الأربعاء, مايو 8, 2024
الأربعاء, مايو 8, 2024
Home » عندما انخرط رولان بارت في نضال مبكر وواع ضد الفاشية

عندما انخرط رولان بارت في نضال مبكر وواع ضد الفاشية

by admin

 

الوجه السياسي “المجهول” في كتابات وحياة المفكر الفرنسي من خلال نص لفيليب سولرز

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

خلال الحقبة التي أعقبت موت المفكر والباحث الفرنسي رولان بارت في الحادثة المرورية السخيفة وسط باريس عام 1980 فيما كان خارجاً من عمله التدريسي في الـ”كوليج دي فرانس”، كان من بين المآخذ عليه أنه كان قليل الاهتمام بالسينما على رغم امتلائها بشتى أنواع المغريات بالنسبة إلى علم الإشارات والمعاني الذي كرس حياته من أجله فحقق له شهرة عالمية جعلته يوماً من كبار مفكري “النظرية الفرنسية” في العالم كله، ومع ذلك ما انقضى زمن على تلك الملاحظة حتى صدر في فرنسا كتاب يربو عدد صفحاته على 270 صفحة وينطلق تحديداً من عبارة يقول فيها بارت إنه لم يكن أبداً من هواة السينما، بل يستطرد أن أكثر ما يغريه في مشاهدة عرض سينمائي إنما هو خروجه بعد العرض من الصالة وتفكيره في ما شاهده! واللافت أن الكتاب الذي شارك في إنجازه عدد من المفكرين الكبار الضالعين في البحوث السينمائية كما في تراث بارت سواء بسواء، ضم بحوثاً لهؤلاء بالغة الجدية تناولت حضور السينما المرهف في كتابات هذا الأخير، كما أعادت نشر كتابات له حول السينما مستعرضة تعمقه في تناول عدد من أبرز سينمائيي زمنه من بازوليني إلى أنطونيوني وروب – غرييه. والحقيقة أن موضوعنا هنا ليست تلك العلاقة بين بارت والسينما، بل التذكير بأن هذا المفكر الفرنسي الكبير راح يبدو بعد رحيله وكأن فكره الذي احتاج إلى خمسة مجلدات ضخمة كي يجمع في كتب محققة بصورة عميقة – ولا يزال ثمة منه ما هو في حاجة إلى أن يكتشف حتى الآن بعد ما يدنو من 50 عاماً من رحيله، سيبدو في نهاية الأمر أشبه بتلك الدمية الروسية الشهيرة التي كلما كشف المرء عن داخلها سيتبين له أن ثمة على التوالي دمى أصغر تختبئ في ذلك الداخل.

رولان بارت والسياسة

والحال أننا نقول هذا من منطلق همه الوصول إلى موضوعة أخرى غالباً ما أثار “غيابها” تساؤلات حول ما يمكن أن يلفت النظر في ذلك الغياب عن كتابات وربما أيضاً في حياة رولان بارت. وتتفاقم المسألة إن نحن تذكرنا هنا أن بارت قد عاش طوال الربعين الأوسطين من القرن الـ20، أي المرحلة التي شهدت في فرنسا والعالم بأسره أنواعاً متعددة من انخراط الثقافة في السياسة وتمازج هذه الأخيرة بالثقافة ضمن إطار تقاليد فرنسية تعود في الأقل إلى زمن التنوير والثورة الفرنسية، الزمن الذي صنعته الثقافة وربما بأكثر كثيراً مما صنعته الصراعات الاجتماعية. ويقيناً أننا لسنا هنا في حاجة إلى تذكر الفلاسفة والشعراء والكتاب الألمان عموماً والموسوعيين الفرنسيين خصوصاً ولا حتى إميل زولا أو سارتر ولا حتى الوقوف أمام كبار مفكري “النظرية الفرنسية” ومساهماتهم المؤسسة لحركات الشبيبة والممارسات الفكرية النهضوية في القرن الـ20، للحديث عن مقدار التمازج بين الثقافة والسياسة وربما غالباً من موقع متقدم في القرن الماضي وبخاصة في فرنسا. صحيح أن بارت كان صاحب فكر تقدمي لكنه كان أقل احتفالاً واهتماماً بذلك التمازج، حتى وإن كان يطغى مواربة على كل ما يمكننا أن نعثر عليه من توجهات ومواقف في فكره وكتاباته. ومع هذا حتى لئن كان بارت قد وجد نفسه دائماً، وربما تحديداً من خلال كتابته المفعمة بالتحبيذ عن مسرح بريخت وكتاباته بحيث بدا في مرحلة النقد المسرحي المبكرة لديه متبنياً تماماً الثورية البريختية، فإنه في حقيقة أمره بدا دائماً بعيداً من اتخاذ مواقف سياسية واضحة. ومن هنا كان اللاتسييس (الظاهري) مأخذاً كبيراً ثانياً عليه. لكن صديقه فيليب سولرز الكاتب الذي ربما كان الأكثر تسييساً بين أبناء جيلهما المشترك من ثم يعرف تماماً عمَّ يتحدث، ينفي ذلك اللاتسييس نفياً قاطعاً، ليؤكد أن بارت كان مسيساً حتى أعماقه وإن على طريقته الخاصة، وذا مواقف عملية في هذا المجال تعود في جذورها إلى سنوات مراهقته.

