مشهد من فيلم شتروب - هويييه (موقع الفيلم) ثقافة و فنون هولدرلن يتقصى انتحار الفيلسوف هربا من الجواب المدمر by admin 6 يونيو، 2025 written by admin 6 يونيو، 2025 8 “موت انبادوقلس” القصيدة التي كتبها المفكر الما قبل سقراطي مرات لكنها لم تكتمل في حياته أو بعد انتحاره اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب ربما كانت عادة الشاعر الألماني فردريش هولدرلن في كتابة نصوص توضح أعماله الشعرية أو المسرحية أو حتى النثرية في صورة عامة، أحد أكثر عادات الكتاب فائدة ومتعة للقراء، حتى وإن كان من الصعب القول إن تلك الأعمال كانت تتسم بقدر من الصعوبة يحتم وجود مثل تلك التفسيرات. ولعل الأجدر بنا هنا أن نقول إن تلك النصوص التوضيحية إنما كانت في الأصل تهدف إلى تبرير كتابة الشاعر لما كتب أكثر مما تهدف إلى التوضيح، ولكن لما كان الخط الفاصل بين التوضيح والتبرير رفيعاً للغاية، قرئت تلك النصوص على أنها نصوص توضيحية. في الأصل إذاً كان هولدرلن يريد أن يقول لقارئه إنه إذا كان كتب قصيدة أو مسرحية أو ما شابه ذلك، فإنه كتبها ضمن إطار ظروف معينة، وضمن سياق فكرة معينة كانت حين الكتابة مسيطرة عليه. ومن الواضح أن من يقرأ هذه النصوص بالتوازي مع النتاجات الإبداعية التي تتحدث عنها، ستكون لديه فكرة عن العمل مختلفة إلى حد كبير عن الفكرة التي تستحوذ على من يقرأ العمل لذاته، من دون أية خلفيات توضيحية أو تبريرية. والحال أن السجال سيظل دائماً عميقاً ومتشعباً بين الطريقتين، وبالتالي بين أنصار القراءة الإبداعية الخالصة ومن يواجههم من أنصار القراءة المعرفية، وهو سجال ليس هنا مكانه بالطبع. ذلك أننا سواء أكنا من أنصار هذه الطريقة أو تلك، يظل أن الشاعر هولدرلن كتب نصوصه التبريرية، ولا يمكننا تجاهلها بأية حال من الأحوال. فردريش هولدرلن (1770 – 1843) (الموسوعة البريطانية) في خضم الفكر العقلاني ومن أكثر هذه النصوص شهرة في مسار هولدرلن النص الذي كتبه تعليقاً على مسرحية كتبها، ثلاث مرات خلال سنوات عدة، لكنها مع هذا لم تكتمل أبداً. إذ في كل مرة كان هولدرلن يصل إلى نقطة معينة من المسرحية ويريد أن يتجاوزها، يقف تاركاً العمل جانباً، ليستأنفه بعد حين ثم ليتوقف مرة أخرى. وهكذا بقيت المسرحية غير مكتملة وإن كانت، بالصيغة التي وصلت إليها، تعتبر من أجمل مسرحيات هولدرلن. المسرحية التي نعنيها هنا هي “موت انبادوقلس” التي استعار هولدرلن موضوعها من كتاب ديوجين اللائرسي حول حياة الفلاسفة والكتاب القدامى، ولعل الدافع الأول الذي حدا بالشاعر الألماني الذي عاش بين القرنين الـ18 والـ19 إلى كتابة هذه المسرحية إنما كان انبهاره الكبير بالعالم الإغريقي القديم، وبمفكري هذا العالم وتقاليده. ونحن نعرف أن انبادوقلس كان أحد الفلاسفة الما – قبل – سقراطيين، وكان من أوائل المفكرين العقلانيين الذين جعلوا فلسفتهم قائمة على أساس توحد الإنسان والطبيعة، ونعرف كذلك أن انبادوقلس مات انتحاراً. في التقاليد القديمة تقول الحكاية إن انبادوقلس انتحر بأن ألقى بنفسه من فوهة بركان الإتنا، احتجاجاً على عدم إيمان الشعب بتعاليمه وأفكاره الحلولية هذه، وأملاً في أن يؤدي موته على تلك الشاكلة إلى لفت نظر هذا الشعب إلى تلك الأفكار. أما بالنسبة إلى هولدرلن، الذي استند هنا إلى ديوجين، فإن الموضوع يتجاوز مسألة الحلولية بين الإنسان والطبيعة، لأن انبادوقلس تجاوز هذا البعد ليعلن نفسه، انطلاقاً منه، سيد الكون في زمن كان الإنسان – قبل مجيء الأديان التوحيدية – لا يزال يبحث عن آلهة تجيبه عن أسئلة الوجود والحياة. بالنسبة إلى انبادوقلس كان الجواب عنده، ويتعلق تحديداً بالاتحاد المتناغم بين الإنسان والطبيعة، في معنى أن موت الإنسان لا يعني أكثر من عودته الموقتة، لحضن الطبيعة الأم واندماجه فيها من جديد، بعد أن كانت الطبيعة تمظهرت في شكل موقت على صورة ذلك الكائن البشري الذي كانه قبل أن يموت. انبادوقلس كما تخيله الرسام الإغريقي (موسوعة الفنون الكلاسيكية) بدلاً من بكاء الماضي قد لا يكون الاختلاف كبيراً بين الطرحين، ومع هذا لم يفت الأمر أن يشكل حقاً على هولدرلن الذي حاول في المرات الثلاث التي انكب فيها على كتابة المسرحية وإعادة كتابتها (في السنوات 1797 و1798 و1800)، أن يوصل “مأساة” انبادوقلس إلى نهاية منطقية فعجز. وربما يجوز هنا أن نفتح هلالين لنقول ان هولدرلن، في عام 1801، وبعد عام من فشله الثالث في إتمام “موت انبادوقلس”، عاد لعالم الإغريق ثانية، ولكن هذه المرة في قصيدة له اشتهرت لاحقاً عنوانها “الخبز والنبيذ”، نبذ فيها ما كان اعتاده الرومانسيون من بكاء على أطلال الماضي، كي يعلن إيمانه بالمقبل الذي سيولد من رحم الحاضر كاستكمال للمسار التاريخي للكون، حتى اللحظة التي تتم فيها معجزة التحام الليل بالنهار. ومن الواضح أن ما أراد هولدرلن قوله في هذه القصيدة إنما كان دعوة الإنسان إلى العودة للإيمان. وهي الفكرة التي كثيراً ما أراد التعبير عنها من خلال مسرحيته عن انبادوقلس، ففشل. ونعود هنا لهذه المسرحية، التي ستقدم مرات ومرات بعد توقف هولدرلن عن كتابتها، ودائماً ناقصة لا تكتمل، بل في أحيان بأشكال موسيقية، ثم لاحقاً خلال النصف الأخير من القرن الـ20 في صورة سينمائية، حين حولها الثنائي الفرنسي – الألماني جان – ماري ستروب ودانيال هوييه، إلى فيلم تجريبي له مكانته في تاريخ السينما الهامشية. الأسئلة التي تخيف إذاً، مسرحية “موت انبادوقلس” التي كتب هولدرلن صيغها الثلاث وهو في أواسط عمره ومساره الإبداعي، كانت في الأصل عملاً فكرياً يستند إلى ما رواه ديوجين عن حياة وانتحار ذلك الفيلسوف الكاهن والعراف والعالم الذي عاش خلال القرن الخامس قبل السيد المسيح. الانتحار الذي يبدو لنا أشبه بالفداء منه بسلوك درب العدم، ذلك أن انبادوقلس إذ انتحر، لم يكن يتوخى التعبير عن يأسه، بقدر ما كان يتوخى إيقاظ الناس، ودفعهم من خلال تأمل ما قام به إلى البحث بأنفسهم عن الإجابات التي لم يتمكن هو من العثور عليها. وعلى هذا النحو يمكننا في مسرحية هولدرلن هذه أن نقيم تماثلاً واضحاً بين