، مع التأكيد الحكومي المستمر على أن نظام صرف الخبز المدعم وسعره خمسة قروش كما هو، مع الإشارة إلى أن الدولة مستمرة في تحمل فارق الكلفة الإنتاجية.

هذه المرة، أي المرة التي أعلن فيها مدبولي عن تحريك سعر الخبز المدعم، قال إن هذ القرار “يأتي في إطار عملية ترشيد الدعم”، مقراً بأن الحكومة “تعي تماماً أن هذا الأمر قد لا يلقى قبولاً”. وأضاف أن “هذا الملف (الدعم) شائك، وأن هناك عدداً كبيراً من الحكومات كانت تتحاشى أن تتحرك بصدده، إلا أننا اليوم ونحن نرى حجم فاتورة الدعم التي تتحملها الدولة، كان لا بد لنا من أن نتحرك بأقل قدر ممكن حتى نضمن استدامة الخدمة”.

فاتورة واستدامة

الفاتورة المكلفة والعمل على استدامة الخدمة وتحمل الدولة لفواتير لا طاقة لها بها مهدت الطريق لقرار تحول الدعم من العيني إلى النقدي، وعلى رغم محاولات سابقة تعود لعهد الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك لتجربة الفكرة على نطاقات محدودة بغرض التعميم مستقبلاً، وعمليات جس نبض الشارع بطرح المسألة للنقاش لمعرفة نسبة المعارضة إلى التأييد، وإطلاق تصريحات ملوحة بالتحول تليها تأكيدات نافية وغيرها، إلا أن خطوة التحول من العيني إلى النقدي هذه المرة صارت حقيقة.

إنها حقيقة “السبيل الوحيد لدعم الأسرة بصورة إيجابية” وفق تعبير مدبولي، وحين يكون التحول هو “السبيل الوحيد” فهذا يعني قرب التطبيق، وحتى الإشارات الحكومية إلى “إجراء حوار وطني جاد” أو “طرح فكرة التحول على طاولة الحوار الوطني للنقاش”، لم يتوقف عندها المصريون كثيراً معتبرين أن قرار التحول أصبح نافذاً.

وحين أعلن مدبولي مطلع الشهر الجاري أن المسألة ستحال إلى “حوار وطني جاد”، لم يربط الإحالة بمناقشة الفكرة أو الخروج بتصور يؤيدها أو يعارضها، لكنه تحدث عن “وضع تصور لكيفية التحول” و”اعتزام الحكومة استهداف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأكثر احتياجاً”.

أصوات مؤيدة

الاحتياج الحكومي لسماع أصوات مؤيدة للتحول مفهوم، وعدد من أعضاء مجلس النواب (البرلمان) المصري لبى هذا الاحتياج، إذ تحدث النائب أحمد سعد نويصر قبل أيام عن “أهمية خطوة التحول من العيني إلى النقدي لتعزيز الاقتصاد الوطني وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بفاعلية أكبر”، إضافة إلى “ضمان الدعم النقدي وليس العيني قدراً أكبر من الحرية للأسر المستفيدة لتختار حاجاتها الأساسية وفقاً لأولوياتها”.

وعلى الوتر نفسه، دق رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب فخري الفقي الذي طالب الحكومة الجديدة بالتحول من نظام دعم الخبز العيني إلى النقدي، ما من شأنه أن “يسهم في القضاء على التسريب وتوجيه الدعم لمستحقيه”، إضافة إلى “توفير ما يزيد على 40 مليار جنيه كانت تذهب إلى جيوب غير المستحقين”.

مناشدات للحكومة المصرية بعدم التسرع في تحويل الدعم العيني إلى نقدي (رويترز)

 

وتتوالى أصوات النواب المؤيدة لـ”قرار التحول”، وإن كانت أصوات معارضة أو متخوفة تظهر بين الحين والآخر، إذ انتقد رئيس اللجنة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي محمود سامي التفكير في التحول إلى الدعم النقدي في الوقت الراهن، نظراً إلى “الصدمات التضخمية الكبيرة في المجتمع المصري”، وأشار إلى استطلاع أجري على خمسة آلاف أسرة مستحقة للدعم قبل عام 2011، فقالت 80 في المئة منهم إنها تفضل الدعم العيني، خوفاً من التضخم وتأثيره في القوة الشرائية للدعم النقدي المقرر حينئذ.

اللافت أن عدداً من الشخصيات العامة المعروفة بتأييدها المطلق للسياسات الحكومية في مجملها عمد إلى المجاهرة بالتحذير من التحول، أو المطالبة بالتأني، أو طالب بانتظار ما تسفر عنه نقاشات “الحوار الوطني”. ويلوح خبثاء إلى أن خلق حالة من الرأي والرأي الآخر تكتيك مدروس للإيهام بأن فريقاً يؤيد وآخر يعارض، ما من شأنه أن يهدئ من روع الخائفين ويريح قلوب القلقين.

