الإثنين, نوفمبر 18, 2024
الإثنين, نوفمبر 18, 2024
Home » كيف التقى هاملت ودون كيشوت إبداعيا في العام نفسه؟

كيف التقى هاملت ودون كيشوت إبداعيا في العام نفسه؟

by admin

 

 

مباراة متكافئة بين شكسبير وثيربانتس اللذين لم يتمكن أحد من تجاوزهما حتى اليوم

 

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

عند بدايات الألفية الجديدة وجد مؤرخو الفنون والآداب أنه بعد أربعة قرون كاملة من تركيز بحوثهم حول كل من شكسبير (1564 – 1616) من ناحية وثيربانتس (1547-1616 أيضاً) من ناحية أخرى باعتبارهما معاً وكل في مجاله المؤسسين الكبيرين لحضور الإنسان في تاريخ الإبداع، بات لا بد من جمعهما في نظرة واحدة تتساءل عن دورهما المشترك في النقلة الكبيرة التي عرفها الفكر الإنساني في زمنهما تحديداً. وعبّر عن ذلك حينها عدد خاص أصدرته مجلة “لا ماغازين” الأدبية الفرنسية جعلته نوعاً من المقارنة التي لا تخلو من طرافة بين المبدعين الكبيرين، آخذة في الاعتبار أنهما كانا ينتميان وكل من ناحيته إلى الأمتين الأكثر عداء وتنافساً في ما بينهما، إنجلترا طبعاً بالنسبة إلى شكسبير، وإسبانيا بالنسبة إلى ثيربانتس.

هاملت الأمير الدنماركي الشاب بريشة موريس هانت (متحف الفنون الحديثة)

 

الإبداع للتعمق في الأسئلة الجوهرية

ولئن كان من المؤكد أن في مقدور الباحثين الأكثر جدية في تاريخ الفنون والآداب بصورة عامة أن يجدوا كثيراً من القواسم المشتركة بين سيد الرواية بالمعنى الحديث للكلمة ومبتدع النوع الإنساني فيها الإسباني ميغيل ثيربانتس، ومجايله الإنجليزي سيد الكتابة المسرحية الذي يعتبر بدوره سيد هذه الكتابة من دون منازع، ولعل القاسم المشترك الأول يكمن في أنهما ولدا وعاشا ورحلا في الحقبة التاريخية نفسها مع فارق بضع سنين ليرحلا في التاريخ نفسه ولكن الإسباني تبعاً للتاريخ الغريغوري، فيما كان رحيل الإنجليزي تبعاً للتقويم الجولياني، مما يعني أنهما ماتا معاً في يوم واحد نظرياً وهو الـ23 من أبريل (نيسان) 1616. غير أن الواقع يتعدى بالطبع هذه المصادفة التاريخية إلى أمور ومقارنات أكثر عمقاً ليس هنا مجال دراستها أو حتى ذكرها بالنظر إلى أنها معروفة لكل مهتم بتاريخ الثقافة العالمية وجاء الملف المذكور ليؤكده أو يبني انطلاقاً منه. ومن هنا ما يهمنا منها هو التوقف عند العمل الأبرز في مجال الإبداع الذي ارتبط باسميهما حتى إن كان معروفاً أن كلاً منهما إنما اقتبس نصه من أعمال تعود في الزمن لما هو أقدم منهما. فالذي نعرفه طبعاً ويمكن دائماً تأكيده بكل يقين، هو أن كلاً من الكاتبين وجد موضوعه في عمل قديم لكنه، وعلى ضوء عبقريته الأدبية الخاصة أعاد تكوينه وعصرنته بحيث بات من البديهي القول إن “دون كيشوت” و”هاملت” إلى جانب أن كلاً منهما يشكل العمل الرئيس لمبتدعه، يعتبران معاً التعبير الإبداعي الأول عن ولادة الإنسان الحديث في المسرح والأدب وانطلاقاً تحديداً من عام 1599 بالنسبة إلى فارس طواحين الهواء الإسباني، وعام 1600 بالنسبة إلى الأمير الدنماركي الراغب في الانتقام لمقتل أبيه. وهنا يكمن ما بإمكاننا أن نعتبره وجه الغرابة الأكبر في لعبة المقارنة برمتها.

“دون كيشوت” بريشة بيكاسو (متحف الفنون الحديثة)

 

أسئلة العصر النهضوي

فالسؤال الذي يمكن طرحه هنا بصورة أساسية، وطرحه الملف المذكور على أية حال، هو لماذا كتب ثيربانتس وشكسبير في وقت واحد ذينك العملين مفتتحين بهما حضور الإنسان في تجليه المطلق عند نهاية المرحلة الأكثر ازدهاراً من مراحل بلوغ عصر النهضة ذروة إشعاعه، في انتقال الإبداع بصورة أكثر قوة من إبداع أسطوري وديني إلى إبداع واقعي يطرح قضية الإنسان نفسه في سياق وجوده في هذا الكون، ناقلاً في طريقه الهموم الاجتماعية البرانية إلى جوانية هذا الإنسان؟ في يقيننا أن الجواب يكمن في صلب السؤال نفسه، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى مجلدات وعصور من البحث للتوصل إلى النقاط الأساسية التي يمكن الانطلاق منها لبسط المنطق الجوهري الذي يوصل إلى النتائج التي توصل إليها ألوف الباحثين وأوصلتهم بدورها إلى الانتقال إلى فهم الكيفية التي أدرك بها الباحثون كيف اشتغل الإبداع نفسه على فهم الدور الذي أبدعه العقل الإنساني لفهم وجوده، آناً من خلال المثال النموذجي الذي يقترحه علينا قلق هاملت وتردده من ناحية، وإقدام دون كيشوت وتجاوزه فشله من ناحية ثانية على اعتبار الإقدام الإنساني والدأب للفارس الإسباني متضافراً مع قلق هاملت وتردده الأبدي، هما معاً ما يطبع فرادة الإنسان في الوجود الذي يعيشه. ولئن كان هذا قابلاً لأن يُستنتج يبقى أن ما هو بالغ الأهمية بالنسبة إلى هذا الموضوع، وفي الوقت نفسه، هو سؤال الـ”لماذا؟” فهل كان من الصدفة يا ترى أن يختتم كل من شكسبير وثيربانتس القرن الـ16 بهذين العملين المتشابهين في اختلافهما من ناحية، ومن ناحية ثانية موقف كل منهما الأساسي من قضية الإنسان؟.

