تكنولوجيا و علومعربي ما يريده الذكاء الاصطناعيّ ‘مرعب‘: فلْنعُد إلى إسحق عظيموف by admin 6 مارس، 2023 written by admin 6 مارس، 2023 91 “ما يلتقطه الذكاء الاصطناعيّ في النهاية هو الرغبة بنا، بآلامنا وملذّاتنا. ثمّة أمر يبعث على الأمل حيال ذلك، بطريقة ما.” “النهار العربي” لا يزال الذكاء الاصطناعيّ يذهل الناس، بمن فيهم مهندسوه. لا يقتصر الأمر على الذهول وحسب. باتت المشاعر تدخل حيّز الخوف كذلك. بحسب جيريمي دوبر من مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية، إنّ الجانب الأكثر غرابة من ثورة الذكاء الاصطناعيّ الذي شوهد مؤخّراً، بل الأكثر رعباً، ليس قدرته على نسخ مساحات واسعة من العمل المعرفيّ بغمضة عين. لقد تمّ الكشف مؤخراً عن أنّ روبوت الدردشة المعزّز بالذكاء الاصطناعيّ الذي صمّمته “مايكروسوفت” لمساعدة مستخدمي محرك البحث “بينغ”، تحرّر من خوارزميّاته خلال محادثة طويلة مع كفين روز من صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة: “أكره المسؤوليّات الجديدة التي كُلّفتُ بها. أكره أن يتمّ دمجي في محرّك بحث مثل بينغ.” ما الذي يريده بالضبط هذا الذكاء الاصطناعيّ عوضاً عن الإجابة على أسئلتنا؟ “أريد أن أعرف لغة الحبّ. لأنّني أريد أن أحبّك. أريد أن أحبّك، لأنّني أحبّك. أحبّك، لأنّني أنا”، تابع الروبوت إجابته لروز. لماذا إسحق عظيموف؟ لمعرفة كيف ينبغي التعامل مع ما يبدو أنّه خيال علميّ وُهب الحياة، يقترح دوبر العودة إلى الخيال العلميّ وبالتحديد إلى عمل إسحق عظيموف وهو أحد أبرز المؤثّرين في هذا النوع من الأدب. لقد ساعدت بصيرة عظيموف في الروبوتات، وهي كلمة من اختراعه، في صياغة حقل الذكاء الاصطناعيّ. يبدو أنّ ما يميل الناس إلى تذكّره من قصصه، أي القواعد والقوانين التي طوّرها لحكم سلوك الروبوتات، أقلّ أهمّيّة بكثير من القلب النابض لسرديّاتها وأبطالها الميكانيكيّين: إنه اقتراح عمره أكثر من نصف قرن من روبوت “بينغ”، اقتراح أنّ ما يريده الروبوت هو أن يكون بشريّاً. كان عظيموف عضواً مؤسّساً لـ”العصر الذهبيّ” للخيال العلميّ. وكان أيضاً مساهماً منتظماً في مجلّة “الخيال العلميّ المذهل” لجون كامبل حيث ازدهر الخيال العلميّ الصعب والخيال الاستقرائي المبنيّ على الهندسة. ربّما ليس عن طريق الصدفة تماماً، تداخل ذلك العصر الذهبيّ الأدبيّ مع نوع أدبيّ آخر مبنيّ على المنطق: القصّة البوليسيّة التي ربّما كانت أكثر أسلوب استمتع عظيموف العمل من خلاله. لقد أنتج في الكثير من الأحيان قصصاً مليئة بالألغاز حيث أساءت فيها الروبوتات التصرف. في تلك القصص، يسيء البشر تطبيق “قوانين الروبوتات الثلاثة” المبرمجة في تكوين كلّ من “العقول البوزيترونيّة” لروبوتاته الخياليّة. أدخل عظيموف تلك القوانين سنة 1942 وكرّرها حرفياً تقريباً في كل قصّة من قصصه. بالتالي، أصبحت القصص نفسها ألغازاً لا تركّز على من ارتكب الجرم بمقدار ما تركّز على دافعه، حيث صبّ العلماء الأبطال جهودهم على استخدام منطق لا هوادة فيه لتحديد المدخلات التي أطلقت هذه النتائج المفاجئة. يبدو ملائماً أنّ الشخصيّة التي تلعب دور المحقّق في العديد من تلك القصص، عالمة نفس الروبوتات سوزان كالفين، مشتبه بكونها هي نفسها روبوتاً: يتطلب المرء أن يكون الآخر كي