شخصية انبادوقلس وشخصية انطيغونا، فهو مثلها جعل للأخلاق مكانة تسمو على السلطة والقوة، مصوراً في طريقه أن السعي الأفضل والأجدى والأشرف كذلك للدنو من الألوهية، إنما يكمن في فعل مجابهة الموت. ومن هنا لا تعود مسألة دنو الفيلسوف من تصوره للألوهية، فعل جنون أو غرور واستعلاء على البشرية، بل فعل فداء وتضحية يطلب عن البشرية الاقتداء بالفادي. وواضح هنا أن سبب توقف هولدرلن عن استكمال هذه المسرحية، على رغم تجاربه الكثيرة، إنما له علاقة مباشرة بعدم قدرته على الوصول مع منطقه إلى نهايته. فالجزء الذي كتبه من المسرحية يطرح السؤال ويرى الطريق للوصول إلى الجواب الوجودي الأساس، غير أنه حين يخيل إليه أن الجواب أصبح في متناوله، يتراجع، ليس لأنه لا يرى أن من واجب الفن الوصول إلى إجابات، بل لأن الجواب المنطقي الوحيد، إن عبر عنه، سيكون كافياً لتدميره شخصياً، إذ في مثل هذه الحال، سيتساءل القارئ أو المتفرج: كيف تعطينا، إذاً، مثالاً، أنت، كإنسان معاصر، عاجز عن اتباعه ما دام أن الأسئلة نفسها تقلقك وتخيفك؟ نص ذاتي من هنا يمكن النظر إلى مسرحية “موت انبادوقلس” على أنها من أكثر أعمال فردريش هولدرلن (1770 – 1843) ذاتية، حتى وإن كان هذا الكاتب الذي أمضى حياته في كنف رعاية أمه واجداً من الصعوبة عليه بمكان التأقلم تماماً مع العالم الخارجي، كتب معظم أعماله انطلاقاً من ذاته الملتهبة. وهولدرلن درس اللاهوت باكراً في توبنغن، لكنه استنكف عن الدخول في سلك رجال الدين، بل فضل أن يمتهن مهنة تدريس أولاد الأثرياء، ثم عمل في رعاية صاحب مصرف عشق زوجته وكتب عنها نصوصاً عدة. وهو بعد أن عاش في بوردو الفرنسية زمناً عاد لألمانيا سيراً على الأقدام لتظهر عليه من عام 1802 بوادر اضطراب عقلي رافقته من عام 1807 حتى رحيله، ولكنه مع هذا كتب خلال سنوات جنونه الأولى عدداً من النصوص وترجم “أنطيغونا”. أما أشهر أعماله فتبقى قصائده ورواية “هيبريون”، ثم “موت انبادوقلس”. المزيد عن: فردريش هولدرلنالشعر المسرحيديوجينالفيلسوف الإغريقي انبادوقلس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أكبر تفشّ للخناق في أوروبا منذ 70 عاماً يصيب الأكثر ضعفا next post “قصة سليمان” فيلم فرنسي عن اللجوء يحبس الانفاس You may also like أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر يونيو 2025 6 يونيو، 2025 بحثا عن عناصر التجريب في المسرح العربي “البديل” 6 يونيو، 2025 “قصة سليمان” فيلم فرنسي عن اللجوء يحبس الانفاس 6 يونيو، 2025 أوبرا “شعبية” روسية تمجد القيصر “المنقذ” 4 يونيو، 2025 رحيل هادئ لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب عن... 4 يونيو، 2025 هل يهدد موفق طريف في إسرائيل زعامة آل... 3 يونيو، 2025 غريتا غاربو “تنطق” للمرة الأولى في فيلم يوجين... 3 يونيو، 2025 مهى سلطان تكتب عن : سمير الصايغ في... 3 يونيو، 2025 مارغريت ووكر: مرافعة أدبية ضد العبودية 3 يونيو، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 يونيو، 2025