الجمعة, مايو 3, 2024
الجمعة, مايو 3, 2024
Home » كيف ربطت ماريا كالاس بين “بالياتشي” و”الفارسة الريفية؟”

كيف ربطت ماريا كالاس بين “بالياتشي” و”الفارسة الريفية؟”

by admin

 

عراب كوبولا نسف تلك “البدعة” وعملان أوبراليان إيطاليان كبيران كان من غرائب الأمور ارتباطهما معاً بتوأمة لا مبرر لها

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

هما عملان أوبراليان كبيران لم يكن ثمة ما يجمع بينهما ويبرر توأمتهما، واللافت إلى درجة أن مغنية أوبرا القرن الـ20 ماريا كالاس راحت منذ “اكتشفتهما” تباعاً في مرحلة لاحقة من مسارها على المسرح الغنائي في روما كما في غيرها من المدن الأوروبية والمسارح النيويوركية، راحت تصر دائماً على تقديمهما معاً من دون أن تجد ما يبرر ذلك، اللهم إلا إذا اعتبرنا ولادتهما معاً عند أواخر القرن الـ19 مبرراً يمكن أخذه في الحسبان. فالحقيقة أن العملين، وهما “الفارسة الريفية” (1890) لبياترو ماسكاني و”بالياتشي” (1892) لرودجيرو ليونكافالو، لا يمتان إلى بعضهما بعضاً بصلة، حتى وإن كان مؤلفاهما متجايلين وتدور أحداثهما في إيطاليا. ناهيك بأنهما، من ناحية أخرى، قصيران بالنسبة إلى زمن تقديم كل منهما على المسرح، فالأولى من فصل واحد والثانية من فصلين فقط. ولعل هذا التشابه، غير المهم كثيراً على أية حال، كان مدخلاً مبدئياً لضمهما معاً في عرض واحد.

بياترو ماسكاني (1863 – 1945) (غيتي)

 

على الطريقة الأميركية

ومهما يكن من أمر لا بد أن نشدد هنا على أن ذلك التقديم الذي اعتمدته ماريا كالاس لم تكن هي مخترعته، بل هي سارت فيه على خطى اختيار أميركي اهتم بالعملين باكراً وربطهما معاً إلى درجة أن ذلك التقديم المزدوج حمل في التسمية الأميركية اسماً موحداً تركب من مزج أول حروف العنوانين معاً، على الطريقة الأميركية الدارجة، فصارت الأوبراتان تعرفان معاً باسم “كاف – باغ”. غير أنه لئن كان لدى الأميركيين، المستعجلين دائماً وهواة الاختصار والتوليف، ما يبرر ذلك الاختيار، وليس ثمة ما يبرره بالنسبة إلى المغنية الكبيرة ذات الأصل اليوناني، وبخاصة أن الدور الرئيس في كل منهما دور ذكوري، وأن أداء البطلة في واحد من العملين، بدراميته الشاعرية، يختلف عنه في العمل الآخر. ومهما يكن من أمر يظل علينا أن ننظر إلى اختيار كالاس الذي أضفى على العملين شهرة متساوية وجماهيرية عريضة كان الأهم بين ما حدث لكل من العملين، وفي الأقل حتى نهاية القرن الـ20 حين حدث ما ليس في الحسبان ليميز أوبرا ماسكاني “الفارسة الريفية” عن أوبرا ليونكافالو “بالياتشي”، فالواقع أن “السينما مرت من هنا” كما قد يوحي القول المأثور. ولكن ليست أية سينما، بل سينما فرانسيس فورد كوبولا وتحديداً الجزء الثالث من فيلمه الكبير “العراب”، وهو الجزء الأقل شهرة بين أجزاء الثلاثية، وربما يكون قد وقع في هذا السياق ضحية لفن الأوبرا، كيف؟

رودجيرو ليونكافالو (1857 – 1919) (غيتي)

 

كوبولا والعودة إلى الجذور

ببساطة لأن المخرج الأميركي، من أصل إيطالي، كوبولا كان بعد النجاح الساحق بل الأسطوري الذي حققه الجزءان الأولان من “العراب”، فاعتبرا عملين جمعا بين التبجيل المطلق الذي جابههما به النقد العالمي، والإقبال المذهل الذي اجتذب عشرات بل مئات ملايين المتفرجين في شتى أنحاء العالم إلى الصالات التي تعرضهما، كان قد قرر أن يختتم الثلاثية بجزء ثالث لا يعطي المكانة الأولى في الأحداث إلى صراع العصابات ودسائس عائلات المافيا ولعبة السلطة والعائلة والمال والممنوعات على أنواعها، بل لبعد فني شديد الإيطالية يرتبط شكلاً ومضموناً بعودة آل كورليوني إلى جزيرة صقلية مسقط رأس الأب الراحل فيتو كورليوني. وهكذا جعل من طوني ابن مايكل (آخر الذكور في سلالة العراب) مغنياً للأوبرا شاء أن يقدم فنه في الجزيرة التي كانت مهد جده فيتو، ولم يكن من الصدفة أن يتعمد كوبولا اختيار أوبرا ماسكاني لتكون تعريف نفسه إلى جمهور آبائه وأجداده وتحديداً من خلال ذلك العمل الأوبرالي الذي لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية لجمهور الأوبرا خارج إيطاليا. وكان ذلك على أية حال اختيار كوبولا الذي فاتح به مؤلف الرواية الأصلية “العراب” ماريو بونزو، فوافق هو الآخر، وولد “العراب – 3” من رحم تلك الرغبة التي فرضت على جمهور لم يكن مستعداً لذلك أن يتحول لساعتين ونيف إلى جمهور أوبرا هو الذي رغب أصلاً في مشاهدة الفيلم كخاتمة لحياة العصابات، وبالتحديد لمجد تلك العائلة الكورليونية. صحيح أن ذلك التجديد لقي ترحيباً لدى قسم لا بأس به من جمهور كوبولا، لكن كثراً رفضوه ضمن إطار رفضهم عملاً أوبرالياً اتهم دائماً بالنخبوية على رغم شعبيته، بخاصة أن المشاهد الأوبرالية شغلت نحو ثلث وقت الفيلم ببطئها الشديد واستخدامها كخلفية لتدبير أعداء مايكل كورليوني من عصابات المافيا مؤامرة لاغتياله راحت ضحيتها ابنته الحسناء، وهي خارجة من قاعة العرض حيث احتفلت بنجاح غناء أخيها وسط حزنها على إجبار أبيها لها على التخلي عن حبها لابن عمها.

