جنود إيرانيون في استعراض عسكري بطهران بعد إعلان الشاه رضا بهلوي نفسه ملكا على البلاد (غيتي) X FILE إيران… متى أصبحت إيران؟ by admin 7 يناير، 2024 written by admin 7 يناير، 2024 78 مسماها مشتق من مفهوم عنصري يتعلق بعرق وهمي اخترعه المستشرقون ولا يشمل جميع سكان البلاد وخصوصاً الأتراك والعرب اندبندنت عربية / يوسف عزيزي كاتب وصحفي @yazizibenitorof أول ما ظهر مسمى إيران كان في عهد السلالة الساسانية (224 – 651 م)، وذلك إلى جانب مسمى “إنيران” كاسمين لمناطق جغرافية تابعة للإمبراطورية الساسانية، ولهما معان صرف دينية يمكن فهمها في إطار الديانة الزرادشتية في عصر الإمبراطوريات التي كانت تتميز أساساً بصفتها الدينية، وأعني بذلك القرون الوسطى. وكان اسم إيران يطلق على المناطق التي تتبنى الديانة الزرادشتية، واسم “إنيران” على المناطق التي تتبنى أدياناً غير زرادشتية. وهذا يشابه ما شاهدناه في التاريخ الإسلامي، وهو تقسيم العالم إلى فسطاطين: دار الإسلام ودار الكفر، مع الفارق أن “إنيران” كانت تابعة للإمبراطورية الساسانية فيما دار الكفر لم تكن تابعة للإمبراطورية الإسلامية. لم يحمل مسمى إيران في ذلك العهد أي مفهوم قومي أو عرقي بل فرض الاستشراق الأوروبي في القرنين الـ19 والـ20، مفاهيم سياسية قومية وعرقية على مسمى إيران، وأخذ المؤرخون الفرس في القرن الـ20 هذه المفاهيم من الأوروبيين. وكان الإغريق أول الشعوب التي أطلقت اسم “برسيا”، أي بلاد فارس، على ما تسمى إيران حالياً، على رغم أن هذه الجغرافية – قبل وبعد الإسلام – لم تضم الفرس فحسب، بل شعوباً وقوميات وأعراقاً مختلفة. إذ وصف الإغريق – اليونانيون القدماء – هذه الأرض بـ”برسيا” – فارس – بعد مشاهدتهم قبور ملوك الإخمينيين في منطقة فارس (محافظة فارس الحالية في جنوب إيران) على رغم أنهم كانوا يعتقدون أن الدولة الأخمينية أكبر وأوسع من “فارس”، وكانت تشمل ملوكاً وشاهات آخرين، ويبدو أن العرب والمسلمين أخذوا اسم فارس وبلاد فارس من الإغريق. إيران بعد الإسلام توارى مسمى “إيران” عقب الفتوحات الإسلامية وانهيار الدولة الساسانية، فلم يشارك في تلك الفتوحات العرب فحسب بل مجموعات من الشعوب الأخرى وكذا الفرس المعارضون للحكم الساساني، إذ سيطر الأمويون والعباسيون على بلاد فارس أي “برسيا”، ولم يعرف العرب اسماً لهذه الجغرافيا غير بلاد فارس إلا في عام 1935 عندما طلبت حكومة الشاه رضا بهلوي رسمياً من الدول أن تستخدم مسمى إيران بدل بلاد فارس. على سبيل المثال، لم يستخدم علاء الدين عطا ملك الجويني في كتابه “تاريخ فاتح العالم” (جهانكشای) مسمى إيران، على رغم أن الأجزاء الثلاثة لهذا الكتاب – المهم بين المصادر التاريخية – الصادر في القرن الـ13 الميلادي تبحث عن الوضع السياسي والاجتماعي للسلالات المغولية والخوارزمشاهية والإسماعيلية في جغرافية ما تسمى حالياً إيران، لكنه لم يذكر هذا المسمى أبداً. لقد كان قليل من الشعراء يستخدم مفردة إيران في المجالات الأدبية مثل نظامي الكنجوي والدقيقي والفردوسي، وعندما حاول الأخير أن يستخدمها كمفهوم جغرافي قدم مفهوماً يختلف كل الاختلاف مع معنى “إيران” الحالية، وهو أي الفردوسي يركز في ديوانه “الشاهنامة” على خراسان الكبرى أي منطقة شمال أفغانستان الراهنة كتعريف لإيران، ويعتبر الأهواز مملكة مستقلة، وطبرستان ومازندران وزابل ومناطق عديدة أخرى خارج مفهوم إيران. لم يعرف العرب اسماً لهذه الجغرافيا غير بلاد فارس إلا في عام 1935 مع حكومة الشاه رضا بهلوي (أ ف ب) وفي عهد السلالة الصفوية – التي يعتبرها القوميون الفرس نقطة انطلاق لإعادة الدولة الوطنية الإيرانية – لم توصف الدولة باسم الدولة الإيرانية بل لم يستخدم الشاهات الصفوية أنفسهم، الذين حكموا أكثر من قرنين، مسمى إيران. يقول باقر صدريا حول شرعية النظام السياسي للممالك المحروسة، “بشهادة الوثائق والنصوص التاريخية كان مصطلح (الممالك المحروسة) رائجاً في العصر الصفوي كمصطلح سياسي. وفي اتفاقية متبقية من عهد الشاه عباس الأول في هذا العصر، التي عقدت بين إيران وبريطانيا – وكما يبدو أنها أول اتفاقية مفادها ومادتها مرتبة ومنسقة بالطريقة الغربية – ذكر مصطلح الممالك المحروسة أي المتحالفة [Guarded Kingdoms] 19 مرة، في العنوان والمقدمة وفي المواد البالغ عددها 20، ومن تلك المرات الـ19 ثلاث مرات ذكرت بـ(الممالك الشاهية المحروسة)، ومرتين (الممالك المحروسة وبلاد الملك)، ومرة ذكر المصطلح بشكل (الممالك المحروسة الشاهية وبلاد الملك)، وأتت باقي الاستخدامات كلها (الممالك المحروسة). ولا نشاهد في أي جزء من هذه الاتفاقية ذكراً لـ(ممالك إيران المحروسة). وفي الحقيقة تم استخدام (الممالك المحروسة) بدل إيران، ولم يذكر اسم إيران في أي قسم ومادة في الاتفاقية. ويحفظ نص مسودة هذه الاتفاقية في صورة مجموعة مخطوطة بالرقم 5032 في مكتبة مجلس الشورى الوطني”. يقال إن نادر شاه الإفشاري كان يصف نفسه بأنه شاه إيران، ومن أصل تركماني، لكن خلال الدولة الإفشارية في عهده وأخلافه لم يستخدم أي من الشاهدات مسمى إيران لتوصيف النظام الإداري والسياسي للدولة، وقد استمر نظام الممالك المتحالفة (المحروسة) في العهد الإفشاري من دون مضاف إيران، والأمر يصدق أيضاً على سلالتي الكندية والقاجارية. فخلال القرن الـ19 أخذ فرع الدراسات الإيرانية يحتل مكانة خاصة في حقل الاستشراق الأوروبي الذي انطلق من فرنسا ومن ثم وصل إلى ألمانيا وبريطانيا، إذ طرحت الأوساط الأكاديمية في هذه الدول فرضية الأرومة الواحدة لعائلة اللغات الهندية – الأوروبية. غير أن هذه الأوساط التابعة نوعاً ما لحكومات دولهم لم تكتف بذلك بل حولت تلك الفرضية إلى فرضية عنصرية أنجبت فرضية الآريانية والتفوق العرقي الآري، وكان ذلك خدمة للمصالح الاستعمارية للدول المذكورة آنفاً في آسيا وأفريقيا والشرق الأدنى. وقد استعمل المثقفون في العهد القاجاري مفردة إيران أحياناً في بعض كتاباتهم، إلا أنهم لم يستخدموا كلمة “إيرانيين” أي نسبة الانتماء إلى إيران، بل استخدموا بدل ذلك “رعايا إيران”، كما استخدم بعضهم كالرحالة وعالم الجغرافيا نجم الملك الأصفهاني في كتابه “رحلة عربستان” كلمة “العجم” لتوصيف الإيرانيين، وذلك نقلاً عن الأحوازيين الذين التقاهم في مملكة عربستان. لقد راجت كلمة إيران بعد ثورة المشروطة (1906 – 1909) غير أنها لم تتحول إلى اسم رسمي لدولة القاجار. وجاء في المادة الـ19 من دستور تلك الثورة “يحق لمجلس الشورى الوطني وبعد مصادقة مجلس الشيوخ أن يطلب من رجال الدولة تنفيذ الأمور التي صادق عليها من أجل إصلاح الضرائب وتسهيل العلاقات الحكومية في خريطة إيلات إيران وممالكها وتحديد حكوماتها”. وتنص المادة 90 من ملحق ذلك الدستور على أن “مجالس الإيصالات والولايات في جميع الممالك المتحالفة تنظم وفق نظام داخلي خاص بها”. كما نشاهد في دستور ثورة المشروطة مفردة إيران في المادة 19 بعد الممالك (المتحالفة) لكن في المادة 90 يتحدث الدستور عن الممالك المتحالفة من دون مفردة إيران، وهذا يعني أنه حتى فترة الثورة تلك لم تحتل كلمة إيران مكانة كاملة في السياقات الرسمية والقانونية، وقد تذكر حيناً ولا تذكر أحياناً أخرى. وردت مفردة “إيران” في دستور ثورة المشروطة مرتين فقط، وفي ملحقه خمس مرات، وفي المجمل ذكرت سبع مرات في ذلك الدستور وملحقه، إلا أنها وردت 32 مرة في دستور جمهورية إيران الإسلامية، وهذا يدل على ترسيخ الخطاب القومي الإيراني وضعف الخطاب غير الفارسي في إيران في العهد البهلولي (1025 – 1979). إضفاء الطابع الرسمي في الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) 1934 أصدرت الحكومة الإيرانية بياناً رسمياً طلبت فيه من الدول الأجنبية ألا تستخدم في مراسلاتها الرسمية كلمات برشيا وبرس وبرسة، بدل مفردة إيران، إذ كتب سعيد النفيسي – من المستشارين المقربين للشاه رضا بهلوي – مقالاً بهذا الشأن. وقد تم إبلاغ هذا الأمر من خلال تعميم إلى جميع سفارات وممثليات الدول الأجنبية في طهران، حتى دخل هذا التعميم حيز التنفيذ في الـ21 من مارس (آذار) 1935. يقول موقع “دبلوماسي إيراني” في هذا المجال “حتى بداية القرن الـ20 كانت شعوب العالم تعرف بلادنا بالعنوان الرسمي (بارس) أو (برشين)، ولكن في عهد الشاه رضا بهلوي عندما اكتسب النقاش حول العودة إلى إيران القديمة وتأكيد إيران قبل الإسلام قوة، اجتمعت دائرة من المثقفين المبجلين لفترة إيران قبل الإسلام مثل سعيد النفيسي ومحمد علي فروغي وسيد حسن تقي زادة في حكومة الشاه رضا بدعم مباشر منه واتخذت إجراءات لهذا الغرض، فقد اقترح سعيد النفيسي أن يتم تغيير اسم البلاد رسمياً إلى إيران، وأصبح هذا الاقتراح حقيقة واقعة في ديسمبر 1934، ولا يزال هذا القرار مثيراً للجدل بعد 76 عاماً”. ويعتقد معارضو هذا التغيير أن إيران لا تستطيع نقل المعنى والثقافة والحضارة التي تكمن في مصطلح “بلاد فارس” والتي يعرفها غير الإيرانيين منذ فترة طويلة. وترى جماعة أن الشاه رضا اتخذ مثل هذا القرار لأسباب سياسية فقط لتعزيز حكمه الاستبدادي، وتقول هذه المجموعة من المحللين إن مبدأ العمل ينبغي اعتباره موجهاً إلى مجموعة من النخب الثقافية والسياسية في تلك الفترة، بما في ذلك الأشخاص المذكورون، الذين كانوا يبحثون أيضاً عن مصالحهم الخاصة في سلطة حكومة الشاه رضا. أسباب التسمية الجديدة يناقش سعيد النفيسي في مقالته الآنفة الذكر تاريخ الأسماء السابقة فيكتب “عند الأوروبيين كانت كلمة إيران هذه هي المصطلح الجغرافي الوحيد، وفي كتب الجغرافيا كان السهل الواسع الذي يشمل إيران وأفغانستان وبلوشستان اليوم يسمى الهضبة الإيرانية، وكان يطلق على بلادنا أسماء (برس) بالفرنسية و(بيرسيا) بالإنجليزية و(بيرزين) بالألمانية و(بيرسيا) بالإيطالية و(برسي) بالروسية، وكانت الكلمات المشابهة لهذه الكلمات الأربع رائجة في بلدان أوروبية أخرى. والسبب هو أنه عندما تشكلت الحكومة الأخمينية عام 550 قبل الميلاد، أي قبل 2484 عاماً، جمع الملك الأخميني قورش الكبير العالم المتحضر كله تحت حكمه، لأن آباءه كانوا ملوك أرض قبل ذلك تدعى (بارسا) أو (بارسوا)”. ويبالغ سعيد النفيسي هنا لأن قورش (559 – 529 ق م) لم ينتصر إلا على أنشان وهجمتانه وبارث وجرجان وليديا وبابل، ثم قتل أخيراً على يد الماساجت. وتشمل آنشان شمال إقليم الأحواز ومحافظة تشار محال وبختياري ومناطق في غرب محافظة فارس، وتعتبر ولاية من دولة عيلام. وهجمتانه هي همدان الحالية، وبارث في منطقة خراسان في شرق إيران، وجرجان في شمال شرقي إيران الراهنة، وليديا في تركيا الحديثة، وبابل في العراق الحديث. ولم تكن طبرستان الواقعة شمال إيران الحالية تحت سيطرة قورش، بل إنها لم تكن تحت حكم الأخمينيين والساسانيين، ويشكك المؤرخون أيضاً في وصوله إلى أرمينيا. ولذلك، كان العالم المتحضر أوسع بكثير من هذه المناطق التي غزاها قورش، كما يعتقد بعض المؤرخين أن قورش أو كورش هو اسم عيلامي وليس فارسياً. ثم يقول سعيد النفيسي “إن كلمة إيراني من أقدم الكلمات التي أدخلها الجنس الآري معه إلى دائرة الحضارة، وقد أطلق علماء أوروبا على هذا الفرع من العرق الأبيض الذي كان خالق الحضارة الإنسانية اسم الهندو – أوروبي، أو العرق الهندو – جرماني، أو الهندو – إيراني، أو الهندو – آري، فمنذ اليوم الأول الذي صنع فيه اسماً لنفسه في العالم، أطلق على نفسه اسماً آرياً، وفي اللغات الأوروبية تستخدم كلمة (أرين) كنعت منسوب إلى آري”. كانت إيران “الشاهنامة” هي خراسان الكبرى (بما فيها شمال أفغانستان) ولا تشمل الأحواز ومازندران وطبرستان (أ ف ب) ويذكر سعيد النفيسي هنا العرق الآري الذي لا وجود له من الناحية العلمية، وهذا بالطبع ليس نتاج عقله، بل هو من صنع المستشرقين الأوروبيين الذين اعتمدوا في القرنين الـ19 والـ20 نظرية عائلة اللغات الهندية – الأوروبية وفروعها، أي اللغات الهندية – الإيرانية، وطرحوا على أساسها الفرضية العنصرية الآرية لأغراضهم الاستعمارية. ولم يتأثر بهذه النظرية سعيد النفيسي فحسب، بل وعديد من المثقفين والكتاب والمؤرخين والسياسيين الإيرانيين. لاحقاً وبعد الكارثة الإنسانية التي حلت بالبشر خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن العرق الآري ليس إلا خرافة تخلو من أي مفهوم علمي، كما يشير سعيد النفيسي إلى العرق الهندي – الألماني، لكي يقرب نفسه وحكومة الشاه بهلوي وإيران من الألمان الذين كانوا في ذروة قوتهم. ونحن نعرف العلاقات الوثيقة بين الشاه رضا بهلوي وألمانيا الهتلرية. وفي عصرنا الراهن أصبحت مصطلحات مثل “آريا” و”آريان” و”آري” – ذات الخلفية العنصرية – مثيرة للغثيان بالنسبة إلى معظم الشعوب الإيرانية. يرى البعض أن تغيير مسمى برسيا إلى إيران هي مبادرة من أدولف هتلر وحكام ألمانيا النازية، التي أرسلتها السفارة الألمانية في طهران إلى سعيد النفيسي. ثم يتطرق النفيسي إلى رقعة التوسع لهذا العرق الذي “يغطي من جهة شواطئ نهر السند، ومن جهة أخرى شواطئ بحر المغرب، أي جميع سكان المغرب العربي وشمال غربي الهند وأفغانستان وتركستان وإيران وجزء من بلاد ما بين النهرين والقوقاز وروسيا وكل أوروبا وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا وكل أميركا الشمالية والجنوبية التي أصبحت أراضيهم بمرور الوقت”. ويضيف “لقد كان آباؤنا يتفاخرون دائماً بكونهم أرانيين (كذا)”. هذه العبارة أيضاً غير دقيقة لأن قضايا العرق والتفاخر بالعرق والعنصرية هي من سمات القرنين الـ19 والـ20، وفي تلك العصور القديمة التي يتحدث عنها سعيد النفيسي لم تسد فيها سوى النظرة الدينية وفتح البلدان والتوسع وتوسيع المساحة الجغرافية لأراضي الأباطرة، وليس العنصرية وقضايا من هذا القبيل، وهو في الحقيقة يعمم قوميته العنصرية إلى الأزمنة الغابرة التي كانت غريبة عن هذه المفاهيم. وبحسب المؤرخين لم تكن الإمبراطورية الفارسية منسجمة حتى في الفترة الأخمينية، بل كانت تضم – إضافة إلى الفرس – شعوباً أخرى لم تكن من “الآريين” المزعومين، إذ لا يزال معظم أحفاد هذه الشعوب يعيشون على هذه الأرض، ولا يعتبرون أنفسهم آريين ليفتخروا، ومن هؤلاء يمكن أن نشير إلى العرب والأتراك والطبريين وغيرهم. كان هدف السلطة البهلوية وبعدها الإسلامية يتمثل في مطابقة الهوية (الفارسية) للأرض (إيران) مع هويتها اللغوية (الفارسية) (أ ف ب) ويقول سعيد نفيسي في مقالته “عندما أخضعت الأسرة الأخمينية إيران بأكملها لحكمها، لا يعرف ما كانت تسمى مجموعة هذه البلدان، لأنه في النقوش الأخمينية تم ذكر أسماء الولايات والمناطق المختلفة للأراضي الأخمينية، ولم يذكر الاسم الإجمالي لهذه البلدان. ومن المؤكد أنه في ذلك الوقت كان يجب أن يشتق اسم كل هذه البلدان من (آراي)، لأن جميع سكان هذه المناطق أطلقوا على أنفسهم اسم الآريين، وقد ظهرت كلمة آريا في أسماء نبلاء هذه البلدان. وأقدم وثيقة مكتوبة موجودة في العالم يمكن العثور فيها على السجل القديم لكلمة إيران هي مقولة الجغرافي اليوناني الشهير آرا نوستن، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد وكتابه مفقود، لكن الجغرافي اليوناني الشهير سترابو اقتبسها وسجلها باسم (آريانا)، ولذلك، قبل 2200 عام في الأقل، كانت هذه الكلمة رائجة”. ويتحدث سعيد نفيسي عن عدم علمه باسم “مجموعة الممالك” الواقعة تحت العلم الأخميني لأنهم أنفسهم لم يذكروا اسم هذه المجموعة، لكن على رغم هذا الاعتراف الثمين بالجهل، فإنه يخلط الأخضر باليابس ليقول إن اسم هذه الأرض كانت “إيران”. إنه لا يعلم أو يعلم ويتظاهر بالجهل أنه حتى مارس 1935، لم يكن سكان الولايات والمناطق والبلدان الخاضعة للإمبراطورية الأخمينية ولا الآخرون يعرفون هذا المكان باسم إيران، وتأكيده وجود اسم إيران في أعمال اليوناني آرا نوستن، الذي عاش في القرن الثالث، أي بعد قرن من انهيار الأخمينيين، والذي ضاع كتابه، لا معنى له. وبشكل عام، ليس فقط في الفترة الأخمينية ولكن أيضاً في العصور السلوقية والفرتية والساسانية ومن ثم في فترات الأسر الحاكمة بعد الإسلام مثل الغزنوية والسلاجقة والخوارزمشاهية والمغول والأتابكيات والصفوية والأفشارية والزندية والقاجارية، هذه الأرض كانت تعرف باسم هذه الأسر الحاكمة في داخل ما تسمى حالياً إيران، وباسم برسيا ومشتقاتها في اليونان وأوروبا، وباسم بلاد فارس في العالم الإسلامي، وليس باسم “إيران” أو “آريا” أو “آراي”. وفي جزء آخر من المقال يقول “أقدم اسم لبلادنا هو كلمة إيران نفسها، وهذا يعني أن الاسم كان (إيريا) في البدء، وهو اسم العرق، ثم غيروا اسم البلاد إلى (أبريان)، وبعد ذلك مع مرور الوقت أصبحت أبريان (إيران)، وفي زمن الساسانيين تحولت إلى إيران (جر الحرف الأول وسكون الحرف الثاني)، وفي الوقت نفسه كانوا يسمونها أيضاً إيران (جر الحرف الأول)”. من اختراع المستشرقين لقد تحدثت سابقاً عن كلمة إيران ومعناها الديني في العصر الساساني. وهنا يشير سعيد النفيسي مرة أخرى إلى ما يسميه بعرق “إيريا” وهو من صنع عقل المستشرقين الأوروبيين القائم على القومية والعنصرية وليس له أية صحة علمية، ففي الأساس لا يوجد عرق بهذا الاسم. والتقسيم العرقي في عصرنا لا يأخذ في الاعتبار إلا الخصائص الظاهرية والجسدية للإنسان وليس أي شيء آخر، مثل العرق الأسود والعرق الأبيض والعرق الأصفر، بل إن عدداً من العلماء ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فنفوا وجود أية اختلافات عقلية وفكرية بين البشر، واكتفوا بالحديث عن الجنس البشري. وقد أصبح مفهوم العنصرية في عصرنا ثقافياً أكثر من أن يكون عرقياً، لذلك عندما نتحدث عن