بارت ورفاق رحلته في الصين (وسائل التواصل)

 

بارت مشمئزاً في الصين

صحيح أن ذلك كان معروفاً، بيد أن فيليب سولرز أراد أن يتجاوز تلك الإشارة التي قد تبدو مبهمة ولا تخرج عن إطار قولة موريس باريس الشهيرة “ويل لمن لم يكن يسارياً وهو تحت الـ20 إذ يكون بلا قلب. وويل لمن يبقى يسارياً بعد الـ30 فسيكون بلا عقل”، ليؤكد أن خوض بارت السياسة العملية ثم تتبعها بوصفها في خلفية كتاباته جميعاً، لم يكن وفي الموقع اليساري إنما غير الحزبي بالتأكيد، نوعاً من نزوة شباب بل جزءاً مكوناً من شخصيته. والحكاية تتعلق على أية حال في منظور سولرز، بما سيعلق به على فقرة جاءت في السيرة التي كتبتها الأديبة الفرنسية تيفاني ساموايو التي كتبت لبارت بعد رحيله بسنوات واحدة من أفضل السير التي صدرت عنه. فساموايو تقول كم أن بارت وساموايو كانا صديقين مقربين كثيراً جمع بينهما حبهما للأدب والثقافة عموماً بأكثر مما جمع بينهما أي شيء آخر. وهنا يعلق سولرز – الذي كان معروفاً بتسيسه المطلق ونزعته “الماوية” وتحزبه المتحمس لكل ما هو يساري تقدمي في زمن كانت فيه “الماوية” على الموضة قائلاً في نص كتبه في تكريم ذكرى صديقه، يعلق قائلاً: بل “إن المنظور السياسي ومن موقع تقدمي هو ما جمع حقاً بيننا”. وكتأكيد لذلك يذكر فيليب سولرز بتلك الرحلة الشهيرة التي قام بها إلى الصين في عز “ماويتها” عند بداية سنوات السبعين قاد خلالها جمعاً من كبار المثقفين والمبدعين “اليساريين الفرنسيين” كما حرص على أن يؤكد مضيفاً أن رولان بارت انطلق في الرحلة متحمساً حتى أكثر بكثير من روب – غرييه وغيره من رفاقهما في الرحلة.

ولئن كان معروفاً أن بارت بدا مشمئزاً طوال الأيام التي قضوها معاً في بكين وفي مناطق أخرى “فإنه كان يصارحني طوال الوقت بأن اشمئزازه إنما يتأتى من ممارسات السلطات والحزب والرسميين جميعاً ممن تبدو واضحة أخلاقياتهم التي تجعلهم غير جديرين بالشعارات التي تحركهم، بل يبدون على تناقض يكاد يكون فاشياً مع المثل الأعلى الثوري الذي راح يخبرني بارت وفي كل محادثاتنا معاً، بأنه يحمله في أعماقه كما في عواطفه منذ كان مراهقاً يدرس في ثانوية لوي لوغران الباريسية التي كانت معقل فكر عقلاني لم يكن من الضروري أن يكون ماركسياً يسارياً. حتى ولو كنت أنا – أي بارت – ماركسياً متحمساً”.

في وجه الفاشيين

والحقيقة أن تلك الماركسية اليسارية وغير الأرثوذكسية كانت هي التي قادت المراهق الذي كانه بارت ابن الـ19 يومها، أي في عام 1934 وقد كان في الـ19 من عمره إلى تأسيس تنظيم شبابي معاد جذرياً للفكر والممارسات الفاشية التي كانت مستشرية بخاصة في فرنسا بعد نجاح النازيين الألمان الجيران في الاستيلاء على السلطة وحمل هتلر إلى سدة الحكم. ويضيف سولرز أن بارت قد استعاد أمامه وتحديداً وهو يبدي نفوره من السلطات الماوية وممارساتها التي أثارت لديه نفوراً كبيراً، استعاد تلك السنوات “ليؤكد لي أنها هي التي كونته سياسياً ولا تتوقف حتى اليوم عن أن تكون في خلفية كل فكرة تمر في رأسه” وها هو ذا اليوم يستضيء بها تحديداً كي يرفض كلية تلك الممارسات التي تصحبهم وتحصي عليهم أنفاسهم خلال تلك الرحلة الصينية التي كانوا قد انطلقوا فيها بحماس، آملين منها أن تطلعهم على ما كانوا ينظرون إليه بوصفه التجسد الأفضل لـ”الحلم الثوري الاشتراكي الكبير”.

وإذ يشهد سولرز تلك الحماسة التي يتحدث بها صديقه المفكر، عن “حلم بدا واضحاً أنه رافق بارت طوال حياته”، يقر حقاً بأن ذلك كله كان معروفاً ولكن فقط لمن لا يتكاسلون عن القراءة بين السطور، لكنه إذ يصيغه صاحب الأفكار التي تبدو غير سياسية في ظاهرها كجزء أساس من إنتاجه الفكري، يتخذ دلالات أكثر عمقاً في إضاءته على حقيقة تتعلق بالبعد الثقافي الإبداعي، حقيقة تعفي المثقف الواعي والحقيقي من أن يجعل اختياراته السياسية وبعيداً من أن تكون حقاً جزءاً من أيديولوجيا تغييرية، مجرد شعارات يطلقها سيكون من المستحيل العثور عليها في كتاباته وإبداعاته لكنها ستكون بالتأكيد أشد ظهوراً وفاعلية إن اكتشف متلقوه وجودها في صلب كتاباته واختياراته الإبداعية.

المزيد عن: رولان بارتبيار باولو بازولينيمايكل أنجلو أنطونيونيروب – غرييه

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili