بأقلامهم جهاد الزين يكتب من بيروت عن: دعوة لقراءة كتاب ذي عنوان خادع by admin 24 أبريل، 2024 written by admin 24 أبريل، 2024 170 نحن بفعل كثافة التقدم صرنا نستهلك بأسعار أرخص، يقول روزا، ولكن التناغم الفردي أو الرنين أقل. وهذا برأيه ما يستطيع الدين أن يفعله، الدين كشعائر، تجعل الطاقة على “استماع الفرد” أكثر توفراً. النهار – جهاد الزين فيما يتجه على الأرجح مزاجُ النخب العربية والمسلمة بأكثريته عموما نحو الابتعاد عن الإسلام السياسي الأصولي، يصدر كتاب عالم الاجتماع الألماني هارتموت روزا العام 2022 ثم يُترجم إلى الفرنسية ويصدر عن دار”لا دكوفرت”(*) العام 2023 تحت عنوان: “لماذا تحتاج الديموقراطية إلى الدين”؟ لكن مهلاً بحيث لا يذهب اعتقاد القارئ أن الكتاب من عنوانه تعبير عن ارتداد سياسي غربي نحو الدين، أستعجل فأقول أنه ليس كتابا في الدور السياسي للدين بل ليس في هذا الصدد على الإطلاق، وهذا ما قد يجعل القارئ من الإسلام الأصولي السياسي في منطقتنا خابي ( مِِنْ يخبو ) الحماسة له.. فالكتاب الذي هو عبارة عن محاضرة يضع فيها روزا حصيلة تفكيره وهو صاحب النظرية التي اشتهرت في العلوم الاجتماعية تحت اسم الرنين أو صدى الرنين أو التناغم وهي كلها ترجمات غير موحدة لكلمة “ريزونانس”(**) التي حوّلها روزا إلى مفهوم قوامه أن حجم التسريع الذي تشهده مجتمعات الحداثة في كل المجالات ولاسيما التصنيعية والاستهلاكية وكثافة الوحدة الزمنية التي تنتج عن هذا التسريع يؤدّي إلى أزمة الفرد (الأوروبي) في عدم طاقته على التناغم الملائم لهذه التحولات. وروزا يسمّي الثبات الذي دخلت فيه المجتمعات الأوروبية الغربية ب “التثبيت الديناميكي”• أبدأ بالقول إذن أن فِكْرَ هارتموت روزا لا “يخاطب” مجتمعاتنا المتخلفة فعليا لأنه يتعلق بأزمات المجتمعات ذات البنيان الديموقراطي والتقدم التكنولوجي والصناعي التي يجعلها نقص الطاقة على التناغم مع كثافة الزمن الجديدة تشهد اختلالات عميقة على مستوى الفرد وعلى مستوى الأداء الاجتماعي والسيكولوجي، كذلك السياسي. لماذا اخترتُ إذن كتابا خادع العنوان من إحدى مكتبات باريس العام المنصرم وظل على أحد رفوف مكتبتي الصغيرة أشهرًا قبل أن أُقْدِم على قراءته وها أنا لا أنفض الغبار عنه فقط بل أقرأه وأكتب عنه أيضا أي أضاعف اهتمامي به لكني أخرج منه بتساؤلات كثيفة لا جواب عنها في طرح الكتاب؟ بتساؤلات أصعب حول الانحرافات الدينية في مجتمعاتنا، لاسيما الإسلام الأصولي وهو ليس النموذج الداعشي أو الأصح النماذج الدواعشية فقط، لكن هذا خارج بحثنا بل بحث الكتاب نفسه. اخترت الكتاب إذن في الأصل، أولاً وقبل أي اعتبار آخر لأنني اعتقدتُ أنه كتاب سياسي وإذا به كتاب في علم الاجتماع مع بعض الانطباعات الفكرية يصل في خاتمته المفكّر إلى أن الممارسة الدينية، ممارسة الشعائر الدينية، وهي هنا المسيحية ، تجعل الفرد الأوروبي المستلَب بكثافة الحاجة إلى الاستهلاك الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ البشرية، تجعله قادراً على “الاستماع” إلى نبض التسريع(***) الحداثي والتفاعل معه مستخدماً كلمة “الاستماع” انطلاقا من جملة توراتية عن قول للملك سليمان: “أعطوني قلباً يستمع”. وهو، أي روزا، يصل إلى الذروة في ترويج نظريته حين يرغب أن تكون