العنصرية ضد العرب أو الترك في إيران فإننا لا نقصد وجود عرق يسمى العرب أو الترك، بل العنصرية ضدهم. يشير سعيد النفيسي إلى وجود كلمة إيران، وإيرانشهر، وإيران زمين، في شاهنامة الفردوسي وهو أمر صحيح، لكن فكرة الفردوسي عن هذه الكلمات تختلف كثيراً عن فكرة النفيسي، لأن إيران الفردوسي هي في الغالب خراسان الكبرى (بما فيها شمال أفغانستان) ولا تشمل الأحواز ومازندران وطبرستان وبعض المناطق الأخرى في إيران الحالية، ولم يكن استخدام شعراء العهد الغزنوي لـ”إيران” و” إيرانشهر” سوى استخدامات أدبية وجغرافية وليست سياسية أو إدارية أو أي شيء من هذا القبيل. التفريس المنهجي للأرض والثقافة كان في بعض الجوانب أكثر ملاءمة مع الاسم السابق “برسيا” أو بلاد فارس (أ ف ب) ويقول في نهاية المقال “من المناسب أن نعيد أيضاً المصطلحات القديمة للعصر الساساني وأدباء إيران، ونصف – قولاً وكتابة – مملكة إيران بـ(إيرانشهر)، لأننا إلى جانب إحياء جلالة ومجد الساسانيين نطلق على ديار أردشير بابكان وأنوشيرفان الاسم نفسه الذي أطلقوها عليه، واستخدمنا الكلمة البسيطة بدلاً من كلمتين مركبتين، وأردشير بابكان وأنوشيرفان هما من أبرز ملوك الساسانيين”. وكلام النفيسي هذا يعني العودة إلى التاريخ القديم الذي تم تصويره بطريقة رومانسية، أو العودة إلى الاسم الذي كان يحمل عبئاً آرياً ومعنى عنصرياً لرضا بهلوي وأزلامه من السياسيين والأدباء كسعيد نفيسي ومحمد علي فروغي وحسن تقي زادة وآخرين، وامتياز تاريخي لأحد الشعوب في إيران على حساب الشعوب الأخرى التي لا تنتمي إلى العرق الآري المزيف، ويعتبر ذلك مؤذياً ومهيناً لها. وإذا تمعنا في اسمي بلاد فارس وإيران نرى أن كليهما لم يعبر عن الهويات المتنوعة والتعددية داخلهما. تشير برسيا أو “بلاد فارس” إلى وجود شعب واحد فقط، وهو الشعب الفارسي الذي لا يكون إلا مجرد أحد المكونات القومية العديدة التي استوطنت هذه البقعة من الأرض. إن مسمى “إيران” كما ذكرنا آنفاً مشتق من مفهوم عنصري ويتعلق بعرق خاص – وإن كان وهمياً – ولا يمكن أن يشمل كل سكان هذه البقعة لأنه لا يشمل الآخرين، أو في الأقل لا يعتبر الأتراك والعرب جزءاً من هذا العرق. فما الحل؟ وماذا نسمي هذه الخريطة التي تضم مختلف اللغات والقوميات؟ في الحقيقة لم يكن لهذه الأرض وهذه الخريطة اسم رسمي حتى زمن الشاه رضا بهلوي، وكما أشرت سابقاً، فقد كانت تعرف في الخارج باسم برسيا (ومشتقاتها) عند الأوروبيين، وباسم بلاد فارس عند العرب والمسلمين، وفي الداخل بأسماء الأسر الحاكمة مثل الدولة الأخمينية والدولة الفرتية والدولة السلوقية والدولة الساسانية والدولة الغزنوية والدولة السلجوقية والدولة الصفوية والدولة القاجارية. والآن على كل المكونات القومية التي تعيش على هذه الأرض أن تقرر نوع نظامها السياسي ومحتواه بل تبدي رأيها حول اسم الدولة وعلائمها ورموزها، فإذا وافقت على اسم إيران فيمكن الاحتفاظ بالاسم نفسه مستقبلاً، وطبعاً بإزالة أية دلالات عنصرية عنه قولاً وفعلاً، أو في حال عدم موافقتها، يمكنها اختيار اسم وفقاً لماضيها وحاضرها بعيداً من التقاليد العنصرية للشعب المهيمن، مثل دولة الشعوب البريطانية التي تحمل الاسم الرسمي UK أو United Kingdom، إذ يمكن أن يكون هذا الاسم “الممالك المتحالفة” أو “جمهورية الممالك المتحدة” أو أي اسم تتفق عليه غالبية الشعوب القاطنة في خريطة إيران الحالية. إذا كان كونك “إيرانياً” في نهاية فترة القاجار يعني أنك تعتبر جزءاً من أرض إيران، فإن كونك “إيرانياً” في فترة رضا بهلوي يعني أنك فارسي. وهنا يكون إصرار حكومة رضا على استبدال “إيران” بـ”بلاد فارس” أمراً مثيراً للسخرية لأن التفريس المنهجي للأرض والثقافة كان في بعض الجوانب أكثر ملاءمة مع الاسم السابق “برسيا” أو بلاد فارس. وهدفهم من تغيير الأسماء العربية والتركية والكردية والبلوشية وما شابه ذلك هو تأكيد الهوية “الفارسية” الفريدة لإيران. ورافق ذلك حملة الشاه رضا العسكرية ضد حكام المناطق غير الفارسية. ففي عام 1923 تم تغيير اسم عربستان إلى خوزستان، وفي عام 1925 تم تغيير اسم أنزلي إلى بهلوي (شمال إيران)، وفي عام 1926 تم تغيير اسم أورمية إلى رضائية (شمال غربي إيران). ومن عجائب التاريخ أنه حتى بعد ثورة 1979 الإسلامية، عندما عادت هاتان المدينتان والمدن الأخرى إلى أسمائها السابقة، لم تعد خوزستان إلى عربستان، ولا خرمشهر وأبادان وشادجان وسوسنجرد وماهشهر عادت إلى أسمائها السابقة: المحمرة وعبادان والفلاحية ومعشور. يمكننا القول إن هدف السلطة البهلوية وبعدها الجمهورية الإسلامية يتمثل في مطابقة الهوية (الفارسية) للأرض (إيران) مع هويتها اللغوية (الفارسية)، وهذه إحدى خصائص قيام الدول القومية في القرن الـ19: المطابقة القسرية للحدود اللغوية والثقافية (للقومية المهيمنة) مع الحدود السياسية للدولة (المتعددة القوميات) والتي فشلت في النهاية، وقد تخلت الدول الأوروبية والأميركية في القرن الـ20 عن هذه السياسات وبنت الدولة القومية على أساس اللامركزية ومنح حقوق الأقليات العرقية، مثل إسبانيا وبلجيكا وبريطانيا العظمى وكندا وألمانيا والولايات المتحدة والسويد وغيرها، بل وسمحت دول مثل السويد وتشيكوسلوفاكيا، لشعبي النرويج وسلوفاكيا بالانفصال سلمياً. وفي الهند ومنذ لحظة استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني، بدلاً من الدولة – الأمة، أسسوها على أساس “الدولة – الأمم”، وهذا يعني الاعتراف بالتنوع القومي وحقوق الأمم في الهند. المزيد عن: إيرانالدولة الساسانيةالشاه رضا بهلويالجنس الآريعصر الإمبراطورياتدار الإسلامالشاهنامة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حلمي موسى يكتب عن: مواصلة الحرب (وتوسيعها؟) و”أعباء” العدو الاقتصادية next post حلمي موسى يكتب عن : خطة جيش العدو لـ”اليوم التالي” You may also like غسان شربل يتابع الكتابة عن .. جمال مصطفى:... 26 نوفمبر، 2024 جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 أحوال وتحولات جنوب لبنان ما بعد الهدنة مع... 24 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: صهر صدام حسين وسكرتيره... 24 نوفمبر، 2024 كارين هاوس: مساعدو صدام حسين خافوا من أن... 23 نوفمبر، 2024 حافظ الأسد كان قلقا من أن تلقى سوريا... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: بن لادن استقبل مبعوث... 21 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024