الإعلامي أحمد موسى والمعروف بتأييده السياسات الحكومية ودعمه للنظام السياسي بصورة كبيرة على سبيل المثال ناشد الحكومة عدم التسرع في المضي قدماً في قرار التحول، داعياً إياها إلى انتظار ما سيخرج به “الحوار الوطني”.

الحوار الوطني يشارك

“الحوار الوطني” من جهته أعلن أنه لم يخرج برأي موحد في شأن المسألة بعد، مستطرداً في تفاصيل حول “انتظار آليات الحوار” و”التمهل لحين الوصول إلى الخلاصات والتوصيات” والمطالبة بعقد مزيد من اجتماعات اللجان المشتركة والاستماع لوجهات النظر المختلفة ولقاء الوزراء المعنيين، والتشاور مع الخبراء المتخصصين، مما فسره بعضهم بـ”كسب الوقت” قبل الخروج بقرار ما.

يشار إلى أن “الحوار الوطني” هو اسم وليس نعتاً، أي إنه كيان تم تدشينه بناءً على تكليف من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال إفطار رمضاني لـ”الأسرة المصرية” عام 2022، ويحوي “تيارات وفئات المجتمع المصري” وهدفه “إدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني” عبر “التواصل بين أطياف المجتمع المصري وقواه السياسية والاقتصادية والمجتمعية وسماع وجهات النظر المختلفة وتبادل الرؤى والمقترحات للوصول بمساحات مشتركة نحو الجمهورية الجديدة”، بحسب الرؤية الرسمية.

ماذا عن الناس؟

أما الحوار الوطني بمعناه الشعبي، أي تعبير الناس عن آرائهم وتوجهاتهم ومواقفهم المختلفة من دون وسيط مؤسسي، أو من ينوب عنهم في برلمان ينتقده بعضهم أو حزب لا يعلم بوجوده البعض الآخر، أو رؤية كاتب أو خبير أو محلل يتحمل وحده تبعاتها، فلا وجود له إلا على منصات الـ”سوشيال ميديا”.

وعالم الـ”سوشيال ميديا” عامر بآراء تؤكد أن “الدعم النقدي هو الضامن الوحيد لوصول الدعم إلى مستحقيه” وفي الوقت نفسه “فتح أبواب السرقة والنهب على مصاريعها، وهو “الضامن الأوحد للسيطرة على أوجه الفساد في منظومة الدعم”، إضافة إلى أنه “الطريق الممهد نحو مزيد من الفساد”، وهو “إعطاء الأسر المستحقة للدعم حرية اختيار ما تحتاج إليه بديلاً عن فرص سلع بعينها عليها” وكذلك “تمكين راغبي شراء المواد المخدرة والسجائر وسداد فاتورة المقاهي من تحقيق أهدافهم”.

عالم الـ”سوشيال ميديا” فيه الرأي وعكسه، وفيه التوجه ونقيضه، وفيه التأييد والرفض في كل قضية وأي منظومة، ومنظومة الدعم وقضية التحول من العيني إلى النقدي ليستا استثناء.

رؤى معارضة

استثناءات قليلة خافتة خرجت برؤى معارضة أو محذرة من تطبيق التحول في الدعم من العيني إلى النقدي، وحاول أستاذ السياسات العامة في الجامعة الأميركية في القاهرة إبراهيم عوض الإجابة عن سؤال طرحه عبر مقالة عنوانها “دعم عيني أم نقدي للسلع الغذائية؟”.

انطلق عوض من الإشارة إلى أن الدعم تاريخياً “كان موقتاً ومرتبطاً بانتفاء الحاجة إليه، انتظاراً لنمو الاقتصاد وتوزيع ثماره، وبرفع مستوى الأجور والدخول، وهو ما لم يحدث فاستمر الدعم”.

ويرى أن الانتقال من العيني إلى النقدي يعكس رغبة الدولة في خفض نسبة العجز في موازنتها العامة، مذكراً بأن العجز الكلي المقدر في السنة المالية 2024-2025 يصل إلى 1.2 تريليون جنيه تمثل 7.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشير إلى أن “المنطق الذي تعتمده الدولة هو أن الدعم العيني يستفيد منه من لا يستحقونه، بينما سيتوجه الدعم النقدي لأولئك الذين يستحقونه وحدهم، لذا سيمكن خفض حجم الموارد التي تخصص له، وخفض الدعم هو سبيل من سبل تقليص العجز في الموازنة العامة، يوازيه خفض المصاريف في أبواب أخرى، وتضاف إليه زيادة الإيرادات العامة برفع أسعار الرسوم على عدد من الخدمات أو بفرض الجديد منها”.

وحدد عوض أربع مسائل رآها “جديرة بالمناقشة” قبل اتخاذ قرار التحول، الأولى هي دراسة الأثر على تلبية الحاجات الغذائية للمواطنين، لا سيما أن السلع المدعومة عينياً مثل الخبز يمكن استخدامها لعلاج سوء التغذية لدى الأطفال مثلاً، محذراً من أن ما يتم اقتصاده باليد اليمنى قد يرفع كلفة العلاج الجسدي والنفسي باليد اليسرى.

والمسألة الثانية هي أثر الدعم النقدي على التضخم، وإذا كان هناك من يرى أن الدعم النقدي ينشط الاقتصاد بفعل الأثر المضاعف لإنفاق النقود، فهناك من يحذر من أن الأثر المضاعف من دون مزيد من الإنتاج المحلي للسلع والخدمات لا يؤدي إلا إلى مزيد من التضخم.

والمسألة الثالثة هي تحديد مستوى الدعم النقدي ومراجعته وإدارته، ويرى عوض أنه لا توجد آليات لتحديد مستوى دعم السلع الغذائية يشترك فيها المستهلكون، طارحاً أسئلة مثل هل تتوافر البيانات اللازمة للتطبيق؟، وما أو من الضامن لتنفيذ مستخلصات هذه البيانات حال وجودها من الأصل؟، ومن سيساند مراجعة مستوى الدعم؟، ومن يراجع آثار تآكل القوة الشرائية؟، ومن يراجع بصورة عامة، ويضيف ويحذف؟، ومن يراقب التضخم ومعدلات الفقر؟.

أخطار الغضب الشعبي

ويصل عوض إلى المسألة الرابعة وهي التماسك الاجتماعي الذي يرى في انخفاض القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدل الفقر مصدر تهديد له، مما يمثل تهديداً بدوره للسلم الاجتماعي، مضيفاً إلى قائمة “الأخطار”، “زيادة أسعار الأدوية بين 25 و50 في المئة وتأجير المستشفيات العامة إلى مشغلين من القطاع الخاص، مما سيرفع من كلفة الخدمة الصحية، فيعجز قطاع مهم من المواطنين عن الوصول إليها”.

ويخرج عوض بسؤال مزعج “هل يستحق مزيد من خفض دعم السلع الغذائية تعريض السلم الاجتماعي للخطر؟، فالاحتمال كبير أن تتعدى كلفة إدارة الدعم النقدي قيمة هذا الخفض”.

لا توجد آليات لتحديد مستوى دعم السلع الغذائية​​​​​​​ (رويترز)

 

خفض فاتورة الدعم، أو زيادتها، أو تحويل العيني إلى نقدي، أو المزج بينهما أمور غارقة في السياسة، وليس الاقتصاد فقط. الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل مدحت نافع دق على أوتار الأوضاع السياسية التي تقوم بأدوار محورية في اتخاذ قرارات اقتصادية مصيرية، ويقول في مقالة عنوانها “حتمية إعادة تعريف الدعم” إن الوضع السياسي يضطلع بدور بالغ الأهمية في تنفيذ القرارات الاقتصادية أو إرجائها أو حتى إلغائها، “تماماً كما حدث عقب انتفاضة يناير 1977 بعد إعلان (نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية آنذاك) الدكتور عبدالمنعم القيسوني قرارات رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، مما رفع أسعار الخبز بنسبة 50 في المئة والسكر 25 في المئة والشاي 35 في المئة، وكذلك أسعار الرز وزيت الطهي والبنزين. فاتورة الدعم التي كانت تبلغ نحو 9 ملايين جنيه حينها كان من الممكن أن تختفي تماماً بإنفاذ القرارات، لكن عودة الدعم وتضخمه ظلا احتمالاً قائماً، مرهوناً بحسابات الحكومات”.

ويشير نافع إلى أن “الدعم في ذهنية الموظف العام عادة ما يمثل الفرق بين كلفة السلعة أو الخدمة وبين سعرها للجمهور، لذلك فإن حساب الحكومة للدعم يتطلب منها تقدير الكلفة التي عادة تكون كلفة الإنتاج أو كلفة الفرصة البديلة أو مزيجاً بينهما. والمقصود بالفرصة البديلة هو سعر السلعة في الأسواق الخارجية إن كانت مطلوبة للتصدير، أو سعرها السوقي الحر محلياً لو أنها تركت بغير تدخل حكومي، وهذا تقدير مشوش لأن الحكومة في الغالب محتكر”.