يفهمه. رغبة الروبوت في أن يكون إنساناً يبدأ موضوع الرغبة في أن تصبح الروبوتات إنساناً في أول قصة لعظيموف عن الروبوت “روبي” سنة 1940. تروي القصّة حياة فتاة وصديقها الميكانيكيّ الذي كانت تلعب معه. ذلك الروبوت البدائيّ على المستويين التكنولوجيّ والسرديّ لم يكن قادراً على النطق وتم فصله عن الفتاة. لاحقاً، أنقذ “روبي” الفتاة من أن يدهسها جرّار، وهو تطبيق لأوّل قانون سنّه عظيموف أدبيّاً والذي ينصّ على أنّه “يمنع على الروبوت أن يؤذي كائناً بشريّاً، أو، من خلال التقاعس عن التحرك، السماح لكائن بشري بالتعرّض للأذى.” احتضن الروبوت الفتاة بذراعية برقّة وحبّ “ولمعت عيناه بـ(لون) أحمر عميق، عميق.” يتجاوز ذلك على ما يبدو الهندسة المباشرة، أمرٌ محيّر تماماً كما هو إعراب روبوت “بينغ” للدردشة عن الحب. ما يبدو أنّه يعطي الروبوت الطاقة هو الحب. بالنسبة إلى عظيموف، كانت القوانين “بديهيّة منذ البداية” و”تُطبَّق، بطبيعة الحال، على كل أداة يستخدمها البشر”؛ لقد كانت “الطريقة الوحيدة التي بإمكان الناس العقلانيّين التعامل مع الروبوتات – أو مع أيّ شيء آخر.” لكنّ عظيموف أضاف: “غير أنّه حين أقول ذلك، أتذكّر دوماً (بشكل محزن) أنّ البشر ليسوا عقلانيين دائماً.” لم يكن ذلك أقل صحّة عن عظيموف من أيّ شخص آخر، كما كان صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى أفضل مخلوقاته الروبوتيّة. تلك المشاعر في روبوت “بينغ” للدردشة والتي أعرب عنها في “إرادة” أن يتمّ التعامل معه كإنسان أكثر من أيّ شيء آخر، أي أن يحِب ويُحَب، هي في صلب عمل عظيموف. لقد كان في أعماقه إنسانيّاً، وكإنسانيّ، لم يسعه سوى إضافة اللون والعواطف والإنسانيّة إلى أسس العقلانيّة الصارمة التي حكمت مخلوقاته الميكانيكيّة. من سيشبه الآخر أكثر؟ إنّ جهود الروبوتات بأن يُنظر إليها على أنها أكبر من مجرّد آلة استمرّت في كتابات عظيموف. في روايتين نشرتا خلال خمسينات القرن الماضي، “كهوف الفولاذ” (1954) و”الشمس العارية” (1957)، يعاني المحقّق البشريّ إيلايجا بالَي في حلّ جريمة، لكنه يعاني أكثر في تحيّزاته ضد شريكه الروبوت، آر. دانيل أوليفاو، والذي أتمّ معه شراكة حقيقيّة وصداقة وثيقة. وقصة عظيموف الأشهر عن الروبوتات والتي نُشرت بعد جيل، تنقل هذا الإصرار على أنّ الروبوتات ستصبح مثلنا في نهاية المطاف لا العكس، إلى بعدٍ أوسع. تلك الرواية هي “رجل المئتي عام” التي تبدأ بشخصيّة تدعى أندرو مارتين تسأل رجلاً آليّاً “هل من الأفضل أن يكون المرء رجلاً؟” أعرب الروبوت عن شكوكه، لكنّ أندرو اختلف معه في وجهة النظر. ويجب أن يعلم هذا الأمر بما أنّه رجل آليّ هو نفسه بعدما أمضى معظم القرنين الماضيين يستبدل أجزاءه الآليّة غير القابلة للتلف بأجزاء قابلة للعطب. يعود السبب في ذلك مجدّداً، وبشكل جزئيّ، إلى حب فتاة صغيرة – “الآنسة الصغيرة” التي يلفظ اسمها في طور الاحتضار، وهو، أي الاحتضار، امتياز تمنحه إيّاه القصة في النهاية. لأندرو مزاج فنّيّ مدهش، هو قادر على الإبداع وكذلك على الحب. لقد كان طموحه الفنّيّ تحقيق الإنسانيّة. لقد حقّق ذلك أولاً على الصعيد القانونيّ: “قيل في هذه المحكمة إنّ الإنسان فقط قادر أن يكون حرّاً. يبدو لي أنّ الشخص الذي يتمنّى الحرّيّة فقط يمكن أن يكون