ثقافة و فنونعربي “فاوست” كما صوّره مورناو الفن يلقي دروسه ولو بالصمت الفصيح by admin 19 يوليو، 2020 written by admin 19 يوليو، 2020 123 يوم كانت السينما تدقّ ناقوس الخطر والوباء إيذاناً بظهور النازية اندبندنت عربية / / إبراهيم العريس باحث وكاتب من غير الممكن هنا بالطبع تعداد كل الاقتباسات السينمائية التي تمت انطلاقاً من مسرحية غوته “فاوست”، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن هنا قد يصح الاكتفاء بواحد من أول الاقتباسات الجدّية والإشارة إلى واحد من آخر الاقتباسات المبدعة. هذا الأخير هو بالطبع فيلم “فاوست” الروسي- الألماني الذي به اختتم ألكسندر سوكوروف رباعيته المدهشة حول لحظات صعبة في حياة ثلاثة من دكتاتوريي القرن العشرين: لينين، هتلر والأمبراطور الياباني هيروهيتو. أما الأول فهو فيلم “فاوست أسطورة ألمانية” للسينمائي التعبيري الألماني مورناو الذي حققه عام 1926 ضمن إطار السينما الصامتة فأتى تحفة استثنائية في فن السينما في ذلك الحين. “فاوست” يتوّج مسيرة أتى “فاوست” مورناو تتويجاً لمسيرته السينمائية التي استبقت هجرته إلى الولايات المتحدة كما سوف نرى، لكنه أتى أيضاً تتويجاً لذلك التيار السينمائي الذي لن نكون مغالين إن اعتبرناه تياراً بصرياً خالصاً، إذ عرف مخرجو ذلك التيار ومورناو في طليعتهم، وفي أفلام من علاماتها “عيادة الدكتور كاليغاري” و”نوسفراتو” و”متروبوليس”، وصولاً إلى “فاوست”، كيف يعوّضون عن غياب الصوت بتحميل الصورة كل همومهم الفنية وجعلها تنطق بالمضمون في لغة هندسية تشكيلية مدهشة. ولعل هذا ينطبق أكثر على “فاوست” حيث لإدراك المخرج معرفة متفرجيه جميعاً بالحكاية التي يرويها، ومن تراه لا يعرف حكاية فاوست ويروي حواراتها عن ظهر قلب، استنفر خزانه من اللغة التشكيلية مستنداً أساساً إلى ألعاب الضوء والظل المستقاة من الفن الهولندي النهضوي، رمبراندت وفيرمير، وإلى حد ما من الفرنسي جورج ديلا تور، كي يمكن الصورة رسم ذلك المناخ الميتافيزيقي الشيطاني الذي تتحرك الشخصيات ضمن إطاره، ويا لها من شخصيات استثنائية إن نحن عرفنا أن على رأسها إميل جاننغ في دور مفيستو/ الشيطان!. ملصق فيلم “فاوست أسطورة ألمانية” (من موقع الفيلم) الرجل الذي باع روحه للشيطان إذاً وسط ديكورات خلابة وإضاءة تحوّل الأسود والأبيض إلى غابة من ألوان حسّية، وتحركات وتعبيرات ممثلين استثنائيين عرفوا كيف يخرجون من الإطار المسرحي لأداء تلك الأزمان التي كان على الحركة المبالغة أن تعوض فيها عن غياب الصوت، عرف مورناو كيف يعطي حياة “منطقية” لتلك الحكاية التي دائماً ما فتئت تفتن المبدعين والمتلقين، حكاية الدكتور المكتهل فاوست الذي يؤلمه انتشار الوباء في ضيعته فيستجيب للرهان الذي يقوم بين الملاك والشيطان من حوله تحديداً، ويبيع روحه لهذا الأخير مقابل إنقاذه الشعب من الوباء، ثم يبيعها له مرة أخرى مقابل أن يعيد إليه شبابه إذ تولّه بالصبية الحلوة غريتشن، إلى آخر الحكاية المعروفة. المهم في الأمر أن مورناو أضاف إلى السينما التعبيرية الألمانية يومذاك فيلماً كبيراً لا يزال يُعتبر إلى اليوم من تحف السينما في بداياتها الجادة. أما بالنسبة إلى مورناو نفسه فإن حادث سيارة بسيط حدث في مارس (آذار) 1931، بالقرب من مدينة لوس أنجليس الأميركية، كان كافياً لوضع حد لحياته هو الذي كان، قبل لجوئه إلى الولايات المتحدة، واحداً من السينمائيين الأساسيين الذين أعطوا السينما الألمانية ذلك التيار الذي عرف باسم “التعبيرية”، وكان نسيج وحده بين التيارات كافة التي عرفها الفن السابع، ليس فقط بسبب الأشكال الفنية التي ابتكرها، ولا كذلك بسبب تعامله الخلاّق مع ميتافيزيقية الأسطورة، بل لأنه كان التيار الذي عبّر أكثر من أي تيار آخر عن ذلك الرعب الذي استبد بألمانيا بعد هزيمتها الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى. جزء من تاريخ الذهنيات من هنا كان هذا التيار الأكثر درساً وتحليلاً من قبل مؤرخي السينما، ولكن أيضاً من قبل مؤرخي الذهنيات والظواهر الاجتماعية، لأن السينما التعبيرية الألمانية، بقدر ما كانت فناً وتعبيراً عن حساسيات فنية لدى السينمائيين، كانت كذلك انعكاساً لذهنيات شعبية ولظاهرة اجتماعية، وأكثر من هذا وذاك، كانت ناقوس الخطر الذي دق غير مرة، وعلى أكثر من شكل، منذراً بوصول النازية. فشعب أصابه من الهزائم ما أصاب الألمان، وحلّ به الخوف، ونال منه الإحباط، لم يكن له في نهاية الأمر إلا أن يبحث عن الأساطير يلجأ إليها جاعلاً من فنانيه مرآة لهذا البحث عما يمكنه أن يكون التعويذة. ولسوف نرى لاحقاً أن هذا البحث كله عاد وانحصر في البحث عن الرجل القوي: عن هتلر، فكانت كارثة النازية ومجزرة الحرب العالمية الثانية تحقيقاً للنبوءة التي تحدثت عنها السينما التعبيرية الألمانية، كناقوس خطر بالنسبة إلى البعض وكبشرى شيطانية بالنسبة إلى البعض الآخر. مورناو الذي قضى على ذلك النحو بالقرب من لوس أنجليس نعاه الأميركيون يومها بوصفه مخرج فيلم “الفجر” الذي أذهلتهم صوره الرائعة فعوّدتهم أن يتعملوا نطق اسمه: فردريك ولهلم مورناو، ثم جعلتهم يتراكضون لمشاهدة الفيلم الثاني الذي ساهم فيه في الولايات المتحدة. بيد أن ما لم يكن الأميركيون يعرفونه في ذلك الحين أن هذين الفيلمين لم يكونا سوى العلامات الأخيرة، والأقل مجداً، في مسار سينمائي كان قد بدأ في ألمانيا قبل ذلك بنحو عشرين سنة وجعل لصاحبه مكانة مرموقة بين أقطاب السينما التعبيرية الألمانية، تلك السينما التي كان أحد مؤسسيها عبر أفلام قصيرة صامتة فُقد أكثرها، ولكن بخاصة عبر أفلام معروفة كانت قد حققت نجاحاً كبيراً في أوروبا ومن بينها بخاصة “نوسفراتو” (1922) المقتبس من رواية “دراكولا” لبرام ستوكر، و”فاوست” (1925) المقتبس من غوته، و”آخر الرجال” (1924) و”طرطوف” المأخوذ من مسرحية موليير، و”شبح” وغيرها. اقرأ المزيد “حكاية جندي” لسترافنسكي… رهان فاوستي معاصر “طرطوف” للألماني مورناو… الفن يدق ناقوس الخطر حوار داخليّ هذه الأفلام وغيرها كانت تنتمي إلى تلك السينما الخاصة التي عرفت كيف تمزج بين علم النفس والمسرح، بين الأدب والميتافيزيقا، بين الأسطورة والواقع، في لعبة ظلال وأضواء سمّيت تعبيرية. ولكن لماذا كل هذه الأساليب التعبيرية؟ لتقديم الفن بوصفه “حواراً داخلياً منفرداً”، وذات طبيعة تكشف عن أمور عدة من بينها التعبير عن القلق والارتباك العظيمين اللذين كانت تعيشهما الأمة الألمانية بأسرها إثر الصدمة الكبيرة التي تمثلت في الهزيمة ومعاهدة فرساي. إزاء هذا كله حفلت السينما التعبيرية الألمانية بشتى ضروب الإحباط والعدوانية، وبكثير من التشاؤم الرافض – بكل هلع – فكرة قيام أي ثورة ضد نظام الأمور القائم. فإذا كان الواقع مرفوضاً، وإذا كانت الثورة مرفوضة، فما الحل؟ بكل بساطة: لا بد أن يأتي الرجل القوي. لا بد أن يأتي من قلب المجهول، من قلب الليل ومن قلب الأسطورة. باختصار من قلب التاريخ الألماني وميتافيزيقاه. أما بالنسبة إلى مورناو فقد وجدناه يحقق ثلاثة أفلام على الأقل تدق ناقوس الخطر. فنوسفراتو/ الغول في فيلمه الذي يحمل الاسم نفسه ليس سوى الزعيم الآتي من عالم الشياطين ليقبض على الروح الألمانية (كما سوف يحدث لاحقاً بالطبع)، وفي “فاوست” يبدو العقد بين الدكتور والشيطان وكأنه عقد بين النازية المقبلة والشعب الألماني الذي بات على وشك أن يفقد روحه بعد أن فقد في الحرب كرامته. وفي “طرطوف” واضح أن المنافق ليس سوى ذاك الذي يستبد بعقول الناس عبر لغة لفظية تخفي مساوئه التي من المدهش أنها غائبة عن الإدراك على الرغم من وضوحها. لسنا بحاجة إلى القول هنا إن هذه التعبيرية السينمائية، كانت من أولى ضحايا النازية وإن بعض أبرز صانعيها اضطروا إلى الفرار ما أن استتبت السلطة في أيدي النازيين، وذلك بكل وضوح لأن النازيين أدركوا فحوى ذلك التيار الذي وصفوه بأنه تيار انحطاطي يحاول أن يدمر الروح الألمانية ومنعوا أفلامه ودمروا منتجيه. وحده فريتز لانغ (على الرغم من يهوديته) نال رضاهم، لأنه حين استخدم الأسلوب التعبيري جيّره لصالح فكرة تلتقي في نهاية الأمر مع الفكر النازي. لكن لانغ، لخوفه الشديد، فضّل الهرب لاحقاً بزملائه، وبخاصة مورناو، الذي كان الأوضح والأصرح في تعبيره عن قلقه من قدوم النازية، وكان الأكثر عبقرية بين أبناء جيل أصر على أن يجعل من الفن السابع ناقوس خطر يدق، حتى لو لم يجد من يصغي إليه. المزيد عن: غوته/فاوست/ألكسندر سوكوروف/مورناو 20 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الحكومة الجزائرية تسابق الوقت منعا لانفجار احتقان الشارع next post آصلي أردوغان: السلطان الحالي يطوي صفحة العلمانية التركية You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 20 comments зарубежные сериалы смотреть онлайн 25 مارس، 2024 - 5:12 م Yesterday, while I was at work, my sister stole my iPad and tested to see if it can survive a thirty foot drop, just so she can be a youtube sensation. My iPad is now broken and she has 83 views. I know this is entirely off topic but I had to share it with someone! Reply глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 6:46 ص No matter if some one searches for his essential thing, thus he/she needs to be available that in detail, thus that thing is maintained over here. Reply бот глаз бога телеграмм 10 أبريل، 2024 - 8:02 م If you desire to improve your knowledge only keep visiting this website and be updated with the most up-to-date news posted here. Reply cs gambling websites 2024 7 مايو، 2024 - 10:59 م Does your website have a contact page? I’m having a tough time locating it but, I’d like to send you an e-mail. I’ve got some recommendations for your blog you might be interested in hearing. Either way, great site and I look forward to seeing it develop over time. Reply Гомельский государственный университет имени Франциска Скорины 15 مايو، 2024 - 11:52 م One of the leading academic and scientific-research centers of the Belarus. There are 12 Faculties at the University, 2 scientific and research institutes. Higher education in 35 specialities of the 1st degree of education and 22 specialities. Reply Гостиничные Чеки СПБ купить 24 مايو، 2024 - 3:31 م Hey! I just wanted to ask if you ever have any problems with hackers? My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing months of hard work due to no backup. Do you have any solutions to protect against hackers? Reply удостоверение тракториста машиниста купить в москве 31 مايو، 2024 - 12:13 م Your style is very unique compared to other people I have read stuff from. Many thanks for posting when you have the opportunity, Guess I will just bookmark this web site. Reply 乱伦色情 3 يونيو، 2024 - 4:39 م Do you have a spam issue on this