ممارسة الشعائر الدينية، الصلاة في الكنيسة، شبيهة بالاستماع إلى الموسيقى حين يعجبنا العزف واللحن و”نتغيّر” بفعل تلقّينا المتأثر بهما وتنتظم “دورتنا الدموية بإيقاعات مختلفة”. حتى أن كاتب مقدمة الكتاب (شارل تايلور) لا يجد اختلافا بين دخول المرء إلى غابة بكر وبين الدخول إلى كاتدرائية!!! نحن بفعل كثافة التقدم صرنا نستهلك بأسعار أرخص، يقول روزا، ولكن التناغم الفردي أو الرنين أقل. وهذا برأيه ما يستطيع الدين أن يفعله، الدين كشعائر، تجعل الطاقة على “استماع الفرد” أكثر توفراً. أضع علامة استفهام عن مدى صحة هذه النظرية كعلاج لتوازن الفرد مع الحداثة، وأضع عشر علامات استفهام على مدى إمكان الاستخدام السياسي لها بعيدا عن مقاصد الباحث. أعرف سينقسم قراؤنا حول ذلك مثلما تنقسم المجتمعات الغربية بين مؤمن وغير مؤمن، ولكن مع فارق في حجم حرية المنقسمين هنا وهناك، وهو فارق جوهري لأن الانقسامات عندنا، بما فيها بين المؤمنين وغير المؤمنين لا تقوم على قاعدة حرية الفرد في مجتمعاتنا بينما قاعدة الحرية في الغرب صلبة رغم أزماتها التي يأتينا مفكِّر كهلتموت روزا وكأنه من زمن آخر مختلف في علاج الموضوع، على الأقل من ناحية مسؤولياته السياسية الثقيلة عندنا، إذا لم أقل الوخيمة. فبينما تكاد تقوم نظرية روزا على بديهية الانقسام بين مؤمن وغير مؤمن، ففي مجتمعاتنا لا حرية فعلية في الاعتراف بل في وجود هذا الانقسام؟ شعرتُ أحيانا خلال قراءة الكتاب ( أكرر هو محاضرة مطبوعة) وكأنني أستمع إلى مبشِّر ديني وليس إلى عالم اجتماع.. صحيح أنه يقارب السياسة بجمل سريعة حذرة ولكنه يواصل تفكيره في مسافات غير سياسية وإن كان عليّ أن ألاحظ هنا ، حتى لا أظلمه، أن المعنى الخاطف للمجال السياسي الذي يَعْبُر ( من عبور ) في الكتاب يريد منه روزا السعي لجعل ” الاستماع بالقلب” يؤدي بهذا المجال السياسي ليكون أكثر تسامحاً وطاقة استيعابية وتوازنية. وأضيف من عنديّاتي هنا: عكس تماماً ما تفعل الأصوليات السياسية المسيحية والمسلمة واليهودية التي تريد الجميع أكثر انضباطاً. وبالتالي.أكثر تشددا، إذن أكثر تعصباً. *La Découverte ** Résonance *** Accélération ——————————————— Jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بعد 200 يوم… إسرائيل «عالقة» في حرب من دون حسم next post محمد شقير يكتب عن: تحريك الوساطة الأميركية لتطبيق الـ«1701» بيد «حزب الله» You may also like ماثيو ليفيت يكتب عن: كيف أُدرِجت هيئة تحرير... 20 ديسمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن : هل يستمر الصراع... 20 ديسمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل وصلت دمشق... 19 ديسمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن : لبنان والمسألة الثقافيّة... 18 ديسمبر، 2024 سوزان مالوني تكتب عن: الوضع الجديد… والخطير في... 18 ديسمبر، 2024 ديفيد شينكر يكتب عن :بغداد بين سندان “الحشد”... 17 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: إطلالة الشرع… وكؤوس السم 16 ديسمبر، 2024 فريدريك سي هوف يكتب عن: سوريا ومستقبل إيران 16 ديسمبر، 2024 مايكل نايتس يكتب عن: لا تفتَرِض أن خطوط... 16 ديسمبر، 2024 عيدو ليفي يكتب عن: دعم قوات سوريا الديمقراطية... 16 ديسمبر، 2024