أول ما ظهر مسمى إيران كان في عهد السلالة الساسانية (224 – 651 م)، وذلك إلى جانب مسمى “إنيران” كاسمين لمناطق جغرافية تابعة للإمبراطورية الساسانية، ولهما معان صرف دينية يمكن فهمها في إطار الديانة الزرادشتية في عصر الإمبراطوريات التي كانت تتميز أساساً بصفتها الدينية، وأعني بذلك القرون الوسطى. وكان اسم إيران يطلق على المناطق التي تتبنى الديانة الزرادشتية، واسم “إنيران” على المناطق التي تتبنى أدياناً غير زرادشتية. وهذا يشابه ما شاهدناه في التاريخ الإسلامي، وهو تقسيم العالم إلى فسطاطين: دار الإسلام ودار الكفر، مع الفارق أن “إنيران” كانت تابعة للإمبراطورية الساسانية فيما دار الكفر لم تكن تابعة للإمبراطورية الإسلامية. لم يحمل مسمى إيران في ذلك العهد أي مفهوم قومي أو عرقي بل فرض الاستشراق الأوروبي في القرنين الـ19 والـ20، مفاهيم سياسية قومية وعرقية على مسمى إيران، وأخذ المؤرخون الفرس في القرن الـ20 هذه المفاهيم من الأوروبيين. وكان الإغريق أول الشعوب التي أطلقت اسم “برسيا”، أي بلاد فارس، على ما تسمى إيران حالياً، على رغم أن هذه الجغرافية – قبل وبعد الإسلام – لم تضم الفرس فحسب، بل شعوباً وقوميات وأعراقاً مختلفة. إذ وصف الإغريق – اليونانيون القدماء – هذه الأرض بـ”برسيا” – فارس – بعد مشاهدتهم قبور ملوك الإخمينيين في منطقة فارس (محافظة فارس الحالية في جنوب إيران) على رغم أنهم كانوا يعتقدون أن الدولة الأخمينية أكبر وأوسع من “فارس”، وكانت تشمل ملوكاً وشاهات آخرين، ويبدو أن العرب والمسلمين أخذوا اسم فارس وبلاد فارس من الإغريق. إيران بعد الإسلام توارى مسمى “إيران” عقب الفتوحات الإسلامية وانهيار الدولة الساسانية، فلم يشارك في تلك الفتوحات العرب فحسب بل مجموعات من الشعوب الأخرى وكذا الفرس المعارضون للحكم الساساني، إذ سيطر الأمويون والعباسيون على بلاد فارس أي “برسيا”، ولم يعرف العرب اسماً لهذه الجغرافيا غير بلاد فارس إلا في عام 1935 عندما طلبت حكومة الشاه رضا بهلوي رسمياً من الدول أن تستخدم مسمى إيران بدل بلاد فارس. على سبيل المثال، لم يستخدم علاء الدين عطا ملك الجويني في كتابه “تاريخ فاتح العالم” (جهانكشای) مسمى إيران، على رغم أن الأجزاء الثلاثة لهذا الكتاب – المهم بين المصادر التاريخية – الصادر في القرن الـ13 الميلادي تبحث عن الوضع السياسي والاجتماعي للسلالات المغولية والخوارزمشاهية والإسماعيلية في جغرافية ما تسمى حالياً إيران، لكنه لم يذكر هذا المسمى أبداً. لقد كان قليل من الشعراء يستخدم مفردة إيران في المجالات الأدبية مثل نظامي الكنجوي والدقيقي والفردوسي، وعندما حاول الأخير أن يستخدمها كمفهوم جغرافي قدم مفهوماً يختلف كل الاختلاف مع معنى “إيران” الحالية، وهو أي الفردوسي يركز في ديوانه “الشاهنامة” على خراسان الكبرى أي منطقة شمال أفغانستان الراهنة كتعريف لإيران، ويعتبر الأهواز مملكة مستقلة، وطبرستان ومازندران وزابل ومناطق عديدة أخرى خارج مفهوم إيران. لم يعرف العرب اسماً لهذه الجغرافيا غير بلاد فارس إلا في عام 1935 مع حكومة الشاه رضا بهلوي (أ ف ب) وفي عهد السلالة الصفوية – التي يعتبرها القوميون الفرس نقطة انطلاق لإعادة الدولة الوطنية الإيرانية – لم توصف الدولة باسم الدولة الإيرانية بل لم يستخدم الشاهات الصفوية أنفسهم، الذين حكموا أكثر من قرنين، مسمى إيران. يقول باقر صدريا حول شرعية النظام السياسي للممالك المحروسة، “بشهادة الوثائق والنصوص التاريخية كان مصطلح (الممالك المحروسة) رائجاً في العصر الصفوي كمصطلح سياسي. وفي اتفاقية متبقية من عهد الشاه عباس الأول في هذا العصر، التي عقدت بين إيران وبريطانيا – وكما يبدو أنها أول اتفاقية مفادها ومادتها مرتبة ومنسقة بالطريقة الغربية – ذكر مصطلح الممالك المحروسة أي المتحالفة [Guarded Kingdoms] 19 مرة، في العنوان والمقدمة وفي المواد البالغ عددها 20، ومن تلك المرات الـ19 ثلاث مرات ذكرت بـ(الممالك الشاهية المحروسة)، ومرتين (الممالك المحروسة وبلاد الملك)، ومرة ذكر المصطلح بشكل (الممالك المحروسة الشاهية وبلاد الملك)، وأتت باقي الاستخدامات كلها (الممالك المحروسة). ولا نشاهد في أي جزء من هذه الاتفاقية ذكراً لـ(ممالك إيران المحروسة). وفي الحقيقة تم استخدام (الممالك المحروسة) بدل إيران، ولم يذكر اسم إيران في أي قسم ومادة في الاتفاقية. ويحفظ نص مسودة هذه الاتفاقية في صورة مجموعة مخطوطة بالرقم 5032 في مكتبة مجلس الشورى الوطني”. يقال إن نادر شاه الإفشاري كان يصف نفسه بأنه شاه إيران، ومن أصل تركماني، لكن خلال الدولة الإفشارية في عهده وأخلافه لم يستخدم أي من الشاهدات مسمى إيران لتوصيف النظام الإداري والسياسي للدولة، وقد استمر نظام الممالك المتحالفة (المحروسة) في العهد الإفشاري من دون مضاف إيران، والأمر يصدق أيضاً على سلالتي الكندية والقاجارية. فخلال القرن الـ19 أخذ فرع الدراسات الإيرانية يحتل مكانة خاصة في حقل الاستشراق الأوروبي الذي انطلق من فرنسا ومن ثم وصل إلى ألمانيا وبريطانيا، إذ طرحت الأوساط الأكاديمية في هذه الدول فرضية الأرومة الواحدة لعائلة اللغات الهندية – الأوروبية. غير أن هذه الأوساط التابعة نوعاً ما لحكومات دولهم لم