استعادة مبدأ السببية

إن الإجابة ولو الموقتة عن هذا السؤال تكمن في ما ذكرناه قبل سطور من علاقة المسرح الشكسبيري والأدب الروائي الذي أبدعه ثيربانتس موصلاً إياه إلى ذروته مع “دون كيشوت” (الذي ربما يصح أكثر أن نسميه “دون كيخوتي ديلا مانشا”)، بعصر النهضة الذي افتتح عصر الإنسان، إذ وصل إلى ذروته في تلك الأعوام الغريبة بالذات، بالنسبة إلى الهبوط بالفكر الإنساني وما ارتبط به من إبداع بصورة عامة، من علياء الاهتمامات السماوية إلى واقعية الحياة الإنسانية نفسها، جاعلاً من سلوك الإنسان وتصرفاته في ارتباطهما بمبدأ السببية الذي إن لم يكن قد ولد في ذلك الحين بالذات، فإنه كان من الأبعاد الأساسية التي استعادها عصر النهضة من الذرى التي كانت الفلسفة الإغريقية قد تمسكت بها قبل أن يستبعدها الفكر الكنسي خصوصاً والفكر الديني عموماً، طوال مئات السنين. وإذا بتلك الاستعادة توجه الفكر العلمي بل حتى الفلسفي الحديث بصورة خلاقة. ولسوف نرى لاحقاً في تاريخ الإبداع الذي تواكب مع تلك الاستعادة كيف أن السببية كانت هي ما أعاد الفكر العقلاني إلى واجهة الأحداث الإنسانية وربما بدءاً من استعادة أفلاطون وأرسطو، لا سيما في الربط بين الفنون النهضوية ومفاهيم حول الحكم (بودان وماكيافيللي) والأخلاق والسلوك الاجتماعي (بالثازار كاستليوني) وصولاً إلى حضور الإنسان، والإنسان البسيط بالتحديد كمحور يدور من حوله الأدب والفن (والأمثلة الأسطع على ذلك ربما تكون “ديكاميرون” و”ألف ليلة” و”حكايات كانتربري”، وهي الأعمال النهضوية الأساسية بالنسبة إلى التعبير الأدبي عن حضور الإنسان ومجتمعاته في الكون، ودوره الخاص في ذلك الحضور). وفي يقيننا أن “هاملت” و”دون كيشوت” معاً إنما كانا، بالنسبة إلى مبدعي العملين الكبيرين والمؤسسين النموذجيين الأساسيين، الأكثر قدرة على التعبير عن تلك النقلة الجوهرية في نظرة الإنسان إلى ذاته والبحث عن وجود تلك الذات في الحياة نفسها.

لم يلتقيا ولكن…

طبعاً لن نزعم أن ما نكتبه عن هذا الأمر هنا يمكن أن يفي الموضوع ولو جزءاً يسيراً من حقه. لكنه إشارة في الأقل إلى بعض التفاصيل التي لا شك في ابتكارية الخوض فيها وأهمية العودة لها، خصوصاً أن الملف الذي نستند إليه هنا يقدم في بحوثه المتعددة أموراً كان لا مفر من أن تستعاد يوماً وما زالت حتى اليوم في حاجة إلى البحث والتمحيص. ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بسؤال أساسي من المدهش أنه لم يُطرح من قبل وهو إذا كان شكسبير وثيربانتس عاشا في زمن واحد وفي بلدين لا يبعد واحدهما كثيراً من الآخر، فهل تراهما التقيا مرة أو غير مرة؟ بل حتى هل عرف كل منهما أدب زميله؟. إن ثمة من الوقائع والأدلة وفي مطلق الأحوال، ما يحير هنا، غير أن الاستنتاجات التي يتم التوصل إليها عادة ربما تفيدنا، وبحسب الباحث الفرنسي المشارك في الملف روجيه شارتييه، فإن شكسبير كان من دون ريب يعرف شيئاً من أدب زميله الإسباني “بدليل أن له مسرحية مفقودة عنوانها ’كاردينيو‘ يتبين مما هو متوافر من معلومات عنها، وربما من عنوانها حتى، أن سيد المسرح الإنجليزي اقتبسها من واحد من فصول رواية ’دون كيشوت‘ نفسها”. ومع ذلك فإن هذا الاقتباس نفسه غير مؤكد وفي الأقل لأن ثمة في رواية ثيربانتس الكبرى هذه حكايات جانبية كثيرة اقتبسها هذا الأخير من حكايات تنتمي إلى آداب كثيرة سبقته وربما بمئات السنين.

المزيد عن: وليام شكسبيرثيربانتسدون كيشوتهاملت

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00