website; I also am a blogger, and I was curious about your situation; many of us have created some nice methods and we are looking to trade strategies with other folks, be sure to shoot me an e-mail if interested. Reply hot fiesta game 12 يونيو، 2024 - 11:06 م I’m gone to inform my little brother, that he should also pay a visit this weblog on regular basis to get updated from newest reports. Reply Теннис онлайн 27 يونيو، 2024 - 11:42 م Wow! This blog looks exactly like my old one! It’s on a entirely different topic but it has pretty much the same layout and design. Wonderful choice of colors! Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 9:45 ص Hi, i think that i saw you visited my website so i came to return the favor.I am trying to find things to improve my site!I suppose its ok to use some of your ideas!! Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 10:45 م I am extremely inspired with your writing talents and alsowell as with the layout on your blog. Is this a paid topic or did you customize it yourself? Either way stay up the nice quality writing, it’s rare to peer a nice blog like this one these days.. Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 2:41 م Unquestionably believe that that you stated. Your favourite justification appeared to be at the internet the simplest thing to take note of. I say to you, I definitely get irked whilst folks consider concerns that they plainly do not recognise about. You controlled to hit the nail upon the top as smartly as defined out the whole thing with no need side effect , other folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thank you Reply строительство автомойки под ключ 5 يوليو، 2024 - 10:42 م Выбрав услугу “автомойка самообслуживания под ключ”, инвестор получает полностью оснащенную и готовую к эксплуатации моечную станцию без необходимости заниматься её организацией самостоятельно. Reply строительство автомойки 7 يوليو، 2024 - 7:47 ص “Строительство автомойки под ключ” включает все от проектирования до ввода в эксплуатацию. Ваш бизнес-проект будет безопасен и эффективен с нами! Reply строительство автомойки под ключ 7 يوليو، 2024 - 8:23 م Заказывая автомойку под ключ, вы экономите время и деньги. Наши специалисты возьмут на себя все этапы работ, от разработки до ввода объекта в эксплуатацию. Reply Прогнозы на футбол 9 يوليو، 2024 - 5:21 م You ought to take part in a contest for one of the greatest sites on the internet. I am going to recommend this blog! Reply Прогнозы на футбол 12 يوليو، 2024 - 2:55 ص Thanks for sharing your thoughts on %meta_keyword%. Regards Reply Jac Амур 19 أغسطس، 2024 - 4:26 ص Hello there, just became aware of your blog through Google, and found that it is really informative. I’m gonna watch out for brussels. I will appreciate if you continue this in future. Many people will be benefited from your writing. Cheers! Reply theguardian.com 23 أغسطس، 2024 - 8:09 م Remarkable! Its in fact awesome article, I have got much clear idea concerning from this post. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.