تكتف بذلك بل حولت تلك الفرضية إلى فرضية عنصرية أنجبت فرضية الآريانية والتفوق العرقي الآري، وكان ذلك خدمة للمصالح الاستعمارية للدول المذكورة آنفاً في آسيا وأفريقيا والشرق الأدنى. وقد استعمل المثقفون في العهد القاجاري مفردة إيران أحياناً في بعض كتاباتهم، إلا أنهم لم يستخدموا كلمة “إيرانيين” أي نسبة الانتماء إلى إيران، بل استخدموا بدل ذلك “رعايا إيران”، كما استخدم بعضهم كالرحالة وعالم الجغرافيا نجم الملك الأصفهاني في كتابه “رحلة عربستان” كلمة “العجم” لتوصيف الإيرانيين، وذلك نقلاً عن الأحوازيين الذين التقاهم في مملكة عربستان. لقد راجت كلمة إيران بعد ثورة المشروطة (1906 – 1909) غير أنها لم تتحول إلى اسم رسمي لدولة القاجار. وجاء في المادة الـ19 من دستور تلك الثورة “يحق لمجلس الشورى الوطني وبعد مصادقة مجلس الشيوخ أن يطلب من رجال الدولة تنفيذ الأمور التي صادق عليها من أجل إصلاح الضرائب وتسهيل العلاقات الحكومية في خريطة إيلات إيران وممالكها وتحديد حكوماتها”. وتنص المادة 90 من ملحق ذلك الدستور على أن “مجالس الإيصالات والولايات في جميع الممالك المتحالفة تنظم وفق نظام داخلي خاص بها”. كما نشاهد في دستور ثورة المشروطة مفردة إيران في المادة 19 بعد الممالك (المتحالفة) لكن في المادة 90 يتحدث الدستور عن الممالك المتحالفة من دون مفردة إيران، وهذا يعني أنه حتى فترة الثورة تلك لم تحتل كلمة إيران مكانة كاملة في السياقات الرسمية والقانونية، وقد تذكر حيناً ولا تذكر أحياناً أخرى. وردت مفردة “إيران” في دستور ثورة المشروطة مرتين فقط، وفي ملحقه خمس مرات، وفي المجمل ذكرت سبع مرات في ذلك الدستور وملحقه، إلا أنها وردت 32 مرة في دستور جمهورية إيران الإسلامية، وهذا يدل على ترسيخ الخطاب القومي الإيراني وضعف الخطاب غير الفارسي في إيران في العهد البهلولي (1025 – 1979). إضفاء الطابع الرسمي في الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) 1934 أصدرت الحكومة الإيرانية بياناً رسمياً طلبت فيه من الدول الأجنبية ألا تستخدم في مراسلاتها الرسمية كلمات برشيا وبرس وبرسة، بدل مفردة إيران، إذ كتب سعيد النفيسي – من المستشارين المقربين للشاه رضا بهلوي – مقالاً بهذا الشأن. وقد تم إبلاغ هذا الأمر من خلال تعميم إلى جميع سفارات وممثليات الدول الأجنبية في طهران، حتى دخل هذا التعميم حيز التنفيذ في الـ21 من مارس (آذار) 1935. يقول موقع “دبلوماسي إيراني” في هذا المجال “حتى بداية القرن الـ20 كانت شعوب العالم تعرف بلادنا بالعنوان الرسمي (بارس) أو (برشين)، ولكن في عهد الشاه رضا بهلوي عندما اكتسب النقاش حول العودة إلى إيران القديمة وتأكيد إيران قبل الإسلام قوة، اجتمعت دائرة من المثقفين المبجلين لفترة إيران قبل الإسلام مثل سعيد النفيسي ومحمد علي فروغي وسيد حسن تقي زادة في حكومة الشاه رضا بدعم مباشر منه واتخذت إجراءات لهذا الغرض، فقد اقترح سعيد النفيسي أن يتم تغيير اسم البلاد رسمياً إلى إيران، وأصبح هذا الاقتراح حقيقة واقعة في ديسمبر 1934، ولا يزال هذا القرار مثيراً للجدل بعد 76 عاماً”. ويعتقد معارضو هذا التغيير أن إيران لا تستطيع نقل المعنى والثقافة والحضارة التي تكمن في مصطلح “بلاد فارس” والتي يعرفها غير الإيرانيين منذ فترة طويلة. وترى جماعة أن الشاه رضا اتخذ مثل هذا القرار لأسباب سياسية فقط لتعزيز حكمه الاستبدادي، وتقول هذه المجموعة من المحللين إن مبدأ العمل ينبغي اعتباره موجهاً إلى مجموعة من النخب الثقافية والسياسية في تلك الفترة، بما في ذلك الأشخاص المذكورون، الذين كانوا يبحثون أيضاً عن مصالحهم الخاصة في سلطة حكومة الشاه رضا. أسباب التسمية الجديدة يناقش سعيد النفيسي في مقالته الآنفة الذكر تاريخ الأسماء السابقة فيكتب “عند الأوروبيين كانت كلمة إيران هذه هي المصطلح الجغرافي الوحيد، وفي كتب الجغرافيا كان السهل الواسع الذي يشمل إيران وأفغانستان وبلوشستان اليوم يسمى الهضبة الإيرانية، وكان يطلق على بلادنا أسماء (برس) بالفرنسية و(بيرسيا) بالإنجليزية و(بيرزين) بالألمانية و(بيرسيا) بالإيطالية و(برسي) بالروسية، وكانت الكلمات المشابهة لهذه الكلمات الأربع رائجة في بلدان أوروبية أخرى. والسبب هو أنه عندما تشكلت الحكومة الأخمينية عام 550 قبل الميلاد، أي قبل 2484 عاماً، جمع الملك الأخميني قورش الكبير العالم المتحضر كله تحت حكمه، لأن آباءه كانوا ملوك أرض قبل ذلك تدعى (بارسا) أو (بارسوا)”. ويبالغ سعيد النفيسي هنا لأن قورش (559 – 529 ق م) لم ينتصر إلا على أنشان وهجمتانه وبارث وجرجان وليديا وبابل، ثم قتل أخيراً على يد الماساجت. وتشمل آنشان شمال إقليم الأحواز ومحافظة تشار محال وبختياري ومناطق في غرب محافظة فارس، وتعتبر ولاية من دولة عيلام. وهجمتانه هي همدان الحالية، وبارث في منطقة خراسان في شرق إيران، وجرجان في شمال شرقي إيران الراهنة، وليديا في تركيا الحديثة، وبابل في العراق الحديث. ولم تكن طبرستان الواقعة شمال إيران الحالية تحت سيطرة قورش، بل إنها لم تكن تحت حكم الأخمينيين والساسانيين، ويشكك المؤرخون أيضاً في وصوله إلى أرمينيا. ولذلك، كان العالم المتحضر أوسع بكثير من هذه المناطق التي غزاها قورش، كما يعتقد بعض المؤرخين أن قورش أو كورش هو اسم عيلامي وليس فارسياً. ثم يقول سعيد النفيسي “إن كلمة إيراني من أقدم الكلمات التي أدخلها الجنس الآري معه إلى دائرة الحضارة، وقد أطلق علماء أوروبا على هذا الفرع من العرق الأبيض الذي كان خالق الحضارة الإنسانية اسم الهندو – أوروبي، أو العرق الهندو – جرماني، أو الهندو – إيراني، أو الهندو – آري، فمنذ اليوم الأول الذي صنع فيه اسماً لنفسه في العالم، أطلق على نفسه اسماً آرياً، وفي اللغات الأوروبية تستخدم كلمة (أرين) كنعت منسوب إلى آري”. كانت إيران “الشاهنامة” هي خراسان الكبرى (بما فيها شمال أفغانستان) ولا تشمل الأحواز ومازندران وطبرستان (أ ف ب) ويذكر سعيد النفيسي هنا العرق الآري الذي لا وجود له من الناحية العلمية، وهذا بالطبع ليس نتاج عقله، بل هو من صنع المستشرقين الأوروبيين الذين اعتمدوا في القرنين الـ19 والـ20 نظرية عائلة اللغات الهندية – الأوروبية وفروعها، أي اللغات الهندية – الإيرانية، وطرحوا على أساسها الفرضية العنصرية الآرية لأغراضهم الاستعمارية. ولم يتأثر بهذه النظرية سعيد النفيسي فحسب، بل وعديد من المثقفين والكتاب والمؤرخين والسياسيين الإيرانيين. لاحقاً وبعد الكارثة الإنسانية التي حلت بالبشر خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح من الواضح أن العرق الآري ليس إلا خرافة تخلو من أي مفهوم علمي، كما يشير سعيد النفيسي إلى العرق الهندي – الألماني، لكي يقرب نفسه وحكومة الشاه بهلوي وإيران من الألمان الذين كانوا في ذروة قوتهم. ونحن نعرف العلاقات الوثيقة بين الشاه رضا بهلوي وألمانيا الهتلرية. وفي عصرنا الراهن أصبحت مصطلحات مثل “آريا” و”آريان” و”آري” – ذات الخلفية العنصرية – مثيرة للغثيان بالنسبة إلى معظم الشعوب الإيرانية. يرى البعض أن تغيير مسمى برسيا إلى إيران هي مبادرة من أدولف هتلر وحكام ألمانيا النازية، التي أرسلتها السفارة الألمانية في طهران إلى سعيد النفيسي. ثم يتطرق النفيسي إلى رقعة التوسع لهذا العرق الذي “يغطي من جهة شواطئ نهر السند، ومن جهة أخرى شواطئ بحر المغرب، أي جميع سكان المغرب العربي وشمال غربي الهند وأفغانستان وتركستان وإيران وجزء من بلاد ما بين النهرين والقوقاز وروسيا وكل أوروبا وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا وكل أميركا الشمالية والجنوبية التي أصبحت أراضيهم بمرور الوقت”. ويضيف “لقد كان آباؤنا يتفاخرون دائماً بكونهم أرانيين (كذا)”. هذه العبارة أيضاً غير دقيقة لأن قضايا العرق والتفاخر بالعرق والعنصرية هي من سمات القرنين الـ19 والـ20، وفي تلك العصور القديمة التي يتحدث عنها سعيد النفيسي لم تسد فيها سوى النظرة الدينية وفتح البلدان والتوسع وتوسيع المساحة الجغرافية لأراضي الأباطرة، وليس العنصرية وقضايا من هذا القبيل، وهو في الحقيقة يعمم قوميته العنصرية إلى الأزمنة الغابرة التي كانت غريبة عن هذه المفاهيم. وبحسب المؤرخين لم تكن الإمبراطورية الفارسية منسجمة حتى في الفترة الأخمينية، بل كانت تضم – إضافة إلى الفرس – شعوباً أخرى لم تكن من “الآريين” المزعومين، إذ لا يزال معظم أحفاد هذه الشعوب يعيشون على هذه الأرض، ولا يعتبرون أنفسهم آريين ليفتخروا، ومن هؤلاء يمكن أن نشير إلى العرب والأتراك والطبريين وغيرهم. كان هدف السلطة البهلوية وبعدها الإسلامية يتمثل في مطابقة الهوية (الفارسية) للأرض (إيران) مع هويتها اللغوية (الفارسية) (أ ف ب) ويقول سعيد نفيسي في مقالته “عندما أخضعت الأسرة الأخمينية إيران بأكملها لحكمها، لا يعرف ما كانت تسمى مجموعة هذه البلدان، لأنه في النقوش الأخمينية تم ذكر أسماء الولايات والمناطق المختلفة للأراضي الأخمينية، ولم يذكر الاسم الإجمالي لهذه البلدان. ومن المؤكد أنه في ذلك الوقت كان يجب أن يشتق اسم كل هذه البلدان من (آراي)، لأن جميع سكان هذه المناطق أطلقوا على أنفسهم اسم الآريين، وقد ظهرت كلمة آريا في أسماء نبلاء هذه البلدان. وأقدم وثيقة مكتوبة موجودة في العالم يمكن العثور فيها على السجل القديم لكلمة إيران هي مقولة الجغرافي اليوناني الشهير آرا نوستن، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد وكتابه مفقود، لكن الجغرافي اليوناني الشهير سترابو اقتبسها وسجلها باسم (آريانا)، ولذلك، قبل 2200 عام في الأقل، كانت هذه الكلمة رائجة”. ويتحدث سعيد نفيسي عن عدم علمه باسم “مجموعة الممالك” الواقعة تحت العلم الأخميني لأنهم أنفسهم لم يذكروا اسم هذه المجموعة، لكن على رغم هذا الاعتراف الثمين بالجهل، فإنه يخلط الأخضر باليابس ليقول إن اسم هذه الأرض كانت “إيران”. إنه لا يعلم أو يعلم ويتظاهر بالجهل أنه حتى مارس 1935، لم يكن سكان الولايات والمناطق والبلدان الخاضعة للإمبراطورية الأخمينية ولا الآخرون يعرفون هذا المكان باسم إيران، وتأكيده وجود اسم إيران في أعمال اليوناني آرا نوستن، الذي عاش في القرن الثالث، أي بعد قرن من انهيار الأخمينيين، والذي ضاع كتابه، لا معنى له. وبشكل عام، ليس فقط في الفترة الأخمينية ولكن أيضاً في العصور السلوقية والفرتية والساسانية ومن ثم في فترات الأسر الحاكمة بعد الإسلام مثل الغزنوية والسلاجقة والخوارزمشاهية والمغول والأتابكيات والصفوية والأفشارية والزندية والقاجارية، هذه الأرض كانت تعرف باسم هذه الأسر الحاكمة في داخل ما تسمى حالياً إيران، وباسم برسيا ومشتقاتها في اليونان وأوروبا، وباسم بلاد فارس في العالم الإسلامي، وليس باسم “إيران” أو “آريا” أو “آراي”. وفي جزء آخر من المقال يقول “أقدم اسم لبلادنا هو كلمة إيران نفسها، وهذا يعني أن الاسم كان (إيريا) في البدء، وهو اسم العرق، ثم غيروا اسم البلاد إلى (أبريان)، وبعد ذلك مع مرور الوقت أصبحت أبريان (إيران)، وفي زمن الساسانيين تحولت إلى إيران (جر الحرف الأول وسكون الحرف الثاني)، وفي الوقت نفسه كانوا يسمونها أيضاً إيران (جر الحرف الأول)”. من اختراع المستشرقين لقد تحدثت سابقاً عن كلمة إيران ومعناها الديني في العصر الساساني. وهنا يشير سعيد النفيسي مرة أخرى إلى ما يسميه بعرق “إيريا” وهو من صنع عقل المستشرقين الأوروبيين القائم على القومية والعنصرية وليس له أية صحة علمية، ففي الأساس لا يوجد عرق بهذا الاسم. والتقسيم العرقي في عصرنا لا يأخذ في الاعتبار إلا الخصائص الظاهرية والجسدية للإنسان وليس أي شيء آخر، مثل العرق الأسود والعرق الأبيض والعرق الأصفر، بل إن عدداً من العلماء ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فنفوا وجود أية اختلافات عقلية وفكرية بين البشر، واكتفوا بالحديث عن الجنس البشري. وقد أصبح مفهوم العنصرية في عصرنا ثقافياً أكثر من أن يكون عرقياً، لذلك عندما نتحدث عن العنصرية ضد العرب أو الترك في إيران فإننا لا نقصد وجود عرق يسمى العرب أو الترك، بل العنصرية ضدهم. يشير سعيد النفيسي إلى وجود كلمة إيران، وإيرانشهر، وإيران زمين، في شاهنامة الفردوسي وهو أمر صحيح، لكن فكرة الفردوسي عن هذه الكلمات تختلف كثيراً عن فكرة النفيسي، لأن إيران الفردوسي هي في الغالب خراسان الكبرى (بما فيها شمال أفغانستان) ولا تشمل الأحواز ومازندران وطبرستان وبعض المناطق الأخرى في إيران الحالية، ولم يكن استخدام شعراء العهد الغزنوي لـ”إيران” و” إيرانشهر” سوى استخدامات أدبية وجغرافية وليست سياسية أو إدارية أو أي شيء من هذا القبيل. التفريس المنهجي للأرض والثقافة كان في بعض الجوانب أكثر ملاءمة مع الاسم السابق “برسيا” أو بلاد فارس (أ ف ب) ويقول في نهاية المقال “من المناسب أن نعيد أيضاً المصطلحات القديمة للعصر الساساني وأدباء إيران، ونصف – قولاً وكتابة – مملكة إيران بـ(إيرانشهر)، لأننا إلى جانب إحياء جلالة ومجد الساسانيين نطلق على ديار أردشير بابكان وأنوشيرفان الاسم نفسه الذي أطلقوها عليه، واستخدمنا الكلمة البسيطة بدلاً من كلمتين مركبتين، وأردشير بابكان وأنوشيرفان هما من أبرز ملوك الساسانيين”. وكلام النفيسي هذا يعني العودة إلى التاريخ القديم الذي تم تصويره بطريقة رومانسية، أو العودة إلى الاسم الذي كان يحمل عبئاً آرياً ومعنى عنصرياً لرضا بهلوي وأزلامه من السياسيين والأدباء كسعيد نفيسي ومحمد علي فروغي وحسن تقي زادة وآخرين، وامتياز تاريخي لأحد الشعوب في إيران على حساب الشعوب الأخرى التي لا تنتمي إلى العرق الآري المزيف، ويعتبر ذلك مؤذياً ومهيناً لها. وإذا تمعنا في اسمي بلاد فارس وإيران نرى أن كليهما لم يعبر عن الهويات المتنوعة والتعددية داخلهما. تشير برسيا أو “بلاد فارس” إلى وجود شعب واحد فقط، وهو الشعب الفارسي الذي لا يكون إلا مجرد أحد المكونات القومية العديدة التي استوطنت هذه البقعة من الأرض. إن مسمى “إيران” كما ذكرنا آنفاً مشتق من مفهوم عنصري ويتعلق بعرق خاص – وإن كان وهمياً – ولا يمكن أن يشمل كل سكان هذه البقعة لأنه لا يشمل الآخرين، أو في الأقل لا يعتبر الأتراك والعرب جزءاً من هذا العرق. فما الحل؟ وماذا نسمي هذه الخريطة التي تضم مختلف اللغات والقوميات؟ في الحقيقة لم يكن لهذه الأرض وهذه الخريطة اسم رسمي حتى زمن الشاه رضا بهلوي، وكما أشرت سابقاً، فقد كانت تعرف في الخارج باسم برسيا (ومشتقاتها) عند الأوروبيين، وباسم بلاد فارس عند العرب والمسلمين، وفي الداخل بأسماء الأسر الحاكمة مثل الدولة الأخمينية والدولة الفرتية والدولة السلوقية والدولة الساسانية والدولة الغزنوية والدولة السلجوقية والدولة الصفوية والدولة القاجارية. والآن على كل المكونات القومية التي تعيش على هذه الأرض أن تقرر نوع نظامها السياسي ومحتواه بل تبدي رأيها حول اسم الدولة وعلائمها ورموزها، فإذا وافقت على اسم إيران فيمكن الاحتفاظ بالاسم نفسه مستقبلاً، وطبعاً بإزالة أية دلالات عنصرية عنه قولاً وفعلاً، أو في حال عدم موافقتها، يمكنها اختيار اسم وفقاً لماضيها وحاضرها بعيداً من التقاليد العنصرية للشعب المهيمن، مثل دولة الشعوب البريطانية التي تحمل الاسم الرسمي UK أو United Kingdom، إذ يمكن أن يكون هذا الاسم “الممالك المتحالفة” أو “جمهورية الممالك المتحدة” أو أي اسم تتفق عليه غالبية الشعوب القاطنة في خريطة إيران الحالية. إذا كان كونك “إيرانياً” في نهاية فترة القاجار يعني أنك تعتبر جزءاً من أرض إيران، فإن كونك “إيرانياً” في فترة رضا بهلوي يعني أنك فارسي. وهنا يكون إصرار حكومة رضا على استبدال “إيران” بـ”بلاد فارس” أمراً مثيراً للسخرية لأن التفريس المنهجي للأرض والثقافة كان في بعض الجوانب أكثر ملاءمة مع الاسم السابق “برسيا” أو بلاد فارس. وهدفهم من تغيير الأسماء العربية والتركية والكردية والبلوشية وما شابه ذلك هو تأكيد الهوية “الفارسية” الفريدة لإيران. ورافق ذلك حملة الشاه رضا العسكرية ضد حكام المناطق غير الفارسية. ففي عام 1923 تم تغيير اسم عربستان إلى خوزستان، وفي عام 1925 تم تغيير اسم أنزلي إلى بهلوي (شمال إيران)، وفي عام 1926 تم تغيير اسم أورمية إلى رضائية (شمال غربي إيران). ومن عجائب التاريخ أنه حتى بعد ثورة 1979 الإسلامية، عندما عادت هاتان المدينتان والمدن الأخرى إلى أسمائها السابقة، لم تعد خوزستان إلى عربستان، ولا خرمشهر وأبادان وشادجان وسوسنجرد وماهشهر عادت إلى أسمائها السابقة: المحمرة وعبادان والفلاحية ومعشور. يمكننا القول إن هدف السلطة البهلوية وبعدها الجمهورية الإسلامية يتمثل في مطابقة الهوية (الفارسية) للأرض (إيران) مع هويتها اللغوية (الفارسية)، وهذه إحدى خصائص قيام الدول القومية في القرن الـ19: المطابقة القسرية للحدود اللغوية والثقافية (للقومية المهيمنة) مع الحدود السياسية للدولة (المتعددة القوميات) والتي فشلت في النهاية، وقد تخلت الدول الأوروبية والأميركية في القرن الـ20 عن هذه السياسات وبنت الدولة القومية على أساس اللامركزية ومنح حقوق الأقليات العرقية، مثل إسبانيا وبلجيكا وبريطانيا العظمى وكندا وألمانيا والولايات المتحدة والسويد وغيرها، بل وسمحت دول مثل السويد وتشيكوسلوفاكيا، لشعبي النرويج وسلوفاكيا بالانفصال سلمياً. وفي الهند ومنذ لحظة استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني، بدلاً من الدولة – الأمة، أسسوها على أساس “الدولة – الأمم”، وهذا يعني الاعتراف بالتنوع القومي وحقوق الأمم في الهند. المزيد عن: إيرانالدولة الساسانيةالشاه رضا بهلويالجنس الآريعصر الإمبراطورياتدار الإسلامالشاهنامة