صدمة عنيفة

وحذر نافع في تصريحات صحافية عدة من التحول إلى الدعم النقدي من دون طرح آليات التنفيذ والمتابعة والتدقيق والاستفادة، منبهاً من أن “التحول بهذا الشكل لن يكون في مصلحة الاقتصاد أو المواطنين، وقد يحدث صدمة عنيفة في الأسواق”.

صدمة التحول الاقتصادية تقابلها صدمة تحول نفسية، لا سيما أن الغالبية العظمى من المصريين، تحديداً المستفيدين والمستحقين للدعم ليست على دراية علمية بالفرق بين الدعم العيني والنقدي، ولا تعقد مقارنات بين أنظمة الدعم في الهند وإندونيسيا، أو تسن قواعد لإدارة الدعم النقدي قبل التخارج من العيني، ويضيف نافع أنه لو كان الدعم النقدي هو الحل المثالي الوحيد، لتحولت إليه كل الدول.

كيد وتسييس

هذه الأيام، تتعالى أصوات قليلة لكن مؤثرة محذرة من أخطار المضي قدماً في التحول من دون توضيح الآليات أو تفسير الأهداف أو الكشف عما خفي من أمور الدعم.

ما خفي من جدل التحول في الدعم من النقدي إلى العيني ينضح بقدر غير قليل من التسييس وبقايا الكيد السياسي عبر التسخين العنكبوتي والتهييج الافتراضي، فمنصات الـ”سوشيال ميديا” عامرة بقدر وافر من الفيديوهات والمحتوى المكتوب المستدعي لمنظومة الدعم في عهد الإخوان، وكيف انحاز الرئيس السابق الراحل محمد مرسي إلى “الغلابة”، وكيف انتصر وزير تموينه باسم عودة لـ”المساكين”، وكيف حافظت حكومة “الجماعة” على الفقراء والمعوزين، والمحتوى يجدد نفسه.

الجالسون على يمين النظام في مصر، سواء الذين يؤيدون أو من غير المسيسين أو الذين يكرهون خلطة الدين بالسياسة يتابعون تطورات التحول من الدعم العيني إلى النقدي بعين قلقة وأخرى تنتظر ما سيسفر عنه التحول، والقابعون على يسار النظام بين معارضين لأسباب تتعلق بأسلوب إدارة البلاد سياسياً واقتصادياً، أو من منطلق الانتماء أو التعاطف مع جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان، وكذلك أعداد غير قليلة من المتضررين والمتضررات اقتصادياً بدرجات متفاوتة جراء الأزمات المتلاحقة ينظرون بعين غاضبة وأخرى حانقة على مسألة التحول من العيني إلى النقدي.

شد وجذب

شد وجذب آخران تدور رحاهما بين مؤكد أن التحول المنتظر شرط من شروط “قرض الصندوق”، أي ضمن الشروط غير المعلنة في الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي منذ بدء المرحلة الأولى من برنامج “الإصلاح الاقتصادي” عام 2016، ومطالبة الصندوق بتحويل الدعم العيني بأشكاله إلى نقدي، مع توسع في برامج الحماية الاجتماعية من جهة، ونافٍ لمبدأ الشرط لكن معترف بـ”نصيحة” توسيع شبكات الحماية ضمن بنود الاتفاق، وكلا الفريقين يجادل وينازع من باب الكيد السياسي أكثر من الحرص الاجتماعي.

اللافت أن منظومة الجبهات المتناطحة تتعامل مع التحول المرتقب في الدعم باعتباره مادة للشد والجذب أو أرضية للتشكيك المتبادل أو فرصة للنيل من الفريق الآخر، لكن يظل التحول من السكر والزيت ونقاط الخبز إلى النقدي مسألة مثيرة للجدل ومؤججة للقلق ومدعاة لبدء العد التنازلي انتظاراً لما هو آتٍ.

أما الشروط الملزمة والقواعد المحددة مثل ربط الحصول على الدعم النقدي بعدد مواليد معين، أو إلحاق الصغار بالتعليم، أو الامتناع عن زواج الأطفال، أو التوقف عن تشغيل الأطفال، أو تسليم قيمة الدعم للزوجة لا الزوج نظراً إلى تقلص احتمالات إنفاق قيمة الدعم على علبة سجائر أو مشروبات في المقهى أو الزواج بأخرى أو غيرها من قنوات إهدار أموال الأسرة، فتبقى قيد الإعلان.

المزيد عن: مصرالدعم العينيالدعم النقديمواد تموينيةسلع غذائيةالحكومة المصريةرفع الدعمالبرلمان المصريالاقتصاد المصري

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00