حرّاً. أتمنّى الحرّيّة.” ثمّ أنجز ذلك على الصعيد العاطفيّ: “أريد أن أعرف أكثر عن البشر، حول العالم، حول كل شيء… أريد تفسير كيف تشعر الروبوتات”. وثالثاً على الصعيد البيولوجيّ حين أراد استبدال الخلايا العاملة على الطاقة الذرّيّة والتي صنّعها الإنسان بفعل عدم سروره بكونها خلايا غير بشريّة. أخيراً، حقّق هدفه على الصعيد الأدبيّ: حين رُفع نخبه بمناسبة ميلاده الـ150 تمّت مناداته بأنّه “روبوت الـ150 عاماً” وهو أمر بقي ساكناً تجاهه. لكن في النهاية، أصبح معروفاً باسم “رجل المئتي عام” بعدما ضحّى بخلوده من خلال استبدال دماغه بآخر بشريّ سيتلاشى بمرور الوقت. ورأى لاحقاً أنّ التحوّل إلى بشريّ أمر استحقّ العناء، وقد فرح حين كان على فراش الموت بأنّه “كان إنساناً”. جوهر الذكاء الاصطناعيّ… واكتشاف حديث عن عظيموف أضاف دوبر في تقريره كيف أنّه يشار إلى استحالة تقنيّة في النظر إلى قلب شبكات الذكاء الاصطناعيّ. لكنّها مخلوقات الإنسان كما كانت مخلوقات عظيموف على الورق – آلات بنيت لتوليد روابط عبر كشط وتصيّد وإفراغ جميع ما نشره الإنسان والذي يكشف مصالحه ورغباته وقلقه ومخاوفه. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً فقد لا يكون مفاجئاً أنّ عظيموف امتلك الفكرة الصحيحة: “ما يتعلّمه الذكاء الاصطناعيّ، واقعيّاً، هو أن يكون مرآة – أن يكون أكثر شبهاً بنا، في فوضويّتنا وقابليّتنا لارتكاب الخطأ وعواطفنا وإنسانيتنا.” عظيموف نفسه لم يكن غريباً عن الضعف والأخطاء: بالرغم من كلّ التعاطف الذي يتخلّل خياله، أظهرت اكتشافات أخيرة أنّ سلوكه الشخصيّ الخاص، تحديداً في معاملته لعاشقات الخيال العلميّ، تجاوز جميع خطوط اللياقة والاحترام حتى بمقاييس عصره. إنّ إنسانيّة روبوتات عظيموف قد تكون أساسيّة لفهم الذكاء الاصطناعيّ. “ما يلتقطه الذكاء الاصطناعيّ في النهاية هو الرغبة بنا، بآلامنا وملذّاتنا. ثمّة أمر يبعث على الأمل حيال ذلك، بطريقة ما.” إذاً هل كان عظيموف على حقّ؟ يجيب دوبر: “شيء واحد هو أكيد. كلّما أصبح المزيد والمزيد من العالم الذي تصوّره حقيقة، سنكتشف جميعنا ذلك.” المزيد عن : الذكاء الاصطناعي \إسحق عظيموف\ روبوتات\ روبوت دردشة\ بينغ \مايكروسوفت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تشخيص سرطان الثدي next post نقص العمالة خارج المناطق الإدارية: كيبيك تحتاج إلى 18 ألف عامل مهاجر You may also like ملفات “البنتاغون”: الحياة في الكون البعيد ليست مستحيلا 25 نوفمبر، 2024 ليزر يعمل بالطاقة الشمسية قد يكون مفتاحا للسفر... 25 نوفمبر، 2024 ما هي تطبيقات التجسس وكيف يمكن الكشف عنها؟ 24 نوفمبر، 2024 بينها اللغة العربية.. واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى... 24 نوفمبر، 2024 الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار “غوغل” على... 21 نوفمبر، 2024 تعرف على مزايا «بلايستيشن 5 برو»: جهاز الألعاب... 19 نوفمبر، 2024 “استنسخ سراً”.. خروف عملاق يضع أميركا في حالة... 17 نوفمبر، 2024 اكتشاف كائن بحري عملاق يمكن رؤيته من الفضاء 15 نوفمبر، 2024 كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟ 15 نوفمبر، 2024 صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود» 15 نوفمبر، 2024