مشهد أوبرالي من فيلم “العراب – 3” (موقع الفيلم)

 

ما قاله برنارد شو

بالنسبة إلى فيلم “العراب – 3” ومبدعه، كانت التوليفة السينمائية الأوبرالية ناجحة وموفقة، لكن كثراً من النقاد أبوا مسايرته في تلك النظرة، لكن المهم أن استخدام أوبرا “الفارسة الريفية” في الفيلم كان فيه رابح كبير هو ماسكاني مؤلف تلك الأوبرا، الذي كان قد حان له أن ينفصل أخيراً عن شريكه القديم في إنجاح الأوبرا الإيطالية. ونتحدث هنا بالطبع عن ليونكافالو الذي رأى معجبوه أنفسهم يشهدون على تخلف أوبراه، مرة وإلى الأبد عن تلك التوأمة التي قال كثر إنها كانت دائماً على أية حال، “ظالمة” لـ”الفارسة الريفية”. فأوبرا ماسكاني هذه، كانت دائماً وحتى قبل تدخل ماريا كالاس في إعادة الاعتبار لها بتلك التوأمة التي ربطتها بـ”بالياتشي”، كانت تعتبر أوبرا كبيرة إنما مظلومة، ولعل خير شاهد على ذلك الكاتب الإنجليزي الكبير جورج برنارد شو الذي كان، إضافة إلى مسرحياته وظرفه واشتراكيته الإنجليزية التبسيطية، كان ناقداً موسيقياً هو الذي اشتهر له في هذا المجال كتاب “مولع بفاغنر”، الذي ترجمه إلى العربية الكاتب المصري الكبير ثروت عكاشة، بل حتى بنى عليه كتابه الخاص عن فاغنر.

فشو كتب حين شاهد، ذات مرة، عرضاً لـ”الفارسة الريفية” في الـ”كوفنت غاردن” قال “إن موسيقى الفارسة الريفية هي بالتحديد ما كان في وسعنا دائماً أن ننتظره من الممثل الذكي والمبدع لجيل يعرف موسيقى فاغنر وشارل غونو وجوزيبي فيردي عن ظهر قلب”. والحقيقة أن هذه العبارة التي كتبها برنارد شو ذاعت قبل أن تتعرف ماريا كالاس على تلك الأوبرا وتقدم على مواصلة توأمتها مع “بالياتشي”.

بين عملين “وحيدين”

ومع ذلك كله، وكما بات مشاهدو فيلم “العراب – 3” يعرفون، تتألف “الفارسة الريفية” من فصل واحد تدور أحداثه في قرية في صقلية، ولا تتجاوز تفاصيله يوم الاحتفال بعيد الفصح، إذ عند افتتاح العرض وانطلاق الأحداث تصخب موسيقى بطيئة بعض الشيء لفترة زمنية لا بأس بها ثم نسمع بطل الأوبرا توريدو ينشد أغنية حب رومنطيقية لحبيبته لولا التي يهواها إلى درجة استعداده للتضحية بحياته من أجلها. وهنا تفتح الستارة على ساحة القرية حيث الكنيسة والملهى – المنزل الذي تملكه وتديره الماما لوتشيا أم توريدو حيث سنكتشف تدريجاً أن الأحداث التي تشغل الزمن الباقي من الأوبرا تتعلق بهيام توريدو بلولا التي كانت قد غدرت به وتزوجت خلال غيابه في الخدمة العسكرية، آلفيو. لكنها لم تتمكن من البقاء وفية له، وهكذا حين يعود توريدو تمضي بعض وقتها في أحضانه ما يصل إلى علم القرية كلها باستثناء آلفيو الذي لن يعرف بخيانة زوجته إلا على لسان سانتوتزا التي كان توريدو قد ارتبط بها غيظاً من هجران لولا له. وها هي ذي سانتوتزا تقرر الانتقام من الحبيبين السابقين فتخبر آلفيو بالأمر مما يدفعه إلى مجابهة توريدو وتنتهي الحكاية بقتل هذا الأخير على يد الزوج المنتقم لشرفه! والحقيقة أن هذا كل ما في الأمر هنا. لكن اللافت هو أن ماسكاني في هذه الأوبرا القصيرة، التي تعتبر على أية حال عمله الكبير الوحيد، صب كل إبداع موسيقي يملكه، تماماً كما فعل ليونكافالو وهو الذي يكاد بدوره يعتبر صاحب عمل كبير وحيد بفضل إبداع لا يضاهى صبه في “بالياتشي”، مما قارب بين العملين وربما كان وراء الدافع العاطفي الذي حرك ماريا كالاس لتضفي عليهما هالة مشتركة وحدتهما، ولكن قبل أن يعود فيلم فرانسيس فورد كوبولا ليفرقهما.

المزيد عن: ماريا كالاسأوبرا إي بالياتشيالفارسة الريفيةبياترو ماسكانييرودجيرو ليونكافالوفيلم العراب – 3جورج برنارد شو

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili